“يومياً” الإنسان والتطور
24 – 11- 2007
…… عن الحب “للشباب” (وغيرهم غالبا!)
منذ أكثر من ثلاثين عاما، قررت أن أرفض أن أجيب على أسئلة الصحفيين الطيبين بالهاتف، ورحت أطلب أن يرسلوا لى ما يريدون بالفاكس، وأرد عليهم كتابةً، فيصر بعضهم على مقابلة شخصى وجها لوجه، فكنت أتساءل لماذا هم حريصون على مشاهدة جمال خلقتى هكذا، فأرفض، ثم تعلمت أن أعدهم أننى على استعداد للقائهم إذا ما وجدوا نقصا فى الرد، أو احتاجوا مناقشة أو تعديلا أو توضيحا لما ذكرت فيه (فى الرد)، والحمد لله كان الرد كافيا دائما، فاستغنوا عن مقابلتى دون استثناء.
لم أكن أتابع ما ينشر، فبعض هذه الصحف والمجلات لا تأتينى بانتظام، والبعض أبعد من متناولى (فى البلاد العربية مثلا) والبعض يختفى فى ثنايا ازدحام وقتى.
فإذا تصادف أن قرأت ما كتبت من ردود، فإنى غالبا – وليس دائما – ما أجده قد قُصّ منه ما تيسر بما يشوهه عادة، وإذا حدث وأن هاتفتنى صاحبته أو صاحبه فى طلب حديث لاحق، وعاتبتهم على ما حدث، فإنهم يعتذرون ويتهمون سكرتير التحرير أو المساحة … أوغير ذلك.
فقررت أن أطلب من طالب الحديث تحديد عدد الكلمات التى يريدها من عشرين كلمة إلى ألفين، شريطة ألا يحذف منها حرفا، فيحدد تحديدا أشعر معه أنه لا يعرف المساحة التى تحتلها عدد الكلمات التى طلبها، ومع ذلك أستجيب فى معظم الأحوال.
حين أتيحت لى الفرصة لأراجع باب المقالات فى موقعى هذا انتبهت إلى الفروق غير القليلة (نوعا وكمّا) بين الأحاديث التى نشرت لى وبين أصل الحديث، وأسفت أسفا شديدا (ليس شديدا جدا).
ثم جاءتنى هذه الفتاة الجميلة من مجلة “الشباب” (أنا لم أرها لكننى أستنتج ذلك من اسمها “رانيا”!) وطلبت ما طلبت، فقصرت، فعادت تطلب فنسيت، فأصرت، وحين جلست إلى مكتبى هذا الصباح (الجمعة) لأكتب يومية الغد عن “السر” (بيع الأوهام الأحدث) الذى وعدت بالكتابة عنه فى حوار أمس، إذا بى أجد أسألتها تنتظرنى على المكتب فى تحدٍّ صاخب، قلت ابدأ بها – وأنا لا أعرف الموضوع – لأنهيها بسرعة، ثم أنتقل لكتابة يومية الغد، وإذا بالموضوع الذى تريد منى الرد عليه هو عن الحب، وإذا بالأسئلة ذكية (على غير العادة)، وإذا بى أتذكر ما كتبته هنا فى يومية 7/10 عن الخوف من الحب (1) ، يومية 8/10 عن الخوف من الحب “من يحب من” (2)، يومية 26/9 تعرية زيف واغتراب التواصل بين البشر، فأشعر أننى مدين لزوار الموقع بتوضيح أبسط، وإذا بى أرد بشكل مختلف دون اعتبار لمجلة الشباب (الأهرام) وإذا به يخرج للموقع بحرية غير ما كنت سأكتبه لرانيا محاسباً مترددا.
وفيما يلى ما كان (دون تحوير فى الأسئلة إلا نقل سؤال 9 محل 10).
س1- يقولون: “قليل من البعد يزيد الود” فهل هذا حقيقى؟
لم أفهم معنى “قليل” فى السؤال، دعنا نقول: البعد ضرورى للقرب، المسألة ليست مسافة ثابتة قليلة أو كثيرة، المسألة هى حركية “البعد والقرب“، العلاقات الحية بين البشر هى التى تسمح بتحريك برنامج “الدخول، الخروج” الذى يبدأ منذ الولادة، فالطفل بعد ولادته دائم النزوع إلى الرجوع إلى الرحم، والأم دائمة التهيؤ لاستعادته (بيولوجيا = لا شعوريا)، ومع كل مشوار للدخول والخروج (الذى سيكتمل ويتواصل لاحقا بدورات “النوم واليقظة” يزيد الذراع الخارج فى كل جولة، وهكذا يضطرد النمو.
العلاقات البشرية الثابتة (سواء على قليل من البعد أو كثير من القرب) هى ضد “الود” ، وضد “الحب“، خاصة إذا وصلت إلى احتواء طرف للطرف الآخر بشكل دائم (أموت فيك وتموت فيَّهْ).
س2- حب النظرة الأولى: حقيقة أم خداع نفسى للمشاعر؟
هو حقيقة، لكنها حقيقية البداية (مثل حب النظرة العاشرة أو حتى حب السنة العاشرة)، أعنى بحقيقة البداية أن أى حب هو “مشروع” له بداية قابلة للاختبار من ناحية، وقابلة للتطوير والتعديل من ناحية أخرى، أى حب هو قابل أيضا للتراجع والإلغاء، يحدث ذلك، أو المفروض أن يحدث، سواء تمت صياغة بدايته فى ثانية (من أول نظرة) أو فى شهور أو فى سنين (من طول العشرة).
س3- الحب يحرك الموهبة، والموهبة بدورها تحرك الإبداع، فهل معنى هذا أن الحب ممكن أن يصبح وسيلة للإبداع؟
لابد من تعريف الحب، وكذلك تعريف الإبداع قبل الإجابة على مثل هذا السؤال، وايضا تعريف الموهبة، وهذا موضوع يطول شرحه،
ابتداء أنا أعتبر الشخص العادى (بدون موهبة ظاهرة أو إبداع معلن)،هو مبدع بالضرورة، طالما أن أى واحد منا ينام ويصحو، يتغير ويندهش، فهو مبدع بالضرورة،
ثم نأتى إلى تعريف الحب الذى احترت فى تقديمه للناس، وأيضا فى الإلتزام الحقيقى أو المناسب بتحقيقه ما أتيحت الفرصة، أكرر دائما أن الحب – بعد التعديل – هو الرعاية والمسئولية وتحمل الاختلاف، ومكابدة الاستمرار، وتذبذب الجذب المتبادل وكل هذا يسمح بالحركة وإعادة التشكيل للذات (إبداع الذات) أو إبداع الناتج الجديد، أو فى الأداء المختلف (هذه كلها هى حركية الإبداع)،
ومع تحريك الإبداع تُصْقَلُ الموهبة، التى ينبغى أن نتعامل معها ليست على أنها “هبة” يتمتع بها البعض دون الآخرين، وإنما هى فرصة متاحة لمن يبحث عنها فينميها فى أى جانب من جوانب أدائه، لعل وعسى.
س4 – بعض الدراسات العلمية أكدت أن الحب يحفز المخ لإفراز مادة “الأكسيتوبين” التى تعطى الإحساس بالأمان والراحة والطاقة النفسية؟
لا أعرف إلى متى يتواصل هذا العبث “العلمى” أو: (الشائع باسم العلم) بمشاعر البشر تشويها واختزالا!؟
هذه الموجة الطاغية المتمادية لتفسير السلوك والمشاعر البشرية والمواقف الإنسانية، بل والأمراض (النفسية) بزيادة هذه المادة هنا، أو نقص تلك المادة هناك، عموما، أو فى المركز الفلانى فى المخ هى علم زائف، مختزل، ناقص، ناهيك عن ما جاء بالسؤال عن الاحساس “بالأمان” و”الراحة” و”الطاقة النفسية”،
ما هو هذا الأمان؟ هل هو الحركة المتوازنة الإيقاعية المضطردة فى زخم سلس، أو هى السكينة الحالمة المعتمدة؟
وما هى الراحة، أهى التجمع للانطلاق، أم اللا عمل واللاحركة واللا جهد؟
وما حكاية الطاقة النفسية؟ أهى الطاقة النفسية المتجددة المتوجهة إلى التناسق مع دوائر الوعى الممتدة بدءاً من الفعل اليومى إلى الحوار مع الطبيعة؟
كيف يمكن أن تعطى “مادة الأكسيتوبين” (أو الزفت الأزرق) هذا الإحساس بالأمان والراحة والطاقة النفسية؟ كأننا موتور عواطف يحتاج إلى زيت محرك جيد اللزوجة.
ثم إلى متى تظل صحفنا تنشر مثل هذه الأخبار القشرية تحت صفة “العلمية”، تنشرها على الناس وعلى الشباب خاصة هكذا دون مسئولية،
بعد هذه الدراسات “العلمية جدا”، لا تتعجلوا، فسوف تخرج إلينا “الأبحاث العلمية اللاحقة جدا”، لتعلن تعبئة هذه المادة (أو ما يماثلها) فى أقراص، تحقق لمن يتناولها “الإحساس بالأمان والراحة والطاقة النفسية، وبالمرة قد ترتد منعكسة إليه فيزداد حبا وهو فى غاية الأكسيتوبين.
س5 – هل حقيقى أن الحب لايعرف حسابات الربح والخسارة؟
بصراحة: نعم
هو لا يعرف حسابات الربح والخسارة إذا كنا نعنى المكسب والخسارة بلغة السوق،
لكنه يعرف حسابات المكسب والخسارة بلغة أخرى رائعة وعميقة وخطيرة، لغة لا تستعمل الأرقام عادة، فهى لغة أخرى، بمقاييس أخرى،
وبرغم أننى لا أمانع فى استعمال تعبير الصفقة التى تتم بين المحبين “إلا أننى أعنى بها أموراً أخرى” غير ما أشرت إليه أول الأجابة، علينا أن نعترف أنه: إن لم يكسب الطرفان من هذه العلاقة التى تسمى حبا مكسبا متوازنا، فإن عمر الحب يتحدد بمدى الظلم الواقع على أحد الطرفين، أو على كليهما.
المكسب الذى أعنيه هو أن تكون النتيجة المتجددة المتزايدة من خلال هذه العلاقة هى أننى (أحد الطرفين) أكسب نفسى أفضل وأنضج وأكثر عطاء وأصبر ألما واوسع وعيا، وأجهز إبداعا، وأن يكتشف الطرف الآخر بنفسه تقدمه من خلال العلاقة، مقاسا بنفس المحكات: يكسب نفسه أفضل وأنضج وأكثر عطاء وأصبر ألما وأوسع وعيا وأجهز إبداعا، ثم من خلال ذلك يكتشف كل منهما أن ما يتحقق له هو نتيجة هذه المشاركة المتبادلة، التى أسميها صفقة بهذا المعنى الخاص،
هكذا تصبح الإجابة البادئة على السؤال بالنفى خاطئة،
هذا النوع من الحب بالاستعمال الجديد لكلمة صفقة، يعرف حسابات المكسب والخسارة، لكن بهذه المحكات المحددة،
وتفسد الصفقة حين تميل كفتها لصالح أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر، ويتمادى ذلك بوعى أو بغير وعى،
وبإعادة حساب المكسب والخسارة تفسخ الصفقة، أو يعاد ترتيب شروطها (ليس بالكلام أو بالأرقام)
المكسب هنا يقاس يما يحققه كل فرد لنفسه من خلال فرصة وجود الآخر فى حياته ووعيه بدرجة متوازنة (متغيرة بالضرورة)،
وتستمر حركية المحاولة والبعد والقرب والقياس (بهذه المحكات الجديدة للمكسب والخسارة) حتى تنمو العلاقة أو تنتهى.
س6- تربط القصص الرومانسية عادة الحب بالعزلة والبعد عن البشر لافتراض وجود شعور نفسى خفى عند بعض الناس يسعى لقتل الحب؟
لا يا شيخة!!
إن أكبر العوامل التى تقضى على الحب هو البعد عن البشر، أية قصص رومانسية تلك؟ وما هو تعريفك الجديد للرومانسية فى هذا العصر؟
منذ قرأت لُكَثيْر عَزّة تمنياته لنفسه ولعزة، أن يكونا: بعيرين أجربين يرعيان فى الخلاء، وهما يبتعدان عن البشر، بل وينفِّران البشر منهما خوفا من العدوى بالجرب، وأنا معجبُ بدلالة هذه الصورة الكاريكاتيرية الصادقة. يقول كثير عزّة
ألا ليتنا ياعَزُّ كنا لِذِى غنىً بعيريْن نرعى فى الخلاء ونَعْزُب
كلانا به عُرُّ فمن يرنا يَقُلْ على حُسْنِها جرباءَ تعدى وأجربُ
صورة صعبة، أليس كذلك؟ لكنها تعرى هذا الوضع الذى يشير إليه السؤال، ولمن لا يفهمها من الشباب أذكر قول شاعر آخر لحبيبته اسمها “لميس”
“ياليتنى وأنت يا لميسُ .. فى بلدٍة ليس بها أنيس”!!
هل هذا هو ما يريده الحب الرومانسى؟
إن الحب لا ينمو ويزدهر إلا تحت الشمس، وسط الناس، ربما ينبغى أيضا أن يصب فى الناس
إذا حالت ظروف قاهرة خاصة دون ذلك فإمّا أن الحب سيتراجع، أو سيضمر أو ربما يجد لنفسه وسيلة يحل بها إشكال هذه الوصلة مع الناس وعيا وإنتاجا وانتماء معاً فى محاولة اختراق ظلام هذه العزلة الاضطرارية بالتوجه الضام فى اتجاه الناس، وهذا مستحيل – وقد يكون كذبا – إلا فى حالات بالغة الندرة.
أما أن البعد عن البشر هو لافتراض وجود شعور نفسى خفى عند بعض الناس لقتل الحب، فهذا ما لا أرجحه إلا عند بعض النفوس التى لها ظروفها الخاصة التى تسمح بذلك، الأرجح عندى أن الناس تفرح حين ترى الناس تحب الناس!!
س7- قال برناردشو أن أكثر ما قيل عن الحب هو كلام فارغ، فما رأيك؟
أوافق طبعاً
بما فى ذلك ما جاء فى الإجابات السابقة، وغالبا ما سوف يجئ فى الإجابات اللاحقة.
س8- لماذا تحمل أشهر قصص الحب إمضاء الرجل؟ هل لأنه الأقدر فى التعبير عن مشاعره؟
الأرجح عندى أن أشهر قصص الحب، ليست هى أعمق ولا أصدق قصص الحب، الشهرة تتطلب الإعلان والشيوع معا، فإذا كنا قد دافعنا عن ضرورة أن يكون الحب تحت الشمس وسط الناس حتى ينمو، فهذا يسمح بالتوقيع من الطرفين، أما أن الرجل هو الذى يوقع على مثل هذه القصص أكثر من المرأة، فلأنه أكثر بجاحة ونقصا وكذبا غالبا، فى حين أن المرأة قد تملؤها التجربة صادقة مثرية، حتى لا تحتاج إلى أن تتباهى بها غرورا مثل الرجل.
س9- هل يمكن أن تتوقف أحيانا قدرة الإنسان على الحب أم أن إحساسه به يختلف من مرحلة لأخرى؟
ابتداءً: ينبغى على أى واحد منا أن يتعرف على ما إذا كان قد بلغه أن عنده ما يسمى “قدرة على الحب” من حيث المبدأ، أم أنه لم يبلغه أصلا ان هذه القدرة هى أساس تصنيفه بشرا.
القدرة على الحب هى أصل فى الوجود، وهى التى حفظت بقاء أنواع بأكملها عبر تاريخ التطور، فهى خلقة ربنا، وهى لم تحفظ نوعا بالذات نتيجة للحب بين أفراده، بل هى حافظت على إمكانية تعايش أنواع معا، وهذا هو القانون الذى يفسر التطور والذى حل محل “البقاء للأقوى” فأصبح “البقاء للأكثر تكافلا” وهو هو القانون الذى جعل “الإيثار” هو فى النهاية لصالح من يُحِبّ، مع أنه يبدو من تعريفه الظاهرى عكس ذلك،
إننى حين أوثر الغير على نفسى، فإن ذلك يصب فى النهاية فى صالح بقائه ثم بقائنا معاً.
نحن نتصور اننا يمكن أن نكون بشرا ونحن لا نحبّ، أظن أن هذا خطأ شائع، وهو يرجع إلى عدم فهمنا لما يميز البشر من ناحية، وإلى ما آلت إليه نوعية مشاعرنا نتيجة لتشويه متمادٍ، واغتراب منظم من ناحية أخرى.
أما الجزء الثانى من السؤال عما إذا كان تفسير الشعور بتوقف القدرة على الحب هو نتيجة اختلاف الإحساس به من مرحلة إلى مرحلة، فهو تفسير جيد يمكن ان يوضع فى الاعتبار، ذلك أننا فى مرحلة ما من العمر (أو حسب ظروف تطور الخبرة) نمر بتجربة معينة نسميها حبا، بل إننا قد نتصور أن هذا هو الحب وفقط، وأنه لا يوجد أى احتمال آخر،
ثم ننمو فنتغير، وندخل تجربة أخرى ونكتشف مشاعر أخرى بمواصفات اخرى فنسميها حبا، فنتساءل: إذن ما هذا الذى كان؟ الذى كنت أعتقد أنه المعنى الوحيد للحب؟
وقد نمر بتجربة ثالثة ليس فيها هذا أو ذاك، حين نفقد موضوعا (شخصا) نحبه فنتصور اننا فقدنا القدرة على الحب، مع فقده.
هذا ما تصورته من وجاهة فى سؤالك، وعلى ذلك فإن تعبير فقد القدرة على الحب ينبغى أن يرتبط بالتمييز بين “فقد القدرة على الحب”، و”فقد القدرة على ما نسميه حبا” أو “فقد القدرة على ما كنا نسميه” حبا (إذا ارتبط السؤال بمرحلة بذاتها) وأخيراً: فقد القدرة على ما كنا نسميه موضوع الحب (المحبوب).
س10 – أتصور أن الإنسان حين يفقد الحب يفقد تقديره لذاته فهل توافق على ذلك ؟
لم أفهم كيف يفقد الإنسان الحب (خاصة بعد ما تكلمنا عن القدرة على الحب)، الإنسان يمكن ان يفقد الحبيب، أما أن يفقد الحب (وليس القدرة عليه) فهذا ما صعّب الأمْر علىّ.
الحب ليس محفظة أحملها فى جيبى يمكن أن أفقدها،
ثم تأتى بعد ذلك حكاية “تقديره لذاته” بأى مقاييس يمكن أن نقيس هذا التقدير؟ إذا كان تقديره لذاته يأتيه فقط من تقدير محبوبه له، فهذه مصيبة، فى هذه الحالة يمكن أن يفقد تقديره لذاته مع فقد محبوبه، أو إذا توقف محبوبه عن تقديره له،
ثم بينى وبينك، حكاية تقديره لذاته هذه فيها كلام، لأننا عادة نقدر ذواتنا بمقاييس خائبة “مضروبة”، وبالتالى يصعب التقييم أصلا، فماذا نفقد وماذا يترتب على ماذا؟
المسألة تحتاج إلى تحديد أكثر لعلاقة ما يسمى حبا بما يسمى تقدير الذات
س11 – هل هناك زمن أو عمر افتراضى للحب ينتهى بعده؟
طبعا
لكل شئ نهاية، حتى العمر، وبالذات العمر فلماذا نستثنى الحب،
ومع ذلك فلا يوجد حب مؤقت منذ البداية، إلا باستعمال الاسم الخاص الذى يسمح بتسمية ممارسات أخرى باسم “نصنع حبا”،
فكيف السبيل إلى حل هذا الإشكال الذى أعود فأوجزه كالتالى: لا يوجد حب موقوت بضابط الوقت Timer وفى نفس الوقت لا يوجد حب ليس له عمر افتراضى؟
فجأة قفز إلى ذهنى فرض يقول:
إن أى علاقة حب هى علاقة أبدية لحظة ولادتها، وهذا هو ما يسمح لها أن تترعرع باطمئنان، وأن تغوص إلى عمق العمق،
وفى نفس اللحظة فإنها علاقة تحمل حتم انتهائها لحظة ولادتها طالما الإنسان كائن متغير ينمو باستمرار، وبالتالى هو يعيد تشكيل علاقاته وباستمرار، مع إعادة تشكيل ذاته باستمرار نموه،
أعلم أننى أصعَّب المسألة لكن ماذا أفعل.
الحل هو أن تكون العلاقة جدلية حركية باستمرار،
ففى حين أنها أبدية بما يسمح بالاستغراق فيها، هى جاهزة للتجديد “إعادة التعاقد” recontracting وهو اسم سخيف مثل استعمالنا لكلمة “الصفقة”، لكنه أدق اسم لوصف ما أريد، فما دمت أنا أتغير، وشريكى يتغير، فإن نوعية العلاقة لابد أن تتغير،
أما إن كنا قد كَلْبَشْنَا فى بعضنا البعض سكونا وهموداً، وهو ما يسمى علاقة “القفل بالمفتاح” ،Key & Lock relation فإن الحب فى هذه الحالة لا يكون له عمر افتراضى، لأنه لايوجد أصلاً.
س12 – إذن متى يصبح الدرب بين الرجل والمرأة عسيرا لايمكن أن يكتمل؟
هناك ألف سبب وسبب لمثل ذلك، ومنها مثلا:
- حين يتغير (ينمو أو يتراجع) أحد الطرفين مع ثبات (جمود) الآخر.
- حين يتغير الطرفان ولكن بزواية منفرجة، فمع مضى الوقت تزداد الزاوية انفراجا فيزداد التباعد حتى يختفى كل منهما وراء أفق الآخر.
- حين تتراكم الصعوبات التى كانا يتغلبان عليها بزخم حرارة الحب فى البداية، تتراكم حتى تصبح أكبر إعاقة من قوة دفع الحب، ويصبح ثمن تحملها أكبر من عائد الحب فعلا.
- حين يكتشف أحد الطرفين (أو كليهما) تفاصيل أخرى عن شريكه لم تكن فى دائرة وعيه حين عقد الاتفاق المبدئى.
وغير ذلك كثير
س13- أكدت دراسة أمريكية أن الحب يضعف المرأة ويقوى الرجل فما رأيك فى هذا الكلام؟
هو كلام فارغ (بعد إذنك)
دعينى أكرر تحذيرى من هذه الصياغة المكررة “دراسة أمريكية” ، “دراسة علمية”، دراسة حديثة” كل هذه التعبيرات توصِّل للقارئ العادى – خاصة من الشباب – هالة مسبقة لقبول ما يليها، لايوجد شئ اسمه دراسة أمريكية هكذا دون ذكر – ولو بإيجاز شديد – نوع العينة (البشر موضوع الدراسة) والمنهج واحتمالات التعمييم وغير ذلك.
ومع هذا فمن حق الشباب – وهذه هى مجلة الشباب – أن يسمعوا ردَّا أوضح من مجرد أنها دراسة “كلام فارغ”، وفى ذلك أقول:
الحب لا يضُعف المرأة إلا المرأة الضعيفة، أو التى استعملته ابتداء لتكون ضعيفة، وهو لا يقوِّى الرجل إلا أن يكون غبيا مستِغلاًّ، لا يشعر بقوته إلا من خلال ضعف شريكته، وهى قوة زائفة، وأنا لا أستطيع أن أنقد هذه الدراسة نقدا موضوعيا إلا إذا جاءتنى التفاصيل، أنا فقط أتعامل مع كلمتَىْ “ضعف” و”قوة” بمفهومى الخاص،
المرأة عندى – تاريخا بيولوجيا وإنسانيا وحاضرا – هى الأقوى، وهى الأصل، وهى الأقدر على الحب، فمن البديهى أن يزيدها الحب قوة،
أما الرجل (الذكر عموما) فهو كائن (بيولوجيا، وربما حالاً) يمكن الاستغناء عنه، ليس فقط بالاستنساخ أو الأنابيب او حتى المثلية، ولكن لأنه بغُرروه الذى يغطى خواءه، أقل التحاما بجذور الحياة ومسيرة التطور.
كل هذه طبعا مجرد فروض محتملة، لا أعرف منهجا قادرا على التحقق منها، لكن من حقى فى خلال خبرتى ومرضاى وقراءاتى أن أضعها كفروض، مجرد فروض لمن يريد ان يتحقق منها مقابل تلك الدراسة الأمريكية بعد الحصول على تفاصيلها.
س14 – وهل المرأة بصفة عامة تميل إلى التضحية أم الامتلاك؟
أنا إيش عرفنى!؟ (ولو أن المرأة بداخلى أقوى وأنضج) عموما أنا لا أحب “التضحية” كقيمة مطلقة، وإن كنا نقبلها حتى التقديس فى بعض الظروف الطارئة (مثل الحروب والكوارث) وعلى ذلك فإننا ينبغى أن نتحفظ تجاهها ونحن نناقش العلاقات والحب، المرأة التى تبدو أنها تضحى جدا جدا، ربما تكون هى هى التى تمتلك من تضحى من أجله جدا جدا، (سواء كان إبنا أم زوجا أم حبيبا) وبالتالى فإنها تضحى بعد ما تمتلك من تضحى من أجله، أو حتى تلتهمه، فأين التضحية؟
س15 – يقولون أنه لا حب فى السياسة ولا سياسة فى الحب فهل يمكن لرجل السياسة فى ظل ظروف عمله القائمة أن يتذوق طعم الحب؟
أرجو أن تسمحى لى أن أعتدز عن الإجابة عن هذا السؤال، وأن توصلى منّى برقية تهنئة حقيقية للعروسين الحبيبين شاهيناز النجار وأحمد عز، جمعهما الله بالحب والسياسة والفلوس معاً، وأفاض علينا من فيض سعادتهما ما تيسر (أنا أتكلم جِدَّا، لماذا لا تصدقينى؟).
س 16 – وأخيرا متى يموت الحب؟
إذا كنا نعنى القدرة على الحب فهى لا تموت أبدا إلا بموت صاحبها،
وحتى بعد تصالحى مع الموت مؤخرا وأنه يمكن أن يكون نقلة الوعى الخاص إلى الوعى الكونى إلى وجه الله تعالى، فإن القدرة على الحب لا تموت، حتى بالموت، لأن الوعى الخاص يحتاج للتناغم مع الوعى الكونى إلى وجه الله حتى بعد الموت، وهذا كله حب فى حب.
أما إذا كنا نتكلم على انتهاء العمر الافتراضى لحبِّ بذاته فقد سبقت الإجابة عليه فى سؤال 11.