الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ترحالات يحيى الرخاوى: الترحال الثانى: “الموت والحنين” الفصل الرابع: الفصل المفقود: (1) “ممَـرُّ حانَةٍ فى عطفةٍ مجهولةٍ بلا هُويةْ” (8)

ترحالات يحيى الرخاوى: الترحال الثانى: “الموت والحنين” الفصل الرابع: الفصل المفقود: (1) “ممَـرُّ حانَةٍ فى عطفةٍ مجهولةٍ بلا هُويةْ” (8)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 13-11-2024

السنة الثامنة عشر 

العدد: 6283 

ترحالات يحيى الرخاوى

الترحال الثانى: “الموت والحنين” [1] 

الفصل الرابع

الفصل المفقود: (1)

ممَـرُّ حانَةٍ فى عطفةٍ مجهولةٍ بلا هُويةْ (8)

 ….  واللحنُ ظِلُّ الناس فى حُضْن القمرْ

تنوُّعاَت البرق ِ والرعودِ

لــحفر بئرٍ غائر بلا مياه،

وزهرةٍ بلا شجرْ،

وبيضةٍ بلا يمامْ.

وغَارُهَا:

ممَرْ حانَةٍ فى عطفةٍ مجهولةٍ بلا هُويةْ.

وعنكبوتُها:

يدبّج النقوشَ فوق طينٍ أَحْرَقَـتْهُ ناَرُ أحلامِ الّذهَبْ

غجريّةٌ فى ثوبِ سهرةٍ عريقْ،

تسحَبُ عَنْزَها الثَّمِلْ.

المقطم 22/3/2000

………………..

……………….

أثناء تجوالى وحدى من يومين، وقدتركت زوجتى مشغولة بمشاهدة ما تحب فى الواجهات، لمحت صورة كمال أتاتورك فى أحد المحلات الصغيرة، لا أذكر ماذا كان يبيع أو فيم يختص، ولا أعرف لماذا تصورت أنه محل كى طرابيش،مع أنى أعرف تماماً أن الطربوش كان من أوائل ما تخلص منه كمال أتاتورك، دخلت المحل وأنا أتصور أننى سأجد وسيلة لـلتفاهم مع صاحبه الكهل بشكل ما، وصدق حدسى فقد كان يتكلم بعض العربية، وبعض الانجليزية بدرجة كافية، سألته مباشرة عن صورة كمال أتاتورك التى ما زال يزين بها محله: هل هى مفروضة عليه مثل صور الرؤساء عندنا، ولو من باب “الحيطة القومىة”، فهم بسرعة، وتغير وجهه محتجا، وأعلن لى بوضوح أنه يحبه فعلا، وأنه يفخر به، ثم راح يؤكد لى أن الأتراك يحبونه، وأنه فعلاً مؤسس تركيا الحديثة، وأتذكر أننى سمعت من أبى كم كان المصريون فرحين بأتاتورك فى أوائل العشرينات، وكان لى ابن عم اسمه كمال، وزوج اختى (ابن عم والدى) اسمه عصمت، والاثنان من مواليد 1922، وقد سميا على اسم كمال اتاتورك وعصمت لست أدرى ماذا، وقد تمادى حديثى مع هذا الكهل الطيب حتى طرقنا باب وضع الإسلام فى تركيا (فى ظل ما قال)، فتعجّب من السؤال وحوّله إلى شرح إسلامه هو، وكاد يقول لى بذلك أنه: ماله هو والإسلام فى تركيا إنه يكتفى أن يمارس إسلامه هو، وهو يصلى بانتظام ، وهو مثل شاب الفندق، فخور بإسلامه بشكل أو بآخر.

رجعت وأنا فى حال، لا بد أن أدرّب نفسى على مزيد من رحابة تحمّل الاختلاف والتأجيل.

كل هؤلاء الناس، والمحطات التليفزيونية التركية الخالعة برقع الحياء، وأرقام التليفونات لتسويق الأجساد، والجميلات، والمآذن، وهذا العجوزالرائع، ورجل الحانة الذى أطلق السكر لسانه فراح يتدفق حزنا وحبا،  وهذا العجوز المتمسك بإسلامه المحب لزعيمه، الفخور ببلده، والشاب قارئ القرآن فى مسجد وسط البلد فى اسطانبول، ياه!!! ما ذا يعنى هذا كله؟ كل هؤلاء معا هم تركيا، أو على الأقل هم النماذج التى وصلتنى من اسطنبول لأقترب أكثر من ناس تركيا على الطريق إليها ومنها وفيها. لم أستطع أن أسجل كل هذا نثرا، فهاج بى الشعر إياه:

ـ 1 ـ

وموج بحر الناس يلطم الخدَرْ

تقولُها،…..وهِزَّة مسافرهْ،

تعيدُها،…. مؤذِّنٌ، وفاجرهْ،

تقولُها،….. تكبيرةٌ، وقُبّره،   تعيدُها

يجرجر اللُّغْدُ المدلّى قاعَهُ من فوق سقف الأُحْجية.

