نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 5-5-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 4995
الأربعاء الحر:
مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه (1)
الكتاب الأول الحالات: من (1) إلى (20)
تذكرة:
ننشر اليوم، وكل أربعاء، – كما ذكرنا – عملاً أقل تنظيرا وأكثر ارتباطا بالممارسة الكلينيكية العملية وخاصة فيما هو “العلاج النفسى”، فنواصل نشر الحالة (10) من الكتاب الأول من سلسلة الكتب الخمس التي صدرت بعنوان “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، وطبعا ما سوف ينشر هو لحالة واحدة كل أسبوع، ومع ذلك فقد تتخطى الحالة الواحدة الخمس صفحات (وأحيانا –نادرا- إلى تسعة)، لكننى وجدت أنه يستحيل تجزئتها على أسبوعين وإلا انقطع الحوار وضاعت الفائدة، ولا يحتاج الأمر إلى التنويه إلى أن أسماء المتعالجين ليست هي الأسماء الحقيقية، وأننا حورنا أى معالم قد تدل على صاحبها احتراما لحقوقه وشكرا لكرمه بهذا السماح بما يفيد من قد يمر في مثل محنته،
جزى الله الجميع عنا خيرا
****
الحالة: (10)
هل العلاج النفسى نوع من “الـدردشة” (2) (3)
أ. أحمد عبد الغفور: هى بنت عندها 29 سنة من بلد عربى بتشتغل مذيعة، بقالها معايا حوالى 4 شهور، كانت جاية بأعراض حزن وقلق واضطراب فى النوم يعنى.
د. يحيى: جايالك منين؟
أ. أحمد عبد الغفور: فيه حد بيجيلى هو اللى قال لها علىّ.
د. يحيى: بتشتغل مذيعة فين؟
أ. أحمد عبد الغفور: فى قناة تبع بلدها .
د. يحيى: بتشتغل هنا فى مصر؟
أ. أحمد عبد الغفور: آه هنا فى مصر.
د. يحيى: بتاخد كام؟
أ. أحمد عبد الغفور: هى بتاخد تعاقد 300 جنيه وحاجة فى الحلقة الواحدة، بتعمل تلات حلقات فى الأسبوع.
د. يحيى: وانت بتاخد منها كام؟
أ. أحمد عبد الغفور: 40 جنيه.
د. يحيى: ساعة كل مرة!!!!؟ مرة فى الأسبوع؟ يعنى مدة الجلسة قد مدة الحلقة؟! مش كده؟
أ. أحمد عبد الغفور: أيوه.
د. يحيى: خلّ بالك من بختك الهباب!! (ضحك) طب وبعدين؟
أ. أحمد عبد الغفور: هى أول ما جت كانت جايه بأعراض حزن واكتئاب كده زى ما قلت، وهى عايشة لوحدها هنا فى مصر، جاية معاها واحدة كده قريبتها تعتبر زى خالتها بس يعنى ست كبيرة قوى، يعنى بنت خالة أمها، حاجة كده، والدتها متوفية وهى منفصلة خالص عن والدها، وعن أهلها، فيه مشاكل بينهم وعايشة فى مصر لوحدها هنا.
د. يحيى: بقالها قد إيه فى مصر؟!
أ. أحمد عبد الغفور: بقالها دلوقتى حوالى 7 شهور.
د. يحيى: وقبل كده كانت فين؟
أ. أحمد عبد الغفور: كانت فى بلدهم، وكانت اتعرضت يعنى هى وعيلتها اتعرضوا للاضطهاد هناك، واتخطفت فترة، وبعدين جه حد فك أسرهم؟
د. يحيى: وبعدين؟
أ. أحمد عبد الغفور: بدأت أنا طبعا فى الشغل معاها وكده، وكان واضح انها كانت محتاجه سند جامد قوى، المشكلة إنى حاسس إن فيه تعاطف زيادة من ناحيتها قوى؟!
د. يحيى: هى حلوة؟
أ. أحمد عبد الغفور: أيوه، حلوة، آه حلوة.
د. يحيى: قوى.
أ. أحمد عبد الغفور: مذيعة!! حلوة كمذيعة، يعنى، آه حلوة.
د. يحيى: همـّا المذيعات كلهم حلوات، مش كده؟
أ. أحمد عبد الغفور: آه، دى أكتر شوية، فيه مشاكل بينها وبين واحد هنا فى مصر، هى وحيده جدا يعنى فيه مشاكل مع واحد هوا اللى كان أنقذها أصلا من حركة الخطف اللى اتعرضت لها هى وعيلتها فى بلدهم، هوه دلوقتى بيطالب إن هى زى ما يكون ترد الجميل ده، هو راجل كبير فى السن، وشغال محامى وهو اللى جابها مصر، وهو اللى شغلها هنا وزى ما يكون بيطالبها بدفع الفاتورة، كان طالب منها جواز وهى رفضت.
د. يحيى: هو متجوز؟
أ. أحمد عبد الغفور: هو متجوز وكبير وعنده حوالى 50 سنة مثلا وعنده ولاد كبار، وهو اللى ماسك الفلوس بتاعتها.
د. يحيى: يعنى إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى مثلا فيه بيت فى بلدهم بيبيعه، ومش عايز يديها الفلوس إلا لما هى تتجاوب معاه، وهى رافضة خالص، هى المشكلة معاها إن هى زانقانى، عايزانى أتدخل معاه، أقعد معاه وكده.
د. يحيى: تقعد معاه بصفة إيه؟ تعمل إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: زى أفهّمه إن اللى انت بتعمله ده تاعبها نفسيا، وإنها عايزاه يقف جنبها بشكل تانى، فأنا مش عارف حاسس إن ده مش حاينفع،….
د. يحيى: هى ليها علاقات تانية؟
أ. أحمد عبد الغفور:.. هى كانت فى فترة فى بلدهم كده كانت بتتعالج برضه نفسيا، بتقول إن كان حصل لها حاجة جامدة مع خطيبها، يعنى إن هى ما كانتش تعرف إن العلاقة كانت كاملة مع خطيبها، ولما عرفت بعدها، راحت داخلة فى اكتئاب فظيع جدا.
د.يحيى: هنا؟
أ. أحمد عبد الغفور: لا لا، دا فى بلدهم.
د. يحيى: إمتى؟
أ. أحمد عبد الغفور: الكلام ده مثلا من 6 سنين.
د. يحيى: هى فى علاقات تانية دلوقتى؟
أ. أحمد عبد الغفور: لا لا، مافيش.
د. يحيى: طب واحدة حلوة، زى ما بتقول، وعندها 29 سنة وقاعدة فى مصر غريبة، ومالهاش علاقات عاطفية ولا جنسية، إيه رأيك؟
أ. أحمد عبد الغفور: فيه علاقة عاطفية على “الشات” يعنى، مع واحد فى الدنمارك كده.
د. يحيى: دانماركى؟
أ. أحمد عبد الغفور: لأ، من بلدهم، عايش فى الدنمارك، بس هى ما تعرفهوش، على الشات بس يعنى، بقالها 3 سنين كده معاه، حاسة بونس وبيفرق معاها استمرار العلاقة، وبتحبه ومستنيين فرصة، هو برضه مسافر عشان ظروف بلدهم وكده بتقول لو حصل فرصة واتقابلوا، حايتجوزوا، يعنى.
د. يحيى: السؤال بقى؟
أ. أحمد عبد الغفور: هل أنا من حقى إنى اقابل الراجل ده فعلا؟ وإنى أنا أتدخل؟ وحايكون تدخلى لحد فين، مع بنت زى كده، وخصوصا إنى أنا متعاطف مع ظروفها جدا؟ حتى تعاطفى ده مخوفنى إنى أتدخل.
د. يحيى: طب والـطّرْح (4) وصل لحد فين، هى بتحبك يعنى؟
أ. أحمد عبد الغفور: مش عارف.
د. يحيى: طب وانت بتحبها؟
أ. أحمد عبد الغفور: أنا مش عارف وصلت لحد فين، بس أنا متعاطف معاها جدا.
د. يحيى: أنا مش عارف كلمة “متعاطف” دى عندك تعنى إيه، يعنى إيه متعاطف؟ 4 شهور ومذيعة وحلوة ووحيدة وظريفة وذكية، ولا الأسهل تستعمل “الاسم الحركى”!! للعلاقة العلاجية دى: “يعنى الطرْح” وكلام من ده؟
أ. أحمد عبد الغفور: هى كمان شاعـِرَة.
د. يحيى: وكمان شاعـِرَة؟!!، وبعدين لا إنت عارف إنك بتحبها ولاّ لأ، ولا إنها هى بتحبك ولا لأ، المهم، قلة المعرفة دى مش عيب، لكن تخلينا باستمرار “ستاند باى” لحد ما نعرف، ولا إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: حضرتك ما قلتليش أقابله ولا لأ؟!
د. يحيى: هو الطبيب أو المعالج النفسى لما يكون معالج بحق وحقيق هنا فى بلدنا، هو عليه حاجات كتير، لازم يعرف حاجات كتير، وبيتدخل فى أمور كتير، زى الحكيم بتاع زمان، أنا كتبت عقود بيع وشرا فى عيادتى، وقسمة ميراث، وطلاق، وجواز، أنا ما كنتش باقوم بالحاجات دى بمعنى أفرضها، أو هى دى العلاج، لأ، ده كان جزء واقعى من اللى كنا بنتفق عليه، كان بيتم فى عيادتى نتيجة للثقة اللى بتتبنى مع كل الأطراف، إحنا مش خواجات، كان ساعات يصل الأمر لحاجة زى مجالس الصلح العرفى بتاعة الفلاحين فى عيادتى، المجالس اللى بتفض نزاعات قضائية، أحسن من المحاكم ساعات، ده مش علاج فى ذاته، لكنه حضور مسئول ضمن العلاج من غير فرض رأى، باقولك إحنا مش خواجات، الطبيب هنا والد، وحكيم، عشان كده مش كفاية تحفظ شوية اصطلاحات وأسامى أمراض وأدوية، لازم تبقى عارف طبيعة العلاقات الاجتماعية والقانونية، والدينية فى الثقافة اللى انت بتشتغل معاها، المعلومات دى تحصل عليها من العيانين نفسهم بالإضافة إلى خبرتك الشخصية واطلاعك، بعد شوية تلاقيك حافظ قوانين، ومهارات، أنا أستاذى الدكتور عبد العزيز عسكر كلمنى عن سواقة القطر بتاع زمان اللى كان بيمشى بالفحم، ولما سألته عن مصدر التفاصيل دى، قال من عيان عندى سواق قطر، إنت لازم تكون عارف معلومات كافية عن العلاقة القانونية والمالية اللى بين العيانة بتاعتك وبين الراجل ده، قبل ما تقرر أو تفكر تعمل أى حاجة، هو ماسك حساباتها، ووكيلها زى ما بتقول، على فكرة عايز اسألك: هو معاه توكيل عام؟
أ. أحمد عبد الغفور: آه مدياله توكيل، آه.
د. يحيى: طيب، الأول قبل ما تقابله خالص تبقى عارف إنت بتقابل مين، ومعاه أسلحة ضغط إيه، ويقدر يضغط إزاى، يعنى قبل ما تقول لى هو شخصيته إيه، ولا هوا طيب ولا خبيث ولا بتاع، الأول تعرف العلاقة اللى بالأرقام والأوراق والفلوس والكلام ده، وإلا مش حا تبقى حكيم، راجل زى ده ممكن يلعب بيك انت زى ما هوا عايز، ثم خلى بالك من تاريخ مريضتك، واحدة زى دى، شاعرة وحلوة، واتخطفت، واتأسرت، واتفكت، وسلّمت، ووكـّلت، واتغـرّبت، دى حكاية ياابنى ملانة قوى، مش مشكلة بنحلها بنصيحة بإننا نقول للراجل ده: والنبى تسيبها فى حالها لحسن حرام!!!
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: ثم خد عنك احتياجها فى الظروف دى، ومعنى كلامها مع الجدع اللى فى الدانمارك، والشات والكلام ده، واحدة زى دى عايزة وعايزة وعايزة، حاتتروى منين؟ زى ما انت شايف بتاخد شافطة من كل حتة، فتعطش أكتر، بما فى ذلك علاقتها بيك فى العلاج.
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: تبدأ بنفسك، العلاقة العلاجية دى علاقة جيدة، والبنت تستاهل، ما تخافشى من مشاعرك، وأدى إحنا بنّاقشها هنا أول بأول، ولما هى تثق فيك أكتر، وأنت تعرف معلومات أوضح، ممكن مقابلتك للراجل ده تفيد، بس بشكل حازم وبسيط فى نفس الوقت، ويبقى الهدف النهائى إنها تستغنى عن حاجتها له، وعن الشعور الداخلى بتاع الاعتراف بالجميل عشان فك أسرها، الحكاية حاتحتاج قرارات وتضحيات فى الوقت المناسب، وبدال ما تبقى لوحدها، أديك جنبها.
أ. أحمد عبد الغفور: ما أنا قلت لحضرتك إنى خايف من نفسى.
د. يحيى: يا أخى خاف زى ما انت عايز، إنت بنى آدم، وبتشتغل فى النور، وشايف نفسك يا أخى، وأدى إحنا معاك، انت توزنها واحدة واحدة، أصلك انت لو استعجلت وخفت من الخوف، سواء من نفسك، أو منها، أو من الراجل ده، واتحرمت البنت دى من العلاج نتيجة لأى حاجة من دول، لازم تفكر هوه إيه البديل، مش ربنا حايسألنا برضه عن التخلى، زى ما حايسألنا عن المبادرة؟
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أبدأ بإيه؟
د. يحيى: بالمسائل القانونية والابتزاز ولوى الدراع، لازم تحسم العلاقة دى فى وقت مناسب، طول ما فيه حاجة قانونية وشبهة استعمال وضغط، حاتقابل الراجل ده ليه؟ تعمل معاه إيه؟ وتقول له إيه؟ تقوله زى ما قلنا: “والنبى تاخد بالك من مصالحها”؟
ثم إن المسألة لازم تيجى منها هى، لما تحس بالثقة من خلال العلاج، الثقة بنفسها وبالناس من خلالك، لما تتأكد من وقوفك جنبها، وإحنا وراك، المسألة تمشى بالتدريج: مثلا تحاول تلغى التوكيل العام من طرفها واللى يحصل يحصل، وده جايز قانونا، تحاول تتفاهم معاه فى الوقت المناسب، ممكن تقلب التوكيل العام إلى توكيل خاص لقضايا ومسائل معينة، توكيل للقضية الفلانية، توكيل للاجراء العلانى، الأمور دى لازم تتحسم واحدة واحدة.
أ. أحمد عبد الغفور: وهى دى شغلة المعالج؟
د. يحيى: عندك حق، لكن زى ما انت شايف، البنى آدمين بنى آدمين، وهو العلاج إيه غير المشاركة فى المسئولية لحد الحياة ما تمشى بمعاناة معقولة، على أرض واقع محدد لكل واحد بظروفه. كل اللى إحنا اتكلمنا فيه مش حا يخليها تخف بشكل مباشر، المسالة مش حل مشاكل، لإن اللى جرى جرى، وأصبحت البنت مش مستحملة، حتى لو زالت كل الأسباب، حاتفضل محتاجة علاج عشان تكمل دعم لها، ثم نضج وكلام من ده.
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أبدأ منين دلوقت؟
د. يحيى: بصراحة ما تستعجلشى، الموضوع عايز معلومات واضحة أكتر لظروف التوكيل العام ده، ويمكن لحقيقة احتياجها للراجل ده بعيد عن حكاية لى الدراع والكلام ده، مش يمكن بتحبه؟ مش قصدى يعنى شغل مسلسلات، لكن إحنا دكاترة ومعالجين، لازم ما نكتفيش بظاهر الأمور، ولاّ إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: يجوز، ده ما خطرشى فى بالى إنها بتحبه.
د. يحيى: وليه لأ، ثم خلى بالك من بقية استقبالها للرسائل اللى بتوصل لها من المريدين، مش بـَسّ المشاهدين وهى مذيعة، لأ الرجالة اللى بيحوموا حواليها، مش هى حلوة وشاعرة وكسيبة وحاجات كتير كده، أنا ساعات أسأل الحلوات دول، بتعملى إيه فى اللى بيحبوكى، تقول لى أنا ما ما باحبش حد دلوقتى، أقول لها ياستى هوا أنا قولتلك بتحبى حد، أنا باقولك فى اللى بيحبوكى، بتطفشيهم إزاى؟ يجوز ترد، يجوز تفوق لموقفها، يجوز تطنش، يجوز ماتفهمشى، المهم إنت لازم تفحص “جهاز الاستقبال” بتاع الست دى، زى ما بتفحص ألاعيب “الإرسال” إليها، ولا إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: آه
د. يحيى: إنت مش متصور إن الست دى فيه طابور واقف واحد ورا التانى عمالين يعملوا حركات وهما بيتقربوا لها؟ هى بتعمل إيه فى ده؟
أ. أحمد عبد الغفور: هى طول الوقت خايفة.
د. يحيى: طبعا خايفة، دا من حقها، ما احنا عارفين، دى ظروفها تخوف بلد، لكن برضه هى خايفة وعايزة، ثم خلى بالك سنها 29 سنة، وخبرتها مع الخطوبة الأولانية من ست سنين زى ما انت عارف، ثم الواد بتاع الشات ده، بتاع الدانمارك كل ده لو نسيناه حانلاقى إن الزمن بيسرقنا وإحنا مش داريانين، وهات يا تأجيل، لحد مانعرفشى حايحصل إيه.
أ. أحمد عبد الغفور: طب هى دى مسئوليتنا؟
د. يحيى: إمال مسئولية مين؟ هوا ربنا حطنا فى سكة الناس دول ليه، عشان نفك العقد؟ ولا عشان نخدرهم؟ ولا عشان نشيل المسئولية معاهم؟ يا أخى إحنا فى مصر، والطبيب والد، الله!!
أ. أحمد عبد الغفور: مش ده تدخـّـل زيادة عن اللزوم؟
د. يحيى: يا ابنى هو مين اللى حط لنا حدود اللزوم؟ دى ثقافة ودى ثقافة، والمعايير بتاعتنا: بتاعة شغلتنا، وبتاعة الواقع، وبتاعة الشغل، هى اللى بنقيس بيها، مش بنستوردها، المسألة مش جدول ضرب “اللزوم” واللى “ما لوش لزوم”، بس المهم، زى ما انت بتعمل كده بالضبط، تبقى شغال مع نفسك ومعانا طول الوقت.
أ. أحمد عبد الغفور: شغال مع نفسى إزاى؟
د. يحيى: زى ما ابتديت كدا النهاردة بالظبط، وبالمناسبة لاحظت فى البداية إنى سألتك بتاخد كام؟! قلت لى 40 جنيه فى الساعة.
أ. أحمد عبد الغفور: أيوه، وما ربّطش قوى حضرتك قصدك إيه .
د. يحيى: يعنى يا أخى هى بتاخد 300 جنيه فى الحلقة وأكتر، وتلات حلقات فى الأسبوع، وإنت 40 جنيه، وساعة فى الأسبوع، إيه رأيك؟
أ. أحمد عبد الغفور: الله !!! هو إحنا حاناخد حسب دخل العيان، إفرض واحد جالى ملياردير آخد منه كام؟
د. يحيى: من بقك لباب السما، يا راجل، مش قصدى، ولكن دى مسائل لازم تتحسب برضه من خلال واقع الواقع، فى وقت من الأوقات حا تعرف إن الناس دول، مش قصدى البنت دى بالذات، ساعات بيقيموك، ويقيموا كلامك، باللى بيدفعوه، ولو بطريقة لا شعورية.
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: ولا حاجة، بس تبقى عارف، هو الشات اللى بتعمله مع صاحبها ده بفلوس؟
أ. أحمد عبد الغفور: لأ طبعا
د. يحيى: ما انا عارف!! ما انتش خايف لحسن العلاج بتاعك ده، يكون عندها، ولو لاشعوريا، شات من نوع تانى؟
أ. أحمد عبد الغفور: يا خبر !! ..!!
د. يحيى: وإيه يعنى؟! ولا يهمك، المهم النتايج هيه اللى بتحدد فايدة الشات ده من الشات دكهه، وما تخافشى، بقية حسابك عند الله، باكلمك بجد.
أ. أحمد عبد الغفور: أنا مصدق، قصدى حا حاول أصدق.
****
التعقيب والحوار:
أ. منى أحمد:
أنا مستصعبة أوى موقف الدكتور؟
ما هو كده هايتحمل مسئولية زيادة لأنه حايدّخل فى العلاقة بشكل صعب، ومن رأيى إنه لو ادّخّل لازم يكون على وعى كامل بكل التفاصيل ويكون حذر عشان مايضيعش حقها ودى مسئولية صعبة وتقيله أوى.
الإضافة الجديدة بالنسبة ليا إن المعالج يتدخل بهذه الدرجة كنت متوقعة إنه يعالج بس.
د. يحيى:
ماذا نفعل يا منى؟ المسئولية مسئولية!! وكل هذا التدخل هو علاج حقيقى، وتدخله هو مساندة، هوّا لا بيصدر أحكام ولا عنده سلطة.
وربنا معانا.
د. هانى عبد المنعم:
مررت بتجربة “الشات” فى أحد مراحل عمرى، وفى كل علاقة كانت تدور بداخلى عواطف ورغبة على الاستمرار مع الطرف الآخر، وكأن شيئا ما يلزمنى بهذه العلاقة ولم أكن أعرف ما هو، إلى أن يظهر بديل أقوى، فأتركها ببساطة.
د. يحيى:
أنا ليس لى خبرة شخصية بهذه الممارسة، وإن كنت قد كتبتها بتوظيف هام فى روايتى “ملحمة الرحيل والعود” الجزء الثالث من ثلاثيتى “المشى على الصراط” (5) طرح المسألة هنا هو تنبيه غير مباشر أن العلاج النفسى هو علاقة حية متضفّرة على كل المستويات، وليس مجرد “دردشة” أو علاقة كلامية، لا عن بُعْد ولا عن قرب.
أما خبرتك يا هانى فى ترك هذه الممارسة إلى إن يظهر بديل قوى، فهى خبرة طبيعية جيدة، لو كان البديل كافيا ومغنيا، وأرجو ونحن نتعلم العلاج النفسى أن ندرك كيف نكون –لمن يلزمه ذلك- بديلا قويا مهنيا مسئولا.
د. هانى عبد المنعم:
أقدر فى مهنتنا لقب “حكيم” ولكن أعتقد أنه لا يتناسب مع غالبيتنا لظنى أنه يستلزم تهيئة تربوبية وتنشئة منذ الطفولة.
د. يحيى:
ليس بالضرورة يا شيخ.
مهنتا – لمن أخلص لها ودفع ثمن الاستمرار فيها، وجاهد طول الوقت متدربا ومشاركا ومشرفا ومسئولا: – تفرز حكماء قادرين على حمل الأمانة.
وإلا فلماذا هذا الإشراف؟ ولماذا هذا الجهد؟
ولماذا هذا الحوار؟ ولماذا تساؤلك هكذا؟
أ. محمود سعد:
لم أتصور أنه يمكن لشخص أن يقوم بعمل جمايل كبيرة لشخص آخر ويطالب بعد ذلك بأن يستغل ذلك الشخص الثانى.
وهل هذا حقه؟
د. يحيى:
طبعا ليس هذا حقه بهذه الصورة التى وردت فى الحالة لو كانت هذه هى كل الحقيقة، لكننى لا أرفض من حيث المبدأ أن تكون الخدمة والمساعدة بمقابل، لكن ليس هذا المقابل، وليس هكذا.
ثم إنه لا ينبغى أن ننسى أن المريضة يمكن أن تكون مشاركة – ولو لاشعوريا– فى مثل هذه الصفقة، ووظيفة العلاج النفسى ليس فى أن يحول دون الاستغلال فحسب، ولكن أن يبصر المريضة بمسئوليتها فى المشاركة المحتملة! سابقا وحالا ومستقبلا.
أ. محمود سعد:
وصلنى إن مهنة المعالج النفسى شديدة الصعوبة لدرجة أنه من الممكن أن يتحمل تبعات ما يقوم به من عقود بيع أو قسمة ميراث، وطلاق، وجواز… وغيرها.
د. يحيى:
أعتقد أن هذا دور هام جدا فى بلدنا الطيب، وأثق أن من يمارس مهنته بجدية، سوف يجد أن دوره يمتد أكثر مما يتصور، على الأقل أكثر مما يقرأ فى كتب الخواجات، على شرط ألا يفرض رأيه، لأنه يعرف حدوده طول الوقت، وكذلك لابد أن يتحرك بحذر فى حدود ما يسمح به القانون، ولا يعتمد على العرف وحده أو حسن النية.
أ. محمود سعد:
عجبنى قوى يا دكتور يحيى وحضرتك بتلفت نظرنا لسكة مختلفة خالص للحكاية إنه مش يمكن تكون البنت دى تكون بتحب الراجل ده.
د. يحيى:
هذا الاحتمال يحتاج مزيد من التحقق، وهو مهم، دون لوم مباشر للبنت، مجرد تنبيه، فلا أحد يلام على توجه عواطفه، ولكن علينا أن نبصّره بالجوانب التى تخفى عليه.
[1] – يحيى الرخاوى: “كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، ” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2018)، والكتاب موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – “شات”؟ Chat
[3] – نشرة الإنسان والتطور: 6-7-2008 www.rakhawy.net
[4] – : مرة أخرىTransference
[5] – يحيى الرخاوى: “ملحمة الرحيل والعـَوْد”، الجزء الثالث من ثلاثية المشى على الصراط- الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 2007 والطبعة الثانية (2018) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى.