الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى أحلام فترة النقاهة (حلم 41)، (حلم 42)

قراءة فى أحلام فترة النقاهة (حلم 41)، (حلم 42)

“يوميا” الإنسان والتطور

20-3-2008

العدد: 202

قراءة فى أحلام فترة النقاهة

(حلم 41)، (حلم 42)

حلم‏ 41

قال‏ ‏لى ‏السمسار‏: ‏لا‏ ‏تضجر‏ ‏ولا‏ ‏تيأس‏ ‏يلزمك‏ ‏الصبر‏ ‏الجميل‏. ‏وكنت‏ ‏أعرف‏ ‏أنه‏ ‏على ‏علم‏ ‏بسر‏ ‏قلقى. ‏وأننى ‏مهدد‏ ‏بأن‏ ‏أفقد‏ ‏المأوى ‏وأجد‏ ‏نفسى ‏فى ‏الطريق‏. ‏قلت‏ ‏له‏ ‏بأننى ‏رأيت‏ ‏من‏ ‏المساكن‏ ‏عدد‏ ‏شعر‏ ‏رأسى، ‏ولكن‏ ‏الأسعار‏ ‏دائما‏ ‏فوق‏ ‏قدرتى. ‏وما‏ ‏هذه‏ ‏المساكن‏ ‏الخيالية‏ ‏التى ‏يقدر‏ ‏ثمن‏ ‏الشقة‏ ‏فيها‏ ‏بالمليون‏. ‏والعجيب‏ ‏أنه‏ ‏أكد‏ ‏لى ‏أن‏ ‏أربع‏ ‏زميلات‏ ‏لى ‏يملكن‏ ‏شققا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المساكن‏ ‏الخيالية‏. ‏وغبطهن‏ ‏على ‏قدراتهن‏ ‏الخارقة،‏ ‏وقال ‏لى ‏الرجل‏ ‏إن‏ ‏الأمل‏ ‏الأخير‏ ‏فى ‏عمارة‏ ‏الحاج‏ ‏على ‏بحى ‏الحسين‏ ‏وأن‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏ننتظر‏ ‏عودته‏ ‏من‏ ‏الحج‏ ‏وقلت‏ ‏له‏ ‏إننى ‏أذكره‏ ‏من‏ ‏أيام‏ ‏إقامتنا‏ ‏فى ‏الحى ‏العتيق‏ ‏وإننى ‏كنت‏ ‏أشترى ‏منه‏ ‏الفول‏ ‏أحيانا‏ ‏بنفسى ‏فضحك‏ ‏الرجل‏ ‏وقال‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏يقوله‏ ‏الكثيرون‏ ‏ممن‏ ‏يرجون‏ ‏امتلاك‏ ‏شقة‏ ‏فى ‏عمارته‏ ‏الجديدة‏.‏

قلت‏ ‏بخوف‏: ‏إنه‏ ‏الأمل‏ ‏الأخير‏.‏

فقال‏ ‏بلهجة‏ ‏مشجعة‏ ‘عليك‏ ‏بالصبر‏ ‏الجميل‏’.‏

* * *

القراءة

نهاية هذا الحلم تغرى بأنها نهاية مفتوحة، لكنها ليست كذلك، فقد بدأ بالتوصية بالصبر الجميل، وانتهى بالتوصية بالصبر الجميل، وكأنه أغلق الدائرة، لقد خيل إلى فى البداية أن هذه النهاية بهذه التوصية تفتح باب أملٍ ما، لكننى تراجعت كما أشرت.

 تواترت النهايات المفتوحة فى الأحلام/الإبداع أكثر من توقعاتى حتى أننى شعرت أننى أصالح نهايات محفوظ بشكل أو بآخر، فكم تحفظت عليها وحاورته بشأنها، ليتقبل – كعادته – اعتراضاتى بطيبته الحانية التى لم أكن أتبين حقيقة ما تعنيه، هل هو يقبل رأيى؟ أم أنه يطيّب خاطرى مثل عادته مع معظم الناس!؟ حتى ملحمة الحرافيش، أعظم أعماله قاطبة (أيضا هى كذلك من وجهة نظره شخصيا)، اعترضتُ عليها فى نقدى المنشور، وشرحت له وجهة نظرى تفصيلا فى حديثى معه، وكيف أننى متحفظ على تلك النهاية العالية الصوت “بالتوت والنبوت”، ثم إننى اعترضت أكثر على عرفة وهو يأمل فى إحياء الجبلاوى فى نهاية “أولاد حارتنا”،

النهايات فى الأحلام هنا  عموما – بدت لى- مفتوحة أكثر مما كنت أتوقع.

