“يوميا”ً الإنسان والتطور
26-4-2008
العدد: 239
تعتعة
“مؤامرة العولمة” و”عولمة المؤامرة”
أثار إريك فروم (العالم النفسى الأشهر) فى كتابه عن ” تشريح عدوانية الإنسان 1973″ تساؤلا مزعجا يقول: هل مازال الإنسان نوعا (حيويا) واحدا؟ ثم عرض احتمال أنه نظرا لاختلاف اللغات والألوان والأوطان, قد يكون استقبالنا لبعضنا البعض قد وصل إلى اعتبارنا أجناسا متعددة, لا جنسا واحدا.
لا أظن أن المسألة تتوقف عند اختلاف اللغات والألوان والأوطان ولا يكفى أن نعزوها لذلك، الجارى الآن عبر العالم يشير فعلا إلا اختلاف حاد بين فريقين من البشر، اختلاف لا يحدده تخريف السيد دبليو بوش بتقسميه العالم إلى محور للشر ومحور للخير، (بحسابات دينية، عنصرية، عسكرية، استغلالية، مالية، فوقية)، وإنما يتحدد باختلاف نوعية الحياة وأهدافها ورقيها وتطورها. إن كان الأمر كذلك – وهو غالبا كذلك- فلابد من دراسة متأنية لهذا التعدد النوعى داخل الجنس البشرى، ربما يمكن أن يحدد كل منا إلى أى نوع ينتمى، ومن ثم يستعمل، ما دام أصيب بمحنة العقل والوعى، آليات التطور ومنجزات التاريخ للحفاظ على نوعه.
لقد توقفتْ معارف المتعجلين السطحيين عند قانون للبقاء تم نسخه عدة مرات يزعم أن “البقاء للأقوى”، ثبت مؤخرا (ليس مؤخرا جدا): أن “البقاء للأكثر تكافلا”، ليس فقط مع أفراد نوعه، وإنما مع سائر الأحياء، ثم أضيف قانون أرحب يقول”البقاء للأكثر تلاؤما مع محيطه بما فيه”، ثم أخيرا صيغ الأمر فى صيغة أشمل تقول “البقاء للأذكى تآمرا”، ياه !! فالتآمر للبقاء طبيعة حيوية منذ بدء الخليقة، هذا ما بينه الكاتب الألمانى “ماتياس بروكز” فى كتابه “المؤامرة 11/9”: أن المؤامرة فى أصولها هى قانون (برنامج) بقائى حيوى! فلماذا كلما استعملناه أو اكتشفناه أو تحدثنا عن بعض آثاره علينا، اتهمونا “بالتفكير التآمرى”، ونصحونا بأن كل ما علينا لكى نبقى أحياء هو أن نضرب تعظيم سلام لكل ما يصدر عن بابا نويل الأمريكى القاتل الفاجر الغبى، فهو أدرى بمصالحنا ، ومستقبل أجيالنا القادمة؟
ما يجرى تحت اسم العولمة (الأمريكية) هو مؤامرة ضد الحياة ليس لها أدنى علاقة ببرنامج التآمر البقائى الحيوى،.هذاماعنيته بـ “مؤامرة العولمة” (الأمريكية)، هذه العولمة تحاول تشكيل العالم بقوانين ونظم صادرة من الأقوى (ظاهريا وليس بقائيا) يتصور أنها لمصلحته مع أن هذا الغبى يطبقها فعلا ضد مصلحته وليس فقط ضدنا (الأحياء تنقرض معا إذا تشاركت فى الغباء الحيوى)، فهى مؤامرة سلبية مدمرة، وعلينا أن نعى أبعادها نحن الناس (الجنس الثانى).
ولا يفل المؤامرة إلا المؤامرة.
المؤامرة البقائية التى أدعو للوعى بها تتمثل فى ما أتاحته لنا فرص التواصل التكنولوجية الجديدة عبر العالم، وهذا ما أسمتيه “عولمة المؤامرة” (إيجابا)، هنا تستعمل كلمة المؤامرة بالمعنى الحيوى الأصلى، وهذا ليس تجنيا حتى على اللغة، فالمعنى الأصلى للتآمر هو التشاور: “تآمروا: تشاوروا“، نحن الآن عبر العالم نتشاور مع بعضنا البعض، ربما كجنس ثان من البشر، يحاول أن يدافع عن بقائه (وربما أيضا: لصالح بقاء الجنس الآخر معه تكافليّا)
جاءنى فى الميل مؤخرا – من نفس المصدر الصديق الطيب الثائر – تنويه عن كتاب صدر حديثا فى ألمانيا أيضا لدكتور يورجين تودن هيجر يفضح الصورة المشوهة التى يقدمها الإعلام الغربى لما يجرى فى العراق، تصورت أنه لو كان مؤلف هذ الكتاب مصرى أو عربى، إذن لاتهم بالتفكير التآمرى والشعور بالنقص والدونية والتبرير ..إلخ . عدت أتأكد أن مؤلف الكتاب ألمانى من أوربا، وحمدت الله أن من بينهم من هو كذلك، ذكرتنى هذه الأمانة والموضوعية بكتاب لألمانى آخر هو “يورجن كين كوليل” الذى عالج فيه المؤلف ملف مقتل الحريرى بكل الأمانة والموضوعية، التى وصلتنى أوقع من مائة محاكمة دولية.
كثير من الكوارث التى تجرى الآن فى العالم غامضة غموضا شديدا، وكلما زاد الأمر غموضا، وزادت دعايتهم ضبابية وألاعيب ، لزم البحث عن “مؤامرتهم الغبية”، خذ مثلا: أحداث 11 سبتمبر أو مقتل الحريرى أو قتل الأطفال والعجائز فى قرى الجزائر…. إلخ
الذى يحكم العالم الآن ليس بوش ولا كوندى ولا ساركوزى ولا ميركل، الذى يحكم العالم هو هذه الشركات العملاقة والمافيا، وتجار المخدرات، وقوّادو الدعارة. مؤامرة العولمة (الأمريكية) هى التى تحاك لصالح هذه الفئات الأربع وتوابعها ومن يحتمى بها ومن يتآمر معها، وهى عملية إجرامية تغسل عقول البشر لصالح أقساهم وأغباهم، أما عولمة المؤامرة الجارية على الناحية الأخرى عبر شبكات التواصل العالمية بعيدا عن السلطات، فهى ذلك الوعى البشرى الجديد الذى يتخلق بنشاط متزايد.
لا يفل التآمر إلا التآمر.