جريدة التحرير
31-12-2011
تعتعة التحرير
ومازال محفوظ يعلمنا (من الأحلام)
وكان لارتطامى بالأرض دوى مثل قنبلة
حلم (46)
جمعتنا حديقة. درج صاحبنا يغنى ونحن نسمع ونطرب ويعلو منا هتاف الوجد والاستحسان. وأزعجنا العباد فشكونا إلى الشرطة. وتحرير تحرير التاريخ والوقترأينا الشرطة قادمة فتفرقنا لائذين بالفرار. جريت فى الاتجاه الذى اتفق وكلما نظرت خلفى رأيت الشرطى يجرى فى إثرى بكل قوة وإصرار، وظهر لى شخص يجرى أمامى وكأنه يفر منى. من يكون ذلك الشخص؟ ذكرتنى رشاقته وجميل قوامه بالحبيبة. وهكذا صعدنا البرج وفوق سطحه منتنى النفس باحتضان حبيبتى ولكنها تخطت السور وهوت من ذلك العلو الشاهق إلى الأرض. فقدت عقلى وزاد من تعاستى اقتراب الشرطى فوثبت من فوق السور وراء حبيبتى توقعت أفظع ألم وكان لارتطامى بالإرض دوى مثل قنبلة لكنى لم أشعر بأى ألم. وقمت واقفا فى تمام الصحة. تلفت فلم أجد لحبيبتى أثرا ونظرت إلى أعلى البرج فرأيت الشرطى يطل علينا وهو يغرق فى الضحك.
القراءة (سنة2009):
يبدأ الحلم بهذه البهجة “الطفلية” الزائطة بلا حدود، تلك التى يمكن ألا تكون مقبولة حين تصبح مصدر كل هذا الإزعاج الذى يبرر حضور سلطة أبوية حازمة جاهزة للملاحقة للعقاب أو الضبط والربط.
الهرب من مثل هذه السلطة الوالدية لا يكون بالأمل فى الاختباء فى حضن حبيب مهما أغرتنا وعودة.
المطاردة هنا مزدوجة: النداء من الأمام (الحبيبة الندّاهة)
والملاحقة من خلف (السلطة)، (قارن الملاحقة الجذب فى حلم 23)
هما ضلعان يكملان بعضهما فى نفس الاتجاه. لكن أى اتجاه؟
الصعود وراء الحبيبة هنا بدا لى تسلقا لبرج الخيال الآمِلْ، فى أمان جاهز، أكثر منه طلبا لعلاقة أرضيّة صَعبة ورائعة.
تختفى الحبيبة هنا أيضا ربما مثلما اختفت فى العاصفة، (حلم 27)
أو حتى مثل تلك التى تكشفت عن هيكل هش تحطم فى حضنه، (حلم14)
وإلى درجة أقل مثل اختفاء الحبيبة فى الزحام (حلم 2).
أو حتى مثل اختفاء قائدة الزورق فى النهر (حلم 18).
الإحباط الذى يلى هذا الاختفاء يختلف حسب كل موقف.
المفاجأة هنا كانت فى تفاصيل خبرة السقوط من شاهق وراء الحبيبة النداهة، سقوط بلا ألم برغم مخاوف التحطيم المتوقع.
منظر السقوط هنا ذكرنى بمنظر ارتطام الملاك فى فيلم “مدينة الملائكة” (بطولة: نيكولاس كيج وميج ريان) وهو يسقط من شاهق بإرادته ليتخلى عن ملائكيته فيكون بشرا خليقا بحب حبيبته من البشر، لكن المسألة هنا معكوسة: إن اختفاء ألم السقوط وافتقاد آثار الارتطام ووقوف الراوى فى تمام الصحة البلهاء هكذا، قد أوصل لى أنه الحل الهروبى إلى حضنٍ حامٍ، من سلطة قاهرة، وهو بمثابة هذا الزيف الخالى من الألم.
الهرب من سلطة قامعة، بالاندفاع استجابة لعلاقة حاوية، ليس هو الحل.
الاحتياج للرِّى دون جدل لا يخلّق إلا علاقة خائبة متخيلة، وخاوية مادام لم يَدفع فيها صاحبها ثمنا كافيا. لا علاقة بلا ثمن.
أما ضحك الشرطى هنا وهو فى موقع يراهما معاً، بعد أن اختفى كل منهما عن الآخر، فقد يكون إعلانا لعبثية الملاحقة هكذا بلا مقابل.
بدأنا الحلم بنكوص طفلى،
وانتهينا بجوٍع عاطفى لا يحقق شيئا إلا سقوطاً فى الهواء، تغلفه البلاهة أو البلادة.
حلم (47)
فى الطريق لعب أمامى مجموعة من الصبية فشعرت أنهم يضمرون لى السوء. وعجبت لأنه لم يحصل بينى وبينهم ما يدعو إلى ذلك، وسرت فى حذر وأنا أتذكر بدهشة حالى عندما كنت فى سنهم.
ووجدت أمامى محلا كبيرا يعد ليكون محلا لبيع الحلوى كما فهمت من لافتته الكبيرة، وكان العمل على أشده فى إعداده فاقتربت منهم وسألتهم ‘هل ستقدمون ضمن الحلوى بقلاوة وكنافة’ وكف العمال عن العمل واتجهوا بأنظارهم نحوى وعلى حين قهقه الصبية وصفروا. وجاء من أقصى المحل رجل بدا أنه صاحبه وسأل ‘هل حقا مازال يوجد أناس يحبون البقلاوة والكنافة؟’ وسرت بين العمال همهمة وراح الصبية يرقصون ويصفرون ويكورون قبضات أيديهم فى وجهى
القراءة:
هل هو إعلان بموت الطفولة الحقيقية داخلنا وخارجنا؟ وأن ثَمَّ تخطيطا يجرى إعداده لطفولة أخرى، لها صفات أخرى وقوانين أخرى؟
لاحت ملامح هذه الطفولة الجديدة ساخرة قاسية:
محل الحلوى الذى لوّح بنوع آخر من الحلوى ليس جاهزا بعد، ولا هو أوحى بما يبين لنا أى حلوى سينتج أصلاً، لكن الراوى لا يعرف إلا طفولته “وأنا أتذكر بدهشة حالى عندما كنت فى سنهم”،
من الذى يحق له أن يستغرب فى هذا الموقف؟
العمال استغربوا لسؤاله حتى توقفوا عن العمل،
وبرغم سخرية الصبية منه منذ البداية حتى توجس شرا، إلا أنه مضى يتساءل عما يسأل عنه طفلٌ. بديهى أن نسأل عن بعض أنواع الحلوى فى محل يعد لبيع الحلوى، وهل سوف يكون ضمن ما يبيع للأطفال خاصة، البقلاوة والكنافة، لكن بعد أن تغير الحال بدا أن الراوى حين سأل سؤاله هذا البسيط الساذج قد خرج عن المألوف. هو قد أعلن بسؤاله هذا عن مدى بعده عما آل إليه الحال. إن لم تكن البقلاوة والكنافة ضمن الحلوى التى يحبها الأطفال فما هو نوع الحلوى التى يمكن أن يقدمها محل يعد لبيع الحلوى لهذه الكائنات الجديدة الساخرة المتوعدة؟
كيف يسأل هذا الأبله عن “حلاوة” فى عالم لم يعد به حلاوة؟ وهكذا الدهشة مما آل إليه الحال، على صاحب المحل الذى راح يتساءل – متعجبا- عن أناس مازالوا يحبون البقلاوة والكنافة!
ماذا يمكن أن يحبه الناس الأطفال، أو أطفال الناس، إن كان عليهم أن يكفوا عن حب البقلاوة والكنافة؟
هل يكتفون بالسخرية والقهقهة والتصفير وإضمار السوء للناس الطيبين الذين لم يبلغهم خبر ما آل إليه الحال؟
محلات الحلوى بلا حلوى! والعمال مغتربون إلا عن مواصلة الاغتراب!! ما هذا؟
هو بتلقائيته وبساطته بدا غريبا وهو مازال يتصور أنه يمكنه أن يحافظ على طفولته الحقيقية.
يبدأ الحلم وهو يستشعر أن الصبية يضمرون له السوء، وينتهى وهم يرقصون ويكورون قبضات أيديهم فى وجهه،
ما هى تهمته بالضبط؟
هل هى أنه احتفظ بطفولته؟
هل هى أنه لم يعلم بما آل إليه الحال؟
هل هى أنه مازال يأمل ويرجو؟
***
وبعد
التحديث
وهل يحتاج هذين النصين ونقدهما إلى تحديث “الآن” 31/12/2011؟