الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / استشارات مهنية (10) التعاقد بين المريض والطبيب (والمعالج)

استشارات مهنية (10) التعاقد بين المريض والطبيب (والمعالج)

“يومياً” الإنسان والتطور

9-11-2008

السنة الثانية

العدد: 436

استشارات مهنية (10)

التعاقد بين المريض والطبيب (والمعالج)

استطراد من حالة د. أميمة رفعت:

جاذبية غير مفهومة

 

(سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى التدريبى، وكذلك فإننا لا نرد أو نحاور أو نشرف إلا على الجزئية المعروضة فى تساؤل المتدرب، وأية معلومات أخرى تبدو ناقصة لا تقع مناقشتها فى اختصاص هذا الباب).

مقدمة:

أثارت استشارة الأسبوع الماضى من د. أميمة رفعت ردود فعل هامة ودالة وبعضها تفصيلى، وقد نوهنا فى بريد الجمعة الماضى أننا سوف نفرد نشرة الإشراف هذا الأسبوع ترحيبا بالحوار واستكمالا للرد و التعليق.

د. أميمة رفعت

أشكرك على تناولك استشارتى بكل هذا الكرم، و كالعادة أنارت لى الطريق وأكسبتنى ثقة أحتاجها كثيرا.

 لمعرفتى بسعة صدرك سأطمع فى سؤال آخر…طبعا كما تفضلت واستنتجت أن النظام عندنا  \”نظام هلامى..الخ \”، وما أفعله فى العلاج الجمعى هو فى “لا- إطار”، أى أنه فى مستشفى ليس بها أى نظام يسمح بالقيام بأى علاج نفسى لا فردى ولا جمعى ولا غيره.

 وسؤالى إذن:

هل يمكن أن تعلمنى كيف يكون هذا التعاقد مع المرضى؟

 مثلا: شفهيا ام مكتوبا؟

 كيف تصاغ بنوده تقريبا؟

 وما هو الضمان الذى يلزم المرضى بعدم الإخلال بهذه البنود؟

 وكيف يجدد التعاقد وما المدة اللازمة لتجديده؟

 أسئلتى لا تعنى أننى أستطيع تنفيذ أى شىء من هذا.. فهذا مستحيل. ولكن يمكن أن تلهمنى إجاباتك بما يمكننى تطبيقه فى حدود المتاح لى، و قد ألهمتنى بالفعل كثيرا منذ أن تواصلت معك (حتى لاحظ  ذلك بوضوح المقربون منى).. أشكرك.

د. يحيى:

أذكر بالتقريب يا أميمة، أننى أشرت إلى معظم ذلك من قبل فى النشرات اليومية، إما فى باب الإشراف عن بعد، وإما فى باب استشارات مهنية، لست متأكدا، ولن أراجع الأمر، وسوف أنتهزها فرصة للإعادة والزيادة، لأنها مسألة شائكة وشديدة الأهمية.

ابتداءً أنا أعذرك وأعرف ما يجرى فى بلدنا طولا وعرضا، ولكن بينى وبينك أعذرهم أيضا، فالهلامية أحيانا تكون اضطرارا للتكيف مع هلامية أكبر فأكبر وهكذا،

برغم كل ذلك فإننى أعرف أن كل شىء جائز، بالرغم من أن كل شىء مستحيل، من الممكن أن تفعلى شيئا جيدا ومفيدا (بل عظيما) لك وللناس وسط كل هذا، وأنت وزملائك تفعلون ذلك فعلا.

التعاقد وتحديد العلاقة مكانا وزمنا ووقتا وهدفا هو الذى يجعلنا نمارس الطب، والعلاج، بشكل مهنى ناجح ومفيد،

مهنتنا بالذات تختلط فيها النوايا الحسنة، بالعطف الرخو، بالإشاعات الإعلامية، (طلّع اللى ف قلبك)، بالفتاوى السهلة (على الإنسان أن يكون كويّسا)، بنشاطات ركن الهواة، (المعالجون دون قيود)، وعلى ذلك فهى تحتاج – ربما أكثر من فروع الطب الأخرى–  إلى تحديد وتحديد.

من كتيب قصر العينى

دعينا نبدأ بكتيب قصر العينى الذى كنت مسئولا عن تحريره بمناسبة مرور نصف قرن على إنشاء قسم الطب النفسى فى هذا الصرح التليد، دعينا نقتطف المفاهيم الاساسية (مع توضيحا بسيطة جدا) التى وردت فيه بهذا الشأن وهى متعلقة – نسبيا بالرد على تساؤلاتك.

مفاهيم أساسية:

1) يحتاج العلاج النفسى – مثل كل علاج – إلى اتقاق واضح يحدد الهدف منه، الهدف النهائى (الشفاء) والأهداف المرحلية أولا بأول (مثلا: اختفاء الأعراض، ثم جرعات الوقاية بتعميق البصيرة.. إلخ)

2) تختلف مدة العلاج فى كل حالة وفى كل مرحلة.

3) مع انتهاء كل مرحلة يعاد التعاقد لتحديد أهداف المرحلة التالية.

4) يجرى كل ذلك بشكل شفهى، وأحيانا غير مباشر.

5) يتبع فى العلاج النفسى ما يسمى “النموذج الطبى الممتد” (النموذج الطبى الحقيقى) من حيث استمرار مسار “النمو”، “وهضم” المعلومات، “وجبر” المكسور واستعادة “النبض الحيوى الخلاق”.

6) تستعمل العقاقير مع العلاج النفسى، لكنها تقل تدريجيا مع التقدم حتى الشفاء.

7) لا يستثنى من فرصة العلاج النفسى أى تشخيص إلا إن كان غير قادر (هو أو أهله) على الانتظام، وعلى الكلام، (وإن كانت بعض حالات الكاتاتونيا قد انتظمت فى العلاج الجمعى – بانتظام الأهل – دون كلام ستة أشهر، ثم تكلمت قرب انتهاء العام،  وهى فى طريقها للشفاء الآن[1].

8) يرتبط العلاج النفسى بفهم مجتمع المريض العام والخاص، وحذق لغته بأكبر قدر من التنوع.

إضافة بعض التفاصيل للإجابة

والآن، يمكن أن أضيف بعض المعالم التفصيلية عن ما يسمى التعاقد وإعادة التعاقد، وهو ما أرى أنه يجرى فعلاً حتى لو لم نعلق عليه هذه اللافتة نسميه تحديدا باسم “التعاقد”،

 وإليك موجزاً شديدا لبعض ذلك:

أولا: على مستوى العيادة الخارجية:

يختلف التعاقد على مستوى العيادة الخارجية عنه على مستوى المستشفى الداخلى كما يختلف حسب نوع المستشفى، وخاصة أن أغلب المستشفيات النفسية والعقلية هى مستشفيات مغلقة مهما زعمنا غير ذلك.

1) مجرد أن يحضر المريض ليستشير الطبيب، فهذا إعلان أن ثمة اتفاقا بدأ :  بين “طالب حاجة” و”صاحب مهنة”

2) يمثل دفع الأجرة (الفيزيتة: فى حالة القطاع الخاص) تأكيدا لهذا التعاقد بشكل خاص، كما يمثل قطع تذكرة لها رقم مسلسل بعد الوقوف فى طابور صعب، تأكيدا مقابلا لهذا التعاقد على مستوى العلاج الحكومى (إن وجد!!).

3) يترتب على هذا التعاقد تلقائيا أن يقوم كل متعاقد بدوره بشكل يمنع (أو يخفف من) أن تبدو المسألة مجرد صداقة، أو دردشة، أو حل مشاكل، أو تطييب خاطر..إلخ، ويتضمن ذلك إعلان هدف التعاقد، ويستحسن – ما أمكن ذلك– استدعاء هذا الهدف إلى الوعى الظاهر عمدا، بصورة أو بأخرى. كثيرا ما أسال مريضى – ومن أول لقاء – ماذا كنت  تنتظر منى أن أقدمه لك حين قررت الحضور لاستشارتى (وأحيانا أسأل الأهل نفس السؤال) ويندهش المريض (والأهل) وقد يجيب أو لايجيب، فأزيد الأمر وضوحا: هل أنت تنتظر منى، مثلا:  حبوبا، أم كلاما، أم نصائحا، أم ماذا؟ ثم إنى أنبهه أن هذه الأسئلة قد تكون مفيدة حتى لفسخ العقد أو عدم تحريره أصلا، لو أننا تبينا أنه جاء إلى المكان الخطأ، وأننى لست الشخص المناسب لتحقيق هدفه غير الموجود فى هذا المكان. (يتم هذا بطرق مختلفة طبعا، ومع ذلك فغالبا ما يمكن أن يجرى هكذا ومن البداية فى كثير من الأحوال).

4) إذا تجاوز التعاقد على مستوى “العيادة الخارجية” مجرد التوصيف (أو التشخيص) كما تجاوز النصح بتناول عقار معين، والعودة لاستشارة محددة، إذا ما انتقل الأمر إلى النصح بالتردد بانتظام للعلاج، سمى هذا عادة: علاجا نفسيا (وأحيانا: التأهيل)، ومن هنا يحتاج الامر إلى بنود أخرى فى التعاقد  للتوضيح (كل ذلك مشافهة عادة، (ويكون  الشهود هم الاهل عادة أيضا).

5) تحدد الجلسات الفردية بالحضور مرة أسبوعيا عادة، لمدة خمسين دقيقة كل جلسة، فى وقت محدد، دون انتظار الدور.

وعلى مستوى العيادة الخاصة يحدد المقابل المادى، وهو عادة – فى خبرتنا– مقابل متغير حسب القدرة المالية وكرم أخلاق الطبيب أو المعالج.

 وعادة لا تحدد المدة اللازمة للعلاج إلا بالتقريب، أو بالنسبة للمرضى الذين يحضرون خصيصا للعلاج من الخارج (العرب مثلا فى القطاع الخاص، فظروفهم الواقعية تلزم بتحديد المدة أحيانا بأسابيع على الأكثر).

6) تحدد الأهداف العامة، بطريقة تقريبية (الشفاء والعودة للحياة الطبيعية) ولكن يتضمن العقد أهدافا غير معلنة إلا تعلن فى البداية إلا نادرا، مثل اضطراد النمو ومنع النكسة.

7) فى جميع الأحوال تتحدد الأهداف المتوسطة أولا بأول وحسب أولوياتها العملية، ونعنى بالأهداف المتوسطة: تحقيق خطوات متتالية لها معايير محددة، على مسار العلاج. إن تلك الأهداف البسيطة المتواضعة هى أهم كثيرا من اللافتات العامة مثل: عايز أستريح، عايز اخف، عايز أبقى أحسن، عايز ارجع زى زمان، مع احترام كل ذلك، كل هذه أهداف آملة، وليست أهدافا واقعية عملية محددة المعالم.

8) يتجدد العقد (مشافهة دائما للتذكرة) أولا بأول مع استمرار العلاج وتحقيق كل هدف متوسط للانتقال إلى الهدف التالى، من بين الأهداف المتوسطة الشائعة الجيدة: العودة إلى العمل، العودة إلى بيت الزوجية (أو حسم الأمر نهائيا)، الخروج من الإنغلاق فى حجرة منعزلة لأيام أو أسابيع،

(وفى خبرتى لا يمثل الحرص على زوال الأعراض هدفا له أولية خاصة  بالضرورة)

9) إن مجرد استمرار حضور المريض فى مواعيده هو فى ذاته تجديد للعقد تلقائيا.

10) بعد مدة تحدد مسبقا أو لا تحدد، (لا تزيد عادة عن بضعة أسابيع)، يعاد النظر فى العقد بناء على ما وصل إليه المعالج والمريض (وهذا هو ما يسمى إعادة التعاقد، دون إعلان عادة، ودون كتابة)، ويمثل الأهل فى كثير من الأحوال شهود العقد، وأحيانا يقومون – ضمنا ومجازا- بدور الضامن لتنفيذ بنود العقد (دون شرط جزائى إلا فسخ العقد – فى مصر على الأقل!!).

 11) قد يعاد التعاقد قبل ذلك، مرة أو أكثر، كلما حدثت ظروف طارئة، أو ظهرت معلومات جديدة تستدعى ذلك.

12) يعلن انتهاء التعاقد إذا تحققت الأهداف من ناحية أو إذا فشل العقد فى تحقيق أهدافه  تماما،

وفى هذه الحالة الأخيرة، غالبا ما يكون مجرد انقطاع المريض هو إعلان  على فسخ العقد، لانتهاء مدته التقريبية  دون تحقيق أهدافه.

13) بالنسبة للعلاج الجمعى – على مستوى العيادة الخارجية أيضا – كنت فى البداية (1971- …) أصر أن أعلن شروط العقد مرة وأكثر فى أول جلسة واكررها فى الثانية والثالثة على الأقل:

(أ) ساعة ونصف (90 دقيقة) أسبوعيا (نخصص منها آخر خمس دقائق للأسئلة بعيدا عن قواعد الجلسة نفسها، ولتنظيم الأدوية.

(ب) تعقد الجلسة فى نفس المكان.

(ج) فى نفس الميعاد (بالدقيقة وليس بالتقريب)

(د) لنفس المدة (85 دقيقة) 

  • كنت أعلن من البداية وبشكل حاسم أن هذا النوع من العلاج (الجمعى) يسعى إلى، أو يرحب باحتمالات التغيير بشكل او بآخر، فعلى كل واحد – ومن البداية- من المشاركين المرضى، والمتدربين الأطباء، أن يعرف ذلك، وأن أى تغيير يطرأ على أى واحد،  هو مسئول عنه تماما، سواء كان تغيير فى الفكر، أو فى المعتقد، أو فى العلاقات بما فى ذلك العلاقة الزوجية… الخ.
  • بمرور الزمن، ومع صعوبة تطبيق كيف تكون المسئولية التى أشرت إليها فى الفقرة السابقة، تراجعت عن إعلان هذه الشروط هكذا، بعد أن ثبت استحالة تطبيقها عمليا، برغم أننا نشير إليها أثناء العام كلما لزم الأمر
  • العلاج الجمعى الذى يجرى فى قصر العينى هو علاج محدد المدة لكل مجموعة: سنة واحدة لا تزيد (زادت استثناء مرة واحدة خلال العشرين سنة الماضية، لأسباب علمية أساسا، وكثير ما ننبه بالألفاظ أن السنة = 52 أسبوعا يخصم منها الأجازات الرسمية فقط)
  • انتظام المريض (أو أهله) فى الحضور طواعية كل جلسة هو الدليل على تجديد العقد وتأكيده باستمرار.
  • بعد انتهاء العام، من حق المريض، وأحيانا يطلب منه إلزاما، أن يتردد على العيادة الخارجية للمتابعة، ونادرا ما تنقلب المتابعة إلى علاج فردى تسرى عليه نفس شروط التعاقد السالفة الذكر.

ثانيا: على مستوى القسم الداخلى أو المستشفى النفسى (العقلى)

أعلم يا أميمة أن كل ما سبق يكاد لا يصلح للإجابة على أسئلتك، لأنك تمارسين خبرتك فى مستشفى عام، مغلق غالبا، وأظنك تذكرين أننى كنت أتعجب من حديثك عن العلاج الجمعى بالصورة التى جاءت فى معظم استشاراتك السابقة قبل هذه، وبقدر ترحيبى به، كان ومازال غامضا، حيث اننى أمارس العلاج الجمعى على مستوى العيادة الخارجية، التى يتم فيها التعاقد، ويتأكد الاختيار كل أسبوع تقريب.

الأمور فى المستشفى تختلف من حيث متغيرات كثيرة، لا يمكن أن أسردها هنا، خاصة من الناحية القانونية التى يدور حولها الآن لغط كثير، أغلبه بحسن نية، وكثير منه بغفلة عن الفروق الثقافية وواقع الممارسة، كل هذا اللغط يجرى تحت عنوان “قانون الصحة النفسية الجديد”، وكأنه تحديث حقيقى للقانون الجيد القديم الذى مضى عليه أكثر من نصف قرن وهم يتصورون أنهم يحدثونه، مع أن هذا القانون القديم كان شديد الحبكة والالتزام حيث عامل تخصص الطب النفسى مثله مثل أى تخصص آخر، فتركه يتنظمه كل آداب وسلوك وقوانين مهنة الطب عامة، وقصر اختصاصه على فئة محددة من المرضى العقليين، وهى الفئة  التى تضطر أن تعالج برغم إرادتها حفظا على سلامتها أوسلامة المجتمع،.

كل الجارى هذه الأيام كما تعلمين يضع نصب أعينه نسْخ نموذج من ثقافة مغايرة، وينسى الثقافة الشفاهية التى نعيشها طولا وعرضا، والتى هى برغم تخلفها عن الثقافة الكتابية، إلا أنها أقرب إلى العرف المفيد للمريض غالبا. يتصدى مشروع القانون الجارى إعداده لتنظيم المستشفيات بوجه خاص، ولا ينتبه أصلا إلى كل الممارسات غير الطبية التى تجرى تحت سمع وبصر السلطات فى وزارة الصحة (ووزارة الداخلية!!) دون رقيب أو محاسبة، المهم ليست هذه مناسبة لمنافشة هذا القانون، فقد أمضيت عاما وبعض عام أنبه إلى خطورة دفن الرؤوس فى الرمال أثناء إعداد القانون، وذلك لعدم إدراك الهوة الشاسعة بين الأمل المنقول من ثقافة أخرى، واحتياجات مرضانا على أرض واقعنا، واحترام التزامات أطبائنا التى هى إيجابية فى الأغلب،  صحيح أن هناك ممارسات متجاوزة، لكن القانون وحده ليس هو الوسيلة لتصحيحها على حساب المرضى بشكل أو بآخر.

مضطر أنا أن أؤجل الرد التفصيلى على تساؤلاتك الباقية، وخبرتك العنيدة، إلى الأسبوع القادم، لأننى اكتشفت أننى قمت بكتابة ما قد يكون ردا تفصيليا على تساؤلاتك، وهو ما يمثل وجهة نظر ثقافية  أشمل،علما بأنها ليست بديلا عن القانون الجديد أو القديم، لكنها كانت محاضرة ألقيتها بدعوة من الإبن د. إيهاب الخراط فى منتجعه “الحرية” فى وادى النطرون، على مجموعة من المتدربين لديه أغلبهم من الاجانب، تعمدت أن أؤكد  فيها على الفروق الثقافية، وقد وجدت الآن أن أيجازها هنا قد يبين لك الأسس الثقافية التى تلزمنا بالنقد وإعادة النظر بما يفيد مرضانا ويسهل مهمتنا.

أرجو أن تجدى يا أميمة فى هذه الورقة معالم تبين حقيقة ما يجرى، وليس بالضرورة إمكانية تنظيمه قانونا، فهذا الأمر يحتاج لجهود مسئولة أخرى.

أما وقد طال الرد هكذا، فلزم تأجيل مناقشة التعقيبات، فلعل ذلك يتيح لنا فرصة أرحب للتعقيب على حالتك، بشكل أدق، وربما يصلنا منك فى هذه الأثناء بعض التوضيحات الضرورية لما جاء فى تساؤلاتى فى الرد الأول الأسبوع الماضى، وأيضا توضيح كاف عن تفاصيل العلاج الجمعى الذى تقومين به وتشارك فيه هذه المريضة وغيرها فيه، وعن طرق التأهيل الأخرى الجارية فى المستشفى لهذه المريضة وغيرها.

ثم إنه قد تتاح فرصة أكبر لمشاركين أكثر، فكل ما عندنا من تعقيبات على هذه الحالة – برغم أهميتها– هو تعقيبات موجزة من الأصدقاء، مدحت منصور، ومحمد المهدى، ورامى عادل، ثم تعقيب مفصل جدا من الصديقة  أمل محمود.

الحالة تثير قضايا علمية مهمة للأسوياء والمرضى على حد سواء، كما تثير قضايا علاجية عملية أيضا، وربما تحتاج إلى مشاركة أوسع، حتى أنت يا د. أميمة، لم تعقبى على بعض ملاحظاتى بما يزيد الأمور وضوحا، حتى يتسنى لى رد أشمل وأكثر فائدة، ربما.

آمل أن نعرض يوم الأحد القادم التعقيبات التى لدينا الآن بالإضافة لما يمكن أن يصلنا علما بأن النشرة الأولى كانت يوم الأحد الماضى (نشرة استشارات مهنية 9 “جاذبية غير مفهومة”)

****

الملحق

الفروق الثقافية ومستويات ‏التعاقد‏

‏فى ‏الممارسة‏ ‏الطبنفسية

 تنبيهات أولية

  • هذه الورقة هى مقتطف بتصرف وتعريب، من محاضرة ألقيتها منذ أكثر من عشرة سنوات، ألقيتها أولا بالإنجليزية، على دارسين أغلبهم أجانب، فى منتجع الحرية فى وادى النطرون لعلاج وتأهيل الإدمان بدعوة من الإبن إيهاب الخراط ويمكن الرجوع إليها فى صورة شرائح Power Pointعلى الموقع (العوامل الثقافية والأخلاقية فى التعامل العلاجى مع المريض النفسى والمدمن).
  • فهى ليست لها علاقة مباشرة بالمناقشات الجارية حول مشروع  قانون الصحة النفسية الجارى إعداده
  • ومن الناحية العملية، أعتبرها ضمن مقدمة الرد على تساؤلات د. أميمة رفعت

نص الموجز:

إذا‏ ‏كنا‏ ‏حقيقة‏ ‏نسعى ‏إلى ‏فهم وتنظيم وتعميق ممارسة واقعية مسئولة  لما ‏يسمى ‏الطب‏ ‏النفسى ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏نبحث‏ ‏عن‏ ‏ما‏ ‏يميز ثافتنا، ‏ ‏ولا‏ ‏نكتفى ‏بأن‏ ‏ننقل‏ ‏شرائع‏ ‏غيرنا حرفيا، سواء كنا قادرين على تطبيقها أم لا، سواء كانت تلائمنا أم لا.

محاذير:

ثمة محاذير أولية ينبغى أن نضعها فى الاعتبار ونحن نفعل ذلك، ومن أهمها:

‏إن‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏لتنظيم الطب وغيره فى العالم المتقدم، ‏هو‏ ‏مستوحى ‏من‏ ‏مفاهيم‏ ‏غربية‏ (‏وشمالية‏) ‏يغلب‏ ‏عليها‏ ‏قيمها‏ ‏الخاصة‏ ‏التى ‏تصنف عادة تحت ‏ما‏ ‏يسمى ‏وثائق‏ ‏حقوق‏ ‏الإنسان‏ ‏وحقوق‏ ‏الطفل‏ ‏وحقوق‏ ‏المرأة‏، ‏وكلها‏ ‏وثائق‏ ‏تحتاج نقدا ومراجعة من منظور ثقافى مسئول، ومن ذلك  (مما يحتاج إلى نقد):

‏1– ‏إن‏ ‏العقد‏ ‏المكتوب‏ ‏هو‏ ‏الأصل‏.‏

‏2- ‏إن‏ ‏التعامل ‏ ‏بين‏ ‏الناس‏ ‏يخضع للنص وضعى، ‏ ‏أكثر مما يخضع لالتزام ‏ ‏دينى ‏أو‏ ‏أخلاقي ‏.‏

‏3- ‏إن‏ ‏الدولة‏ ‏أقدر‏ ‏على ‏حفظ‏ ‏حق‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏على ‏بعضهم‏ ‏البعض‏، ‏وحتى ‏من‏ ‏الأهل‏ ‏على ‏أبنائهم‏.‏

‏4- ‏إ‏ن ‏الحرية‏ ‏الظاهرة‏ (‏المتمثلة‏ ‏فى ‏حرية‏ ‏التعبير‏ ‏وحرية‏ ‏الانتخاب‏ ‏مثلا‏) ‏هى ‏كل‏ ‏مظاهر‏ ‏الحرية‏ ‏التى ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نهتم‏ ‏بها‏.‏

‏5- ‏إ‏ن ‏القانون‏ ‏الفردى ‏الخاص‏، ‏وكذلك‏ ‏قانون‏ ‏الجماعات‏ ‏الخاصة‏ ‏يستحصن ‏إنكاره‏ ‏ابتداء‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏فاعلا‏ومفيدا

لكن ثم تحذير وتخوف مبدئيين، وهو أن نتشنج اختلافا لمجرد الاختلاف أو التباهى.

 إن علينا أن‏ ‏نحدد‏ ‏من‏ ‏نحن‏ ‏الذين‏ ‏نراجع‏ ‏ماذا،

وأن نبحث عن ما ‏ ‏يميزنا‏ ‏ليس تفوقا وإنما واقعا،

 وأفضل ‏سبيل‏ ‏إلى ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏هو أن نبدأ ‏ ‏بتحديد ‏ ‏بعض‏ ‏المفاهيم‏ ‏الإنسانية‏ ‏على ‏الوجه‏ ‏التالي‏:‏

‏1- ‏لا يجوز أن نختزل ثقافتنا بأن نكتفى بأن نندرج تحت مسمى‏ ‏العالم‏ ‏الثالث‏ ‏أو‏ ‏العالم‏ ‏النامى ‏أو‏ ‏العالم‏ ‏المتخلف‏ – ‏رغم‏ ‏أننا قد ‏ ‏تشترك‏ ‏مع‏ ‏كل‏ ‏هؤلاء‏ ‏فى ‏درجة ما من ‏ ‏التخلف‏ ‏التقنى ‏أو‏ ‏المدني‏.‏

‏2- إن ‏اللغة‏ ‏العربية‏ ‏بما‏ ‏تحمل‏ ‏من‏ ‏وعـى ‏خاص‏، ‏ونبض‏ ‏متميز‏ ‏هى ‏أصل‏ ‏فى ‏تشكيل‏ ‏العقل‏ ‏العربى.‏

‏3- إن الشرائع الدينية، ‏ليست‏ ‏بالضرورة نصا‏ ‏وصفيا تفصيليا‏، ‏ولا‏ ‏هى ‏كتاب‏ ‏قانون مستقل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يقارن‏ ‏بقانون‏ ‏آخر‏ ‏فى ‏باب‏ ‏القانون‏ ‏المقارن‏، ‏ولكنها‏ ‏أصلا: منهج‏ ‏حياة‏ ‏تبدأ‏ ‏من‏ ‏تحديد‏ ‏علاقة‏ ‏الفرد‏ ‏بربه‏، ثم بأفراد نوعه، ثم بالطبيعة،  ‏ليس‏ ‏فى ‏أماكن‏ ‏العبادة‏ ‏فحسب‏ ‏وإنما‏ ‏أساسا‏ ‏فى ‏الفعل ‏ ‏اليومى ‏والمعاملات‏.‏

‏4- ‏الشفاهية فى ثقافتنا‏ ‏أصل‏ ‏فى ‏التعامل‏، ‏قد‏ ‏تدعمها‏ ‏الكتابية‏ ‏وقد‏ ‏لا‏ ‏تدعمها‏.‏

‏5- ‏التعاقد‏ فى مثل مجتمعنا  ‏يتم‏ ‏بالقول‏ ‏أو‏ ‏الفعل‏ ‏أو‏ ‏التقرير‏، ‏أو بكل ذلك، وليس فقط ‏ ‏بالكتابة ‏.‏

‏6- ‏القانون‏ ‏الفردى ‏(الداخلى والخارجى) ينبغى ‏تنميته‏ ‏إلى ‏أقصى حد،‏ ‏لأنه‏ ‏جزء‏ ‏لا‏ ‏يتجزأ‏ ‏من‏ ‏القانون‏ ‏العام‏ ‏ومن‏ ‏الشريعة‏ ‏المتكاملة‏ (‏بل‏ ‏الإنسان‏ ‏على ‏نفسه‏ ‏بصيرة‏ ‏ولو‏ ‏ألقى ‏معاذيرة‏).‏

‏7- ‏أطراف‏ ‏العلاقة‏ ‏فى ‏التعاقد‏ ‏ليسا‏ ‏طرفين فقط‏، ‏فالطرف‏ ‏الثالث‏ ‏دائما‏ ‏هو‏ ‏المجتمع‏ (‏العلانية‏ ‏فى ‏إعلان‏ ‏الزواج‏ ‏مثلا، وهى تتأكد بالدف والمزمار أكثر من الورقة) ‏والأهل هم ‏ ‏أقرب‏ ‏أطراف‏ ‏التعاقد‏. ‏ومعنى ‏أن‏ ‏المجتمع‏ (‏بما‏ ‏فيه‏ ‏الأهل‏) ‏هو‏ ‏طرف‏ ‏ثالث‏ ‏فى ‏التعاقد‏ ‏هو‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يقوم‏ ‏فقط‏ ‏بدور‏ ‏الشهادة‏، ‏وإنما‏ ‏يشترك‏ ‏فى ‏التعاقد‏ ‏الفعلى، ويعمل متعاونا على تنفيذ العقد ‏.‏

‏8- ‏يدخل‏ ‏الله‏ ‏سبحانه‏ ‏طرفا‏ ‏محوريا‏ ‏فى ‏كل‏ ‏تعاقد‏ ‏أيا‏ ‏كان، سواء أعلن ذلك بالألفاظ، أم جرى بالممارسة.

‏9- ‏العقوبة‏ ‏فى ‏الإخلال‏ ‏بالعقد‏ (مكتوبا أو غي مكتوب)  ‏لها‏ ‏مستويات‏ ‏متصاعده قد يكون الدولة – فى مجتمعنا-  ‏هى آخرها، ليست بالضرورة أولها، ‏

‏ ‏فالعقوبة‏ ‏تبدأ‏ ‏بالفرد‏ ‏مع‏ ‏نفسه ‏، ‏ثم‏ ‏بالمجتمع‏، ‏ثم‏ ‏من‏ ‏صاحب‏ ‏الحق‏ (‏القصاص‏) ‏ثم‏ ‏إذا‏ ‏فشل‏ ‏الجميع‏ ‏تدخلت‏ ‏الدولة‏ ‏لتفرضها باجتهاد محدود،

10 – يتوقف تدخل الدولة على هيبتها، وقدرتها على تطبيق العدل على الجميع، وليس على فئة دون الأخرى، فهى، مثلا فى حالتنا هذه، لا تقوم بتنفيذ القانون، بل ولا تستطيع تنفيذه، على الممارسات العلاجية غير الطبيةأصلا.

‏11- المفروض أن ‏القوانين‏ ‏عوامل‏ ‏مساعدة‏ ‏لتنمية‏ ‏الفطرة‏ ‏البشرية‏، ‏وتعميق‏ ‏الشريعة‏ ‏الدينية‏، ‏ولكنها‏ ‏ليست‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏أى ‏منهما‏.‏

‏12- ‏العقد‏ ‏ليس‏ ‏نهائيا‏، ‏ولا‏ ‏جامدا‏، ‏ولا‏ ‏ثابتا‏، ‏لكنه‏ ‏اتفاق‏ ‏متغير‏ ‏بتغير‏ ‏الظروف‏، ‏مثل‏ ‏ظهور معلومات‏ ‏جديدة‏ ‏أو‏ ‏اختفاء‏ ‏الضرورة إليه، ‏أعنى انتهاء مرحلة كان لازما فيها لزما مطلقا..، والعرف والقانون ينظمان قواعد التغير والتغيير.. إلخ.

بعض ملامح التطبيقات‏ ‏العملية‏ ‏فى ‏الطب‏ ‏النفسى (فى ثقافتنا)

أولا‏: ‏أطراف‏ ‏التعاقد

أ- ‏الأطراف ‏الرسمية‏ الظاهرة  ‏(يمكن أن تكون مكتوبة، وعادة ليست كذلك) ‏‏

طرف‏ ‏أول‏:

 ‏الطبيب‏ ‏هو‏ ‏إنسان‏ ‏مجاز‏ ‏بشهادة‏ ‏علمية‏ ‏عامة‏، ‏من‏ ‏معهد‏ ‏طبى ‏معترف‏ ‏به‏، ‏ثم‏ ‏بشهادة‏ ‏علمية‏ ‏أو‏ ‏خبراتية‏، ‏من‏ ‏معهد‏ ‏أو‏ ‏نقابة‏ ‏تتيح‏ ‏له‏ ‏ممارسة‏ ‏التخصص‏.‏

هذا‏ ‏هو‏ ‏المستوى ‏الأول‏ ‏المكتوب‏ ‏فى ‏أوراق‏ ‏رسمية‏.‏

طرف‏ ‏ثانى‏:

المريض‏ ‏هو‏ ‏شخص‏ ‏فى ‏أزمة‏، ‏أو‏ ‏فى ‏ألم‏، ‏أو‏ ‏يعانى إعاقة‏، وهو ‏يحتاج‏ (‏أو‏ ‏يعتقد‏ ‏أنه‏ ‏يحتاج‏) ‏إلى ‏شخص‏ ‏آخر‏ ‏أقدر‏ ‏وأعلم‏ ‏يساعده‏ ‏على ‏إجتياز‏ ‏أزمته‏ ‏أو‏ ‏تخفيف‏ ‏آلمه‏ ‏أو‏ ‏تجاوز‏ ‏إعاقته‏، ‏وهو‏ ‏يذهب‏ – ‏أو‏ ‏يذهب‏ ‏به‏ – ‏غالبا‏ (‏أو‏ ‏أحيانا‏) ‏إلى ‏الطبيب‏ ‏المؤهل‏ ‏للقيام‏ ‏بهذا‏ ‏الدور‏، ‏أو‏ ‏إلى ‏من‏ ‏يقوم‏ ‏مقامه‏.‏

طرف‏ ‏ثالث‏:

 ‏الأهل‏ ‏-‏ ‏خاصة إذا كانوا هم الذين أقنعوا  ‏المريض‏ ‏بالذهاب‏‏ ‏لإستشارة‏ ‏وطلب‏ ‏معونة‏ ‏الطرف‏ ‏الأول‏.‏

طرف‏ ‏رابع‏:

 ‏الدولة‏ ‏التى ‏تنظم‏ ‏هذه‏ ‏العلاقة‏ فى قوانين ولوائح (تقدر أو لا تقدر على تطبيقها)

ب: الأطراف‏ ‏الخفية‏ ‏الفاعلة‏ ‏

‏(‏غير‏ ‏المكتوبة‏ ‏بالضرورة‏، لاستحالة ذلك برغم أولوية فاعليتها‏)‏

‏1– ‏الجوانب‏ ‏الأخرى ‏للطبيب‏:‏

من‏ ‏حيث‏ ‏رؤيته‏، ‏وبصيرته‏ ‏وتناسب‏ ‏خبرته‏ ‏مع‏ ‏حجم‏ ‏أزمة‏ ‏الذين يستشيرونه‏، ‏ثم مدى تحيزه‏، ‏وتعصبه‏، ‏وتدينه‏ ‏وإيمانه‏.، وتأثره بالدعاية، وشركات الدواء، ودرجات استسهابه، وأولوية الدفاع عن نفسه قبل مصلحة المريض (أنظر بعد)..إلخ

2- ‏الجوانب‏ ‏الأخرى ‏للمريض‏:

‏من‏ ‏حيث‏ ‏مساحة‏ ‏ثقافته‏، ‏ووعيه‏ ‏وقدرته‏ ‏المادية‏، ‏ودرجة‏ ‏تحضره‏، ‏ودرجة‏ ‏تدينه‏، ‏وإيمانه‏ ‏وإرتباطه‏ ‏بثقافته‏ ‏وبدينه‏.، وعلاقته الظاهرة والخفية بأهله..إلخ

3– ‏الجوانب‏ ‏الأخرى ‏للأهل‏:

‏من‏ ‏حيث‏ ‏الوعي‏، ‏ومدى حرصهم على شفاء المريض، أو استمرار مرضه، وإحتمال‏ ‏استعمال‏ ‏المريض‏ ‏- لا شعوريا – بديلا‏ ‏عنهم‏، ‏والمصالح‏ ‏الخفية‏ ‏والمعلنة فيما بينهم‏.‏

4– ‏الجوانب‏ ‏الأخرى ‏للدولة‏:

‏من‏ ‏حيث‏ ‏قدرتها‏ ‏الفعلية‏ ‏على ‏تنفيذ‏ ‏القانون‏، ‏والقيام‏ ‏بدور‏ ‏البديل‏ ‏عن‏ ‏الأسرة‏، ‏وتقديم‏ ‏التأمين‏ ‏والعون‏ ‏الكافيين‏.‏

5– ‏التداخلات ‏ ‏القضائية‏ (‏المحامون‏):

‏وهم فئة مهنية لها مهاراتها الخاصة أيضا، ولها مرجعيتها المكتوبة أساسا  _مبدأ الشرعية) وهى تقف عادة ‏ ‏فى “‏حالة‏ ‏إنتظار” (ستاند باى) ‏ ‏لتحقيق‏ ‏مصالحها‏ ‏الخاصة‏ ‏ ‏ (‏بجوار ما تعلنه من محاولة الحماية والمساعدة) وذلك بأن تتصيد‏ ‏الأخطاء‏ (من الأوراق أساسا)، ثم خذ عندك !!!‏.

 ‏ملحوظة: إن تدخل‏ ‏هذا‏ ‏الطرف‏ ‏قد‏ ‏أدى ‏بالأطباء‏ ‏الذين‏ ‏يمارسون‏ ‏الطب‏ ‏فى ‏بلاد‏ ‏ ‏أكثر‏ ‏تحضرا (هكذا نصنفها) ‏، ‏أدى ‏بالأطباء ‏ ‏أن‏ ‏يمارسوا‏ ‏ما‏ ‏أصبحوا‏ ‏يسمونه‏ “الطب‏ ‏الدفاعي” ‏وهو‏ ‏تعبير‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏المعنى ‏الذى ‏تبادر‏ ‏إلى ‏ذهنى ‏أول‏ ‏ما‏ ‏سمعته‏ ‏بما‏ ‏يقابل‏ “الطب‏ ‏الوقائي”، ‏بل هو يشير إلى أن ‏ ‏همهم‏ ‏الأول أثناء الممارسة هو يضمنوا الدفاع عن أنفسهم ضد أى اتهام أو تقصير، حتى لو تم ذلك على حساب مهمتهم الأساسية وهى إنقاذ المريض وعلاجه، إن ما يسمى “الأعمال الورقية” (أى استيفاء ما يصد عن الطبيب  أى اتهام يمكن أن تثبته الأوراق، لا الواقع)، هذا الموقف الدفاعى  قد أصبح شغلهم الشاغل على حساب كل ما عداه، حتى مهمة العلاج، أصبحوا فعلا – معذورين- يقفون فى موقف “دفاعي‏”يحميهم‏ ‏ويؤمنهم (ولهم كل الحق)، وذلك، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يفكروا‏ ‏فى ‏مساعدة‏ ‏مرضاهم‏ ‏بما‏ ‏ينبغى ‏ويتحتم‏،

 وقد ترتب على كل ذلك أنهم  ‏أصبحوا‏ ‏آلات‏ ‏تنفيذية‏ ‏لمحاذير‏ ‏ومعطيات‏ ‏شبه‏ ‏علميه‏، ‏تخدم‏ ‏مصالح‏ ‏ظاهرة‏ ‏وخفية‏ ‏دون‏ ‏النظر‏ ‏إلى ‏حقيقة ‏ ‏احتياج‏ ‏المريض‏ ‏أؤ‏ ‏قياس‏ ‏تقدمه‏ ‏الواقعى ‏بمقاييس‏ ‏إنسانيه‏ ‏نمائية ‏ ‏جادة (فى الطب النفسى خاصة)‏، أصبح أهم شىءعندهم  هو تمام شكل الأوراق ،وإسكات المريض عن الشكوى والسلام، يسكت‏ ‏المريض‏ (‏بالدواء‏ ‏أو‏ ‏بغيره‏)، ‏ويكسب‏ ‏صاحب‏ ‏الدواء‏، ‏ويضمن الطبيب براءته إذا ما حوكم، وتننتعش خزائن شركات التأمين والمحامين وشركات الدواء، ولكنه بالتعاقد المكتوب جدا، ثم بعد كل ذلك ننظر فى جوهر مصلحة المريض الفعلية

6- ‏شركات‏ ‏الدواء‏:

‏مخطئ ‏من‏ ‏يظن‏ ‏أن‏ ‏شركات‏ ‏الدواء‏ ‏لا‏ ‏تتدخل‏ ‏مباشرة‏ ‏فى ‏العقد‏ ‏بين‏ ‏الطبيب‏ ‏والمريض‏، ‏حتى ‏يكاد‏ ‏يحس‏ ‏الطبيب‏ ‏الأمين‏ ‏مع‏ ‏علمه‏، ‏الحاضر‏ ‏مع‏ ‏ربه‏، ‏المسئول‏ ‏عن‏ ‏مريضه‏، ‏يكاد‏ ‏يحسها‏ ‏وهى ‏تجلس‏ ‏دائما‏ ‏فى ‏المقعد‏ ‏الرابع،‏ ‏أو ‏حتى ‏وهى ‏تمسك‏ ‏بقلمه‏ ‏وهو‏ ‏يكتب‏ ‏الوصفة‏ ‏الطبية‏، ‏ومسألة‏ ‏الأبحاث‏ ‏العلمية‏ ‏التى ‏تثبت‏ ‏فاعلية‏ ‏هذا‏ ‏العقار‏ ‏أؤ‏ ‏تنفى ‏ذلك‏، أو ترصد أعراض الأدوية الرخيصة دون الأدوية الجديدة الباهظة الثمن (مئات الأضعاف) التى لم تختبر، كل هذ مسائل لم تعد فوق مستوى الشبهات للأسف، وهى تمثل طرفا خفيا فى التعاقد بشكل أو بآخر.

7- ‏الله‏ ‏سبحانه‏:

‏عند‏ ‏المؤمنين‏ (‏متدينين‏ ‏وغير متدينين‏):  ‏يحضر‏ ‏الله‏ ‏طرفا‏ ‏أساسيا‏ ‏فى ‏أى ‏عقد‏ ‏مكتوب‏ ‏أو‏ ‏شفاهى‏، ‏(العهد عهد مين: عهد الله،…..”والله على ما نقول شهيد”…إلخ)

ثانيا‏: ‏ملامح إضافية عن الأسس‏ ‏العلمية‏ ‏لتعدد‏ ‏مستويات‏ ‏التعاقد

يعرف‏ ‏الممارسون‏ ‏للطب‏ ‏النفسى ‏خاصة‏ ‏أن‏ ‏الإنسان‏ ‏الواحد‏ ‏مكون‏ ‏من‏ ‏عدة‏ ‏أناسـى ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ (‏عدد‏ ‏من‏ ‏الشخوص‏ ‏فعلا‏) ‏وهذا‏ ‏المفهوم‏ ‏يبدأ‏ ‏من‏ ‏الحدس‏ ‏الشعبى، ‏ويمتد‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يسمى ‏علم‏ ‏الأرواح‏، ‏كذلك‏ ‏له‏ ‏علاقة‏ ‏وثيقة‏ ‏بالمعتقدات‏ ‏حول‏ ‏المس‏ ‏والجن‏ ‏وما‏ ‏شابه‏.‏

وقد‏ ‏تبلورت‏ ‏هذه‏ ‏الفكرة‏ – فكرة تعدد الذوات- ‏فى ‏النصف‏ ‏الثانى ‏من‏ ‏هذا‏ ‏القرن‏ ‏فيما‏ ‏أصبح‏ ‏يسمى ‏التحليل‏ ‏التفاعلاتى ‏الذى ‏بدأه‏ “إريك‏ ‏بيرن” ‏على ‏وجه‏ ‏الخصوص‏.‏

يترتب على تبنى هذا المفهوم بشأن التعاقد ما يلى:

 ‏إن‏ ‏التعامل‏ ‏بين‏ ‏أى ‏فرد‏ ‏وفرد‏ ‏آخر‏ ‏يتم‏ ‏بين‏ ‏عدة‏ ‏شخوص‏ ‏وبعضهم‏ ‏البعض‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏اللحظة‏، ‏ولاشك‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏أنواع‏ ‏التعامل‏ ‏هو‏ ‏التفاهم‏ ‏فى ‏موقف‏ ‏علاجى ‏بما‏ ‏يشمل‏ ‏التعاقد‏ ‏على ‏خطة‏ ‏علاجية‏.‏ وبديهى ‏أن‏ ‏الأصوات‏ (‏القانونية‏ ‏والإنتهازية‏ ‏التخويفية‏) ‏سوف‏ ‏ترتفع‏ ‏هنا‏ ‏فورا‏ ‏تحتج‏ ‏أن‏ ‏القانون‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏حسن‏ ‏النية‏، ‏ولا‏ ‏يحمى ‏المغفلين‏، ولا يتعامل مع الداخل، لأنه لا‏ ‏يعتد‏ ‏إلا‏ ‏بالظاهر‏ ‏المكتوب،…إلخ،

‏ ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏صحيح‏ ‏وحقيقى ‏ولا‏ ‏جدال‏ ‏فيه‏،

 ‏لكن‏ ‏الطبيب‏ ‏الذى ‏يمارس مهنته لوجه مريضه ووجه الحق سبحانه، يحاول جاهد بمخاطرة محسوبة، (لكنها ليست مضمونة) يشعر أنه لا بد ‏ ‏أن‏ ‏يتجاوز‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ابتغاء مرضاة الله وشفاء مريضه، هو ‏لا‏ ‏ينفى القوانين أو ينكرها أو يتنكر لها، لكنه يتعمق فى مهمته، وعلمه، وتراكيبه، ليوفق بينها وبين شرف مهمته، بشكل أو بآخر.

من هذا المنطلق التركيبى المتعدد، يمكن أن يكون التعاقد على أكثر من مستوى، فى نفس الوقت، بمعنى أن يتم تعاقد بين حالات الذات بشكل مركب، غير معلن، غير معروف، إلا تحدد نتئجه إلا مصلحة المريض، وهذا أمر لا نوصى به طبعا، لكننا نشير إلى واقعيته، ونحن نرى تغيرات التعاقد بناء عليه، وعلى المجتهد أن يوفق بين كل ذلك وبين المكتوب

يا ه !!!! ربنا المعين!!

ثالثا‏: أمثلة من ‏تطبيقات‏ وتوصيات ‏توضيحية

فيما يلى ‏بعض‏ ‏الإقتراحات والتوصيات‏:‏

‏1- ‏ينبغى أن يتم التدريب فى ‏ ‏الطب‏ ‏النفسى ‏بتعميق‏ ‏تربية‏ ‏المعالج‏ ‏أخلاقيا‏ ‏وإيمانيا‏ ‏بشكل‏ ‏لا‏ ‏يكفى ‏فيه‏ ‏التظاهر‏ ‏والتقريب‏ ‏والسلوك‏ ‏الخارجي‏.‏

‏2- يلزم أن ‏يتدرب‏ ‏الطبيب‏ ‏على ‏ممارسة‏ ‏الموقف‏ ‏النقدى عامة دون استثناء بعض المعلومات المنشورة تحت صفة “العلم” ‏.‏(مهما لمع مكان النشر).

‏3- ‏يمكن بالممارسة والإشارف باستمرار أن يتعلم ‏ ‏الطبيب‏ ‏كيف يحسن  ‏الاستماع‏ ‏إلى ‏الأطراف‏ ‏الخفية‏ ‏فى ‏التعاقد‏.‏

‏4- ‏على الطبيب الممارس أن يتوقف ‏ ‏عند‏ ‏نهاية‏ ‏كل‏ ‏مرحلة‏ ‏لإعادة‏ ‏التعاقد‏ ‏بين‏ ‏أطراف‏ ‏جديدة‏ ‏فى ‏ظروف‏ ‏جديدة‏.، وغالبا ما سوف يجد الأطراف التى كانت خافية عن المريض، قد ظهرت تلح فى طلب العلاج بإلحاح واثق.

‏5- ‏الإشراف المنهجى الجماعى المنتظم  ،على مستوياته المختلفة، عادة ما يعين الطبيب ويطمئنه إلى حقيقة قراراته (أو تجاوزاته)

6- ننصح بتذكر حقيقة أخرى يختبئ وراءها الذين يزعمون أنهم أحرص على حرية المرضى، وهى أن كثيرا من العقاقير العظيمة، التى تزيل الأعراض جدا، ققد تشل الإرادة الدخلية أيضا، وربما قبلا.

……

لا… لا… لا….

يكفى هذا الآن

وللحديث بقية

وبقية

الله يسامحك يا أميمة وينفع بك يا شيخة!!

[1] – كان ذلك سنة 2000 وقد تكررت هذه التجربة لمدة عام كامل، فعام آخر، (2008)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *