“يومياً” الإنسان والتطور
31-7-2008
العدد: 335
أحلام فترة النقاهة “نص على نص”
نص اللحن الأساسى (حلم 77)
انعطفت إلى الشارع الجانبى الهادئ حاملا حقيبتى بيدى، وسرعان ما تلقيت من الطريق سيلا من الذكريات والأشواق المحفوفة بالقلق والخوف.
وتوقعت عتابا على غيبتى غير القصيرة واستعددت له بالمعاذير المناسبة.
وبلغت مدخل العمارة. فلاحت لى الشقة الأرضية على بعد أربع درجات من السلم وضغطت على الجرس متطلعا بوجه باسم، وفتحت الشراعة عن وجه رجل غريب فى جلباب منزلى يوحى بأنه صاحب المكان وفجأة هوى وجدانى الملتهب إلى قاعة بحيرة جليدية وفكرت بسرعة فى اختلاق كذبة تنتشلنى من ورطتى فادعيت أنى تهت وأبحث عن سكن فلان أفندى المدرس وأننى ضللت العمارة فقال الرجل وهو يتفرس فى وجهى بارتياب وتحفز.
- هذه شقته وهو فى الداخل فمن حضرتك لأبلغه؟
وأدركت أننى انكشفت وخرست مبهوتا فارتفع صوت الرجل وهو يقول:
- ما أنت إلا كذاب وفاسق مثل جميع من جاءونى قبلك.
ولم أطق المزيد فهرولت نازلا وكدت أفقد توازنى فسقطت الحقيبة من يدى وانفتحت فظهر داخلها زجاجة نبيذ وكيلو كباب فى طبق من ورق، ولكنى لم أكن أفكر إلا فى أمر واحد وهو أن أختفى فى سرعة البرق.
التقاسيم
…. انطلقت إلى الشارع الرئيسى مهرولا أنظر خلفى خائفا، وأسرعت الخطى وأنا أتلفت، حتى مضى وقت كاف، ثم وجدت نفسى أرجع من نفس الطريق، وصلت إلى نفس الشارع الجانبى، وبعد أن تأكدت من خلوه من المارة- اتجهت مباشرة إلى حيث سقطت الحقيبة ووجدت أن زجاجة النبيذ لم تنكسر، كما كان كيلو الكباب ملفوفا كما هو داخل طبق الورق، ولم أكد ألمسه حتى فاحت رائحة كريهة، فكرت أن آخذ زجاجة النبيذ وأمضى مستعوضا الله فى كيلو الكباب، لكننى قررت أن أتخلص من لفة الكباب وكأنها ستدل علىّ، فى أقرب صندوق قمامة، حملتها بعيدا عنى ما استطعت تجنبا للرائحة، وإذا بسرب من القطط المتوحشة تهجم على اللفة فى يدى فتركتها تسقط وهممت أن أعدو بعيدا إلا أننى تسمرت فى مكانى وكأن شللا أصابنى، هجمت القطط المتوحشة على اللفة تنهشها نهشا، وخفت أن يأتى الدور علىّ وأنا فى هذه الحال من الشلل، وذا بى أجد مجموعة أكبر من الكلاب المتوحشة تقترب عدوا من أقصى الشارع، فتدور معركة دموية بين القطط والكلاب، وأنا أزداد رعبا وأزداد عجزا، وفجأة لاح لى قادم من بعيد أنست له وكدت أستغيث به ، ثم تبينت أنه الرجل الذى فتح لى الباب، وحين لمحنى وتأكد من أننى أنا، أشار للكلاب والقطط بيده إشارة سحرية غامضة، فتوقفت المعركة، وانصرفت الكلاب إلى ناحية، والقطط إلى ناحية، فتنفست الصعداء، اقترب منى الرجل وقال : إنى آسف، حسبتك أحدهم، لكن “فلان أفندى” صاحب الشقة صححنى بعد انصرافك، وقال لى إنه كان ينتظرك فعلا، وقد أرسلنى لأستدعيك وأعتذر لك، كدت أقول له أننى لا أعرف شخصا بهذا الاسم أصلا، وأنها ليست الشقة التى كنت أقصدها، لكننى خفت أن يُرجع الكلاب والقطط المتوحشة بإشارة سحرية أخرى مثلما صرفها، فوافقت، وسألته: طيب والسيدة؟، هل هى موافقة،؟ فقال إنها هى التى قالت للرجل أن يرسلنى للاعتذار واستدعائك،
تبعت الرجل فرحا وأنا أسرع الخطى لألحق به، لكن المسافة ظلت تزيد بيننا بشكل متسارع، حتى اختفى، ووجدت نفسى فى شارع آخر، به عمارات أخرى، وكانى فى زمن آخر، لكننى سمعت نباح الكلاب ومواء القطط وهى تدنو أكثر فأكثر، فعرفت أن المؤامرة قد حبكت أطرافها أوثق مما كنت أتصور، وسلمت أمرى لله.
****
نص اللحن الأساسى (حلم 78)
يالها من جنازة كبيرة، لا أدرى كيف انضممت إليها، فإنى لا أعرف أحدا من المشيعين. بل لا أعرف الميت، والأغرب أن الجنازة سلكت طريقا لم تسلكه الجنازات من قبل، فقد اتجهت نحو شبكة من قضبان السكة الحديد. وعبرنا بها إلى الخلاء حيث توقفت عن السير طلبا للراحة، على حين واصلت القطارات سيرها نحو الشمال ونحو الجنوب وعلا جدل بين الملتفين حول النعش. فريق يرى أن يحمله إلى الجنوب. وفريق يريد أن يحمله إلى الشمال، وكلا الفريقين يزعم بأنه ينفذ وصية الراحل، وصاح أحد العارفين يذكر القوم بأن الراحل ولى من أولياء الله الصالحين، وأنه لن يسمح لأحد بحمله إلى جهة لا يرضاها، وأمن القوم على قوله. وجرب فريق الجنوب حظه ولكنه عجز عن حمل النعش وجرب فريق الشمال فمنى أيضا بالفشل .. عند ذاك أدرك الجميع أن ولى الله يأبى أن يغادر الموقع الذى هو فيه وسطا بين الجنوب والشمال.
التقاسيم
…. مع الوقفة التى طالت بلا حل قريب، أخذ بقية المارة يتجمعون ويتساءلون، بعضهم يحظى بإجابة كاملة لكل الذى حدث والآخرون لا يجدون جوابا لأنهم يسألون من لا يعرف، وتوقف المرور، وأخذت الصيحات تتعالى “ماهذا؟ نريد أن نذهب إلى مصالحنا”، “أفسحوا لنا طريقا إلى القطار الذى سيفوتنا”، وفعلا سمعنا صوت صفير القطار وهو يتهادى أهدأ فاهدأ نحو المحطة واكتشفت أن الجمع قد تزحزح بالعرض بما فى ذلك حملة النعش الذين أنزلوه إلى موقع فوق القضبان، وفجأة انطلق القطار بسرعة فائقة على غير العادة، فانصرف من تبقى جريا فى كل اتجاه، وامتلأت قلوب الجميع رعبا أن يدوس القطار جثة ولى الله، فتلحق اللعنة بكل الناس وهم يعلمون ما كانت له من معجزات وكرامات، لكن المعجزة حدثت فعلا، فقد توقف القطار فجأة برغم سرعته القصوى على بعد أمتار من النعش، فهلل الناس وكبروا، وقرروا فى أنفسهم أن يقيموا لولى الله مسجدا فى هذا الموقع، يدفن فيه دون الشمال أو الجنوب، ثم حدثت معجزة أخرى التى ما زال الناس يتحدثون عنها فى حيرة، وفرحة، ورفض، وتسليم، إذ صدر صوت من داخل النعش يدندن بشكل واضح، “فيك عشرة كوتشينة، فى البلكونة” فرد صوت من داخل القطار “هوا دا يخلص من الله”.
وانتظم الناس فى حلقات ذكر على مديح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يسمع أحدهم مثل جماله وأنغامه فى حياته.
وانتظمتُ معهم أذكر الله وأنا فى حال.