نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 20-10-2018
السنة الثانية عشرة
العدد: 4067
مقدمة:
امتدادا لما أشرنا إليه سابقا، وبإصرار العناد والأمل: تم تخصيص اليوم “السبت” لمقتطفات من كتاباتى السابقة التى لها علاقة دالة بالفروض التى تعتبر إرهاصات أو أساس هذا الفكر الدائم النمو والتطوير،
وبالنسبة لمقتطف اليوم فهو يقع فى أهم منطقة مما يشغلنى وأسهمت فيه من منطلق النقد الأدبى أكثر من تطبيقات مباشرة فى التطبيب والعلاج ومقتطف اليوم كتب باكرا فى مجلة فصول الأدبية فى أطروحة “جدلية الجنون والإبداع” نشرت فى صورتها الأولى فى المجلد السادس – العدد الرابع 1986 ، ص ( 30 – 58) وقد تم تحديثها دون مساس بجوهرها.
*****
مقتطف من كتاب:
“حركية الوجود وتجليات الإبداع” (1)
هكذا نرى كيف أن تنشيط المعرفة البدائية إنما يظهر فى الجنون مستقلا ومزاحما وعلى حساب المعرفة المفاهيمية. لكن تنشيط وتعتعة هذه المعرفة البدائية نفسها بوحداتها الأولية “.. هى مرحلة مهمة فى تكوين الفكر، وفى الإبداع، إذا ما استُوعبت وعُمقت وطُورْت.”.
فكيف ذلك؟
5 – 2
تكامل، وجدلية، مستويات المعرفة فى الإبداع:
جدير بنا الآن أن نذهب إلى أقصى الجانب الآخر لنستشهد ببعض خبرات المبدعين ممن استطاعوا أن يلتقطوا بعض معالم هذه المرحلة فى بدايات الإبداع خاصة (أو قبيل الإبداع أصلا)، على أساس أن هذا التنشيط البدائى هو المدخل لما تلاه. وسوف أحاول أن أركز على ماهو “صورة”، وماهو “مكد” فى بعض أنواع الإبداع الأدبى أساسا. إن هذا المنطلق قد يتبين أكثر وأقرب فى الإبداع الموسيقى والتشكيلى البصرى، لما يتميز به هذا وذاك من لغة خاصة متحررة نسبيا من وصاية أبجدية لفظية مفاهيمية محددة جاثمة.
5 – 2 – 1
1 – يصف نيتشه رؤية عمله “هكذا تكلم زرادشت،” وكيف جاءته إرهاصاته فى شكل “صورة موسيقية” فى أحد أيام فبراير 1883 فى بلدة ريكاردو الإيطالية، حيث استشعر علاقة منذرة فى شكل تغير غائر. وفى هذه المرحلة لم يكن عند نيتشه أدنى فكرة عما سيحدثه به زرادشت، فقد أخذت مرحلة الحضانة أكثر من عدة أشهر.
2 – يصف بيتهوفن عملية تأليفه قائلا: “… وفى رأسى أبدأ بتطوير العمل بعرضه وامتداده وطوله وعمقه، وبما أنى أكون واعيا بما أريد أن أنقله، فإن الفكرة الخلفية لاتغيب عنى أبدا، إنها تتمطى، وتتنامى، فأسمع وأرى الصورة أمامى من كل زاوية كأنها تمثلت..” (4)
3 – وصف روزنبرج – فيما يتلقى الإبداع – ظاهرة تجسيدية عيانية أسماها عملية التماثل المكانى (5)، وهى نوع من المعرفة التى ترتكز على الصورة المكانية الماثلة، بدءا لما هو إبداع. وقد استشهد بمن يلى:
أ - هنرى مور (أحد النحاتين المبدعين المعاصرين) وهو يصف عملية إبداعه بقوله:”.. هذا هو ماينبغى أن يفعله النحات: عليه أن يجتهد دائما فى أن يفكر، وأن يستعمل الشكل فى حضوره المكانى المتكامل. إنه يحصل على الشكل المجسم داخل رأسه… وهو يرى بعقله الشكل المركب فى كل مايحيط به، فهو يعرف كيف يكون الجانب الآخر وهو ينظر إلى الجانب المقابل”.
ب – أحد علماء الميكروبيولوجى (من الحاصلين على جائزة نوبل) يصف كيف جاءته فكرة جديدة تتعلق بسلوك أحد الإنزيمات، أنه: “…رأى نفسه واقفا فوق إحدى الذرات داخل جزئ الإنزيم…” .
4 – جاء فى خطاب من أينشتاين إلى جاك هاد مارد ما يؤكد: …. إن الألفاظ كما تستعمل فى اللغة المكتوبة أو المنطوقة لاتقوم بأى دور فى ميكانزمات تفكيره، وإنما تبدأ عملياته المعرفية بصورة بصرية وعضلية، ثم تتدخل الكلمات بعد ذلك فى شكل سمعى تماما. وقد كتب أينشتاين ما يفيد “… إنه يستطيع أن يسترجع بإرادته هذه الصور وأن يؤلف بينها…، فقد كان يستطيع أن ينتقل مباشرة من التخيل إلى التجريد (الرياضى) “.
نلاحظ فى الأمثلة السابقة دور حركية الصورة، والتجسيد العيانى، والرؤية البصرية، والحضور الجسدى – فى العضلات – بوصفها جزءا لايتجزأ من إرهاصات العملية الإبداعية وبداياتها وتخطيطها، فى مجالات متعددة من الإبداع الأدبى والعلمى والتشكيلى.
فى النشرة التالية (السبت القادم) سوف نركز على الاستشهاد والاقتطاف من نوع من الإبداع الأدبى، وهو القصص (المصرية/ العربية).
[1] – المقتطف: فى كتاب “حركية الوجود وتجليات الإبداع” (ص 165 إلى 167) (الطبعة الأولى 2007) المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية بمكتبة الأنجلو المصرية، وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – Incoherence
[3] – Temporary dislodgement
[4] – Schoenberg A.(1950)”Style and Idea.(p113.)Philosophical Library Inc.
[5] – Rothenberg A. (1976)”Homospacial Thinking and Creativity. Arch. Gen. Psychiat. vol. 33 Ian p. 17-.26.