نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 27-11-2024
السنة الثامنة عشر
العدد: 6297
ترحالات يحيى الرخاوى
الترحال الثانى: “الموت والحنين” [1]
الفصل الرابع
الفصل المفقود: (1)
ممَـرُّ حانَةٍ فى عطفةٍ مجهولةٍ بلا هُويةْ (10)
…. واللحنُ ظِلُّ الناس فى حُضْن القمرْ
تنوُّعاَت البرق ِ والرعودِ
لــحفر بئرٍ غائر بلا مياه،
وزهرةٍ بلا شجرْ،
وبيضةٍ بلا يمامْ.
وغَارُهَا:
ممَرْ حانَةٍ فى عطفةٍ مجهولةٍ بلا هُويةْ.
وعنكبوتُها:
يدبّج النقوشَ فوق طينٍ أَحْرَقَـتْهُ ناَرُ أحلامِ الّذهَبْ
غجريّةٌ فى ثوبِ سهرةٍ عريقْ،
تسحَبُ عَنْزَها الثَّمِلْ.
المقطم 22/3/2000
………………….
………………….
فرحت بالفندق (المنزل) وبقربه من البحر، وبالمقهى (البلدى تقريبا) على البحر وبالصيادين الذين يشغلونه، وفرحت زوجتى لفرحى فى الأغلب، فحبها للأماكن يضطرد صعودا مع عدد الناس فيها. أنا أحب الطريق أولا، بناس وبغير ناس، ولا يوجد طريق بدون ناس، أو هو يؤدى بالضرورة إلى ناسٍ ما، لكن زوجتى تحب الناس فى الطريق وفى غير الطريق، المهم الناس. حتى فى الجنّة: المهم الناس.
سلمتنا زوجة صاحب الفندق مفتاح الحجرة، والقرص الطارد للبعوض والآلة التى يوضع فيها القرص، فوضعنا أغراضنا فى الحجرة واكتشفنا أنه لا يوجد نزلاء غيرنا.
نزلنا بسرعة، انطلقنا نتعرف على هذا البلد الصغير جدا، الجميل على ما يبدو، الجميل فعلا كما بدا، ونحن نتصور أنها ستكون بلدة هادئة شوارعها، خالية من غير سوء، إلا أننا حين اقتربنا من الساحة الرئيسية سمعنا أصوات آلات عزف عالية، سرعان ما تبينا أنها موسيقى فعلا أو أغان تعلو مع اقترابنا من مصدرها، هل هو مسجل قد رفع صوته صاحبه على آخره مثلما اعتدنا فى بلدنا؟ مع وصولنا إلى الساحة الرئيسية، وكانت شديدة الاتساع بما لا يتناسب مع صغر القرية، وجدنا على جانب فيها ما يشبه الساحة الصغيرة ودائرة وكراسى ومناضد فى الهواء الطلق حول حلقة عالية، تمازحنا ونحن نعتبر أن لبتوكاريا هذه قد أعَدَت لنا هذا الحفل الجميل خصيصا تحية لقدومنا، وانجذبنا إلى ما اعتبرناه منصة المحتفى بهم.
يوجد ما لا يزيد عن عشرين شخصا حول حلقه الرقص، ومع ذلك فكأنه حفل لألف واحد، وبدأت الفرقة الصغيرة (لعلهم كانوا ثلاثة) يعزفون، وبدأ الحضور يرقصون وحدهم تلك الرقصات الجميلة، الشريفة، الحقيقية، السريعة، القافزة فى هدوء منسجم، ويحضرنا أنتونى كوين وزوربا معا، (أليسا واحدا؟ لكنهم بدوْا لنا توأمان) وفرحنا معهم، ولا ينغصنى جدا إلا ما لا أمل من ترديده فى هذه المناسبات من مقارنات: أين رقصتنا،؟ أين رقصتنا الجماعية؟ أين دبــْـكتنا؟ أين قفزنا معا؟ لا نريد تانجو ولا فوكس تروت، نريد أن ندور ونفرح بأجسادنا، بوجودنا كله، نريد أن نقترب من بعضنا فى سماح وصدق راقص، نريد أن يتركوا لنا حتى ذكر الله سبحانه ونحن نتمايل، حتى هذا أصبح من المحظورات الجديدة،
لن نبدع إلا إذا تحررت أجسادنا، وعضلاتنا، وأدمغتنا، و”أدلجاتنا”
(جمْع أيديولوجيا!!).
………………
………………
ونواصل الأسبوع القادم الفصل الخامس: (الفصل المفقود: 2) (الفصل الحادى عشر: من الترحالات الثلاثة) “أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة” (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – ترحالات يحيى الرخاوى: (2000) وتتضمن الترحالات: (الترحال الأول: “الناس والطريق”) و(الترحال الثانى: “الموت والحنين”) و(الترحال الثالث: “ذكر ما لا ينقال”) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والترحالات موجودة فى الطبعة الورقية فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم.