الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة مستويات الحضارة المحكات الساذجة، والفعل اليومى البسيط

تعتعة مستويات الحضارة المحكات الساذجة، والفعل اليومى البسيط

“نشرة” الإنسان والتطور

16-2-2008

العدد: 169

تعتعة

مستويات الحضارة

المحكات الساذجة، والفعل اليومى البسيط

تتكون الدنيا كلها من أشياء بسيطة، حتى “الدهر” نفسه هو ليس إلا مجموع لحظاته،

 الأشياء البسيطة بسيطة، تُرَى أولا تُرَى بالعين المجردة.

 تتجمع الأشياء البسيطة فى أشياء محددة،

 ثم تتميز الأشياء المحددة فى أشكال منتظمة،

 ثم تتشكل الأشياء المنتظمة فى المحيط الممتد،

 فنعرف فى أى عصر نحن، فى أى مرحلة، إلى أين،

 وإليك بعض الإشارات والمحكات:

مثال (1) هل هناك فرق بين الساعة السابعة والساعة السابعة إلا عشر دقائق، أم أن الساعة السابعة هى هى السابعة إلا عشرة أو السابعة وعشرة؟

 أدرس وأدرّب فى قصر العينى على العلاج النفسى منذ 38 عاما بدءًا من الساعة السابعة إلا عشر دقائق صباحا، كان يوم الثلاثاء (ثم أصبح الأربعاء)، أما المرور الإكلينيكى الأسبوعى فهو يوم الخميس وهو يبدأ الساعة السابعة وخمسة عشرة دقيقة صباحا، سألنى الدارسون لماذا هذا التوقيت الغريب؟ لم أجب فى البداية وتركتهم يستنتجون، ثم اضطررت أن أشرح كالتالى: لو كان الموعد السابعة وتأخر أحدهم عشر دقائق أو ربع ساعة، فسوف يكون عذره أننا – على كل حال “حول السابعة”،لكن السابعة إلا عشر دقائق ليس لها “حول”، يصبح سخيفا أن يقول أنه تأخر لأن الساعة “حول السابعة وعشر دقائق”.. جرّب تقولها وسوف تعرف الفرق.

مثال (2) هل لاحظت – وإن كنت تسافر إلى الخارج قارنْتَ – أنه لم يعد وجود لما يسمّى الباقى عند التعامل بالنقود بين الناس؟ لا توجد بقية ثمن تذكرة السينما، أو البنزين، أو ورقة الدمغة، أو وجبة طعام، أو تذكرة قطار:

  • إن كان هناك باق بالتحديد لما تدفع فهذا مستوى حضارى،
  • وإن لم يكن هناك باق مع الاعتذار فهذا مستوى آخر،
  • إذا لم يكن هناك باق بدون اعتذار، فهذا مستوى ثالث

 وأخيرا، وإذا كان عاجبك:

  • إذا لم يكن هناك باق بدون اعتذار، مضاف إليه زغرة طاردة لأنك تلكأت تنتظره، فهذا مستوى رابع

 وهكذا.

مثال (3) المكان: المراحيض فى أول شارع المنيل فى طرف الحديقة التى تقع بين ورشة المرحوم الاسطى صلاح بلاسى ومحل المرحوم محمد حسن السمكرى،

 لا أجد سبيلا لوصف مراحل الحضارة التى وصلت إليها هذه المراحيض، لأنها وصلت إلى مرحلة ما قبل البشرية، حتى اعتقدتُ أن الكلاب تقضى حاجتها فى الحديقة ليس حبا فى الهواء الطلق، ولكن قرفا مما آل إليه البشر وهم يمارسون نفس النشاط الفسيولوجى.

على مستوى الخيال يمكن تعداد المستويات الحضارية لدورات المياه فى عاصمتنا المصون على الوجه التالى:

المستوى الأول: أماكن بلا هواء ولا ماء ولا ورق

المستوى الأعلى قليلا: أماكن بالهواء بدون ماء ولا ورق

المستوى الأعلى: أماكن بالهواء والماء خارج المراحيض وليس داخلها.

المستوى الأعلى: أماكن بالهواء والماء حتى داخل المراحيض لكن الطارد (السيفون) لا يعمل.

على الجانب الآخر من البحر المتوسط يمكن أن تجد مراحيض تلمع مثل حجرة صالون نائب وزير عندنا، لكنها أيضا ذات مستويين حضاريين.

المستوى الأول عليها لافتة تقول: أترك المكان كما وجدته لو سمحت.

المستوى الثانى لافتة تقول: أترك المكان كما كنت تحب أن تجده.

هل عرفت الفرق؟

 المستوى الثانى يدفعك أن تصحح خطأ من ترك المكان فى حالة لا ترُضى القادم بعده.

تذكرة بالفعل البسيط جدا

ننتقل الآن من رصد علامات الحضارة إلى النظر فى هذا الفعل البسيط جدا الذى يتجمع فى الظروف الملائمة، مع بشر يستأهلون هذه الصفة فتتخلق الحضارة.

الفعل البسيط المنتظم (تلقائيا) المستمر هو أصل البقاء،

تحدّث قانون البقاء الآن، فلم يعد البقاء للأشطر، أو للأقوى، أو للأشد افتراسا وأقسى قتلا، ولا للأغنى ولا للأعلى صوتا ولا حتى للأعظم إبداعا،

 البقاء الآن

  • لذى النفس الطويل،
  • المنظم بإصرار،
  • الذى ينجح أن يتجنب المعارك الجانبية، والنشاطات الدائرية حول نفسها،
  • الذى يحسن وضع الطوبة فوق أختها باستمرار باستمرار دون أن ينظر إلى مدى ارتفاع البناء.

استشهادات:

أولا: من حكمة المجانين

الحكمة رقم (5) تقول:

 الفعل اليومى المتقن .. إسهام رائع فى مسيرة الحياة، لأنه يقربك من قانون “القدر”

الحكمة رقم (4)

“.. لا تستهن بالفعل البسيط العادى المستمر، فشمول رؤيتك لا يغنى عنه، وهو فى ذاته إثبات لإنسانيتك وتواضعك البشرى الرائع فى سعيك اليومى المتصل إليه، حتى بغير علمك”.

الحكمة (6) تقول:

لا يوجد مقياس لأى صحيح … إلا الفعل اليومى الصحيح

 

الحكمة (7) – بعد التحديث- تقول:

حينما تدور الدورة كاملة، ستجد نفسك حيث بدأت:

تقوم بكل الأشياء العادية البسيطة التى كنت تقوم بها منذ البداية،

هى هى نفس الأشياء العادية البسيطة،

لتكتشف معنى نبض الأشياء العادية البسيطة.

الحكمة (7)

حين تقوم بالفعل الذى مثل كل الأفعال

وتتحدث الحديث الذى مثل كل الأحاديث،

ولكنك ترى فى هذا وذاك الرؤية التى ليست مثل كل الرؤى،

تكون هذا أنت الذى ليس كمثك شئ،

ولكنك أيضا لست خلافا لأى شئ.

الحكمة (10) – تحديث-

إذا أحسنت رؤيته وهو يعمل مُلثَّماً بالطيبة

وهو  ترس نابض يدير ترسا صامتا،

وهو جدول هادئ يروى زرعا جافا فى إصرار.

سوف تعرف معنى الفعل المستمر البسيط

وقد تخجل من نفسك إن كان عندك دم،

 يا مدمن الإحساس الاستنمائى

 والتفكير المكيف الاسترخائى.

الحكمة (11) – تحديث-

لا تخدع العامل البسيط  بأن تمدح عمله

 شمّر وأرنا شطارتك إن كنت صادقا

 أو على الأقل، ساعده يدور دورته ليدرك بنفسه ما حسدته عليه

فيعيش له وبه أعمق

فيزيد حرمانك منه، وحسدك له

فتكف عن تذوقه نيابةً عنه،

الحكمة (13)

لا تكره الروتين، …. وإلا كرهتَ طلوع الشمس كل صباح

من أصدٍاء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) “البلاغة”

…. تذكرت كلمات بسيطة لا وزن لها فى ذاتها مثل:

 “أنت” …

 “فيم تفكر” ..

 “طيب” …

 “يا لك من ماكر” ..

 ولكن لسحرها الغريب الغامض جُنَّ أناس …

 وثمل آخرون بسعادة لا توصف ….

من قصيدة “أنهار المسعى السبعة” (ديوان البيت الزجاجى والثعبان)

… وَلَعَاَدَ المعنى

يملأ وجه الكلمةْ

يهتز الكون

لو يعنى القائل: “أهلاً”

أَنْ “أهلاَ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *