“نشرة” الإنسان والتطور
20-2-2008
العدد: 173
“لعبة الذل (3)”
مع الأسوياء: الجزء الثانى
المقدمة:
تأكدت الآن أن المخاوف التى ثارت عندى وأنا أقدم هذه الحلقة فى قناة النيل الثقافية لها ما يبررها، وهى هى التى حضرتنى وأنا أقدمها كتابة الآن، وقد تجلت أكثر من خلال تلك الرسالة التى وصلتنى من قارئة جادة ناقدة محذّرة أشرتُ إليها فى حلقة أمس، وقد أردت أن أوضح اليوم أكثر طبيعة هذه الألعاب باعتبارها تمارس من خلال “أفراد” أسوياء، لا يمثلون – طبعا- إلا أنفسهم، لكنهم عينة هامة من الناس، قد تساعدنا أن نتعرف على جانب من النفس البشرية من خلال بضع وحدات من بنى الإنسان.
إن الفرد هو الوحدة التى يتكون منها المجتمع، ويتطور من خلالها النوع، وكل ما يجرى خارجه فى الجماعة أو المجتمع يصب فى النهاية فيه، وفى نفس الوقت: لا يوجد حل اسمه “الحل الفردى”،
الأنبياء – عليهم السلام- حين نزل عليهم الوحى بدأ بهم، وهم لم يكونوا أنبياء إلا لأنهم لم يتوقفوا عند الحل الفردى،
بعض الصوفية خدعهم الحل الفردى وسيحاسبهم الله بعدله ورحمته معا،
فى نفس الوقت لا يجوز أن نهرب فى الجماعة من مسئوليتنا أفرادا، لا جماعتنا التى نحتمى بها، ولا جماعة المغيرين علينا الذين نضع عليهم كل اللوم أحيانا.
على كل واحد أن يقوم بما يستطيع فى المجال الذى يقدر عليه ليصب العائد فى خير الناس ودفع التطور
هذه الألعاب تحرك وعى الأفراد فالأفراد، ثم ليتحمل كل واحد ما يصله وما تحرك منه فى جماعته حتى يمتد ما يصله إلى كل البشر، ثم هو يلقى الحق تعالى “فردا” فى نهاية النهاية.
لا تعميم،
لا الحل الفردى ينطبق على الجماعة ولا جهد الجماعة يغنى عن مسئولية الفرد، كلُّ فى فلك يسبحون، لكنهم يلتقون حتما، حتى بدون قصد.
أو: ينقرضون معاً
والآن نبدأ اللعب:
اللعبة السادسة: أنا لو ضمنت إن ماْفقسى نفسى وأنا باتنازل لدرجة الذل يمكن….
أ. محمد: يا أستاذ عماد أنا لو ضمنت إنى مافقسى نفسى وأنا باتنازل لدرجة الذل يمكن أكمل فيه على طول
أ. عماد: يادكتور تامر، أنا لو ضمنت إنى مافقسى نفسى وأنا باتنازل لدرجة الذل يمكن أفضل ذالل نفسى على طول
د. تامر: يا دكتور يحيى، أنا لو ضمنت إنى مافقسى نفسى وأنا باتنازل لدرجة الذل يمكن أجرب
د.يحيى: يا دكتور باهر، أنا لو ضمنت إنى مافقسى نفسى وأنا باتنازل لدرجة الذل يمكن أتمأدى وأنا مش عارف
د. باهر: عزيزى المشاهد، أنا لو ضمنت إنى مافقسى نفسى وأنا باتنازل لدرجة الذل يمكن يبقى مفيش مشكلة
المناقشة
تكمل الاستجابات فى هذه اللعبة ما جاء من مواجهة مؤلمة فى اللعب السابقة، يبدو أن المسألة وصلت إلى درجة مزعجة نتيجة هذه المحاولة المتسحبة التى تم بها: إحياء البصيرة خلال خمسة ألعاب قام بها بضعة أشخاص لمدة نصف ساعة!
لعلنا نتحمل مسئوليتنا ونمضى.
بدأ د. باهر بالتعليق بعد اللعبة: “احنا مش خايفين من الناس، .. يعنى الخوف: من الذل مهواش خوف من رؤية الناس له، دى حاجة بين الواحد ونفسه، فيوافقةمحمد “دا نفس اللى وصلنى بالضبط، إن لو انا ما شوفتش نفسى ممكن أكمل، لكن المشكلة انى اتفقست، فأنا مصدوم، فتبقى الدنيا صعبة.
أيضا حكى فى المناقشة بعد اللعبة كل من: أ. عماد، ود. تامر عن حيرة وصعوبة ما وصله نتيجة التعرية، فأضاف عماد أنه ربما – بذلك – يتصالح مع نفسه، ليتخذ موقفا مع ما لا يريد لنفسه، لم يحدده، لكنه انتبه “مش عارف زى ما أكون باتصالح ولا إيه “مش عارف، أنا فعلا مش عارف” فيعترض د. يحيى ويستوضح فيشرح أ. عماد “أقصد يعنى اللى تحت بقى أسهل“
فيعقب د. يحيى
“…أسهل بس أخطر، يعنى انت بتتصالح بالعمى؟!، محمد ابتدى بالعمى، وبيفتح واحدة واحدة، يعنى هى من كتر ما هى بتوجع احنا جاهزين للتنازل، خلى بالك احنا بنقول ما فْقسّى نفسى وانا باتنازل مش وانا باتذل دى تفرق، يعنى الخوف هو من رؤية التنازل، كل واحد يقول “ما هو خلاص، ما هو مش شايف ما هو ساعتها مش حايبقى ذل” دى تبقى مصيبة سودا.
أما د. تامر، فنحن لم نعرف ماذا يقصد بالتجريب “يمكن أجرّب”، لا هو شرح ما يعنى أثناء المناقشة، ولا أحد سأله، ربما يقصد: أن يجرّب أن يتنازل ليرى النتيجة ثم يقرر!
نلاحظ هنا قدرة اللعبة على ضبط “حركات اللاشعور” فى المشاركة فى التنازل، وبالتالى فإن الحل ليس هو التبرير أو المبالغة فى المثالية، وإنما المواجهة وتحمل مسئولية ما يصدر حتى مما يسمى اللاشعور، لأنه فى النهاية ليس سوى “أنا”!!
***
اللعبة السابعة: ذل بذل ……… أنا بقى ………..
د . باهر: بقول لحضرتك ، ذل بذل أنا بقى حانقّى الذل ……
د .يحيى: طيب يا عماد ، ذل بذل أنا بقى لازم آخد حقى
أ .عماد: يا تامر ، ذل بذل أنا بقى لازم أعيش زى ما أنا عايز
د. تامر: يا أستاذ محمد ، ذل بذل أنا بقى لأزم أفرض شروطى
أ .محمد: أعزائى المشاهدين ذل بذل أنا بقى أنا حاكسب على طول
المناقشة
بدت هذه اللعبة دفعا إلى ما بعد الوعى بواقعية الذل واحتمال مشاركتنا فى قبوله، دون تغطية ولا تورية، ويبدو أنها حفزت التحدى والتحفز، فها هو د. باهر ينتقى نوع الذل حانقّى الذل، وعماد يأخذ المقابل “أعيش زى ما أنا عايز” ومحمد يكسب على طول “أنا حاكسب على طول” وتامر يفرض شروطه “لازم افرض شروطى”، ود. يحيى يأخذ حقه “لازم آخذ حقى”، يبدو هذا الموقف تعرية أصعب، كما يبدو أن هذه اللعبة سرقت المشاركين فهى بعد أن استدرجتهم إلى التغطية والتموية، رفعت الغطاء فجأة دفعاً إلى واقع بشع، فيلوح المقابل بشكل أو بأخر، وفى المناقشة يعلن أ.عماد الذى وقع فى بداية الحلقة حيرة بلا حدود، وغموض صعب أنه “حسيت إن أنا كده مش مظلوم” وليس هذا فحسب بل إن موقفه اتضح أكثر حين أضاف “برضه أنا مش مذلول قوى” أما د. تامر فقد أعلن أنه مازال يحس بالصعوبة حتى بعد فرض شروطه فقد عقب متسائلا متعجبا: “هو أنا ممكن أقبل تحدى الذل لما ينفرض على؟ ممكن أنى أنا اقبله؟! دا صعب جدا، أرضى بالواقع دا كان صعب علىّ” عشان كده أنا قلت أفرض شروطى.
يبدو هذا الموقف لأول وهله “نفعيا” بشكل أو بآخر، ولكن من خلال نظرة أعمق، يبدو أنه خطوة قوية فى اكتساب قوة ما قد تفيد فى دفع ذلٍّ محتمل لاحق، إنهامعاناة استيعاب الواقع لتغييره، بدلا من ادعاء العكس، ونفى استسلام يسرى فينا من ورائنا تحت زعم حلّ صراعى ظاهر، هذا الموقف النفعى يمكن أن يكون شديد السلبية حين يصبح هو نهاية المطاف، كما يمكن أن يكون علامة نضج حين يمهد لقوة تمنع تكرار الذل والمشاركة فى تماديه
***
اللعبة الثامنة: دا أنا لو ظبت نفسى باذل غيرى ولو من غير قصد يمكن….
أ. عماد: دكتور باهر، دا أنا لو ظبت نفسى باذل غيرى ولو من غير قصد يمكن ماكنتش ذليت نفسى
د. باهر: يا محمد، دا أنا لو ظبت نفسى باذل غيرى ولو من غير قصد يمكن حاكره نفسى أوى
أ.محمد: يادكتور تامر، دا أنا لو ظبت نفسى باذل غيرى ولو من غير قصد يمكن ماسامحشى نفسى
د. تامر: يادكتور يحيى، دا أنا لو ظبت نفسى باذل غيرى ولو من غير قصد يمكن أغير رأيىٍ
د. يحيى: عزيزى المشاهد ، دا أنا لو ظبت نفسى باذل غيرى ولو من غير قصد يمكن ماحترمش نفسى طول العمر
المناقشة
انقلبت الآية، وبدلا من التركيز على كشف المشاركة فى إذلال النفس، حاولنا أن نبين جانبا آخر من المسألة من حيث احتمال إذلال الغير، ربما يكشف لنا ذلك عن بعد آخر للطبيعة البشرية من حيث أن عملية الذل، ظاهرة أو خفية، إحداُثُه أو تلقّيهْ، هى كلها من الطبيعة البشرية، وأن من يشكو، أو يعانى من الذل قد يكون هو نفسه مستعداً لإذلال الغير مع احتمال أن يسمى ذلك باسم آخر، وقد حاولت اللعبة تعرية هذا الاحتمال من حيث أن الواحد منا لو اكتشف حقيقة ما يمكن أن يفعله بالآخر، فربما يساعده هذا أن يتقى مثل ذلك لنفسه. إضافة الجملة الاعتراضية “ولو من غير قصد” هنا ربما كانت بهدف تحميل المسئولية للمذِلّ، حتى لو احتج أنه فعل ذلك بعيدا عن دائرة وعيه الظاهر.
أ. عماد وضّح الربط بين الوعى باحتمال أن يكون هو المذِلّ وبين إذلال نفسه، “… يمكن ماكنتش ذليت نفسى” وكأن النفس هنا كانت بمثابة آخر داخلى،
خطر لى فرضٌ جديد الآن:
ربما كان من يذل نفسه، أو يقبل الذل على نفسه، ولو لا شعوريا هو يذل شخصا آخر داخله، فتصورت أن هذه الرؤية هكذا قد تفيد فى تحريك الوعى نحو التوجه إلى موقع أرقى من الوجود البشرى حين نعتبر بهذا أننا إذْ نقبل أن نذل أنفسنا، كأننا نحن أيضا نذل آخر داخلنا، إن حدة الوعى بهذا الاحتمال – لو صح- يحملنا مسئولية أكبر.
إذا كنا رفضنا أن نذل الآخر حتى كرهنا أنفسنا بهذه الدرجة، ورفضنا ذلك حتى لو حدث من وراء وعينا، فكيف نقبل أن نذل أنفسنا والمفروض أن مثلها مثل هذا “الآخر”، لها نفس الحقوق علينا.
ربما هذا ما يقابل الحب الناضج حين يكون شرطه أن يبدأ باحترام النفس وحبها أولا (ليس أنانية) بمعنى أن الذى يحب نفسه (دون أنانية) هو القادر أن يحب الآخر، هذا نضج خاص
وبالقياس إن من يأبى الذل على نفسه هو هو الذى لا يستطيع أن يسمح لنفسه أن يذل آخر.
اتفق كل من د. باهر ومحمد ود.يحيى على نوع من محاسبة النفس لحد الكراهية “حاكره نفسى قوى” وعدم العفو “ما سامحشى نفسى” وعدم الاحترام “ما احترمشى نفسى” (طول العمر)، ويبدو أن هذه الدرجة من الرفض هى الأهم فى تعديل السلوك، أهم من المبالغة فى الندم والاعتذار. د. تامر انتقل خطوه أخرى لأنه جعل وعيه بهذا الاحتمال دافعا للتعبير عن أنه “يمكن أغير رأيى”، وإن كان مجرد تغيير الرأى لم يصل إلينا أنه تغيير فى اى اتجاه.
ملحوظة: شرح د. يحيى الموقف تفصيلا نظريا بشكل غير مألوف فى هذه الحلقات (“لعبة الذل” من برنامج سر اللعبة بقناة النيل الثقافية بتاريخ 16-4-2004)
وانتهى شرحه بما يشبه الاعتذار لفرط الجرعة، وربما هذا هو ما جعله يطلب من المشاهدين فى آخر الحلقة (اللعبة العاشرة)، ساخرا أو متحديا أن ينسوا ما جرى فيهم، وما انكشف لهم، من خلال اللعبة.
انتهى د. يحيى بعد تعقيبه الطويل بقوله:
أنا رأيى إنها من أصعب اللعبات اللى أنا لعبتها فى البرنامج دا من يوم ما ابتدا:
هوّا احنا عايزين نوصّل للناس إيه؟
إنهم يقبلوا الظلم؟
إنهم يرفضوا الذل؟
إنهم يبقوا هِبْل ومش عايشين فى الواقع؟
إنهم يبطلوا يذلوا غيرهم؟
عايزين نوصل للناس إيه؟
تحريك الوعى بهذا الأسلوب لا يفرض على أحد توجّه معين، بقدر ما يأمل أن يوسع الرؤية، ويعرّى الموجود، أملا فى امتداد دائرة الإحاطة، ومن ثَمَّ المسئولية، واضطراد النمو للفرد فالمجموع.
***
اللعبه التاسعة: انا مستعد أذل نفسى بخطرى فى حاله واحده بس هى إن…..
د.تامر: يا دكتور يحيى انا مستعد أذل نفسى بخطرى فى حاله واحده بس هى إن أكون واحد و معايا كل الناس
د. يحيى: يا عماد انا مستعد أذل نفسى بخطرى فى حاله واحده بس هى إن يكون فى ده إنقاذ حياة طفل برئ
ا.عماد فتحى: يا دكتور باهر انا مستعد أذل نفسى بخطرى فى حاله واحده بس هى إن ماكنش كسبان دايما لوحدى
د.باهر: يا محمد انا مستعد أذل نفسى بخطرى فى حاله واحده بس هى إن لو ده حايحقق حاجه غاليه عليا قوى وما قداميش حل تانى
أ. محمد أسماعيل: اعزائى المشاهدين انا مستعد أذل نفسى بخطرى فى حاله واحده بس هى ان ده يحل مشاكل الكل
المناقشة
إضافة كلمة – بِخُطْرى – هنا فى نص اللعبة نقلت الإرداة المستترة إلى ظاهر الشعور، بدلا من أن يتم اللعب الخفى من ورائنا. هذا التحديد بإعلان القصد الإرادى هو الذى أنار منطقة ما كان يجرى من ورائنا ونحن نرفع لافتات العكس (أنا مستحيل أذل نفسى) المفروض أن هذه الإنارة تضيّق دائرة احتمال أن أشارك فى إذلال نفسى بإرادتى، بألفاظ أخرى: إن حل مواجهة هذا الاحتمال أنى مساهم فى إذلال نفسى لا يكون بإنكاره، وإنما يكون بإظهاره وسحبه إلى دائرة الوعى، وبالتالى تضيق الدائرة إلى أن تصل – ما دامت المسألة ” بِخُطْرى“- إلى “حالة واحده بس”، كما تقول اللعبة.
نلاحظ أيضا من الاستجابات أنه: فيما عدا د. تامر اتضح أن السماح بهذه الجرعة الإرادية من إذلال النفس بهذه الدرجة من الوعى لا يسمح بها من يفعلها إلا بمقابل كبير تماما بدا عند د. باهر مقابل شخصى غالبا “حاجة غالية عليا قوى، وما قداميش حل تانى“، أما عند محمد فقد كان الثمن مثاليا حتى بدا مستحيلا كما أنه لم يكن قاصرا على شخصه “يحل مشاكل الكل” كذلك فى حالة أ. عماد فقد اشترط إدخال الآخرين فى الصفقة “ماكُنشىِ كسبان لوحدى“، أما د. يحيى فوضع ظرْفاً محددا هو: لإنقاذ حياة طفل برئ.
إجابة د. تامر هى التى احتاجت إيضاحا ليشرح قوله: “أكون واحد ومعايا كل الناس” وحين استفسر منه د. يحيى عن هذا الغموض قال قصدى “معايا كل الناس وكلنا زى بعض” فاتضح أنه يعنى نوعا من التعميم مثل الذى قال به محمد “حل مشاكل الكل” وإلى درجة أقل أوضح عماد “ماكُنش كسبان وحدى“.
نستطيع أن نخلص من هذه النقلة ونحن نقترب من نهاية المغامرة إلى أنه يبدو أن الوعى بحقيقة ما بداخلنا، وتحمل مسئوليته هو السبيل الأمثل لتغييره واكتساب القوة من الآلام المترتبة على كشف ما كنا لا نعلم عنه شيئا، والآن يمكن أن نرفضه.
***
اللعبة العاشرة: كله الا الذل…. يا ساتر! علشان كده ……
أ. عماد فتحى: يا دكتور تامر كله الا الذل …. يا ساتر! علشان كده مش حاذل نفسى تانى ابدا
د. تامر: يا استاذ محمد كله الا الذل …. يا ساتر! علشان كده انا حافضل رافض
أ. محمد أسماعيل: يا دكتور باهر كله الا الذل …. يا ساتر! علشان كده كفايه قوى
د. باهر: يا دكتور يحيى كله الا الذل …. يا ساتر! علشان كده لازم نكون اتعلمنا حاجه انهارده وده يغّير بكره وبعده
د. يحيى: عزيزى المشاهد كله الا الذل …. يا ساتر! علشان كده نفسى ان احنا ننسى اللى حصل فى الحلقه دى، وربنا يستر ونخليها متغطيه كده أحسن
المناقشة
جاءت هذه اللعبة الأخيرة وكأنها محاولة لتهدئة ما أثير من تعرية بدت جرعتها زائدة على ما يبدو، وإن كانت قد حركت ما يمكن أن يكون الهدف الأصلى من التعرية مهما بلغ الألم.
كما يبدو أن هذه اللعبة الأخيرة قد سمحت بالتراجع عن حدة البصيرة، والمواجهة، وعن الاعتراف بأن الإسهام فى ذل النفس هو جزء لا يتجزأ من حركية الواقع الصعب مهما أعلنا غير ذلك، إن تخفيف جرعة الألم الناتج عن التعرية المفاجئة، يكون أحيانا توقيا لاستعمال نوع أخطر من الميكانزمات لتغطيتها من جديد بشكل أخبث، ومن ذلك إنكار ما خرج منا واعتباره مجرد “هزل” أو مصادفة، فجاءت اللعبة الأخيرة لتسمح للوعى الظاهر أن يسترد حجمه إلا قليلا ما أمكن ذلك، وقد بدت توصية د. يحيى وكأنه يعنى “أرنَا شطارتك، حَاول أن تنسى لو قدرت“!!!.
أعلن باهر احتمال أن تكون الألعاب السابقة فرصة لتعلّم جديدٍ ما، عشان كده “لازم نكون اتعملنا حاجة النهاردة“، وامتد أمله فى التغيير الذى بدا ضروريا بعد مناقشة استجاباته ومناقشتهما واستجابات المجموعة حيث أنه أضاف: “.. وده يغّير بكره وبعده”،
وفى نفس الاتجاه يمكن فهم استجابة محمد أن ما وصله كان كافيا: “عشان كفاية قوى” أما عماد فقد اتخذ موقفا وإن بدا مثاليا “أنا مش حاذل نفسى تانى أبدا” وكأنه رجع إلى ما أغرتنا به أول لعبة “أنا مستحيل أذل نفسى” إلا أنه وصل إلىّ أن ما قاله فى النهاية هو غير ما قاله فى حماس البداية، فقد بدا لى أنه اقترب من احتمال واقعى أكثر، ففرق بين الإسهام فى الرفض وبين افتراض استحالته تلقائيا فى البداية، أما د. تامر فقد تمسك بموقفه الرافض مهما ترتب عليه، فبدا مستعدا أن يدفع الثمن ألما وخوفا، أو ربما من خلال دفاعات أخف من أن يسمى الذل باسم تدليل يخفيه.
يبدو فعلا أن د. يحيى قد تعمد فى النهاية أن يعلن اعترافه بأن درجة التعرية ربما كانت أكبر من الاحتمال، وأن من حق كل واحد أن يتراجع بالدرجة التى تناسبه، (إن استطاع!!) ثم ربما يعاود التعرية بالقدر الذى يقدر عليه، إن لم يستطع أن ينسى كل ما حدث،
وهو لن يستطيع غالبا.
***
خاتمة:
تصورت بعد التورط فى تقديم هذه اليوميات الثلاث عن الذل، أنه ربما كان من الأفضل أن أؤجل ذلك إلى ما بعد أن يتعود الزائر/ القارئ على فكرة “اللعب” هذه حتى لا يُصدم بجرعة تثير الدفاعات أكثر من إنارة الوعى، لكننى التمست العذر لنفسى بأننى لا أختار الموضوع اختيارا هادفا مسلسلاً، ثم إننى وأنا أكتب يوميا، لا أضمن أن المتلقى هو هو – وبالتالى فكيف أتدرج معه واحدة واحدة حتى نصل إلى عمق وآلام مثل هذا التعرى، وهو متلقٍّ متغير غالبا؟
قد يصلح ذلك إذا أنا كنت قد جمعت الألعاب فى كتاب واحد له أول وله آخر، وبالتالى أؤخر مثل هذه اللعبة حتى يعتاد القارئ متدرجا آلية التعرى، لكن النشر يوميا هكذا، فى موقع إلكترونى هكذا، لا يضمن لى أننى أخاطب نفس الزائر طول الوقت.
ثم إننى – اخيرا – لست وصيا على زوارى وقرائى حتى أفترض لهم وفيهم المستوى الذى يمكن أن يتحملوه، والمستوى الذى هو فوق طاقتهم.
لهذا، لن أعتذر كما اعتذرت للمشاهدين أثناء تقديم البرامج.
“ولكلٍّ حسب نضجه، ومن كلٍّ حسب مسئوليته”.
وإلى لعبة أخرى،
ربنا يستر.