نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 9-12-2020
السنة الرابعة عشر
العدد: 4848
الأربعاء الحر:
مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)
الفصل العاشر:عن الحلم والإبداع والنوم (3)
مقدمة:
أنتهت نشرة الأسبوع الماضى والطالب يطلب المزيد من التوضيح عن نقد بعض نظرية سيجموند فرويد
……………..
المعلم:
1- قلت لك إن فرويد عبقرى فريد، اعْتَبَرَ اكتشافه عن الأحلام أهم ما اكتشف، وأنه “حدس لا يأتى المرء مرتين فى عمره” وفى نفس الوقت اعتبر أنه اكتشف بذلك “أكثر الأمور بداهة”، ليكن، هذا رأيه.
2- ومع ذلك فإنى أعترف أن ما حدث بعد هذا الحدس هو سوء تأويل له، فقد اكتشف فرويد بحدس العباقرة وعمق الرؤية (داخل ذاته فى الأغلب) أن الأحلام هى من أكثر الأمور أهمية لاستمرار حياة الإنسان وتوازنه، وحين ذهب لتفصيل ذلك حتى يصبح حدسه علما قابلا للانتقال والنفع: بَالَغَ فى أهمية محتوى الحلم دون الإلمام بظاهرته فى ذاتها.
3- هكذا فتح فرويد العظيم باب القصر العظيم، ولكنه لم يدخله حيث شغلته قراءة النقوش على جدران السور عن معرفة الوظيفة الفعلية والحركة التنظيمية الهائلة التشكيلية داخل هذا القصر الرائع.
الطالب: فرويد بجلالة قدره يكتفى بالفرجة على النقوش على حوائط السور دون فحص ما يجرى داخل القصر؟!!
المعلم: بصراحة هو معذور فى ذلك.
الطالب: لماذا معذور؟
المعلم: لم يكن عنده الوسيلة للتعرف على العمليات الجارية، فلم يكن عندهم حينذاك رسام للمخ الكهربائى، ولا كانت الفروض جاهزة لوضع خطة متكاملة، ولا كانت لديهم دراسات تفصيلية عن تأثير العقاقير المختلفة المعالجة للمرض النفسى على كمية هذا النوم أو أنواعه، ولم تكن قد بدأت فكرة ولا إمكانيات تجارب الحرمان من النوم، ناهيك عن الحرمان من الحلم، وأثرهما على توازن النفس.
الطالب: ما أحلى العلم اذ يقبل جوهر الأشياء ويتغاضى عن انحرافات التفاصيل فيكمل بعضه بعضا.
المعلم: بهذا التعليق منك أرتاح أنا بدورى وأطمئن إلى مقدار حبك للمعرفة، لأن عندى الكثير فى هذا الشأن: أريد أن أبلغك إياه
الطالب: اعمل معروفا، أنت ما صدقت!!، ومع ذلك فقد شوّقتنى
المعلم: هل تصدقنى إذا قلت لك إننى انتهيت إلى أن الحلم، حتى لو لَمْ نحـْـكـِـه، هوإبداع الشخص العادى
الطالب: لا..لا..لا.، أرجوك أنا صدقت بالكاد ما تيسر من فروضك حتى هذه المرحلة، إيش أدخل الإبداع فى الحلم
المعلم: اصبر وسوف ترى
الطالب: أرى ماذا؟ أرى أن الشخص العادى مبدع وهو نائم بالصلاة على النبى!!؟ يا سيدى: المبدع على حد علمى هو الشخص الموهوب المتميز تماما عن الشخص العادى فكيف تقول إن الشخص العادى مبدع بالضرورة
المعلم: عندك حق، لكن تذكّر باستمرار، وأنت طالب معرفة قبل أن تكون طالب طب أن المعارف تتجدد باستمرار، وأن المسلمات تـُراجع حين يكون النقد جاهزا وقادرا.
الطالب: إعمل معروفا خلنا فى الحلم حتى فى المرض والجنون، لا تصعبها علىّ الله يخليك.
المعلم: الإبداع أعلى مراتب هذه العمليات كلها بقدرته على إعادة التشكيل، الإبداع ناتج ولافىّ أعلى، وبالتالى هو درجة أرقى وأعمق من مجرد تشكيلات الخيال.
الطالب: إعمل معروفا “ولاف” يعنى ماذا، لا تكركبها علىّ.
المعلم: الولاف هو التشكيل الجديد الذى يحتوى المفردات ، بما فى ذلك الوحدات المتناقضة فيما بينها ليجعل منها كيانا جديدا، فيخلق منها تركيبا أحدث مبتكرا غير مسبوق
الطالب: لست فاهما
المعلم: يعنى تركيبية جديدة من تفكيكة قديمة
الطالب: الله الله! سمكرة فى خردة
المعلم: أقول لك ماذا؟ لملم نفسك احسن لك
الطالب: أنا آسف فهو ترابط أيضا
المعلم: الإبداع ليس ترقيعا، هو عملية أكبر من ذلك بكثير، هو قانون الحياة والتطور والنمو على كل المستويات عبر التاريخ، وهو الترابط الأعلى، والمهم أنه ترابط لتأليف كيانات وتوافقات جديدة، أكثر منها استعادة لترابطات وتسلسلات مكررة.
الطالب: لماذا تصر على حكاية “ترابط” “ترابط”، أليس الإبداع هو خلق الجديد كما ألمحت.
المعلم: يا أخى هل يخلق الجديد من الهواء الطلق أم من ربط المفردات المتاحة من القديم والجديد بل ومن المتناقضات التى يصنع منها جميعا شكلا جديدا من أجزاء قديمة.
الطالب: زدنى الله يخليك
………
ونكمل الأسبوع القادم
[1] – يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net