لم أجد فى متن هذا الحلم – أيضا – ما يشدنى إليه، حتى التلميح إلى قدرات الزميلات الخارقة للحصول على ثمن شققهم التى يقدر ثمن الواحدة فيها بالمليون، حتى هذا التلميح لم أجد فيه ما يثير، ولا شدّنى الغمز العابر لأصْل الحاج (“بائع الفول” سابقا)، وكيف أصبح مالكا لكل تلك الملايين، وأنه ربما اتبع السنة الجديدة بالحج كل عام تكفيرا عن ما جمع، وتمهيد لما سيجمع، ليبنى مزيدا من العمارات المليونية،

 العلاقات الحميمية القديمة لا قيمة لها مع مثل هذا الحاج، وخصوصا وأن الكثيرين يزعمونها، هذا حاجُ كما ينبغى أن يكون الحج التجارى الحديث، وهو يعلم لمن يبيع شقته ممن يستطعن جمع المليون على المليون، وهن بعد زميلات لموظف متوسط.

كما قلنا: يبدأ الحلم بنصيحة السمسار “لا تضجر ولا تيأس يلزمك الصبر الجميل“.

وينتهى وهو يقول له بلهجة مشجعة نفس الألفاظ “عليك بالصبر الجميل

وهكذا تغلق الدائرة على صبر ليس له نهاية.

كيف يكون الصبر جميلا داخل دائرة مغلقة هكذا؟!

* * *

حلم‏ 42

السفينة‏ ‏تشق‏ ‏طريقها‏ ‏بين‏ ‏أمواج‏ ‏النيل‏ ‏الرزنية‏. ‏نحن‏ ‏جلوس‏ ‏على ‏صورة‏ ‏دائرة‏ ‏يقف‏ ‏فى ‏مركزها‏ ‏الأستاذ‏. ‏وضح‏ ‏أننا‏ ‏نؤدى ‏الامتحان‏ ‏النهائى‏. ‏وكان‏ ‏مستوى ‏الإجابات‏ ‏ممتازا‏. ‏وتفرقنا‏ ‏نشرب‏ ‏الشاى ‏ونأكل‏ ‏الجاتوه‏. ‏وتسلمنا‏ ‏شهادات‏ ‏النجاح‏ ‏وعند‏ ‏المرسى ‏وقفت‏ ‏السفينة‏ ‏وغادرناها،‏ ‏وكل‏ ‏يحمل‏ ‏شهادته‏ ‏فى ‏مظروف‏ ‏كبير‏. ‏وو‏جدت‏ ‏نفسى ‏أسير‏ ‏فى ‏شارع‏ ‏عريض‏ ‏خال‏ ‏من‏ ‏المبانى ‏ومن‏ ‏المارة‏ ‏ولاح‏ ‏لى ‏مسجد‏ ‏يقوم‏ ‏وحيدا‏ ‏فاتجهت‏ ‏نحوه‏ ‏لأصلى ‏وارتاح‏ ‏قليلا‏، ‏ولكن‏ ‏تبين‏ ‏لى ‏حال‏ ‏دخولى ‏أنه‏ ‏بيت‏ ‏قديم،‏ ‏هممت‏ ‏بالرجوع‏، ‏ولكن‏ ‏جماعة‏ ‏من‏ ‏قطاع‏ ‏الطريق‏ ‏أحاطوا‏ ‏بى ‏وأخذوا‏ ‏الشهادة‏ ‏والساعة‏ ‏والمحفظة‏، ‏وانهالوا‏ ‏على ‏ضربا‏ ‏ثم‏ ‏اختفوا‏ ‏فى ‏أرجاء‏ ‏البيت‏.‏

خرجت‏ ‏إلى ‏الطريق‏ ‏وأنا‏ ‏لا‏ ‏أصدق‏ ‏بالنجاة‏. ‏وبعد‏ ‏مسيرة‏ ‏يسيرة‏ ‏صادفتنى ‏دورية‏ ‏من‏ ‏الشرطة‏ ‏فهرعت‏ ‏إليهم‏ ‏وحكيت‏ ‏لقائدهم‏ ‏ما‏ ‏وقع‏ ‏لى‏.‏

وسرنا‏ ‏جميعا‏ ‏نحو‏ ‏بيت‏ ‏اللصوص‏، ‏واندفعوا‏ ‏داخلين‏ ‏شاهرى ‏أسلحتهم‏ ‏ولكننا‏ ‏وجدنا‏ ‏أنفسنا‏ ‏فى ‏مسجد‏ ‏والناس‏ ‏يصلون‏ ‏وراء‏ ‏الإمام‏. ‏وحصل‏ ‏ذهول‏ ‏وتراجعنا‏ ‏مسرعين‏ ‏وأمر‏ ‏قائد‏ ‏الدورية‏ ‏بإلقاء‏ ‏القبض‏ ‏على. ‏وجعلت‏ ‏أؤكد‏ ‏ما‏ ‏وقع‏ ‏لى ‏وأقسم‏ ‏بأغلظ‏ ‏الأيمان‏ ‏ولكن‏ ‏وضح‏ ‏لى ‏أنهم‏ ‏أخذوا‏ ‏يشكون‏ ‏فى ‏عقلى ‏على ‏أنى ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏دونهم‏ ‏حيرة‏ ‏وذهولا‏.‏

* * *

القراءة

تمهيدا للقراءة الجامعة أصبح الربط مغريا بدءًا من بضعة أحلام مضت، الأمر الذى يعد بقراءة تعيد تشكيل العمل مشتملا، هنا يلوح الربط بين النيل والنهر، بين قارب وسفينة، بين ملاّح وملاّح،

النيل هنا يلبس ثوبا مختلفا عما ظهر به من قبل.

الأمواج هنا رزينة، مقارنة بحلم (20) حين كان القارب يدعوهما وهما يسبحان حوله ويغنى الملاّح “رايداك والنبى رايداك”.

 جميل أن توصف الأمواج هنا بالرزانة،                                         

هل هذه السفينة هى الرحم وقد عاد للظهور أيضا، يمثل الإحاطة والأمان لحين إتمام الإعداد لمغادرته “وقفت السفينة، وغادرناها كل يحمل شهادته”.

لعل أهم ما فى ذلك المظروف كان شهادة “الاعتراف بقدومنا” وبه تسجيل الاسم، والتاريخ، والديانة التى يختارها لنا أهلنا برزانة وثقة، أليست تلك الشهادة التى يحملها كل منا فى مظروف كبير به كل ما ورثناه جينيا، مضافا إليه ما أثبته أهلنا فى أوراقنا، إلا تحديداً للخطوط العامة التى علينا ألا نتعدّاها.

أليس هذا التحديد المبدئى هو الذى قد يحرمنا من الالتحام مع المختلفين عن ديننا؟ فبمجرد أن ننزل إلى الشارع (الواقع الحى) تخلو الحياة منهم، وكأننا نلغيهم مهما زعمنا التحاور معهم، (شارع عريض خالٍ من المبانى ومن المارة). إن هذا الإلغاء للآخرين المختلفين لا يؤدى إلا إلى تراث بالٍ لا يجلب الراحة، ولا حتى يدعم الهوية المثبتة أو يحمى بقية محتويات المظروف من النهب، مع أنه لاح مسجدّا “وحيدا” من بعيد.

 ها هو صاحبنا يكتشف أن مثل هذا التوصيف المرصود فى الشهادة داخل المظروف الكبير إذا لم يكن مجرد بداية طيبة، نحو الكدح إليه “معا”، فإننا نكون قد انفصلنا عن الحاضر إلى جمود قديم، وبالتالى يصبح كل ما تصورنا أننا نمتلكه عرضة للنهب من قاطع طريقنا “إليه” حتى ونحن داخل بيت التراث العتيق (قرأت كلمة الطريق بهذا المعنى الصوفى) هذا ما حدث له وهو يهم بالعدول عن الدخول للمسجد الوحيد البعيد المهجور القديم،

حين نكتفى أن تكون مرجعيتنا الأساسية أو الوحيدة هى “بيت قديم” وليس منارة مشعة (نور على نور) تصبح هويتنا عرضة للنهب نتيجة حرماننا من الجهاد الأكبر، من السعى إليه، وها نحن أولاء نفقد حتى الهوية الجاهزة (المظروف) بعد أن يقطعوا علينا “الطريق”.

المسجد الآخر الذى لاح من جديد، هو غير المسجد الأول (البيت القديم)، وهو كان قابعا وراء واجهة منزل اللصوص، ولم يتكشف للراوى أو للشرطة أنه كذلك، إلا وهم بداخله، وهم يندفعون إليه شاهروا السلاح، والناس يصلون وراء الأمام؟

بدا لى هذا المسجد الآخر أنه الوجه الآخر لسلطة دينية أحدث، سرقت واحتكرت أيضا تحديد الهوية والمسار.

المسجد الأول تبين عن بيت قديم، وبيت اللصوص انقلب مسجدا، له إمام ووراءه مصلون، لم يمنعوا أن تنقلب الشرطة (السلطة الثالثة) التى استنقذ بها إلى سلطة ظالمة تقبض على المجنى عليه، وهو برئ بلا هوية.

النقلات الأربع من رحم السفينة، إلى شارع نُفِىَ منه من ليسوا كذلك، نحو سلطة تراثية، لا تحمى من إغارة قطاع الطرق، إلى سلطة دينية تقليدية غائبة لا تؤم إلا أتباعها، ولا يهمها أن تكمن قابعة وراء واجهة بيت اللصوص، إلى سلطة مدنية تنقلب من خدمة البشر وحماية المجنى عليهم إلى القبض عليهم متهمين دون جريرة.

 كل هذه النقلات إنما تعلن التربص بالإنسان المبرمج دون جريرة، الإنسان الذى لم يستطع أن يحتفظ بهوية لم يخترها، والذى لم يحمِهِ من السرقة أن يلجأ إلى بيت قديم لاح له مسجدا، ولا حتى إلى بيت اللصوص الذى وجده أيضا مسجدا به إمام لا يرى إلا من يصلى خلفه.

فإذا استنقذنا بمن نتصور أنه يمكن أن ينقذنا انقلب علينا وصرنا المتهمين، ولا أحد يسمع لنا،

إن من يريد أن يتحرك بعيدا عن أى من هذا يلقى جزاءه،

يلقى القبض عليه، وهو المجنى عليه.

 ولا يُسمع له،

النتيجة الطبيعية لكل ذلك هى الحيرة والذهول أو الاتهام بالجنون،

 أو كل ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *