الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) “الأصداء” مع “أصداء الأصداء” بقلم: “يحيى الرخاوى” (226) الفصل الخامس: الطفولة: نبضٌ متجدد دائم (2) (الفصل الأول من الدراسة الجامعة)

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) “الأصداء” مع “أصداء الأصداء” بقلم: “يحيى الرخاوى” (226) الفصل الخامس: الطفولة: نبضٌ متجدد دائم (2) (الفصل الأول من الدراسة الجامعة)

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 17-4-2025

السنة الثامنة عشر    

 العدد: 6438

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) [1]

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى”

            الفصل الخامس

الطفولة: نبضٌ متجدد دائم (2)

(الفصل الأول من الدراسة الجامعة)

هل نحن ‏نعرف‏ ‏ما‏ ‏هى ‏الطفولة؟

‏ نحن ‏حين‏ ‏نعيش طفولتنا ‏بحقها‏ ‏لا‏ ‏نعيها‏ ‏بما‏ ‏هى، ‏ولا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نفعل‏، ‏حتى ‏لا‏ ‏ننتزع‏ ‏منها‏ ‏سلاستها‏ ‏وتلقائيتها‏، ‏وحين‏ ‏نتجاوزها‏، ‏نتصور‏ ‏أننا‏ ‏نتذكرها‏ ‏ونحن‏ ‏نحكيها‏ ‏من‏ ‏بعيد‏، ‏لكن‏ ‏الحقيقة‏ ‏أنها‏ ‏تختفى ‏خلف‏ ‏رموز‏ ‏الكلمات‏ ‏ومضامينها‏ ‏العجوز‏، ‏فضلا‏ ‏عما‏ ‏يصيبها‏ ‏من‏ ‏تشويهات‏ ‏وتباديل‏ ‏من‏ ‏فعل‏ ‏فذلكة‏ ‏الذاكرة‏ ‏وتزييفها‏ ‏بوصاية‏ ‏تصوراتنا‏ ‏عنها‏ (‏عن‏ ‏الطفولة‏).‏

فما‏ ‏العمل؟‏ ‏وكيف‏ ‏السبيل‏ ‏أن‏ ‏نعرف‏ ‏ماهية‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏طفل‏، ‏وما‏ ‏هى ‏طفولة‏، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏غنى ‏عنه‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏العلم‏ ‏والتربية‏، ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏مجال‏ ‏الفن‏ ‏والإبداع‏، ‏ثم‏ ‏إنه‏ ‏متعلق‏ ‏حتما‏ ‏برؤيتنا‏ ‏وتخطيطنا‏ ‏للمستقبل‏.‏

فى ‏دراسة‏ ‏سابقة‏ ‏عن‏ ‏منهج‏ ‏دراسة‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏طفولة‏، ‏أشرت‏ ‏إلى ‏الصعوبات‏ ‏التى ‏تكتنف‏ ‏هذه‏ ‏المسألة‏، ‏وقارنت‏ ‏بينها‏ ‏وبين‏ ‏الصعوبات‏ ‏التى ‏تكتنف‏ ‏دراسة‏ ‏الجنون‏[2]، ‏وانتهيت‏ ‏إلى ‏أنه‏ ‏يكاد‏ ‏يستحيل‏ ‏التعرف‏ ‏على ‏ما‏ ‏هو‏ ‏طفولة‏ ‏إلا‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى (‏وهو‏ ‏غير‏ ‏المنهج‏ ‏الاستبطانى ‏طبعا‏)، ‏وأن‏ ‏ذلك‏ ‏شديد‏ ‏الندرة‏ ‏بالغ‏ ‏الصعوبة

ثم‏ ‏فى ‏دراسة‏ ‏نقدية‏ ‏لاحقة‏ ‏لعمـلين‏ ‏من‏ ‏أعمال‏ ‏ديستويفسكى ‏غير‏ ‏المشهورة‏ (‏نيتوتشكا‏ ‏نزفانوفنا‏، ‏والفارس‏ ‏الصغير‏) ‏حاولت‏ ‏أن‏ ‏أبين‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏الفن‏ ‏أقدر‏ ‏على ‏تناول‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏طفولة‏ ‏بطريقة‏ ‏صادقة‏ ‏وعميقة‏ ‏وتفصيلية‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ادعاءات‏ ‏أغلب‏ ‏مناهج‏ ‏العلم‏، ‏ولا‏ ‏يحتاج‏ ‏الأمر‏ ‏إلى ‏التذكرة‏ ‏بأن‏ ‏الكتابة‏ ‏عن‏ ‏الطفولة‏ ‏غير‏ ‏الكتابة‏ ‏للأطفال‏[3]. ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏الكتابة‏ ‏عن‏ ‏طفولة‏ ‏طفل‏ ‏فى ‏قصة‏ (‏مثل‏ ‏نيتوتشكا‏ ‏نزفانوفنا‏ ‏لديستويفسكى) [4] ‏هى ‏غير‏ ‏الكتابة‏ ‏عن‏ ‏طفولة‏ ‏الكاتب‏ ‏نفسه‏ ‏فيما‏ ‏يسمى ‏السيرة‏ ‏الذاتية‏.‏

وبالنسبة‏ ‏لنجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏فإنه‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏أكثر‏ ‏المبدعين‏ ‏أمانة‏ ‏حين‏ ‏أعلن‏ ‏أنه‏ ‏حاول‏ ‏أن‏ ‏يكتب‏ ‏قصصا‏ ‏للأطفال‏، ‏وأنه‏ ‏وجد‏ ‏صعوبة‏ ‏بالغة‏ ‏أوقفته‏ ‏بعد‏ ‏محاولة‏ ‏واحدة‏ ‏أو‏ ‏بضع‏ ‏محاولات‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏حضور‏ ‏الأطفال‏ ‏فى ‏كل‏ ‏إبداعاته‏ ‏كان‏ ‏شديد‏ ‏الحساسية‏ ‏شديد‏ ‏الدلالة‏، ‏ولعل‏ ‏من‏ ‏أروع‏ ‏تجليات‏ ‏ذلك‏ ‏ما‏ ‏جاء‏ ‏فى ‏وصف‏ ‏طفولة‏ ‏كمال‏ ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏الجواد‏ ‏فى “‏بين‏ ‏القصرين”، ‏ولعل‏ ‏المتتبع‏ ‏لنمو‏ ‏كمال‏ ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏الجواد‏ ‏وتطور‏ ‏أحواله‏ ‏يتعجب‏ – ‏لأول‏ ‏وهلة‏- ‏مما‏ ‏صار‏ ‏إليه‏ ‏هذا‏ ‏الطفل‏ ‏الظريف‏ ‏الجميل‏ ‏الولع‏ ‏بالغناء‏ ‏المتجرئ‏ ‏حتى ‏على ‏والده‏ ‏بما‏ ‏تيسر‏، ‏كيف‏ ‏آل‏ ‏هذاالطفل‏ ‏إلى ‏ذلك‏ ‏الشاب‏ ‏الانطوائى ‏الكثير‏ ‏الفكر‏ ‏البالغ‏ ‏الحياء‏، ‏لكن‏ ‏هذا‏ ‏التطور‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏عظمة‏ ‏الفن‏ ‏حقيقة‏ ‏وفعلا‏، ‏وقد‏ ‏كنت‏ ‏دائما‏ ‏أخشى ‏أن‏ ‏يـستدرج‏ ‏المبدعون‏ ‏ليستشيروا‏ ‏أهل‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏فيما‏ ‏يفعلون‏، ‏أو‏ ‏أن‏ ‏يغالوا‏ ‏فى ‏تصديق‏ ‏ما‏ ‏يـكتب‏ ‏فى ‏التربية‏ ‏وعلم‏ ‏النفس‏ ‏والتحليل‏ ‏النفسى، ‏لأن‏ ‏محفوظ‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏فعل‏ ‏ذلك‏ ‏مثلا‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏كمال‏ ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏الجواد‏ ‏لكان‏ ‏لزاما‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يرسمه‏ ‏طفلا‏ ‏منطويا‏ “‏نموذجيا” ‏مطيعا‏ ‏إلى ‏آخر‏ ‏ما‏ ‏تقوله‏ ‏كتب‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏فى ‏وصف‏ “‏الطفل‏ ‏النموذجي”Model Child ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يخرج‏ ‏منه‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏الحيى ‏المستغرق‏ ‏فى ‏الذاتوية‏ ‏والتفكير‏ ‏الباطنى (‏كمال‏).‏

نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏لم‏ ‏يخلق‏ ‏طفلا‏ ‏ظهر‏ ‏فى ‏رواية‏ ‏من‏ ‏رواياته‏ ‏إلا‏ ‏وأولاه‏ ‏حقه‏ ‏وصفا‏ ‏وإحاطة‏ ‏بما‏ ‏ينبغى، ‏كما‏ ‏ينبغى‏.‏

فإذا‏ ‏حددنا‏ ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏أعماله‏ ‏التى ‏فيها‏ ‏رائحة‏ ‏السيرة‏ ‏الذاتية‏ (‏وكلها‏ ‏تكاد‏ ‏تكون‏ ‏كذلك‏) ‏فإننا‏ ‏نركز‏ ‏خاصة‏ ‏على ‏حكايات‏ ‏حارتنا‏، (‏أكثر‏ ‏من‏ ‏المرايا‏)، “‏والباقى ‏من‏ ‏الزمن‏ ‏ساعة”، “‏وحديث‏ ‏الصباح‏ ‏والمساء” ‏مع‏ ‏أنها‏ ‏كلها‏ ‏زاخزة‏ ‏بما‏ ‏أريد‏ ‏إيضاحه‏ ‏هنا‏، ‏وهو‏ ‏أن‏ ‏محفوظ لا يعرف هذه المرحلة بحقها فحسب، بل هو يحافظ عليها حية معاشة بشكل أو بآخر طول الوقت.

وصلتنى ‏هذه‏ ‏الطفولة‏ ‏من‏ ‏الأصداء‏ ‏ناضجة‏ ‏دائمة‏ ‏الإبداع‏، ‏حاضرة‏ ‏التجلى: ‏منذ‏ ‏أول‏ ‏حلقة‏ ‏نشرت‏ ‏فى ‏الأهرام‏ ‏حيث‏ ‏كتبت‏ ‏عن‏ ‏ذلك‏ ‏سنة‏ 1994 ‏ما‏ ‏يلى ‏بالنص‏:‏

“.. ‏لكن‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏….. ‏تجد‏ ‏فيه‏ ‏ذكرى ‏عابرة‏ ‏تبدو‏ ‏عادية‏، ‏لكن‏ ‏حين‏ ‏يحكيها‏ ‏شيخ‏ – ‏بفرحة‏ ‏طفل‏ – ‏تبدو‏ ‏رائعة‏ ‏وخاصة‏ ‏ومتميزة”‏

………………

………………

ونواصل الأسبوع القادم بقية الفصل الخامس: ” هل نحن ‏نعرف‏ ‏ما‏ ‏هى ‏الطفولة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى  للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net.

[2] – ‏ ‏الباحث‏ ‏أداة‏ ‏البحث‏ ‏وحقله‏ ‏فى ‏مجالى ‏الطفولة‏ ‏والجنون‏ – ‏الإنسان‏ ‏والتطور‏ ‏العدد‏ 4، ‏ص‏ 26، ‏أكتوبر‏ 1980 ‏

[3] – تمر‏ ‏الكتابة‏ ‏للأطفال‏ – ‏عندنا‏ ‏خاصة‏- ‏فى ‏محنة‏ ‏عامة‏، ‏بعد‏ ‏الإغارة‏ ‏على ‏الخيال‏، ‏والافتقار‏ ‏إلى ‏الوعى ‏بالماضى ‏والحاضر‏ ‏لصالح‏ ‏المستقبل‏ ‏وفى ‏مجلات‏ ‏الأطفال‏ ‏خاصة‏: ‏أنظر‏ ‏الإنسان‏ ‏والتطور‏ ‏العدد‏ 64، ‏ص‏ 40، ‏يناير‏ 1999)‏

[4] – ‏ (‏يحيى ‏الرخاوى)، ‏الطفولة‏ ‏من‏ ‏إبداع‏ ‏ديستويفسكى، ‏نيتوتشكا‏ ‏نزفانوفنا‏ ‏والفارس‏ ‏الصغير‏ ‏الإنسان‏ ‏والتطور‏، ‏العدد‏ 12، ‏أكتوبر‏ 1982 ‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *