نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 7-10-2020
السنة الرابعة عشر
العدد: 4785
الأربعاء الحر:
مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)
الفصل التاسع: الانفعال والعواطف والوجدان (2)
كنا قد توقفنا الأسبوع الماضى على قول المعلم عن الحب:
المعلم: …. وخذ مثالا كنت سألته منذ قليل عن ما هو الحب، ففى حين اعتبره واتسون Watson أنه “الاستجابة للهدهدة والطبطبة” فقد زَعـَـمَ كل من لوجوLugo& وهرشىHershey أن الحب هو “.. الرعاية والمسئولية والمعرفة والاحترام” فكيف ندرس ظاهرة اختلف العلماء فى تعريفها إلى هذه الدرجة ونسميها بنفس الأسم.
……………….
ونكمل الأن ردا على سؤال الطالب:
الطالب: ألا يمكن الرجوع إلى المعاجم لحل هذا الاشكال.
المعلم: إن جزءا كبيرا من الاستعداد للبحث فى العواطف والانفعال الذى أشرتُ إليه حالا صرفتـُه فى استشارة المعاجم، ولم تسعفنى بالقدر المفيد، فالمعالجم الانجليزية مثلا تستعمل لفظى الـ Emoticns والـ Feeling بالتبادل بما يغرى بأنهما مترادفان، وقد يثبت أنهما غير ذلك كما سيأتى حالا، وقضية ظهور الكلمة، ثم تاريخها التضمينى Connotative history قد سبق أن تناولناها، كما أشرنا كيف أن الظاهرة أسبق من اللفظ الذى يتضمنها، وليست سجينة مرحلة بذاتها من المراحل التضمينية لتطور اللفظ، إشكالة هذه القضية تظهر أكثر ما تظهر فى الألفاظ المستعملة فى وصف العواطف والانفعال.
الطالب: لماذا هذا بالله عليك؟
المعلم: لأن العواطف والانفعال ظاهرة قبلفظية Preverbal فى أساسها، وقد يلحقها اللفظ ويستوعبها وقد لا يستطيع أن يفعل.
الطالب: قـَـبـْـ ماذا؟
المعلم: قـَـبـْـلفظية أعنى قبل اللفظية بمعنى: أنها ظاهرة توجد قبل تخليق الألفاظ التى تشرحها، أو تقدم مفرداتها.
الطالب: الله يسامحك، فما هى الانفعالات إذن.
المعلم: تَحمـَّلنى لو سمحتَ، فقد وضعت لها توصيفا طويلا جدا (بالنسبة للانفعالات فى الانسان أساساً) أقول: توصيفا لا تعريفا، وإنى آسف لذلك.
الطالب: ولا يهمك، هاته وخلـِّصنا.
المعلم: خُذْ عندك يا سيدى: “الانفعال هو وظيفة دافعية أولية (نسبيا)، وهى تثير الفرد نحو، او بعيدا عن، مثير بذاته، ولكنها تبدو أحيانا استجابة لمثير داخلى معروف أو مجهول لصاحبه، وكلما كانت هذه الوظيفة مستقلة فى ذاتها كانت بدائية ومحددة المعالم، فإذا ما بدأت فى الترابط مع وظائف أخرى تضاءلت كوظيفة مستقلة حتى تكاد تتلاشى تآلفا وتداخلا فى التفكير والمعنى والإرادة وغير ذلك”.
الطالب: هذا كلام صعب، لكنه يبدو معقولا، فما الذى يشغلك حوله
المعلم: الذى يشغلنى هو “أنت”
الطالب: أنا؟
المعلم: طبعا، إذ سرعان ما ستلاحقنى بأسئلتك.
الطالب: هذا صحيح، كيف أنها وظيفية دوافعية وأين تقع من الدوافع تحديدا؟
المعلم: هى طاقة بالمعنى الذى شرحناه فى الدوافع.
الطالب: ولماذا لم نسمها دوافع وندرسها هناك ونخلص.
المعلم: إن الدافع تنظيم جاهز للإطلاق، أما الانفعال فهو تنظيم جاهز أيضا ولكنه استجابىّ وتبادلىّ أساساً.
الطالب: ولكن على ما أذكر كانت هناك دوافع استجابية أيضا، أظن مثل الهرب فى القتال.
المعلم: وهذا يرتبط بالانفعالات المصاحبة لكل منهما وهى الخوف، والغضب مثلا.
الطالب: إذن فالانفعال صفة مصاحبة للدافع وليست دافعا فى ذاته.
المعلم: لا تفتـّح على نفسك وعلىّ مالا يـُغلق، من يدرى أيهما يدفع الآخر، ألا يجوز أننا نهرب لأننا نخاف، فالدافع إلى الهرب هو الخوف.
الطالب: طبعا.
المعلم: لا تتحمس هكذا، فبالرغم من أن هذا الاستناج يؤيد ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الانفعال هو السبب فى السلوك الذى يثيره إلا أن هناك من يقول العكس.
الطالب: العكس؟! ماذا تعنى بالعكس؟.
المعلم: إن هذه النظرية تسمى نظرية جيمس ولانج James & Lang Theory وقد اكتشفها كل من الأمريكى وليم جيمس William James والهولندى كارل لانج Carl Kange سنتى 1884 / 1885، كل على حدة فى نفس الوقت تقريبا حتى سميت باسمهما معاً، وفكرتها بسيطة، وإن كانت غير واضحة لأغلب الدراسين.
الطالب: لماذا؟
المعلم: لأنهم يصيغونها باختصار وكأن النظرية تقول: “إننا نخاف لأننا نرتجف، وليس: إننا نرتجف حين نخاف” وهذا تبسيط مخل، لأن فكرة النظرية كما قلت لك بسيطة، إذ تقول إن الاستجابة الجسدية والسلوكية هى الأصل، ولها مصاحبات عضوية فى الدم والأحشاء والعضلات وغيرها، وإدراك هذه التغيرات واستقبالها على مستوى الشعور هو المسئول عن الانفعال المصاحب.
الطالب: والله معقول.
المعلم: ولكن الفهم الجزئى، والشك أيضا، جعلهم يجرون تجارب قطعوا فيها بعض أعصاب الجهاز السمبثاوى الواصلة لدماغ كلب التجارب ووجدوا أنه ما زال يشعر بالخوف، فراحوا يدمغون النظرية ويرفضونها، وكأن استقبال التغيرات الجسمية المصاحبة لا يتم إلا عن طريق هذا الجهاز السمبثاوى، لا عن طريق الدم ولا عن طريق الشعور بالجسد عامة وتغيراته .. وغير ذلك.
الطالب: ما أعظم الفرق بين التسطيح والإحاطة الواعية.
المعلم: والأدهى أنهم حقنوا مادة الأدرينالين (باعتبارها الإفراز الرئيسى للغدة السمبثاوية فهى المسئولة عن التغيرات الجسمية)، وحين لم تحدث نفس التغيرات المألوفة فى حالة الخوف جعلوا ذلك مبررا أيضا لرفض هذه النظرية ناسين بقية الأبعاد والاحتمالات.
الطالب: مع أننى كنت قد كدت أقتنع بهذه النظرية.
………….
ونكمل الأسبوع القادم
[1] – يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net