غروب … و شروق
رضا الكاشف
إلى الأديب: محمد جاد ، ومحاولة نهوض
- كان الوقت متأخرا … استلقيت على الفراش … لم أستطع النوم … صورة الأمس القريب تجول فى جمجمتى .. أحث الخطى صوب المقهى .. أجلس متعبا … كانت نظراته تتسلل فى …. تعبرنى .. تلفنى .. ويرسم ابتسامة خبيثة على شفتيه البنيتين .. يقوم .. يشق طريقه نحوى .. يلاصقنى فى تيلد غريب .. يشرب شايا .. ويدخن أيضا .. ما هذا ؟؟ الخوف يتسرب من بين ثنايا الظلام .. شعور غير معلوم ينتابنى .. احساس غامض يتمطى .. إمتد داخلى وتشعب بلا حدود .. مرت يدى على قفاى المتورم .. تقابلت اليد الغليظة مع قفاى .. وعلا صوت صفعة عنيفة افقدتنى صوابى .. وحيدا فى البيت وصورة الطفل الباكى التى يكسوها الغبار- الصمت مصلوب على جميع الأشياء .. وعلى أن أحطم كل الأشياء ..
- كان بامكانك تحطيمها .. وتسمح لروحك بالتكيف ..
- ماذا كنت أفعل؟
- أكتب عن الراقصة .. ، أو الممثلة …
- لا .. بل أكتب عن …
- هذه موضوعات مرفوضة … مسيطرة على تفكيرك … التاريخ ممتد من سبعة آلاف عام … وحتى نهاية المدى ..
- أكتب ونحن نختار ..
- أنت تبحث عن دفء القبور المظلمة … ما زلت تفكر فى التاريخ والصحافة وتنظيم مصلحة الشعوب.
* * *
تناهى لسمعى خطوات أقدامهم .. أتوا كى يمارسوا هوايتهم المفضلة .. يطأون على وجودى .. يتحدثون بلغة سوقية .. كلمات غير متوازنة .. وإذا اهتزت أحبالى الصوتية .. سلب حقى الطبيعى .. الدمار قابع بشراسة .. دنا وقع خطواتهم من الباب الخشبى .. هوى قلبى حتى قدماى .. السرير يصر ويرتعش تحتى … وضوء المصباح ينبعث شحيحا لخواء بطنه دق الباب بوحشية .. لم أنطق .. تتابع الطرق .. ولم أتحرك .. كاد ينكسر .. تصلبت عيناى على الباب .. وخرس لسانى .. الطرق مستمر .. طرقات غير ودية .. أفتح .. إذا لم تفتح فى الحال .. سنحطمه .. الباب يعلن إنعدام وزنه … لا تتظاهر بأنك لست موجودا … أنت بالداخل … لا تضطرنا للعنف … أقوم وأنا مجوف .. مذعور .. أصدم بطبق فارغ .. تفاقم الموقف .. فأنا أعرفهم .. رجال كالثيران .. ذوى شوارب كثة .. وأكفهم عريضة وغليظة ..
- مطلوب أنت ..
- رابعا ..
- …. …
- ما الذى تريدونه بالضبط؟
- … …
أنا وحيد فى البيت. فى الشارع . على المقهى. لا أتصل بأحد. لا أحد يتصل بى .. لا أصدقاء يزورونى … أتناول الطعام بانتظام .. لا أسهر .. أنام مبكرا.
جعلوا وجهى للحائط .. انهالت الضربات .. وتلتوى عضام كتفى .. تناول أحدهم .. (كماشة) ونتف بها شعر شاربى الأسود .. وشد آخر جلد بطنى .. وآخر رفع جلبابى من الخلف .. حملقت كثيرا فى الجدار .. حفظت كل ذرة فيه .. سور عالى طويل إلى ما لا نهاية .. كانت به مربعات مرسوم داخلها صور لأشباح مرعبة … أدور فى دوائر الحجرة .. تهوى الصفعات على رأسى وأنحاء جسدى .. اشكو لتلك الجدران الخرساء علها تنفتح وأركض هاربا .. أصرخ مستنكرا وأنا أدمى .. أتوا بكلب جائع لينهش لحمى .. تنغرس أسنانه فى .. ينثا الدم غزيرا ويضحكون فى صخب ماجن .. وألتحم بالأرض التى تشكل منها آدم وأصبح إمتدادا لها .. أتركونى .. لما تضعونى هنا ..؟ لم أفعل شيئا .. قاطعنى الصوت كحد السيف ..
- والمنشورات التى وجدت أمام البيت ..؟
أصبت بالدهشة حتى الهلع
- لا أعلم عنها شيئا..
- والشرائط تنكرها أيضا..
- لا أعلم عنها شيئا..
وتقابلت اليد الغليضة مع قفاى … وعلا صوت صفعة عنيفة أفقدتنى صوابى .. وسقطت بلا وعى كما تسقط الطيور السجينة من شدة التعب والعطش.
* * *
(فى الجو صقر كافر .. يحكم البلابل الوديعة .. يأمر .. ولا أحد يصدر أنينا .. فهو المتحدث الرسمى فى كل شئ .. يزعق .. وثورة الصقر لا تقاوم … ينتف ريشك ويتركك للريح ليملأ عيون الغربان المنافقة).
* * *
يد الخريف تدق أجراس الكون …. والطريق وعر طويل يشقه لسان أسود بلا انتهاء .. والعناء قابض على لحظات العمر … أدور سجينا . أحيا بلا معنى … بلا هدف … الدوامات تتقاذفنى بعنف … كنت أحلم بالميلاد .. ولا يحدث هذا إلا إذا قامت ….، لابد من المواجهة .. فالواقع بلغ منتهاه .. والخلاص غدا مستطاع … قربت نهاية معركة النهار .. الأفق مخضب بالدمع .. العائدون ترتعش خيالاتهم البعيدة .. طالت علينا …
فالنبع مر .. والجفاف فى الحلق .. والفم لا يلوك إلا الحيرة .. الموسيقى تعزف جنائزيا، بكائية مرثية لعقل ضل طريقه .. واغتسل فى بحر من الدم … هوى الهرم المقلوب … كل شئ يعاود التفكير فيه .. استلقى على السرير دون خوف .. وحامت فراشة كبيرة تعانق صورة الطفل الباكى .. فالضوء إنسال من خصاص الحجرة … وفض بكارة المجهول.