تَقُولُها…..،

يُقَهقِهُ اُلقَدَرْ.

ـ 2 ـ

تَخْتَـلُط الأجناُسُ والألوانُ والحقبْ

 فتستدير الكلمهْ،

 وتنثنى بنقطةٍ وشولهْ،

من اليسار لليمين أحرفٌ مبعثرهْ،

من كلِّ زهرةٍ جنينُها،

 ذِكْرىَ أَرِيِجهَا،

وشوكُ غَيْرهَا،

 وريحُ أرضها،

 بلا ثمرْ.

ـ 3 ـ

هل أنت مسلمٌ؟

نعمْ!!

أسلمتُ وجهى للذى فطرَالخلافَ والزمانَ والقدرْ

للذى شطرَ البشرْ

تعارفوا، تفرّقوا، تآلفُوا، تنافرُوا أبادُوا.

(أفندمْ، تَشَكُّرَاتْ، سلامْ)

فاملأْ لنا ذاكَ الذى سكبتَه

 فى ِصحتِكْ، فى غَفْوَتِكْ، فى صَرْخَتكْ،

مكتومةٌ بلا صليلْ

“ميميت” شفيعُ الفقراءْ

لكنّ يوم الحشر طالْ،

أفرِغْ لنا خمرَ المُنىَ قبلَ المقَالْ

 وابدأ بِنَا منِ ذا الحديث الأوَّلِ

فى صحّتكْ،

 نخب التُّقَى والجنْسِ والوجد الأبِىّ،

ونخبَ قَْلبِ الأَسَدِ.

ـ 4 ـ

وعنه قال:

لا تـُكثرُوا الكلامْ،

 وأسْكِنُوها اللؤلوهْ،

 وأرِجُعوها فى المحَارِ تحت ثدْىِ الموجَةِ المهاجرهْ

ـ 5 ـ

تَنَوعاَتُ الفِكْرِ والنّْظرَ،

 على نشيجِ الناىِ والدموعِ بَهْرِ ضوءِ البهرجهْ،

 واللحنُ ظِلُّ الناس فى حُضْن القمرْ

تنوُّعاَت البرق ِ والرعودِ

لحفر بئرٍ غائر بلا مياه،

وزهرةٍ بلا شجرْ،

وبيضةٍ بلا يمامْ.

وغَارُهَا:

ممَرْ حانَةٍ فى عطفةٍ مجهولةٍ بلا هُويةْ.

وعنكبوتُها:

يدبّج النقوشَ فوق طينٍ أَحْرَقَـتْهُ ناَرُ أحلامِ الّذهَبْ

غجريّةٌ فى ثوبِ سهرةٍ عريقْ،

تسحَبُ عَنْزَها الثَّمِلْ

ـ 6 ـ

أيَا بلادَ الشَّمْسِ والمآذنِ:

الموتُ فى التَخلفِ،

 والموت فى التَّقَدمِ

وصورةٌ لمنقذِ العقول من عقُولِهَا،

ـ 7 ـ

تعويذةٌ منمّقهْ،

وآيةُ محفورةُ تمدحُ آل المصطفَى،

وشمعةٌ يرتجُّ ضوؤُها يراقُصِ الظلَّ الوليد.

 يختفي،

 يدور حول المُلتقَى،

بلا لقاءْ

ـ 8 ـ

غطّت به ضفيرةٌ نافرةً

تمنّعت، فأغضت،

تهشّمت غـمامةٌ عابرةٌ،

أصابَهَا ـ فى مقتلٍ ـ قوسُ قزحْ،

تكشّفتْ ما كشَفتْ.

فانسابَ ما تبقّى،

تمايلتْ، ما سَكَبَتْ،

 وما ارْتَوَتْ.

وعلى الرغم من تحفّظى الشديد على ما أسميه شعرى إلا أننى ما زلت أشعر أن هذا الشعر أصدق تعبير لما جاش بصدرى آنذاك.

نظرتُ إلى زوجتى شاكرا وأنا أتساءل: هل كنتُ سوف أجد خيوط ما كنت أبحث عنه لو أنها استجابت لى؟ لو أنها رضختْ فأمضينا بقية الرحلة فى ذلك الكوخ القابع على الشاطئ، فى حضن الجبل بالقرب من بارانويا، أعنى باراليا؟

لا أعرف.  

 لا أظن.

………………

ونواصل الأسبوع القادم الفصل الرابع: (الفصل المفقود: 1) “ممَـرُّ حانَةٍ فى عطفةٍ مجهولةٍ بلا هُويةْ”(8)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] –  ترحالات يحيى الرخاوى: (2000) وتتضمن الترحالات: (الترحال الأول: “الناس والطريق”) و(الترحال الثانى: “الموت والحنين”) و(الترحال الثالث: “ذكر ما لا ينقال”) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والترحالات موجودة فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة  الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *