الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الاضطرابات الجامعة ( 29 ) عرض ونقد الطب النفسى الطوبائى

ملف الاضطرابات الجامعة ( 29 ) عرض ونقد الطب النفسى الطوبائى

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 6-2-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3081  

    الأساس فى الطب النفسى  

 الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة ( 29 )

عرض ونقد الطب النفسى الطوبائى

أولاً: الطب النفسى الإيجابى

مقدمة:

انهيت نشرة الأثنين الأسبوع الماضى بعد أن عددت أحد عشر نوعا مما أسميته “الطب النفسى السلبى” بالنوع “الثانى عشر” بعنوان: الطب النفسى “المثالى” (الطوبائى) وأشرت بإيجاز إلى أنى أعنى به تلك الممارسة المثالية أو التى تبدو كذلك، وهى التى تضع تصوراُ لما ينبغى أن يكون عليه الإنسان فى تمام صحته وكفاءته النفسية والاجتماعية والتحصيلية والبدنية والأخلاقية والإبداعية، وبرغم أنه مفهوم جيد وبراق، إلا أن الطب طب، وعليه أن يحدد مهمته فى كل وقت، وكل مرحلة، ولكل ثقافة، ولكل فرد حسب موقع وتوقيت زمان ووقت وطبيعة ممارسة مهمته، كما ضربت لذلك المثل الأول وهو نوع الطب البدعة الظريفة الجديدة، وهو ما يسمى “الطب النفسى الإيجابى”، ثم أشرت إلى “الطب النفسى التطورى”، بما فى ذلك ما أدعو إليه وهو “الطب النفسى التطورى الإيقاعحيوى”، وأنه ما لم توجد لأى من هذه الأنواع التى تبدو طوبائية معالم تطبيقية مهنية تحد من احتمال الشطح، فسوف تظل صفة الطوبائية سلبية لا إيجابية.

وأبدأ اليوم بأصل الاستطراد:

“الطب النفسى الإيجابى!”

وسوف أناقش مواصفاته بعرض نص فقرات متتالية كما حصلت عليها من شبكة المعلومات.

(مقتطف أول): تقليديا: يعرف الطب النفسى الإيجابى ويمارس على  أنه فرع من الطب يركز على التشخيص والعلاج للأمراض النفسية، وبناء على تنامى الأدلة من الممارسة الإكلينيكية، – كما يزعم الطب النفسى الإيجابى -، فإن هذا التعريف يحتاج إلى توسيع حتى نفهم ونحقق الحياة السوية الجيدة للبشر من خلال الدعم والتداخل الهادف لتنمية العافية السلوكية والعقلية

النقد:

الطب النفسى هو أحد فروع الطب، لا أكثر ولا أقل، وبالتالى فإن مهمته المباشرة هى تشخيص علاج الأمراض الخاصة به، أما فهم ودعم الحياة السوية الجيدة لتنمية العافية، فهذه مهمة التربية والسياسة والمجتمع الصحى ثم الطب الوقائى الذى يقع جزء منه فقط فى مجال الطب النفسى فعلا.

المفروض أن النقد الذى يوجَّه للطب التقليدى كما ورد فى هذا التعريف يقتصر على التنبيه على الكف عن المبالغة فى التركيز على التشخيص على حساب التخطيط العلاجى الأشمل، وألا يقتصر العلاج على الإسراع بالتداوى لإزالة الأعراض دون أن يضع بقدر كاف احتمال إتاحة الفرصة (وليس فرضها) لإطلاق قدرات النمو، أما أن تزاح المهمة الأساسية هكذا ليحل محلها ما ليس طبا، فعذرا.

(مقتطف ثانى): ….. ويمكن تعريف الطب النفسى الإيجابي أنه علم وممارسة  الطب النفسى الذى يسعى لفهم ودعم العافية شاملا السمات النفسية الإيجابية فى الذين يعانون من أو يكونون مستهدفين لخطر أن يصابوا بمرض عقلى أو جسدى، وهكذا يمكن أن يعود ذلك بالفائدة على الأسوياء الذين لم يلجأوا بعد للاستشارة الطبية

النقد:

مرة أخرى نلاحظ تجاوز العلاج والمداواة والمواساة (وهو التعريف الأصلى لما هو طب) إلى دعم العافية والسمات الإيجابية، طبعا هذه مهمة رائعة، لكنها مرحلة لاحقة لمن شاء من “المرضى” واستطاع أن يواصل رحلة النمو من خلال ما أتاحته له فرصة المرض، أو هى مرحلة سابقة لمن لم يمرض أصلاً، ولكنها ليس حرفة التطبيب الأساسية.

إن الاهتمام بالأسوياء ابتداء هكذا يخرجنا عن دائرة المهنة والتعاقد المتعدد المراحل بين الطبيب والمريض على مسار العلاج، ثم العمل على منع النكسة ما أمكن ذلك، ثم يضاف التأهيل للوقاية، بهذا الترتيب.

(مقتطف ثالث): ….إن الطب النفسى التقليدى وكذلك الأبحاث التقليدية تركز على البحث عن أسباب الأمراض العقلية، لتتمكن من إعطاء العلاج الناجع والإقلال من مصاحبات المرض من معاناة أو إعاقة

النقد:

طبعا يركز ونصف، هذه هى مهمة أى طب خاصة إذا كان السبب قائما وكافيا وحاضرا، وخاصة إذا كان سببا مُدِيما Perpetrating أى أنه عامل فى استدامة المرض، إذا كان السبب كذلك: فلابد من إزالته أولا، أما إذا كان السبب ماضيا وحكْياً وتثبيتا فالتقليل من الاهتمام بالأسباب بالصورة التبريرية التى شاعت هو شىء جيد، ذلك لأن المبالغة فى التركيز على الأسباب سواء من منطلق تحليلى أو تفريغ ذكرياتى قد راح يروج له التحليل النفسى ووسائل الإعلام والمسلسلات والعامة حتى أصبح معِّوقا لا مساعدا، ومؤخرا فإن الطب النفسى أصبح يركز أكثر فأكثر على “هنا والآن” وحلت “إذن ماذا” بدلا من “لماذا”.

نعم لابد من البدء بتخفيف المعاناة وإزالة الإعاقة، ثم حسب ما وصل المريض بعد ذلك، وحسب خبرة المعالج وظروف المجتمع المحيط الواقعية يبدأ التأهيل لتدعيم الإيجابيات.

وأيضا (مقتطف رابعا) يقول: ويؤكد الطب النفسى الإيجابى على مساندته لتعريف الصحة النفسية الإيجابية كما أوردته منظمة الصحة العالمية وأنها ليست مجرد ما ليس مرضا أو وهنا ولكنها حالة من تمام الصلاحية (الرفاه) الجسدية والنفسية (العقلية) والاجتماعية (لاحظ كلمة “تمام”)

النقد:

هذا التعريف للصحة النفسية هو تعريف على العين والرأس، لكن علاقته المباشرة بالتطبيب ينبغى أن تتم بخطوات عملية متدرجة مختارة، ولا ينبغى الخلط بين تعريف الصحة وبين تعريف مهنة الطب التى لها قواعدها وأصولها.

ثم نلاحظ أيضا حكاية تمام الصحة العقلية والاجتماعية Complete، وهل يوجد شىء فى الحياة الواقعية مع كل هذه الاختلافات الثقافية والاختلافات الفردية اسمه تمام Compete، إن هذا يتجاوز ويهمل النظر إلى الكائن البشرى ككيان دائم النمو والتطور والإبداع، وأن مسيرته دائما ناقصة، بما فى ذلك تطور مستويات صحته مع كل أزمة نمو، إن الاعتراف بهذا النقص هو من أهم محركات الإنسان نحو المراحل الأرقى فالأرقى من مستويات الصحة (كما أشرت فى فرضى الباكر. أنظر: (نشرة 26-10-2010) و(نشرة 2-11-2010) و(نشرة 23-11-2010)  و(نشرة 24-11-2010) و(نشرة 30-11-2010) و(نشرة 1-12-2010)

وأخيرا(مقتطف خامس): يؤكد هذا الطب النفسى الإيجابى على السمات التى ينبغى أن تتوافر حتى يستحق الشخص أن يكون صحيحا ويضمها تحت هذا المسمى ويسميها “السمات النفسية الإيجابية” وهى (حسب المقتطف):

المرونة، والاهتمام، والروحانية، والتدين، والحكمة (التى تتضمن التعاطف: المواجدة) والتفاؤل، والشجاعة، وأخلاقيات العمل، والتوجه العقلى المستقبلى، ومهارات التواصل البيننشخصى، والقدرة على الفرح، والبصيرة، والمسئولية الاجتماعية

النقد:

حاضر حاضر: هل هذا طب أم هى شروط التقدم لوظيفة فى مسرحية “السكرتير الفنى” أم أنها المواصفات التى يستحيل ان يدعيها حتى المرشح لمجلس الشعب!

عذرا

لكنها فعلا مواصفات أدعو الله أن أستطيع التمتع بما تيسير لى من نصيب منها قبل أن ألقاه سبحانه وتعالى ليغفر لى ما لم أستطع تحقيقه.

الخلاصة:

بعد مناقشة هذه المقتطفات المحدودة عن الطب النفسى الإيجابى هناك ملاحظات عامة كنت قد أشرت إليها فى البداية وأود أن أؤكد عليها مرة ثانية:

هذا الطب هو توصيف ساكن لا يضع فى الاعتبار النقلات والتطور الدائم

وهو توصيف عام لا يضع فى الاعتبار اختلاف الثقافات

وهو توصيف جامع لا يعمل حساب الفروق الفردية ولا حتى الفروق فى مراحل المرض وأنواع الأمراض.

وأخيرا فهو توصيف “جاهز” لم يعط أى اهتمام خاص بحركية الإبداع بكل مستويات معانيه.

وبعد

غدًا أنقد الطب النفسى التطورى وخاصة نظريتى الإيقاعحيوى التطورى، ما لم تعدلها الشروط وإمكانيات التطبيق.

وربنا يستر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *