- المقدمة
- ملامح من الحاضر
- الخلاصة: مستقبليات
- خاتمة وملاحق
العلاج النفسى فى مصر
كتـاب ملامح من الحـاضر …….
……… إلى آفــاق المستقبل
أ.د. يحيى الرخاوى
ملحق بالمحاضرة التى ألقيت فى مركز الطب النفسى فى جامعة عين شمس،
ضمن سلسلة محاضرات الطب النفسى سنة 2000
29 أبريل 1991
هذه مسودة لم تكتمل بداهة.
لكننى اضطررت أن أجمع مادتها فى عجالة، بمناسبة دعوتى للإسهام فى البرنامج الذى أعده مركز الطب النفسى بكلية الطب جامعة عين شمس تحت عنوان “الطب النفسى سنة 2000 بمحاضرة عن مستقبل العلاج النفسي
ويبدو أن اختيارى للحديث فى العلاج النفسى دبما يرجع إلى ما شاع بين زملائى (دون مرضاى) عن نوع الممارسة التى أمارسها فى تخصص الطب النفسى.
ونظرا لأننى أكاد لا أقر تخصصا مستقلا اسمه العلاج النفسى دون أن يكون مرتبطا بما هو بيولوجي، وبالطب النفسى عامة، فقد رأيت أن من المناسب أن أنتهز الفرصة لأعرض وجهة نظرى التى سبق أن نشدتها، أو ألقيتها هنا أو هناك فى هذا الكتيب، بأقل قدر من التعديل لأعلن ملامح الحاضر الذى أعيشه، ثم أضيف بعض تطلعاتى (أكثر من توقعاتى) نحو المستقبل.
ولعل تقديم هذه المسودة لبعض الحضور مع كونها تحت طلب من يشاء من الباقين، لعل هذا وذاك يغفر لى ما أغلفت تفصيله فى المحاضرة مما لم يسمح به الوقت.
مقدمة
أخشى ما أخشاه أن يكون ظنى فى محله، فأنا أحسب أننا – بصفة عامة، وليست مطلقة – نتعامل مع المستقبل بأحد سبيلين:
أولا: طريقة المتلقى الذى ينتظر خطابا يستلمه مع مخصوص، يخطره فيه بثبوت رؤية هلال المستقبل، وبالتالى يخطره بطريقة استقباله، وواجب الترحيب به، ونادرا ما يخطره بطريقة التعامل معه.
[وهذا الفريق يمثله عبدة أصنام مايسمى العلم الحديث المستورد – الذى لم يعد حديثا بعد أفول قيم المجتمع الصناعى لتحل محله قيم مجتمع المعلومات]
ثانيا: طريقة الذاهل الذى يجول فى غيبيات غامضة، يستمدها أساسا من سلفيات جامدة، وكأن الماضى المتجمد هو صانع المستقبل، دون مرور بواقع الحاضر المتحدي
[وهذا يمثله المستسلمون عبدة أصنام حرفية السلف، والمتاجرون بسكينة الجمود]
وإذا كنا نريد أن نقرأ المستقبل فعلينا أن نتقن التعرف على مجريات الحاضر
وحاضرنا فى الطب النفسى فى مصر لا ينتمى تماما لهذا أو ذاك، فثمة محاولات هنا وهناك، وثمة شخصية مستقلة تتكون، دون نسيان الحوار مع العالم، ولا أطيل فى تعداد هذا أو ذاك فليس هذا مجاله، وإن كنت أرجع الفضل للقائمين بالمحاولة، بقدر ما يرجع إلى سائر المتحاورين معهم فى كل المواقع العلمية والتعليمية على طول مصر وعرضها، وإلى درجة أقل: البلاد العربية.
وحتى أحدد بعض معالم حاضرنا اليوم- فيما يتعلق بالعلاج النفسي- سوف أورد أربعة نماذج محدودة، مجرد عينة غير نافية ولا مستبعدة لمحاولات متوازية، ومختلفة، تجرى بقدر رائع من الحماس والإصرار فى مواقع أخري، ولكنى سوف أقصر حديثى على هذا البعض دون الكل، معتقدا أن هذا المنطلق هو الذى يسمح لى بأن آمل لو أن هذه التجارب والبدايات تطورت فى الاتجاه السليم فقد تكون بمثابة إرهاصات جيدة لما هو مستقبل للعلاج عامة، والعلاج النفسى خاصة
ملامح من الحاضر
العناصر
1- العلاج النفسى للذهانيين
2- العقاقير فى العلاج الجمعى العميق
3- حركة العلاج النفسى فى مدرسة قصر العيني
4- بدايات المجتمع العلاجى
النموذج الأول: العلاج النفسى للذهانيين
إن مفهوم العلاج النفسي- رغم شيوع استعمال اللفظ يحتاج إلى إعادة تحديد.
ولابد أن نعلن ابتداء أن مفهوم العلاج عامة يتعلق أساسا وقبلا بمفهوم المرض ثم مفهوم الصحة، إذ أن العلاج هو بالضروة الطريق فيما بينهما، فالذى يعتبر المرض نتيجة ميكانيكية لتغير كيميائى والصحة هى “اللاأعراض” لابد أن يتبنى مفهوما للعلاج يفيد تعديل هذا التغير الكيميائى عملا على اختفاء الأعراض بأى شكل وأى ثمن، كذلك فإن الذى يرى أن الاضطراب النفسى هو تراكم تعليم ضارمنحرف، وأن الصحة هى التشكل مع أغلب الناس، لابد وأن يكون العلاج لديه هو إعادة التعليم بشكل نافع يسمح بهذا التشكل … وهكذا.
وهنا علىّ أن أعلن ابتداء موقفى من هذه القضايا الأساسية.
وبديهى أنه يستحيل أن يكون لى- أو لغيرى- موقف خاص بالمعنى الكامل المنفرد، فهو انتماء معدل أكثر منه موقف خاص منفرد، وهو يتبع عموما المفهوم الذى يرى الإنسان كيانا بيولوجيا (بالمعنى الأشمل للبيولوجى) فى حركة نامية متطورة مستمرة لاتنقطع إلا بالموت.. بل هى لاتنقطع بالموت، ومن ثم:
فإن المرض - عندى- هو إعاقة (أو الانحراف أو النكوص عن): هذه الحركة على أن تركيزى الأساسى من خلال هذا الاتجاه هو التأكيد على أن هذه الحركة المستمرة هى طبيعة بيولوجية أساسية فى التركيب الحيوى للكائن البشرى بما يتميز به من إنجاز لغوى رمزى معرفي، وايجازا لذلك أقتطف ماأوردته فى عمل سابق من أن:
” الإنسان حركة بيولوجية دائمة، تختلف أطوارها نشاطا وكمونا، اندفاعا وتمددا، بسطا واستيعابا، وأن لهذه الحركة فى مختلف أطوارها المتكررة جزئيا، والمتتابعة لولبيا أبدا، تفاصيل فسيولوجية وفكرية ووجدانية، وهى المظهر المعبر لهذه الحركة، والمدخل لها فى نفس الوقت، ولكنها ليست بديلة عنها بحال من الأحوال “
وهذا المنظور يجعل السلوك مظهرا لمسيرة أساسية لها قوانينها البيولوجية الحيوية المتغيرة حتما من منظور التطور المستمر.
فإذا نظرنا من هذا المنطلق أمكن تعريف الوجود الإنسانى السوى (الصحة) على أنه انطلاق هذه الحركة فى كفاءتها التى تحددها قوانينها وتتيحها تدريباتها.
ولأصبح المرض هو إعاقتها أو قلبها أو الانحراف بها.
ولابد بالتالى أن يكون العلاج هو تسهيل إطلاقها وتعديل مسارها، وهذا ماعنيته بتعريف العلاج عامة بأنه “مواكبة مسيرة النمو لإزالة معوقاتها أو منع تأجيل نبضها أو لتعديل مسارها أو إيقاف انعكاسها أو الحيلولة دون تدهورها، كل ذلك من منطلق بيولوجى أساسا يستعمل كل المتاح المقابل لتركيب الإنسان واحتياجه معا من كيمياء وكهرباء وكلمة ومعنى وآخر وهدف..، وذلك فى توقيت مناسب وحركة محسوبة”.
فالتركيز هنا ظاهر: على “المواكبة”.. وعلى التوقيت، وعلى “الحركة”، فهل يمكن أن يتم ذلك لإنسان معوق إلا من خلال إنسان آخر يحيا شخصيا – معه- كل ذلك، ثم تنشأ علاقة إنسانية خاصة ذات فاعلية نوعية لتحقيق أهداف العلاج السالفة الذكر من خلال ما تتصف به من قدرة خاصة على استعمال أدواته ؟
فإذا كان الشائع هو أنه فى العلاج النفسى يتم التغيير إلى الأحسن من خلال تعاقد يؤكد دور علاقة إنسانية (مهنية) تتواصل عبر معبر الوجدان، فإن النظرة الأعمق، وكذلك الخبرة الكلينيكية الأدق تؤكدان أن كل علاج لايتم إلا من خلال هذا التعاقد عبر ذاك المعبر، حتى ولو لم تكن العلاقة مع طبيب بالذات أو مع معالج مختص فإنها تتم مع أى إنسان مواكب آخر (ممرض أو قريب أو مريض آخر أو غير ذلك)، وهذا العامل شديد الفاعلية جاهز الحضور، بحيث لايمكن فصله أو إنكاره مهما أصر السلوكيون القدامي، حتى مع اختفاء الكيان البشرى من “التكنيك” فهو قائم فى التخيل وبالداخل لا محالة، والممارسة الكلينيكية تعلم هذه الحقيقة كبديهية يستحيل نكرانها، وإن ظلت تنتظر الوسيلة البحثية المناسبة لتقدير حجمها.
وهكذا لنا أن نتساءل بعد هذه المقدمة: هل نستطيع- أساسا- أن نقدم توصيفا للعلاج النفسى كعلاج مستقل فى ذاته ؟
فإذا فشلنا وهو الأرجح عندى:
فهل يعنى ذلك أن كل علاج للنفس (كلية الإنسان) هو علاج نفسى بالضرورة؟ أم يعنى أن العلاج النفسى لاوجود له أصلا لأنه ليس ثمة علاج فى هذا المجال إلا علاج النفس بكل الوسائل معا؟
ودون الدخول فى تفاصيل لغوية أعقد لابد من أن نرضى بالنسبية، بمعنى أنه:
إذا غلبت أهمية العلاقة الإنسانية العلاجية بحيث يمكن أن نعزو إليها القدر الأكبر أو القدر الأساسى من تغيير السلوك النفسى أو الشخصية، أو المسار،، سمى هذا النوع من المداواة علاجا نفسيا.
فإذا كان العلاج هو “مواكبة مسيرة النمو: يقوم بها شخص مسئول ذو خبرة ووعى وحركة شخصية مستمرة على مسار النمو. لصالح شخص معاق (نتيجة لظهور نشاط مفرط غير قادر على الموالفة أو نتيجة لجمود مفرط مانع للانطلاق) … فقد يصح لتوصيف العلاج النفسى إضافة: “أنه إذا غلب على هذه المواكبة فعل التواصل البشرى بالكلمة والمعنى والمشاركة والمعية كأسلوب لتحقيق هذه الأهداف… فهى جديرة بأن تسمى باسم “العلاج النفسى”.
وهكذا فإنى أستبعد تلقا”ئيا أننى أعنى بالعلاج النفسى ما هو: التحليل النفسى psychoanalysis أو مايسمى أحيانا العلاج بالكلام treatment by talking أو العلاج بالتفسير therapy interpreative أو حتى العلاج البصيرى insight therapy أستبعدها كمترادفات ولكنى لاأستبعدها كجزء جوهرى مساهم بالضرورة فى العملية العلاجية النفسية.
المتغيرات الحديثة
أتاحت المتغيرات الحديثة اتساعا لمفهوم العلاج النفسى حتى شمل الذهانيين، بل وبعض الاضطرابات العضوية، ليس فى تناول علتها، وإنما فى اللحاق بما ترتب عليها، ومحاولة تعديله، والإقلال من آثاره.
ومن هذه المتغيرات:
1- عطاء علم السيكوفارماكولوجى: حيث سمحت ثورة العقاقير للمعالجين بالاقتراب من المريض الذهانى وبتقليل الخوف من إنشاء حوار معه فضلا عن مواكبة مسيرته، سمحت بذلك من خلال إتاحة فرصة الضبط الكيميائى بصفة عامة، وكذلك فرص التحكم النوعى فى المستوى البدائى لتنظيمات المخ، بحيث يمكن التحكم فيها بدرجات متفاوتة من خلال التحكم فى الجرعة والتوقيت ونوع العقار
كما أن ثورة العقاقيرقد أتاحت الفرصة لرؤية النشاط السلوكى المتنوع لمستويات نوعية متصاعدة من مستويات نشاط المخ
وأخيرا فقد أتاحت الفرصة لتتبع تبادل الأعراض، والنقل بين الزملات syndrome shift بفعل هذه العقاقير مع تغير الدينامية المصاحبة، كما يظهر هذا بوجه خاص فى النقل من الذهان إلى آخر، أو إلى اضطرابات الشخصية أو العصاب… وبالعكس.
2- فضل الفهم التركيبى للنفس: إن فهم النفس الانسانية فى السواء والمرض، وفى تجربة الذهان خاصة فهما تشريحيا مناسبا من خلال إعادة النظر فى مستويات المخ التنظيمية من ناحية، ومن منظور تعدد حالات الأنا (أو حتى تعدد الذوات)، وما أتاحه هذا وذاك من تحليل تركيبى لايتعارض مع التحليل الدينامى وإنما يتوجه ويكمله، وقد أتاح كل هذا فرصة للتعامل المباشر مع المستويات الأعمق والأعتق من المخ وهى المستويات التى تنشط فى حالات الذهان خاصة – وبذلك لم يعد اللاشعور مجرد مخزن مرتبك تغلى فيه الغرائز كيفما اتفق.
3 – فضل إضافة التحليل النفسى الأحدث: وخاصة إضافات جانترب وفيربيرن بالنسبة لمفهوم الأنا الناكص والأنا الليبيدى والأنا المضاد للبيدو، مع إرجاع جانترب المشكلة المرضية عامة إلى الظاهرة الشيزيدية أساسا، ومحاولة التوفيق بين العلاجات الفيزيائية (بما فى ذلك التدخل الفيزيائى المكثف لتنظيم الإيقاع، (وهو ما كان يسمى الصدمة الكهربائية) وبين العلاج النفسى الأعمق لبعض حالات الذهان (وخاصة الهوس والاكتئاب)، وكذلك لايمكن إنكار أعمال التحليل المباشر direct analysis التى قام بها روزن Rosen رغم شطحاته، كما أن بعض المحللين الأحدث قد سجلوا تحليل بعض حالات الذهان الفصامى بنجاح ظاهر.
4– فضل المفاهيم التعليمية الحديثة (بما يشمل التعليم بالبصم): إن اعتبار العلاج النفسى خبرة تعليمية قد امتد بالضرورة ليتحور مع المفاهيم الجديدة للتعليم بالبصم الذى يبدو أنه يتم بشكل خاص فى أوقات الاستهداف والتعرى من imprinting الميكانزمات خاصة، مما أتاح شكلا جديدا لخبرة العلاج مع الذهانيين خاصة.
البداية … والخبرة… وتطور المسألة:
اعتدت أن أعلم الطالب المبتديء فى طريق التخصص أن عليه أن يحذق معرفة حالتين اثنتين حتى أعمق الأعماق: حالة ذهان فصامى فى مسارها التدهورى أو العلاجى أو كليهما معا لو أمكن، وحالته هو شخصيا (الطالب)، وبعد ذلك سيكتشف أنه عرف كل الأمراض، وكل البشر، ورغم مايبدو فى هذه النصيحة من ايجاز ظاهر التبسيط إلا أنها تكاد تكون مستحيلة التنفيذ بالعمق الكافى والأمان اللازم، إلا فى إطار إشرافى شديد الالتزام وجو علمى فائق المسئولية، وما أقدمه فى هذا البحث يساير هذا الاتجاه الخبراتى الخاص، فهو ليس مراجعة للتراث، ولا هو تقديم لعلاج بذاته وإنما هو خلاصة (مرحلية بالضرورة) لخبرة كلينيكية مع الذهانيين عامة مستمدة من عدد غير محدود من المرضي، وسوف أعرض فى إيجاز بعض عينات من مصادر هذه الخبرة المتنوعة.
1- العلاج الفردى (حالة استمرت من 1962 إلى 1974).
هى حالة شاب فى الرابعة والعشرين من عمره عند البداية، شخصت كفصام مزمن غير متميز، يصل فى نوبات حدته إلى تفسخ هيبيفرينى أكيد، وقد كان متوسط تردده مرة أسبوعيا فيما عدا فى الأزمات الحادة حيث وصل تردده إلى مرة يوميا عدا الاتصالات الهاتفية والزيارات المنزلية غير المعدة، وقد كانت بداية العلاقة العلاجية مغمورة بمفاهيم التحليل النفسى أساسا وخاصة فيما يتعلق بتفسيرات ثنائية الوجدان تجاه والد المريض ذى الشخصية البارانوية، وكذلك فى الموقف الغامض تجاه والدته المصابة بفصام هيبرفينى متدهور طوال العشرين سنة الأخيرة، وقد استعملت فى ذلك خبرات الطرح وتحليله وتفسيره، وأتيحت أحيانا درجات متفاوته من النكوص العلاجي، بما يسمح بإعادة تركيب الذات، وقد كان المريض يتردد فى نفس الوقت مختارا على فترات متفرقة على زميل طبيب نفسى – (وهو معالج نفسى أيضا ذو رؤية تحليلية كذلك) وقد كان هو مصدر التحويل أساسا باعتباره صديقا وزميلا للمريض، ولكنه كان يقوم بدور علاجى فعلي، مما جعل هذه الخبرة تسمح بتفسير التقدم فى العلاج إلى أكثر من معالج ربما مثـلا له بطريق غير مباشر دورى الأب والأم معا باعتبارهما الأسرة البديلة، ودون الدخول فى تفاصيل الحالة التى قد تستغرق كتابا بأكمله أقول إن هذا المريض قد تقدم فى العلاج حتى واصل حياته الأسرية والوظيفية والدراسية بكفاءة مناسبة، ومازال كذلك حتى وقتنا هذا (سنة 1980) يشغل مركزا علميا أكاديميا بعد حصوله على الدرجة الأعلى أثناء العلاج ومع كل ذلك فإنى لاأعتبرها نتيجة إيجابية بالمعنى الحقيقي، إلا أن فضلها على خبرتى قد امتد إلى حالات أكثر فأكثر ممن هم فى بداية طريق التناثر خاصة، كما أنها كانت المحور الذى بدآت تنتظم حوله إعادة النظر فى ماهية علاقة الذهانيين ودور العلاج النفسى وطبيعته، بالإضافة إلى أعماق السيكوباثولوجى التى أتيحت لى رؤيتها من خلاله.
ثانيا: الخبرات الذهانية أثناء علاج بعض حالات العصاب واضطراب الشخصية:
وهذا مدخل آخر إلى علاج الذهانيين إذ نشأ وتطور أثناء علاج العصابيين أصلا، ذلك أن علاج العصابى واضطراب الشخصية إذا مامضى فى طريقة السليم إنما يمر بمأزق تحتد فيه الأعراض (خاصة الاكتئابية الدالة على مواجهة جديدة للداخل والخارج) وتختل معالم الذات، وقد تخرج دفعات لاشعورية بجرعة أكبر من استيعاب المريض بحيث يمكن تقويم هذه المراحل بأنها ذهان مصغر Mini-psychosis وتناول هذا الذهان المصغر فى مسيرة العلاج يعتبر هو الجرعة الأخف التى تفتح الباب نحو احتمال علاج الذهانيين نفسيا، والعينة التى أقدمها مثلا لذلك هى حالة مريض فى منتصف العمر، شخص باعتباره حالة عصاب تشككي، ثم تبين بعد فترة أن الأضطراب الكامن وراء هذا العصاب كان هو الجنسية المثلية، واستمر العلاج ثمان سنوات بواقع مرة أسبوعيا، تحسنت خلالها الحالة حتى توقف عن العقاقير تقريبا، وعاد إلى هوايته الفنية بالإضافة إلى الانتظام المنتج الملتزم فى عمله الأكاديمى العالى المتميز، وقد قلت اندفاعاته نحو الممارسة الجنسية المثلية مستبدلا إياها بصداقة حميمة من نفس الجنس، ثم تطور العلاج بعد ثمان سنوات إلى الاقتراب من مشكلة علاقته بأمه ودورها فى تحديد جنسه الظاهرى والكامن، وإذا بدفعات ذهانية تقفز إلى السطح تصل إلى أن يحل العدوان القاتل فى الوساد الشعورى تجاه المعالج أحيانا وتجاه آخرين فى أحيان أخري، الأمر الذى توقف بسببه التمادى فى التعري، وبعودته إلى ميكانزماته العصابية بدرجة أقل بعد هذه الخبرة، استطاع أن يتكيف على مستوى أعلى وانقطع عن العلاج بصعوبة ولكنه ظل يتكلم هاتفيا فى المناسبات يطمئن ويرسل تحياته، أو يحضر ليبلغها كل عدة شهور أو سنة لمدة خمسة سنوات تالية (حتى وقتنا هذا).
وقد أتاحت لى هذه الحالة ومثيلاتها التأكيد على أن الذهان هو جزء لايتجزأ من التركيب البشري، وأن جرعة منه هى ضرورة مرحلية فى أثناء رحلة النمو والتطور، وماالعلاج الجاد والأعمق إلا جرعة مركزة من النمو والتطور بما يشمل من تناثر موقوت، ذهانى التركيب بالضرورة.
ولعل الأحلام هى الذهان الفسيولوجى اللازم لاستمرار النمو فى مساره الطبيعى مما يؤكد هذه الطبيعة الذهانية للتركيب البشرى.
ثالثا: علاج الوسط:
ثم تأتى خبرة مايسمى علاج الوسط، وهو ليس مرادفا للعلاج الاجتماعى أو البيئى كما يتصور البعض، ولكنه علاج نفسى بالمعنى الأشمل، بل لعل معنى “المواكبة” لايتحقق بالصورة الأكمل إلا من خلاله، ويخطيء – إذن – من يظنه مجرد بيئة حسنة التشكل محددة المعالم، لأنه إذا كان العلاج النفسى كما ذكرنا هو “مواكبة مسيرة النمو: يقوم بها شخص مسئول ذو خبرة ووعى وحركة (…. الخ) لصالح شخص معاق (نتيجة لظهور نشاط مفرط بدائى ..الخ) فإن التواصل العلاجى فى علاج الوسط يتم عن طريق “الجو العام”.. “والفلسفة الحياتية السائدة” فى الوسط العلاجى .. “والاتصال غير اللفظي”.. و”القدوة”، ويختلط فيه المعالج والمعالج بلا تمييز، وتكون فيه المسئولية جماعية من حيث التأكيد على الموقف فى الحياة، وعلى معنى استمرارها وطبيعة التواجد فيها، حتى ليصبح المعالج المختلف لدرجة النشاز فيها معطل بالضرورة،ولو أن ذلك لايعنى رفض الاختلاف العرضى المرحلى فى الأسلوب، ولكنه والجو العام لهذا المجتمع يصرعلى تأكيد أهمية الموقف الكيانى المشترك الغائى من الوجود، ذلك الموقف الذى ينبغى أن يصبغ الوسط العلاجى باعتباره المعبر والتوليف بين الحياة الاجتماعية السائدة – المرفوضة بالمرض – وبين الطاقة المتطورة الذاتية المثارة – المجهضة بالمرض – ويصبح مجرد التواجد فيه له الفاعلية العلاجية النفسية المأمولة.
وأستطيع أن أطلق على علاج الوسط هذا اسم “العلاج النفسى الجماعاتي” أو عبر الجماعات بمعنى أن جماعة تعالج جماعة (تفرقة عن العلاج النفسى الجمعى الذى يتكون من جماعة واحدة تتفاعل أفرادها تحت إشراف فرد قائد أو أكثرحيث الفرد يعالج من الجماعة التى قد تعالج نفسها حسب نوع المجموعة) وأثر هذا العلاج النفسى الجماعاتى (علاج الوسط) على الذهانيين خاصة أكثر من أن يستوعبه هذا البحث، وهو لايتم من خلال الدخول إلى مستشفى بالضرورة، بل إنه قد يتم من خلال مايسمى بالمستشفى النهارى بل وأثناء العمل العلاج الجماعى (وهو غير العلاج بالعمل) حيث المشاركة -فى كل ذلك -تامة بين المعالجين والمتعالجين (مع تبادل الأدوار فى كثير من الأحيان)، ولايمكن للناظر من الخارج أن يميز بين المعالج والمتعالج، بل إن الواقع الداخلى ليشير إلى عمق هذه المشاركة وتبادل العلاج و… المواكبة. (أنظر التفاصيل اللاحقة فى الجزء الخاص ببدايات المجتمع العلاجى).
وأخيرا: العلاج الجمعى:
فى هذا العام (1980) تكتمل خبرتى فى العلاج الجمعى مايقرب من عشر سنوات، قضيت ثلاثة منها فى خبرة تجريبية ذاتية مع عدد محدود من الأفراد ليسوا مرضى بالمعنى التقليدي، وأربعة منها فى علاج مجموعة منتقاة بالممارسة فى نشاطى العلاجى الخاص، وقد تداخلت هذه الفترة مع العلاج الجمعى لمجموعات متحركة داخل الوسط العلاجي، ثم تمضى سنة (تقريبا) بلا مشاركة فعلية فى أى علاج جمعى حيث تركز فيها تسجيل هذا النشاط، صدر بعضه فى شكل بحث للزميل د. عماد حمدى غز (1978) عن هذه المجموعة، ثم لحق ذلك عامين ونصف فى نشاط للعلاج الجمعى (المفتوح للمشاهد) فى كلية طب القصر العينى وهو مازال جاريا حتى هذه اللحظة….، وأستطيع من خلال هذه الخبرات المتلاحقة، وبصفة تمهيدية محدودة أن أعلن بعض الخطوط العامة المتعلقة بموضوعنا اليوم وهو العلاج النفسى للذهانيين:
1- إن الوقت والسرعة التى يتم بها التغيير فى حالة هذا النوع من العلاج بالنسبة للذهانيين خاصة لاتكاد تقاس بمقابلها فى العلاج الفردى (راجع المدة المشار إليها فى الحالتين السابقتين) دون المساس بعمق مستوى التواصل أو شمولية التغيير.
2- لم توجد حالة ذهانية واحدة رفضت أن تشارك فى العلاج الجمعى من حيث المبدأ لمجرد أنها كانت ذهانية، حيث كان الأصل هو عدم الاختيار المبدئى الذى كان يتم على مستوى العيادة الخارجية من جانب المريض أساسا لأنه هو الذى يحضر وهو الذى ينقطع -أما على مستوى القسم الداخلى فالانتقاء الطبيعى كانت فرصته أقل لتدخل عامل الاجتهاد العلمى من جانب منظمى العلاج الجمعى.
3- لم يوجد تأثير خاص وصل لدرجة أن يكون مانعا للحضور فى ذاته من حيث التشخيص أو الإزمان أو التنويع الفئوى أو الجنسي، إذ لم يؤثر أى من ذلك على حضور هذا المريض دون ذاك، اللهم إلا مالوحظ فى حالات الهوس الحاد (أو تحت الحاد أحيانا) من حيث الصعوبات التى أثارها هذا المريض لدرجة معوقة تحول دون ضبط المجموعة واستمرار الحوار، مما يفسد استمرار التفاعل فى الاتجاه العلاجي، مما كان يضطرنا إلى تأجيل حضور مثل هذه الحالات جلسة أو عدة جلسات حتى تضبط جرعة النشاط الزائد بالعقاقير، ثم تسمح لها بعد ذلك بمعاودة المحاولة.
4- كان عدم التجانس الموجود بين العصابيين والذهانيين واضطراب الشخصية من أهم مميزات هذه الطريقة العلاجية، وخاصة فيما لوحظ من تأثير الذهانى على العصابى (وبالعكس، كما ذكرنا).
5- لم نلاحظ أن انتظام الذهانى على الحضور أقل من انتظام العصابى والتزامه،بل لعل العكس هو الأصح فى بعض الأحيان حسب غور الدفاعات العصابية وإزمانها ووظيفتها.
6- كانت المادة التى يلقيها الذهانى تلقائيا وبحدس فطرى مباشر (نتيجة لضعف الميكانزمات فى بعض مناطق تركيبية خاصة) ثرية ولها قيمة سيكوباثولجية خاصة، بحيث تصبح إثارة المادة اللاشعورية المقابلة عند العصابى (.. والمعالج) أكثر سهولة ومباشرة فى إيقاع مناسب ومبادر. الأمر الذى يسرع بخطى العلاج فى المجموعة بما يتطلبه الإطار النموى المباشر.
7- كان لوجود الذهانيين أثر آخر على المجموعة ككل وهو إزالة جو “السرية” وجو ” الخوف” اللذان يحيطان عادة بكلمة ذهانى ومتعلقاتها (جنون – تخريف – لخبطة – تفويت – هلوسة – هياج – إرعاب ورعب ..الخ)، وكأن وجود الذهانى لحما ودما لفترة طويلة إنما يواجه العصابى الرهابي- مثلا- بالواقع بحجمه دون مبالغات ميكانزمية خيالية، وبالتالى يختفى خوفه من الجنون وفقد التحكم أو يراه رؤى العين أمامه وبجواره، وقس على ذلك سائر العصابات باعتبارها محاولة مفرطة لضبط الجنون المهدد أو المتصور، وبألفاظ أخرى فإن العصاب يفقد منطقه وتبرير استمراره مادام الذهان ليس بكل هذا الرعب والإرعاب والسفه والوصم… الخ
8- بدا خطو العصابيين أسرع وأثبت إذ يتجرؤون فى الكشف عن داخلهم – من خلال ماتقدم وغيره – وكأن العصابى بات مطمئنا للذهانى باعتبار أن ما أراد أن يحققه الذهان من رفض وتعر واحتجاج وانسحاب فإضطر العصابى أن يضبطه بجرعة مفرطة من الميكانزمات هذا الذى خاف منه… هو ممكن فى المجموعة ولكن بجرعة محسوبه لهدف بناء، أى أن البدائل الإستقطابية لم تعد محدودة بين الاستسلام للمجتمع أو الجنون، ذلك أن المجموعة تطرح احتمالات أخرى مثل مايمكن أن يسمى تجاوزا “الجنون المحكوم المسئول” والذهانى إذ يواجه خطو العصابى إذ يحاول الكشف عن الداخل والانطلاق المحسوب تقل عنده مبررات ذهانه بالتالي
9- إن مراحل تطورعلاج الذهانى، رغم حدسه المثير، وحضوره المباشر، وظهور تركيبه السيكوباثولوجى الصريح دون حاجة إلى تفسير أو تعقيب، أقول إن تطور علاجه يمر بمراحل أصعب وأعقد وأطول مما يبدو لأول وهلة.
10- إن توقع شفاء الذهانى وانطلاقه بالمعنى الذى يلوح به فى أول مراحل العلاج هو توقع ضعيف من واقع النتائج المحبطة، الأمر الذى يدعو إلى الحذر من تقويم هذا العلاج بنتائج الحالات الفردية حسب تعبيرات مثل “تحسن” و”تحسن قليلا” …الخ، بل إن التقويم ينبغى أن يتعدى كل ذلك – دون أن يغفله – إلى آثار علاج الذهانى على المجموعة ككل، وعلى نوعية تحسنه بالضرورة.
11- إن تناسب جرعة العقاقير مع خطو العلاج وضبط الجرعة من قبل الطبيب أولا، ثم من قبل المريض تلقائيا بعد ذلك، لابد وأن يفتح الباب لإعادة النظر فى طبيعة عمل هذه العقاقير وتناسبها مع العلاجات الأخرى وخاصة العلاج النفسى وكذلك تقويم مدى إعاقتها لنبض النمو الإنسانى إذا استعملت خوفا من التغيير وتسهيلا للتشكيل والتشكل.
(وهذا ما سأرجع إليه فى الجزء الثانى)
اختلاف علاج الذهانى باختلاف التشخيص والمرحلة ومتغيرات أخرى:
حين نتحدث عن علاج الذهانيين دون تمييز فاننا لانعنى شيئا محددا بالنسبة للتطبيق العملى فى حالات فردية، فعند التطبيق ينبغى أن نعين أى ذهان نعنى وأى شخص نعالج.. ورغم أن تصنيف الذهانيين مازال قاصرا، ورغم حتمية اختلاف كل ذهانى عن الآخر حتى لو اتفق عدة مرضى فى الانتماء إلى تشخيص أساسى واحد ثم فى تصنيف فرعى واحد، ذلك أن كل مريض هو كيان مستقل متميز قائم بنفسه، وبالرغم من كل ذلك فإن هناك عدة ملاحظات عامة لابد من أن تؤخذ فى الاعتبار فى علاج كل مجموعة.
وسوف نقوم بتقديم الفصام كعينة مميزة باعتباره أخطر الذهان وأعمقه، ثم نشير بعد ذلك فى إيجاز سريع إلى بعض الأنواع الأخرى.
الأبعاد العامة لمسيرة علاج الفصامى المتأخر نسبيا
(الهيبفرينى المبكر أو البارانوى المتأخر أو المزمن غير المتميز)
1- إن ألفاظ الفصامى عاجزة وغير دالة، فلغته- إن وجدت- هى لغة خاصة لم تعد تقوم بوظيفة اللغة، ومنطقه له قوانينه المميزة، وكل ذلك يجعل العلاج بالكلام أساسا، والتفسير أخيرا عاجز ومعوق (كبداية).
2- يترتب على ذلك: التأكيد على أن “الوجود مع” الفصامى هو بداية الاقتراب منه، و”الوجود” هنا يعنى “الحضور” الكلى الذى يمثل التواصل اللفظى أحد أبعاده فحسب، الأمر الذى يترتب عليه اشتراط نوعية خاصة من المعالجين ذوى خبرة طويلة عميقة، حتى يصبح هذا الحضور تواجدا مسئولا وتصبح الألفاظ فى البداية مجرد بعد واحد خاص ومميز، ولكنها بعد هام لأنه المدخل إلى “الترجمة العلاجية والسلسلة” كما سيرد بعد.
3- بعد إرساء قواعد هذه العلاقة العميقة يقوم المعالج بدور المتقبل مفتوح الاحتمالات، ويصبح حوار الفصامى مع المعالج حوارا متعدد الاتجاهات والاحتمالات معا، بما يشمل التمتع بقدرة مرنة خاصة لتقبل فرط الادماج وثنائية المعنى وتناقضه وتجزيئه، ومن هنا نؤكد على “الحوار المجاور” مفضلينه عن الحوار المواجه أو الحوار المباعد وقد لاحظت أن الجلوس بجوار المريض فى هذه المرحلة يسمح بالتقمص (والتوحد أحيانا) وكأن الحوار يستبدل بالبعد الخطى التسلسلى الممنطق (1-2،2 -1) البعد الكلى المتباعد مرحليا – الهادف للتلاقى المؤجل (مثلا 1-2،2-1،3-2،4-5، ثم التواصل الكلى المترجم) مما لامجال لتفصيله هنا فى هذا البحث المبدئى.
4- يتناوب الحوار المجاور مفتوح الاحتمالات متعدد الاتجاهات مع الحوار المسـلسـل الخطى حيث يحول المعالج دون الخروج عن قضبان سلسلة التواصل، ويمارس هذه المحاولة تدريجيا وبجرعات متزايدة مع تجنب الإرهاق بالتفسير المباشر، وذلك بهدف العودة إلى المنطق العام والتأكيد على ضرورة الإلتزام فى النهاية باللغة المشتركة كمدخل للعودة إلى المجتمع الأوسع والعالم العادى.
5- يؤدى التناوب بين المحاور متعددة الاتجاهات، والحوار التربيطى المسلسل من خلال المشاركة على أكثر من محور (لفظى وغير لفظى) إلى القيام بمهمة الترجمة العلاجية حيث يعتبر المعالج هو المترجم من لغة الفصامى إلى لغة العالم الواقعى الإجتماعي، وأحيانا بالعكس.
6- يعتبر “حضور”المعالج النشط فى هذه المرحلة فرصة للمريض يتعلم بها بواسطة البصم المحتمل، حيث أن التعلم بهذه الطريقة يتم فى مراحل التعرى الأولي، والفصامى يمثل كيانا مفتوحا للبصم، حيث الفطرة عارية من خلال التناثر، ووجود المعالج المخترق بالمسئولية والمشارك بالفاعلية المباشرة يعطى فرصة كبيرة فعلا لمثل هذا التعلم، والتعلم بالبصم ليس تعلما شرطيا ولا هو محاكاة ظاهرية ولكنه يتم كليا وغائرا مما يحمل المعالج مسئولية نوعية وجوده،والبصم كظاهرة بيولوجية تقابل التقمص والتوحد بشكل ما، الأمر الذى قد يسمح بالاستيعاب والتمثل مستقبلا من خلال التعتعة وديالكتيك النمو مما لامجال لتفصيله هنا.
7- بعد تأكيد المشاركة والمعايشة والمواكبة يستطيع المعالج أن ينتقل إلى ترجمة الأعراض وخاصة المحتوى الضلالى منها بطريقة احتمالية هادئة، وليس بطريقة تفسيرية ملتزمة بنظرية مغلقة: والفرق بين التفسير العقلى الذى يمارس مع العصابيين (يصلون إليه بأنفسهم أو يقدم لهم) وبين الترجمة التفسيرية الاحتمالية التى تعرض على الذهانيين: هو الفرق بين علاج العصاب والذهان.
8- يعتبر الاعتماد الكامل لدرجة الاحتواء الرحمى الرمزى من أخطر وأهم مقومات علاج الفصامي، وهو يتم مع المعالج الفرد أو المجموعة، ولاينبغى رفضه خوفا أو حرصا من البداية،لأن إعادة البناء بدونه ستتعثر أو تنحرف لامحالة، والاعتماد الكامل -بديلا عن الطرح فى العصاب – هو مخاطرة تحتاج إلى معالج آمن… وطرق تواصل ساخنة الخطوط.
9- تتوقف طول فترة الحمل العلاجى -الاعتماد الكامل -على رحابة الرحم العلاجي، والقدر المتاح من الترجمة، (المقابل لتعلم الكلام عند الطفل) كما تتوقف أيضا على نوع العلاج المتاح، حيث تعتبر المجموعة العلاجية ككل بمثابة رحم أرحب وأقل خطرا منه فى العلاج النفسى الفردى.
10- يظهر العدوان مع انتهاء فترة “الحمل” هذه، ومع التهديد بالانفصال عن المجموعة (أو عن المعالج)، لذلك يتجه الإهتمام هنا إلى ضبط جرعة هذا الانفصال حتى تقل الاحتمالات العدوانية الفعلية، والخوف من هذه المرحلة هو المعوق الأساسى لعلاج الذهانيين عامة والفصاميين خاصة،ولايمكن الإقلال من خطرها مهما بلغ حذق المعالج، إلا أن العقاقير المهدئة العظيمة فى هذه الآونة، وأحيانا جرعة محدودة وموقوته من العلاج المنظم الفيزيائى على جانب واحد من المخ (واحدة أو أثنين يعطيهما المعالج ذات نفسه ويظل بجوار المريض بعدها ويكمل حواره فى نفس الجلسة،أو يعود المريض لدخول المجموعة العلاجية فى نفس اللحظة).
11- يبدأ العلاج فى هذه الحالات عادة بالعلاقة الثنائية (علاج فردى) أو بعد فترة شاركة فى الوسط العلاجى الذى أشرنا إليه سابقا، ثم يتبادل العلاج الفردى والعلاج الجمعى النموى بانتظام، أو حسب المرحلة، حتى يستقر فى النهاية إلى الانتظام فى العلاج الجمعى دون سواه، بلا تسيب ارتجاعى إلى العلاج الفردى أو التفسير الدفاعى المعلقن .
12- يختلف تطور مسيرة علاج الفصامى فى خطوات لم شمله اختلافا نوعيا عن العصابى فهو الذى يمر بخبرة الذهان المصغر ذلك أنه فى حين يتتبع جمود العصابى حتى يمر بما أسميناه الذهان المصغر، نجد أن الفصامى يقفز فى مراحل متتابعة إلى حيل نفسية عصابية تقربه بشكل مباشر من حالات العصاب أو حالات اضطراب الشخصية، إلا أنه إذ كان العلاج يسير فى خطوه الطبيعى فإن هذه الدفاعات لابد أن تتكشف على أنها ليست سوى فترات كمون طيبة، تسمح بتدعيم الذات مرحليا لاستيعاب أكبر قدر من المعلومات الداعمة وبالتالى تسمح بممارسة أكبر جرعة من التواصل المثري، حتى إذا ماعادت وتفككت بإرادة الفصامى ووعيه وهو يستكمل مراحل نموه،كان ثقلها خفيفا وتماسكها ضعيفا أمام الجزء النامى من الداخل، فتمر فى المراحل التى يمر بها علاج العصابى فى خطو أهدأ وأمان أكبر وبألفاظ أخرى فإن الفصامى يصبح عصابيا ليعود ذهانيا (مصغرا غير متميز إلى فئة بذاتها مؤقتا،) ثم عصابيا أقل دفاعا، ثم عصبيا متعتعا، وهكذا فى حركة لولبية متناوبة مستمرة، يؤكد فيها التدعيم فى كل مرحلة لإيجابياتها، والتنفير من سلبياتها بشكل مناسب بالخطو إلى المرحلة التالية، وهذا إسهام ضمنى للمفهوم السلوكى بشكل غير مباشر.
عندما تطول الفترة التى ينتقل فيها الفصامى من التناثر إلى الدفاع العصابى ثم من الدفاع العصابى إلى الذهان المصغر.. يظهر احتمال مرحلة ثمينة وخطرة فى تطور علاج الذهانيين عامة والفصاميين خاصة، وهى المرحلة الاكتئابية، وهذا التطور يقابل التطور الطبيعى فى نموالطفل ولكنه قد لايظهر فى تطور العلاج إلا بعد عدة نقلات لولبية، وفى هذه الحالة يصبح احتمال المواجهة بين أجزاء الذات من جهة وبين الذات الواقع من جهة أخرى هى مقومات ديالكتيك النمو الثري،وعلى قدر النجاح فى الإعداد لهذه الفترات يكون النجاح من خلال هذه المرحلة فى أن تستمر المواجهة لصالح النمو، أما إذا كانت الجرعة مركزة وعنيفة فإن فترة الاكتئاب تحمل خطر الانتحار لامحالة، وهو الخطر الثانى الذى يعوق العلاج النفسى للذهانيين (الخطر الأول هو العدوان القاتل فى مرحلة الخروج من الرحم/ المجموعة) والإكتئاب هنا، فكرا، أو أملا، أو خطة، أو محاولة، أو فعلا، هو إعلان لعدة مقومات تصف هذه المرحلة
(1) أن جرعة الاكتئاب أكبر من الاحتمال وأن المرحلة الانتقالية أطول مما ينبغي
(2) أن جذب النكوص الحاد يغرى بالعودة إلى الرحم الدائم (الأرض -الانتحار)،وفى نفس الوقت فهذا المأزق دليل على:
(1) أن العلاج يسير فى اتجاه التغيير النموى الحاسم.
(ب) أن التغيير نوعى جوهري، وليس لفظيا عقلانيا دفاعيا.
(ج) أن النمو الحقيقى محتمل وقريب .
ولم أقابل فى خبرتى من يقال أنه تغير إلى الشفاء بالمعنى الحقيقى دون المرور بها يسمى المأزق الانتحارى وهو قريب مما أسماه بيرلز المشى فى النار وماعبرت عنه فنيا فى عمل خاص (رواية المشى على الصراط)، وحماية المعالج والآخرين من القتل، وحماية المريض من الانتحار، هما مسئولية العلاج والمجتمع معا وفى آن واحد، فمن يمارس مهنته بهدف أن يحمى نفسه أولا وأخيرا لابد وأن حركته لن تتخطى حدود مخاوفه، أما من يمارس مهنته باعتباره مساهما إيجابيا لإنقاذ الغرقى فى بحر العمى المتوحل، وسط أمواج التناثر تغمرهما معا يستحيل عليه أن يستبعد احتمال ثورة الأمواج وما يترتب على ذلك، على شرط أن يستعد مسبقا بحذق العوم، وأن يتسلح بكل الوسائل الكيميائية والفيزيائية المتاحة، وأن يحسب حساباته عدة مرات دون أن يعوقه ذلك عن أداء ماتعرض للقيام به.
والحماية ضد الانتحار بالحبس فى المستشفي، أو إبعاد الآلات الحادة… الخ لايقلل إحصائيا من نسبة الانتحار، وهو قد يكون واجبا لإتاحة أكبر فرصة لترسيخ العلاقة العلاجية التى تساعد على ضبط جرعة الاكتئاب ووقت الانتقال.
فلاينبغى إذن أن يفرح-أو يتفاخر-معالج حذر بأن مرضاه جميعا لايفكرون فى الانتحار لأنه بذلك يعلن ضمنا أن المخدرات التى يوزعها عليهم (كيميائية كانت أو عقلانية) جيدة، وليس أن الحياة التى يسعون إلى إحيائها من نوع نابض، فسواء رضينا أم لم نرضى فإن نوع الممارسة الطبية النفسية ونتائجها هى بالضرورة شاهد على عصرها، وربما مشاركة فى مساره، والواجب المهنى على المعالج هو (1) أن يتخذ كل الاحتياطات المتاحة (2) وأن يحذق ضبط الجرعة (3)، وأن يكون الإشراف مستمرا والخبرة متصاعدة (4)، وأن يحكم قانونه الداخلى وضميره العلمى (5) وأن يحدد موقفه الحياتى (6) ويتحمل مسئولية ماعرضته له مهنته وماتعرض له مريضه فى علاقتهما الإيجابية على طريق الحياة، وطالما أن نسبة الانتحار والمضاعفات الأخرى مجتمعة لاتزيد عنها فى العلاجات الأخري، فلا يوجد مبرر أخلاقى أو علمى يحرم المريض من فرصة الشفاء الحقيقى لمجرد التضخيم فى مخاوف الطبيب أو المعالج شخصيا على نفسه أو سمعته أو حياته على حساب الإفراط فى جرعات التسكين والتخدير والإغلاق.
حاشية حول العلاج النفسى للذهانات الأخرى:
أحب أن أشير إلى بعض الذهانات الأخرى تكملة للحديث حتى لايظن أن هذا العلاج قاصر على الفصام، ومن ذلك الذهان الدورى (وأهم أشكاله الهوس والأكتئاب)، ومع أنه قد تناقص تواتره بعد هجوم العلاجات العضوية طويلة المدى وأملاح الليثيوم فما زال له اعتبار خاص من منطلق ما يتيح من فهم نبض الوجود البشري، حيث أنى أعتبر ندرته المستحدثه علامة سيئة لحساب إذا تقلل من الإضطرابات النابضة والنشطة..اضطرابات الشخصية والفصام المحور المتجمد والمتبقي، والمريض بهذا الذهان يستطيع بسهولة نسبية أن يبدأ العلاج الفردى فالجمعى بغرض استيعاب النوبة الحادة، ثم تمثل آثارها، بدلا من الإسراع إلى إطفاء النوبة ونفى آثارها المحتملة الإيجابية، وبالتالى فان العلاج النفسى فى هذه الحالات يحاول أن يمنع النكسة بتحوير النبض من نبضة جسيمة انشقاقية مجهضة إلى نبضة متوسطة ولافية محتملة (إن أمكن) على أن هذا الوضع المثالى يحتاج فى المقام الأول فرصا طيبة من المجتمع المحيط أساسا.
أما الذهانات الأخرى المستتبة مثل حالات البارانويا المزمنة، أو مكافئات الذهان مثل الاضطرابات النمطية للشخصية فإنها تحتاج ابتداء إلى تكوين علاقة وثيقة (رغم كل الصعوبات) تسمح بتعتعة “التسوية” التكوينية التلوثية ومن ثم تسمع بظهور أعراض إيجابية نشطة يمكن تناولها استيعابا من خلال مسيرة العلاج مما لامجال لتفصيله فى هذا البحث المبدئى.
العلاج النفسى والتأهيل منذ البداية:
إن الذهانيين خاصة يحتاجون إلى العودة إلى المجتمع الأوسع بأسرع مايمكن، ولاينبغى أن يكون المرض أو العلاج النفسى أيا كان نوعه هو البديل عن هذه العودة لأى فترة من الزمن، وعلى المريض تحت حث وإشراف المعالج، أن يقوم بعمل يعول به نفسه ولو جزئيا، وأن تشترك الأسرة….ومجتمعه الأصغر فى فهم مسيرة العلاج فضلا عن المشاركة فيها أحيانا بالإجراء المناسب لهم واللازم لكل مرحلة من مراحل العلاج وإلا أصبحنا كمن يعلم الطفل السباحة فى حوض سباحة معطر ليلقيه فى بركة من الوحل هلامية القوام غائرة القاع، ثم نطلب منه أن يرينا شطارته كما تعلم.
قياس نتائج العلاج النفسى للذهانيين:
لعل أغلب من هاجم العلاج النفسى للذهانيين قد اعتمد على تقويم النتائج بطريقة غير مناسبة وأحسب أنه رصد الإيجابيات التقليدية وراح يقيسها كميا أساسا أو تماما، وهذا سليم فى ظاهر الأمر، إذ ماذا تكون قيمة العلاج إذا لم يهدف إلى نتيجة إيجابية، ولاجدال فى أن النتائج المعروفة والمنشورة هى فى ظاهرها فى غير صالح هذا النوع من العلاج بشكل أو بآخر، فحالات هـ. لانج (مع كوبر أو بدونه) انتهى أغلبها إلى الإقامة المستديمة فى مستشفيات الأمراض العقلية، وحتى أريتى الذى تحدث كثيرا عن العلاج المكثف للفصاميين لم ينشر نتائج محددة بتتبع كاف، وكل ماأثرانا به هو قطاعات محدودة تفسر المسيرة الفصامية وعكسها البنائى فى العلاج، وكذلك شولمان الذى أفاض فى علاج الفصاميين من منطلق “أدلري” فى كتابه “مقالات فى الفصام” لم يقدم حالات كاملة محددة بتتبع كاف، وإنما رسم تصورا عاما عن تطور الفصام وعكسه العلاجي، ولابد أن أعلن بدورى أن أغلب الخطوات المشرقة والبهيجة التى ظهرت فى أول مراحل علاج الذهانيين فى خبرتى قد انتهت بالتتبع الأمين والتقويم الأعمق إلى الإحباط بحق، وخاصة فيما يتعلق بحالات الفصام المتناثرة، أو المغتربة فى بارانويا جسيمة، أو الملوثة فى اضطراب الشخصية كمتبق عقب تناثر فصامي، هذا فضلا عن المضاعفات التى نشأت مع هذه العلاجات، بلا علاقة سببية مباشرة بالعلاج، ذلك أن مثل هذه المضاعفات قد تكون قد حدث مثلها قبل العلاج وكما كان يمكن أن تحدث بدونه، وهذه المضاعفات تشمل الانتحار والطلاق وانحرافات الشخصية.
ورغم كل هذه الجرعة المثبطة من الحديث عن المضاعفات فإننا لاينبغى الكف عن مواصلة تقويم الموقف برمته بأكبر درجة من الموضوعية المسئولة على الوجه التالى:
1- لايمكن الجزم بأن هذه الإحباطات والنتائج المحدودة والمضاعفات لم تكن لتحدث بدون هذا العلاج.
2- إن حدوث المضاعفات والاعتراف بالإحباط هو دليل على وجود حركة على مسار النمو، حيث أن من مصاحبات الحركة- بالضرورة- المخاطر المرتبطة بها، أما السكون. فلا تعليق.
3- إن نتائج علاج الذهانيين نفسيا لابد وأن يعاد تقييمها من خلال أبعاد أخرى غير الاكتفاء بالتقاط حالات فردية انتهت بعد عام أو عامين إلى الإقامة فى مستشفى عقلى أو إلى الإنتحار والإنسحاب، وأن تشمل تلك الأبعاد:
(1) قياسات أخرى أشمل من اختفاء الأعراض أو بقائها.
(ب) دراسة أمينة للبدائل المتاحة والمحتملة عن مضاعفات أخرى أخطر وأخفى (إذا ماكان كل همنا مجرد تجنب هذه المضاعفات).
(ج) متابعة أفضل وأطول بقياسات أعمق وأصدق.
(د) أن نضع فى الاعتبار العوامل المعوقة الخارجية المسئولة عن المضاعفات وعن الإعاقة وخاصة فيما يتعلق بقيم المجتمع الجامدة والرعب من التغيير بمعنى أن فشل النتائج الحالات متفرقة قد يعلن ضمنا أن المجتمع أكثر وأكثر سحقا للمحاولات المختلفة دون تمييز، تستوى فى ذلك محاولة الفرد منفردا فى أن يتطور، أو محاولة المعالج فى أن يأخذ بيده مريضه إلى ذلك، وعلى ذلك فالفشل هو حكم على خوف المجتمع وفشله بنفس القدر الذى هو حكم على فشل العلاج وقصوره.
(هـ) لامفر من استيعاب إيجابيات العملية العلاجية ككل، وأثر هذا العلاج لا على الشخص الفصامى فحسب، ولكن على المجموعة العلاجية وعلى المعالج نفسه، الأمر الذى لو أخذ فى الاعتبار لتغيرت الموازين.
(و) إن هذا (البند السابق) لايعنى إطلاقا أننا نعالج غير الذهانيين باستعمال الذهانيين، ولكننا نقول إن الذهانى الذى يأخذ هذه الفرصة قد لايحقق نجاحا باهرا كما يوحى حدسه ووعيه فى أول مراحل العلاج ولكنه لن يحقق تدهورا أكبر مما لو كان لم يأخذ هذه الفرصة، وفى نفس الوقت فإن وجوده كفرد فى مجموعة قد يساعد فى نمو المجموعة ككل، وكما قد سهم إجهاض ذهانات محتملة، والكشف عن أعماق عصابيين خائفين، وكذلك فهو يدفع لمسئولية تمزق البشر فى أعتى محن الاغتراب إلى الاستمرار على مسيرة النمو.
وهكذا يمكن القول أن على من يقوم هذا الاتجاه- إن هناك احتمال جدى منهجى يسمح بتقويم أمين- أن يقارن نتائج هذا العلاج بمضاعفاته المحتملة مع نتائج علاجات أخرى مثل العقاقير طويلة المدى آخذا فى الاعتبار تلك المعايير الإنسانية التى تحدد معنى الوجود البشرى بدرجة أكبر من اعتباره كتلة متحركة من اللحم “الهاديء”.
فإذا تحدد معنى الإنسان، واتضحت غائية مسيرته فإن قيم التقييم سوف تتحدد بشكل أكثر أمانة وأعمق رؤية لمسيرة الإنسان ومعنى وجوده.
علاج الذهانيين نفسيا، ونمو المعالج:
ولاأجد هنا مجالا للدخول فى التفاصيل حول أثر هذا النوع من العلاج للذهانيين نفسيا على نمو المعالج نفسه، وكيف ينعكس ذلك بالضرورة على حجم خبرته الكلية معالجا للذهانيين وغير الذهانيين، ذلك أن المعالج يعالج “بوجوده” أساسا ولايعالج بألفاظه أو نظرياته أو عمله فحسب، وهو إذ يتواجد فى الوسط العلاجى أو يعطى حقنة أو جلسة كهربائية أو يترجم لغة فصامية متناثرة، أو يتفاعل فى مجموعة علاجية أو يمسك بالفأس فى نشاط جماعى أو يلقى بضربة البداية فى مباراة لكرة الطائرة مع المرضي، إذ يفعل كل ذلك مشاركا نشطا فى تعديل مسارمريض أعيق نبض وجوده المرهق أو المفرط أو المنحرف… إنما لابد أن يفعل ذلك بكل خلية من وجوده، وليس بظاهر علمه أو منطق ألفاظه، وكل هذا يتطلب أنواعا من المعالجين يعيشون حياتهم (لايكتفون “بمعرفتها”) ويتحملون مسئولية خطاهم المضطردة على درب الحياة (لايكتفون بتنفيذ محدودية معلوماتهم عن ماهية الحياة)، وعلاج الذهانيين يحمل شرف المواجهة الحقيقية التى تسمح لمثل هذا المعالج- تحت إشراف مكثف فى البداية، ثم متعلما من مرضاه ونتائجه بالضرورة وباستمرار- تسمح له بأن يستجمع كليته، وأن يتمثل أغواره وأن يتحمل مسئولية وجوده جميعا، الأمر الذى يحتاج إلى بحث مستقل.
ولابد أن أعلن أن النظرية العلمية التى يفضلها معالج ما تتوقف على نوع ممارسته العلاجية، فمن يجرؤ أن يعالج الذهانين نفسيا متسلحا بكل العلم والخبرة المتاحين فيرى التغيير فى الأعراض الذهانية داخل مجموعة علاجية خلال نصف ساعة (مثلا) لابد وأن يراجع نفسه وما وصله من معلومات تقول إن مادة كيميائية بذاتها هى المسئولة عن هذا العرض (أو المرض) بالذات… والمعالج الذى يخشى أن يمد بصره إلى أغواره- وهذا حقه- أو أن يثير داخل مريضه ما يخشى منه فى داخله، لابد وأن يسارع بقمع هذه الحركة الداخلية المهددة التى تحركت داخل المريض بأكوام المثبطات والمهدئات العظيمة، يعطيها للمريض بالأصالة عن المريض وبالنيابة عن أن يأخذها المعالج خللا بسيما شخصيا.
خاتمة وتعقيب:
1- إن الذهانى إنسان اختلت خطوات نموه والعلاج بكل الوسائل لابد وأن يهدف إلى استعادة الدافع النموى المسئول فى الاتجاه السليم، وليس إلى سحبه إلى أقرب حظيرة آمنة (ظاهريا فى الأغلب).
2- إن العلاج النفسى للذهانى ليس هو التفسير الكلامى ولا هو التأويل الرمزى ولاهو النكوص البانى فحسب…، ولكنه كل ذلك وأكثر من ذلك، لأنه المواكبة المغامرة…، والترجمة الهادئة،… والبناء اللولبي، والقبول المرحلى والتقدم المتناوب جميعا.
3- إن النتائج الحالية- على قدر معلوماتى وخبرتي- لعلاج الذهانيين ليست مشجعة بالنسبة للتقييم الفردى المسطح والتتبع المحدود، وهذه تهمة موجهة إلى درجة جمود المجتمع ورفض أى اختلاف بقدر ماهى مسئولية تعميق وسائل العلاج وإطالة مدته وتدريج خطواته من علاج الوسط إلى العلاج الفردى إلى العلاج الجمعى تناوبا مع النشاط النهارى الجمعى بحيث يصبح التأهيل مواكبا للتجميع والتوليف، ويصبح المريض قادرا على مواصلة المسيرة وحده فى مواجهة كل ماسبق أن هرب منه، وذلك بحسن استعمال القيم التى اكتسبها من العلاج لابتنازله عن محاولته أصلا تحت أى زعم تحفظى خائف.
4- إن اتساع دائرة هذه المحاولات، رغم الفشل المبدئي، ودون الالتجاء إلى التمادى فى الانتماء إلى الأطروحة المضادة المناهضة للطب النفسى المعلية لشأن الجنون، لابد وأن يحمل احتمال نجاح المحاولات بما يهدد المجتمع الساكن الجامد، وبالتالى قد يعلن ضمنا احتمال تحريك المجتمع إلى خطو مغامر أرقى وأفضل من السكون الاستسلامي، أو الخدر التفاؤلى أوـ الشعارات اللفظية الصياحية، وهذا لايعنى خروج دور المعالج من محيط مهنته،لنموذج محدد من ولكنه يحضر فى وجود المجتمع كمثل صغير ناجح فى تجاوز الركود فى ظروف أصعب، وبالتالى يمكن أن يعتبر نجاحه إثباتا لاحتمال نجاح أكبر على مستوى أكبر فى المجتمع الأوسع دون خروج عن حدود المهنة، ودون الادعاء بالقيام برسالة شاملة.
5- إن إعداد المعالجين- الأطباء وغير الأطباء- للقيام بهذه المهمة لابد وأن ينبهنا إلى قصور التدريب المتاح لهم الآن، ليس فقط فى مجال التخصص فى الطب النفسى ولكن أصلا فى مجال إعداد المعالج النفسى المكتفى بالإسهام فى علاج العصابيين دون الذهانين، ذلك أن العلاج فى نهاية النهاية هو ما يسمع به كيان المعالج حالة كونه إنسانا عالما مسئولا، وهذا يرتبط حتما بدرجة نموه، وإن نمو المعالج إنما يتم من خلال أكبر حجم من الخبرة وأكبر جرعة من العمق، الأمر الذى يتطلب ممارسة وافية ووقتا كافيا فى مستوى من العمق لا يتجه مثل معايشة خبرات الذهانيين الثرية بحال من الأحوال.
6- إن تقييم العلاج النفسى للذهانيين- مثل أى تقييم لأى علاج- لابد وأن يضع فى اعتباره أبعادا أعمق وأشمل من حسابات نتيجة علاج فرد مريض واحد، فى فترة محدودة، بقياس أعراض ظاهرة بذاتها دون سائر الأبعاد الأشمل والأعمق والأبقى.
لاسبيل إلى عرض ماجاء فى هذا البحث عرضا مرضيا إلا بالمشاهدة المباشرة لفترة كافية، ولذلك فإنه يشرفنى أن أعلن للسادة المهتمين أن أحد صور علاج الذهانيين التى تتم من خلال العلاج الجمعى متاحة للمشاهدة والتدرب بشروط قليلة لكل غرض منهما، ذلك فى العيادة الخارجية (النفسية) بمستشفى قصر العينى حيث يتم العلاج الجمعى لمجموعة غير متجانسة تحوى عددا مناسبا من الذهانيين.
حاشية تتبعية
منذ كتابة هذا المقال الذى ألقى فى ندوة العلاج النفسى فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية حول هذا التاريخ (1980) مرت أحد عشر عاما مما استدعى ذكر بعض ما يتعلق بتتطور هذه الملاحظات فى إيجاز شديد.
1- ثبتت معظم الفروض والانطبعات الواردة فى هذه الدراسة من واقع التتبع والمناقشات الاسبوعية بين المعالجين فى القصر العينى.
2- تم إجراء بحثين للدكتوراه (واحد فى كلية الطب وواحد فى كلية البنات جامعة عين شمس) أثبت من خلالهما كثير من مما ورد فى هذا المقال.
3- تطور التدريب على العلاج الجمعى فى القصر العينى بما سيرد فى الجزء الثالث من هذا الكتيب.
ثانيا: العقاقير فى العلاج النفسى الجمعى العميق
أزعم دائما أنه لا يوجد ما يسمى علاج نفسى كنشاط مستقل بذاته وفى نفس الوقت أزعم أنه لا يوجد يوجد طب نفسى بدون علاج نفسي، وحتى أوضح هذه المسألة تقدمت بهذه الورقة لأشير من خلالها إلى هذه التجربة المحدودة التى تظهر كيفية إلى توظيف العقاقير بطريقة نوعية، موقوتة، جنبا إلى جنب مع ما هو علاج نفسى جمعى
تمهيد عام فضل العقاقير الحديثة على العلاج النفسى:
أولا: سمحت مظلة العقاقير أن يمارس العلاج النفسى العميق مع كل المرضى بلا استثناء تقريبا.
ثانيا: ضاعفت العقاقير الفرصة لسبر غور أعماق النفس، وتركيب الشخصية، وخاصة بالنسبة للتركيب السيكوباثولوجي، والعلاقة بالموضوع.
المفاهيم الأساسية:
1- لا خيار للأطباء فى مسألة استعمال العقاقير من حيث المبدأ، وإنما الخيار فى: ماذا ؟ ثم: إلى متى ؟
2- مازالت العقاقير النفسية تعطى على أساس تجريبي، بغض النظر عن جزئية المعلومة المرتبطة ببعض أوجه فاعليتها على الناقلات العصبية أو غير ذلك.
3- إن الممارسين الإكلينيكيين يمارسون فى كل يوم، ومع كل مريض نوعا من البحث العلمي، أكثر انضباطا، وأصدق نتائجا من معظم الأبحاث المنهجية المعتمدة على العينات المقارنة، وعلى ما يسمى الضبط الأعمى ..إلخ.
4- إن نتائج هذه الممارسة الإكلينيكية تتجمع بطريقة العائد ذى الدلالة، لتحدد موقف الممارس من عقار بذاته، بقدر ما تشير إلى بعض الملاحظات العلمية المتصلة بطبيعة المرض، وطبيعة العلاج
بعض الملاحظات الإكلينيكية (من الممارسة المحلية)
] بغير التزام بالمنشور فى التراث التقليدى السائد لتجارب العقاقير]
1- إن ما يسمى بفترة الكمون اللازمة لبدء عمل العقاقير عامة هى أقصر كثيرا فى مصر على الأقل من الزعم الذى يتزايد مع كل بحث منشور
2- إن الفترة اللازمة لاستمرار إعطاء العقاقير هى أقل كثيرا من تلك الفترات المزعومة فى الدعاية المنشورة عن كل عقار التى قد تمتد مدى الحياة.
3- إن خصوصية العقاقير ( عقار بذاته..لمرض أو عرض بذاته) أبعد عن حقيقية الوضع من المزعوم عن ذلك.
4- إن فاعلية العقار ترتبط بشكل أو بآخر بالموقف العلاجى العام، بمعنى أنها تتغير فى فاعليتها بتغير طور المرض، أو الظروف المحيطة، أو العلاقة بالموضوع، أو نوع العمل، أو فرص الإبداع، إلى غير ذلك مما يصعب رصده فى تجارب الأبحاث التقليدية.
5- إن عددا قليلا من العقاقير يمكن أن يقوم بكل المطلوب دون حاجة إلى عشرات العقاقير التى تظهر بسرعة فائقة تربك الممارسين حتى تحول دون إعطاء العقاقير القائمة فرصة أعمق للتجريب العملى الإكلينكى.
6- إن توقيت إعطاء العقار لا بد أن يتزامن مع المناسب من المتغيرات العلاجية الأخرى.
الموقف فى العلاج الجمعى:
1- إن العلاج الجمعى الذى أقدم من خلاله دور العقاقير هو من النوع غير المتجانس، بما يشمل كل التشخيصات، من كل الأعمار، على مستويات تعليمية متعددة ( من الأمية حتى الدراسات العليا).
2- إن التعاقد المبدئى للدخول فى المجموعة هو أن يصبح تعاطى العقاقير موقوفا على ما يشير به طبيب المجموعة دون غيره تحت كل الظروف.
3- ويمتد هذا الشرط إلى ضرورة الاستشارة حتى بالنسبة إلى تعاطى العقاقير غير السيكاترية (إلا فى حالات الإسعاف).
4- لا تناقش مسألة العقاقير أثناء صلب جلسة العلاج ذاتها، وإنما فى آخر خمس دقائق: (من الدقيقة 85 إلى 90)
5- تنعقد المجموعة مرة أسبوعيا، ويديرها معالج أساسى يساعده معالج مشارك واحد على الأقل (طبيب أصغر فى العادة وفى النادر يكون أحد المعالجين المشاركين هو أخصائى نفسى – غير طبيب).
6- يتراوح عمر المجموعة العلاجية بين سنتين وأربعة
7- إن مدة وجود المريض فى المجموعة تتراوح ما بين ستة أسابيع وثلاث سنوات.
8- ينتهى أغلب المرضى من العلاج الجمعى – بما فى ذلك الذهانيين- إما بالتوقف عن تعاطى العقاقير كلية، وإما بالاستمرار على جرعات ضئيلة جدا منها.
9- يقفز إقتراح استعمال العقاقير كبديل عن العلاج الجمعى فى كثير من التفاعلات التى تتم فى أوقات المقاومة أثناء العلاج وخاصة أثناء ما يسمى المأزق النموي، ومع ذلك فالمعالج ومساعدوه يتناولونها بأقل قدر من النقد المباشر لذاتها، وبألفاظ أخرى: فالموقف العلاجى التكاملى ليس ضد العقاقير ولا هو يزعم إنكار جدواها كما أنه لا يبالغفى فى آثارها الجانبية .
المراحل والخطوط العامة لاستعمال العقاقير:
1- المستوى الأساسى والتوجه العام.
2- العقار الواحد (أو العقاقير الأقل)
3- مبررات ومحكات إعطاء العقار، والجرعة
4- اتخاذ القرار، والمسئولية المرتبطة بذلك
5- علاقة العقاقير بالمؤشرات العلاجية الأخرى.
6- التدرج لإنهاء العقار
7- الخطة الوقائية
1- المستوى الأساسى والتوجه العام.
1- يبدأ كل المرضى (وخاصة الذهانيين منهم) بأن يستمروا على الجرعة ونوع العقار الذين يتناولونها - كما هى- هذا إذا كانو يتناولون الجرعة أصلا.
2- لا توصف عقاقير أصلا لحالات العصاب، وخاصةإذا كانوا لا يتناولون عقاقير من قبل.
3- الذهانيون الذين لم يأخذوا عقاقير بعد (وهم ندرة) يوصف لهم عقار واحد مضاد للذهان عادة.
4- يتصف الاتجاه الغالب بإنقاص جرعة العقاقير مع تقدم العلاج الجمعي
5- يتوقف العصابيون عن تعاطى العقاقير فى وقت مبكر، فإذا استمروا، أو أصروا، يعاملون كما لوكانوا معتمدين على العقاقير (ليس دائما إلى درجة الإدمان).
2- العقار الواحد (أو العقاقير الأقل)
1- لا نستعمل عادة – لأننا لا نحتاج- إلا إلى أقل القليل من العقاقير (عقار واحد ذو فاعلية جسيمة، مضاد للذهان)، وعقار واحد مضاد مضاد للاكتئاب، وأحيانا عقار معادل للآثار الجانبية (مضاد للأعراض الخارج هرمية)، وآخر مضاد للصرع (باعتباره منظم للإيقاع، وليس مثبط لنشاط بؤرة صرعية نشطة).
3- مبررات ومحكات إعطاء العقار، والجرعة
لا نستمد (فى هذا العلاج الجمعى) وصف، ومحكات إعطاء عقار بذاتها أو جرعة بذاته من اسم مرض أو اسم عرض، ذلك أن المواصفات النوعية لكل مرض، ولكل عرض، ولكل مرحلة من مراحل العملية العلاجية تختلف اختلافا جوهريا، حتى لو اتفق المرض فى نفس الاسم، وإنما نستمد توجهاتنا من محكات، وعلامات أخرى كثيرة ومتعددة، ومن بينها:
1- مدى تحمل المريض (وتحمل المجموعة) للأعراض، من حيث الاستمرار فى العمل الواقعى والحياة العادية رغم وجود الأعراض، وكذلك من حيث استيعاب معناها.
2- مدى احتياج مرحلة معينة من مراحل النمو لمواجهة هذه الأعراض، وهل أعد العلاج المريض لذلك من خلال المجموعة العلاجية والتوصيات التأهلية أم لا.
3- مدى المدة اللازمة لاستيعاب الأعراض بديلا عن التخلص منها بمجرد ظهورها
4- مدى الإعاقة التى تترتب على ظهور عرض بذاته ( مثلا إعاقة النوم، أو إعاقة العمل)
5- موقع مرحلة النمو التى وصلها المريض لابد أن يقدر جنبا إلى جنب مع فى العلاج الجمعي، وموقع المجموعة ككل من مسيرة النمو.
4- اتخاذ القرار، والمسئولية المرتبطة بذلك
1- فى الوقت المناسب (بعد فترة من العلاج) ينتهى الأمر إلى أن يضبط المريض جرعة علاجه، مع ضرورة إخطار وموافقة المجموعة والمعالج، والاستمرار فى العمل، ويتم كل هذا من خلال الحوار المتعلق بهذه الخطوة.
2- يشترك أعضاء المجموعة، مع الطبيب ومع المريض، بشكل مباشر أو غير مباشر فى قرار الجرعة والمدة (وليس فى النوع- اللهم إلا إذا شرحت بعض المبررات العلمية أو كان لخبرة أحدهم ما يشجع على فتح الحوار وهذا نادر).
3- إذا ما تقرر فى مرحلة ما إيقاف العقاقير تماما، فإن جرعة مضاعفة من المسئولية تقفز إلى وعى كل من المعالج والمجموعة معا، بالإضافة إلى زيادة مسئولية المريض بداهة.
5- علاقة العقاقير بالمؤشرات العلاجية الأخرى.
بالإضافة إلى ما سبق، توجد مؤشرات شديدة الأهمية، نضعها فى الاعتبار جنبا إلى جنب مع المؤشرات الأخري، ونضبط جرعة العقاقير من خلالها، مثل:
1- وجود عمل منتج له دلالة ومعنى بحيث ينتمى إليه المريض ( وليس فقط يقوم به)
2- وجود علاقة مع ” آخر”، ومدى التغذية التى تصل إلى المريض من خلال هذه العلاقة.
3- وجود ملابسات تساعد على البسط ( من أول القدرة على تمثل حركية الأحلام حتى الفرص الحقيقية للإبداع)
4-الوعى بالحاجة إلي، وإمكانية، اللجوء لوسيلة فيزيائية لتنظيم الإيقاع (وهو مايسمى خطأ الصدمة الكهربائية من قبل الطبيب، والمريض على حد سواء).
6- التدرج لإنهاء العقار
وكل هذه المؤشرات مرتبطة بمفهوم الطاقة، وكيف أن التقليل من العقار إنما يطلق مزيدا من الطاقة التى ينبغى أن تستوعبها حركة الحياة، إما فى بسط ذى معني، يعود على الفرد بما يثريه (يغذيه)، أو بأن تشحن هذه الطاقة موضوعا ذا دلالة ( شخصا أو عملا)، وكلما نجحنا فى توفير هذا أو ذاك، تقدمنا خطوة أو أكثر نحوالاستغناء عن العقاقير.
7- الغاية والخطة الوقائية
نؤمن، منذ البداية أن الغاية من إعطاء العقار هى ضمنا الاستغناء فى الوقت المناسب، وهذا يتطلب تغير مفهومنا للوقاية، بحيث تصبح المسألة ليست إخماد الطاقة، وإنما توجيه مسارها، بما يشمل احتمال النكسة.
وهذا النوع من العلاج يسمح باستقبال النكسة بدون خوف شديد، ويعتبرها فرصة متجددة لإكمال المسيرة شريطة أن تكون قد حملت تغيرات نوعية، تسمح باستقبالها بشجاعة دون الإسراع بإجهاضها بما تحمل من إيجابيات وسلبيات معا.
ورغم اعترافنا بطوبائية هذا الهدف، إلا أن الممارسة العملية قد سمحت لنا أن نتعهده بالقدر الكافى الذى يقنعنا بواقعيته بشكل أو بآخر.
المستقبل:
من خلال هذه التجربة المحدودة نستطيع أن نتوقع، ونسعى إلي، أن يكون العلاج النفسى بالمفهوم الشامل هو الأرضية المسئولة عن رسم الخطة العلاجية، وتتبع المحكات التى تبرر متي، و كم وكيف، نضيف هذا العلاج أو ذاك، فيزيائيا كان أو كيميائيا.
وبالتالى، لا تكون المسألة مسألة إضافة كيماء + ع. نفسى + جلسات فيزيائية، وإنما تكون المسألة دائما علاج، من خلال علاقة، بهدف واضح، تتفاعل فيه كيهاء الجسد، مع معنى الوجود، مع غايته، فى إطار حياة علاقاتية، ومن ثم تتضفر المتغيرات العلاجية لتحقيق تنظيم الطاقة، وليس فقط التخلص من الأعراض، والتخلط من دفع الحياة معا.
وقد آن الأوان للإشارة المفصلة إلى بعض التطبيقات، العملية والواقعية التى تتبنى أغلب هذه المفاهيم أين، وبأى قدرتتم هذه التجارب والتى سمحت بهذه الملاحظات والتنظير، فنعلن أنها مدرسة قصر العينى.
جـ - حركة العلاج النفسى فى قصر العيني
يمثل قصر العينى أقدم مركز للطب النفسي، وبالتالى للعلاج النفسي، ولا يشير المرجع المتاح حاليا والذى كان يدرس فى مدرسة الطب العليا: قصر العيني، باسم أسلوب الطبيب فى فن المجاذيب (تأليف سليمان أفندى نجاتى) والمطبوع سنة 1891 إلى بدايات الطب النفسى الحديث فى مصر فحسب، وإنما يشير إلى مرحلة ناضجة لا بد وأن هذا الفرع قد وصلها حتى ألف فيها هذا المرجع، ولعل ما أسماه هذا الكتاب: العلاج الأدبي، يشمل المفهوم الأعم والأكثر معاصرة للعلاج النفسى الشامل .
أما الآن، فما يحدث فى كلية الطب قصر العينى وما يتبعها هو جدير بالتسجيل كواقع آني، منه قد يترعرع المستقبل.
ويسرى التدريب على العلاج النفسى على الوجه التالى:
1- يبدأ الطبيب المقيم العلاج النفسى الفردى بمجرد تعيينه مع عدد لا يقل عن أربعة مرضى فى الوقت الواحد- فيجلس مع كل منهم0 لمدة خمسين دقيقة -وجها لوجه- بصفة منتظمة مرة اسبوعيا (على الأقل أو عادة على الأكثر).
2- تناقش هذه الحالات أولا بأول مرتين أسبوعيا: الأولى مع الأستاذ المختص كمشرف أعلي، لمدة نصف ساعة، والثانية مع سائر المعالجين كنوع من إشراف الزميل القرين (المتساوى فى الرتبة) لمدة ساعة.
3- يحضر الطبيب المقيم ذوال السنة الأولى من تعيينه فى العلاج الجمعى كمشاهد متعلم حيث تجرى الجلسة العلاجية فى مدرج مفتوح دون حاجز بين المجموعة والمشاهدين، ويشارك الطبيب فى المناقشات بعد كل جلسة.
4- يبدأ فى الاشتراك فى العلاج الجمعى كمتدرب مع الأستاذ المختص، (ومؤخرا مع معالج قديم ) لمدة سنة داخل المجموعة.
5- يعفى فى الفترة الأولى من تدريبه من الاشتراك اشتراكا شخصيا فى التفاعلات أو الألعاب أو المسرحيات النفسية الشديدة القصر، حتى سمح بذلك فى الوقت الذى يجد نفسه أقل خوفا، وأكثر قدرة ويتراوح هذا الوقت بين أربعة أشهر وستة أشهر فى العادة.
6- يستمر فى هذه المجموعة مع زميل آخر متدرب أيضا بالإضافة إلى الأستاذ، ويشارك أكثر فأكثر فى المناقشات الجماعية عقب كل مجموعة.
7- ينسحب الأستاذ بعد سنة، ويستمر المتدربان، يكملان نفس المجموعة بعد أن أصبحا معالجين مشاركين، لفترة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات. (وأحيانا نادرة أكثر من ذلك).
8- يستمر الإشراف القرينى لمدة ساعة فى الأسبوع مع كل من يمارس العلاج النفسى الجمعى ( والفردى كما أشرنا).
يجرى فى العيادة الخارجية القصر العينى مايلى:
1- عشرة مجموعات علاجية أسبوعيا.
2- متوسط أفراد المجموعة من 8-12.
3-عدد المعالجين واحد وعشرون (21 معالجا):
اثنان: خبرة أكثر من عشر سنوات
أربعة: خبرة ما بين خمس إلى عشر سنوات
تسعة: أكثر من سنة وأقل من خمسة
ستة أقل من السنة ( مازالوا فى مرحلة التدريب مع معالج أبر)
4- توجد مجموعتان للأطفال
(بعد الظهر: يقوم فيها ستة معالجين بالعمل العلاجى والتجريبى معا وعمر الأطفال من 6 إلى 12 سنة وعد د الأطفال من 6- 8 طفلا).
الوظيفة والدلالة من واقع تجربة قصر العينى:
1- تبينا أنه من الناحية الاقتصادية يستحيل أن يكون العلاج النفسى – بهذه الصورة أو بغيرها- وسيلة اقتصادية فى العلاج فى بلد فقير نام مثل مصر.
2- انتبهنا لما قام ويقوم به هذا النشاط فى هذا المركز، ونستطيع أن نقرر أنه يوظف العلاج النفسي، بالإضافة إلى دوره العلاجى العميق لبعض المرضي، ووظائف تعليمية ومهنية وبحثية كالتالى:
ا- ينمو الطبيب من خلاله كطبيب نفسى بصفة عامة
ب- ينمو الطبيب من خلاله كمعالج نفسى بصفة خاصة
ج – يتعلم الطبيب أسلوب الحوار الذى يتناول داخله، وذاته،، فى جلسات الإشراف الجماعية
ء – يشحذ الطبيب من خلال نمو قدراته كأداة بحث فينومينولوجية قادرة على الحكم، ليس فقط فى مجال البحث العلمى فى العلاج النفسي، وإنما فى سائر مجالات البحث العلمى الأخرى.
هـ – يتعلم الطبيب من خلال العلاج، ومن خلال المناقشات اللاحقة للجلسات ما هو سيكوباثولوجي، ديناميا، وتركيبيا معا.
و- يتعلم الطبيب طوليا مسار الشفاء، وبأثر رجعى: مسار المرض، وليس فقط مظاهر المرض، والصحة كميا
المتابعات الأكثر تحديدا:
بعد عشر سنوات من أتباع هذا الأسلوب لاحظنا بالمتابعة مايلى:
1- لوحظ أن ثمة فرقا جوهريا بين من سلك هذا السبيل فى التدريب، وبين من لم تتح له الفرصة لذلك، بغض النظر عن الكفاء فى التحصيل الأكاديمى التقليدى.
2- تأكدت هذه الفروق، ليس فى مجال المهارة فى العلاج النفسى فحسب، بل فى الخبرة الإكلنيكية، والعلاقات بالمرضى عامة.
3- امتد هذا التميز أيضا إلى مجالات البحث العلمى خاصة فى أنتقاء الموضوعات ونقد المنهج، وفى الحوارات العلمية فى شتى المجالات.
التوقع والمستقبل:
من هذه التجربة يمكن القول أن العلاج النفسى مستقبلا، لن يكون وسيلة لعلاج المرضى فحسب، بل يمكن أن يكون وسيلة لنمو الطبيب النفسى والمعالج النفسى على حد سواء.
ملحوظة:
ركزت فى هذه الخبرة على تدريب الطبيب النفسى الأصغر ( الطبيب المقيم)، على أنه فى مركز آخر تحت إشرافى أيضا تتم مراحل موازية لكل من الطبيب النفسى والمعالج النفسى غير الطبيب، وقد لاحظنا أن المعالج غير الطبيب يمر بنفس المراحل، ولكن على مسافة أطول، وبسرعة أبطأ، وقد يكون ذلك لاختلاف القدرات الأساسية، وفرص المران العملية مع مرضى نفسيين آخرين خارج نطاق العلاج النفسي، كما قد يكون لاختلاف الإطار المرجعى المسئول عن التكوين الذهنى لما هو بيولوجى كلى بصفة خاصة.
رابعا: معنى المجتمع العلاجى ملامح بدايات:
أولا: مقدمة
كثر الحديث عن الأمراض النفسية فى صورتها المعاصرة، وكذا عن الطب النفسى الحديث، والعلاجات النفسية الحديثة، يشيرون فى ذلك إلى الأصول الكيمائية للاضطرابات جميعا.
وأصبح الناس بالتالى يرفضون المعاناة، ويستثــقلون الوعى بالذات، والتوجه إلى هدف أبعد، فيهربون- بأسرع ما يمكن- إلى الاستكانة تحت مظلة هذا القرص، أو تلك الحقنة.
وعلى الجانب الآخر اعتقد كثير من الناس أن المرض النفسى هو عقدة لا تزول إلا بمحاولة حلها، وأن العلاج النفسى ليس إلا التحليل النفسى الذى يفسر ويبرر، ويحكي، ويبحث عن الأسباب والتأويل.
والحقيقة أن الطب النفسى المعاصر قد تجاوز هذا وذاك بشكل إنسانى مسئول.
ويجدر بنا فى البداية أن نستلهم المثل الشعبى الذى يشير إلى أن العطار لا يصلح ما أفسد الدهر، ويمكن ترجمة هذا المثل إلى مقولة علمية حديثة تقول:
إن الدواء لا ينفع حتما إذا كان السبب هو خدش، أو جرح، أو اندمال، قد أصاب الشخصية أثناء نموها .
فماذا تفعل الكيمياء فى شخص انغلق على ذاته حتى ألغى العالم؟
وماذا يفعل الدواء فى إنسان أصبح يستهدف الموت غاية بدلا من أن يستلهم الحياة انطلاقا؟
فإن صدق هذا المثل فإنه جدير بنا أن نكمله لنقول:
قد لا يصلح العطار ما أفسد الدهر، ولكن يصلح الدهر ما أفسد الدهر.
فما هو هذا الدهر القادر على إصلاح ما أفسد الدهر؟
مادمنا نفترض أن الزمن الماضى بما فيه من ناس وأحوال، قد يؤثر سلبيا على الإنسان حتى يمرض، فلا بد أن نفترض فرضا مقابلا أن الزمن الحاضر بما فيه من ناس وأحوال لا بد وأن يؤثر على المريض حتى يشفى.
فواجبنا الأول هو تهيئة هذا الزمن- الدهر/ المجتمع- بمواصفات معينة تمكننا كمعالجين من تعديل المسار. من الإعاقة، والخمول، والتواكل، والهرب فى الخيال، إلى الفعل، والإيجابية، والإقدام، وتنمية القدرات، والتناغم مع الآخر حتى غاية الأكوان وما بعدها، مما ليس كمثله شيء (وجهه سبحانه).
وعملية خلق مثل هذا المجتمع هو ما يسمى علاج الوسط، أو المجتمع العلاجى.
وتكوين مثل هذا المجتمع ليست عملية صناعية مفتعلة بعيدا عن الواقع الاجتماعي، بل إنها فى واقع الحال عودة إلى مجتمع صحى طبيعي، قد يكون مختلفا بعض الشيء، فطريا بعض الشيء، ثائرا من حيث المبدأ، سريعا من حيث الإيقاع، لكنه فى البداية والنهاية ينبع من الواقع، ليصب فى الواقع.
فما هى معالم هذا المجتمع، وكيف نؤسسه، وكيف يشفى المريض من خلاله؟
معنى المجتمع العلاجى
المجتمع هو مجموعة من الناس تحكمهم ثقافة مشتركة، يتواجدون عادة فى مكان مشترك، يتوجهون إلى هدف عام (جنبا إلى جنب مع الأهداف الفردية المتنوعة)، يتكلمون لغة متبادلة متفق عليها، يتعاونون حتما فى مسيرتهم على أكثر من مستوى (سلوكي، اقتصادي، ذهنى، وجدانى ..إلخ)
والمجتمع العلاجى الذى نقدمه هنا هو كذلك.
* أما القضية المشتركة بين المرضى مجتمعين (وهى القضية التى قد تصل إلى درجة أن تصبح ثقافة متميزة)، إنما تنبع من الشعور المشترك بأن الحياة الراتبة العادية لم تعد تعطى أفراد هذا المجتمع احتياجاتهم، كما لم تعد تحقق أهدافهم الخاصة والعامة بالطريقة المناسبة.
* أما الهدف العام فيبدو أنه الإصرار على التفرد، يحققه المريض بالاختلاف عن السائد إلى مستوى أقل فى الفاعلية والتكيف، ويحوله المعالج (الطبيب خاصة) بممارسة مهنته مبدعا متجددا محاولا أن يتميز فى مواكبته لأزمة مريضه.
* أما اللغة المتبادلة المتفق عليها فهى لغة تدور حول” معنى الأعراض”، و”دلالة المرض” (وهى ليست اللغة الشائعة عن سبب الأعراض، وتأويل المظاهر)
* أما التعاون على المسار فهو يبدأ من موقف الطبيب حيث يملك القدرة على حمل الرسالة (الأمانة) بالأصالة عن نفسه والنيابة عن مرضاه كنقطة انطلاق من خلال:
مسئولية الترجمة: ترجمة الأعراض إلى معانيها، وترجمة التوقف والإعاقة إلى دلالاتهما.
مسئولية التقبل: أن يتقبل المريض كما هو ابتداء، وأن يحترم حق المريض فى الاعتراض (على العادية) من حيث المبدأ.
مسئولية الرفض: أن يرفض الاختيار السلبى الذى انتهى إليه المريض رغم قبوله للبداية من حيث المبدأ.
مسئولية عدم الشطح: حتى لا يصبح ما يدعو إليه المريض بأعراضه (والطبيب بتقبله) هو البديل عن المجتمع العادي
وأخيرا:
مسئولية الصبر: على التغير.. مع الانتظار الإيجابى.
ومن خلال هذه البدايات يلتقط المريض الخيط، ويشارك رويدا رويدا، فيخف العبء على المعالج، وتقل الحاجة للدواء وتنبسط القدرات حركة وإبداعا.
ولكن هل المجتمع العلاجى هو الذى يـعرف لدى أغلب الناس بما يسمى الفريق العلاجى المكون من طبيب وأخصائى نفسى وأخصائى اجتماعى يشارك بعضهم البعض فى تشخيص وعلاج المريض ؟
لا.. ليس الأمر كذلك، ولهذا يجدر بنا حتى تتضح الصورة أن نميز بين الفريق العلاجى والمجتمع العلاجى:
ذلك أن ما يسمى بالفريق العلاجى هو مجموع جهد أفراد تخصصوا كل فى جانب من الجوانب الخاصة بالمريض، مثل الأخصائى النفسى والأخصائى الاجتماعى والطبيب وأخصائى العلاج بالعمل، فى حين أن المجتمع العلاجى يصهر أفراده صهرا بحيث تصبح فاعليتهم كلا متكاملا، رغم احتفاظ كل فرد منهم بما يميزه تحديدا، وفى الجدول السابق يمكن النظر فى هذه الفروق شديدة الدلالة.
ومعنى ذلك أن التخصص قائم، ولكن دون احتكار أو انفصال.
وأيضا فإن ذلك يعنى أن الكل يعالج الكل بشكل أو بآخر.
أى أن ما يصل إلى المريض من كل هذا هو روح جماعية، وأن ما يؤثر فى المريض ويدفعه على مسار الشفاء هو هذه الروح الجماعية التى تصبغ كل وسيلة علاجية بصبغة تجعلها مختلفة تماما عن طبيعتها الأخرى إذا ما طبقت وحدها، أو فى إطار العلاقة الفردية، أو العلاج الروتينى العادى.
ثانيا: المبادئ والمفاهيم العامة:
لابد من توضيح مبدئى لبعض المفاهيم الأساسية التى يدور حولها هذا المفهوم الأحدث (الأقدم فى نفس الوقت).
وليس هذا مجال تنظير مسهب،، بل إن التنظير قد يضر بمفهوم ما هو مجتمع علاجي، بمعنى أننا لو عرضنا فكرا نظريا عن القيم والمبادئ التى يسير عليها مثل هذا المجتمع، ثم تقررت مثل هذه المبادئ كمنهج دراسى مثلا لنيل بعض الدرجات العلمية التخصصية وحفظها أحد الطلبة النجباء عن ظهر قلب فإنه:
الفريق العلاجى فى مقابل الوسط العلاجى لا اعتراض عن أن يكون للعلاج فريق بل لا سبيل غير ذلك، لكن ثمة فرقا خطيرا بين العضو فى: |
|
الفريق العلاجى ” … فى مقابل .. ” الوسط العلاجى | |
الفريق | الوسط |
1- كل عضو يكمل الآخر
2- يسهل على المريض أن يميز التخصص 3- يعرف كل مختص أساسيات أكاديمية فى تخصص الآخر 4- لا تبادل للأدوار أصلا 5- ليس بالضرورة الاشتراك فى تنظير واحد، أو ثقافة واحدة، أو غائية واحدة. 6- تعدد الأبعاد multidimension يوحى بنوع من الاختلاف للتكامل رغم مخاطر البعد الفعلى فى التطبيق. 7- يمكن استبدال فرد – من نفس التخصص – مكان فرد آخر لو توفر المستوى الأكاديمى. |
1- كل عضو يمثل الكل 2- يعصب على المريض أن يمييز التخصص. 3- يعرف كل مختص أساسيات عملية فى تخصص الآخر (فضلا عن الأكاديمية) 4- يمكن تبادل لأدوار بمرونة مسئولة 5- الذى يجمع العاملين هو الموقف المشترك، والغائية العامة، والثقافة الغالبة. 6- تجانس المجال: يعنى أن كل معالج يجد نفسه فى موقع بذاته، لكنه فى المجال كله فى آن أى أنه إذا وضع فى أى موقع اتخذ تلقائيا التوجه المشترك. 7- يتسع المجال ويضيق بمدى وطاقة نشاط أفراده رغم التنوع فالفرد قد يقوم مقام الكل ولكنه لا يستبدل بمؤهل مساو!! |
أولا: سوف يعجز عن تطبيقها حتما.
وثانيا: سوف يشوهـها إذا حاول تطبيقها فعلا.
ذلك أن المسألة ليست فى التعريف النظرى أو المقارنات الذهنية بقدر ماهى نتاج الممارسة الفعلية، فى واقع بذاته، فى زمن بذاته.
ولأضرب لذلك مثلا من واقع بدايات الممارسة العلاجية لما هو علاج نفسى جمعى باعتبار أنه نموذج للمجتمع العلاجى المتحرك فى المكان الملتزم بالزمان الممتد. (أى أنه لا يرتبط بمستشفى معين، بقدر ما يرتبط بموعد أسبوعى للقاء يتكرر شهورا وربما سنوات) أقول حدث أن أحد الزملاء الذين تدربوا على العلاج الجمعى فى مؤسسة تافستك كلينيك بلندن عاد من بعثته وبدأ محاولاته لتجربة العلاج الجمعى فى مصر، فجمع مجموعة من طلبة الجامعة، وأخذ يمارس معهم ما تعلمه هنا: بأكبر قدر من العلم المحفوظ والخبرة المستوردة، وإذا بالعدد يتناقص حتى توقف العلاج، وقد ذكر فى سبيل شرحه وعزوفه عن استمرار التجربة أن المصريين -حتى طلبة الجامعة – ليسوا معتادين على لغة التحليل النفسي، ولا على المفاهيم النفسية الشائعة لدرجة أنه لا يصلح لهم مثل هذا العلاج، على الأقل فيما يتعلق بهذه التجربة المحدودة
ولعل السبب الحقيقى فيما تم هو فى تطبيق مفاهيم وقيم لم تنبع من التجربة المحلية، وبالتالى لم تستطع أن تزدهر وأن تفيد كما كانت الحال فى مجتمع آخر فى بيئة آخرى.
وعلى النقيض من ذلك حين بدأنا تجربة العلاج الجمعى فى جماعة غير متجانسة فى كل شيء (التشخيص والسن ودرجة التعليم، تحركت المفاهيم والقيم وتنامت حتى شملت المجموعة (كمجتمع علاجى صغير) واستمرت التجربة لمدة زادت حتى الآن عن عشر سنوات.
وبالرغم من هذه المحاذير المبدئية لا بد أن نعرض للقارئ الغريب عن الصناعة بعض الاختلافات المتعلقة بعينة من هذه المفاهيم:
1- مفهوم المرض:
المرض فى العلاج التقليدى هو أعراض وتشخيص نتيجة ظروف وخلل فى كيمياء المخ بشكل أو بآخر
وهو فى المجتمع العلاجى: إعاقة، وجمود لا تستبعد خللا فى الخلايا أو الكيمياء، ولكن لا تؤكد أيها السبب وأيها النتيجة، كما أن الذى يأتى فى المقام الأول لتسمية الاضطراب الحادث مرضا هو التوقف: التوقف عن كل ما هو حياة وتقدم بما يشمل التوقف عن مشاركة الناس، وعن بسط القدرات.
وهذا التمييز إنما يعنى أنه فى المجتمع العلاجى لانتوقف كثيرا عند مجرد ظهور الأعراض أو اكتشاف خلل الكيمياء، حتى الهلوسة مثل رؤية أشياء لا وجود لها لايمكن أن تعتبر فى ذاتها على أنها هى القضية الأساسية، وإنما يهمنا فى المقام الأول معنى رؤية هذه الأشياء وما ترتب عليه من إعاقة، أو عزلة، أو موت نفسى… إلخ.
2- موقع المريض:
المريض فى العلاج التقليدى هو زبون يسأل المشورة ويتلقى العون فى شكل نصيحة أو وصفة طبية (روشتة) بأقل قدر من الاندماج الشخصى والمسئولية الذاتية ما دام الطبيب قد نفذ ما ورد فى آخر المراجع العلمية .
أما فى المجتمع العلاجى فالمريض هو أنت، هو إبنك، هو عزيز عليك، وما ترجوه للمريض هو ما ترجوه لنفسك، وما تمنعه عن مريضك هو ما تمنعه عن إبنك، وما تأباه للمريض هو ما تأباه لعزيز عليك، وليس معنى هذا أن المسألة شخصية عاطفية، أو أنه يمكن تجاوز الفروق الفردية واختلاف الظروف الواقعية وإنما يشير هذا الموقف إلى أن المجتمع العلاجى ليس إلا عائلة صغيرة، وبالتالى يصعب التمييزفيها بين الإخلاص الشخصى والأمانى الإنسانية، بين الإتقان الحرفى والتطبيق العلمي، فالعلاقة وثيقة تماما، يستعمل فيها أكبر قدر من المهارة والعلم، لتحقيق غاية ما يشير إليه الإخلاص والحماس الشخصى لأحد أفراد العائلة فعلا وهو المريض الذى لا يعدو أن يكون إبنك فى ورطة، أو عزيز ضل !!
3- مفهوم الصحة:
الشائع عند معظم العامة وكثير من الأطباء أن الصحة هى عدم وجود الأعراض، والتماثل مع أغلب الناس فى المظهر والسلوك العام على الأقل.
وفى المجتمع العلاجى لا يوجد مفهوم واحد محدد للصحة، فهناك مستويات للصحة ومراتب، ومراحل كذلك:
واختفاء الأعراض والتكيف مع عامة الناس فى الفعل اليومى هو أمر وارد وهام، لكنه ليس نهاية المطاف على كل حال.
ذلك أنه يأتى مع ذلك تعريف للصحة يشير إلى أنه التركيب البشرى الأقرب إلى الفطرة (مرونة الحركة واستمرارها) وبالتالى الأبعد عن الإعاقة والتشوه، ولتحقيق هذا المستوى الذى يمنع النكسات عادة لأنه يعطى المناعة الحقيقية، لابد من تغيير تركيبى فى نمط الشخصية فعلا.
أما المستوى الأبعد، والذى لا يغفله المجتمع العلاجي، وإن كان لا يرجحه على حساب ما قبله فهو مستوى الإبداع الإيماني، وهو ليس مستوى دينى محدد، ولا هو مستوى إنتاج إبداعى أو فنى بذاته، ولكنه نوع من التواجد المتحرك المرن، المتقن للفعل اليومي، وفى نفس الوقت المتصل بما بعد الفرد، ليس فقط ما بعده من ناس وأشياء ومستقبل منظور، وإنما ما بعده من وجود ممتد فى الغيب بيقين حيوى وممارسة متواضعة فى نفس الوقت (وهذا هو جوهر الإيمان).
4- مفهوم العلاج:
وبالتالى يختلف مفهوم العلاج التقليدى عن العلاج فى المجتمع العلاجي، ليس فقط من حيث التطبيق ( كما ذكرنا سالفا فى الجدول والمتن)، وإنما أيضا من حيث الهدف .
فإذا كان الهدف فى العلاج التقليدى هو إزالة الأعراض، والتكيف مع الناس، فالهدف فى المجتمع العلاجى هو: إحياء الخامل، ومنع التوقف، واستعادة النبض الحيوى لتحقيق مرونة الفطرة فى توجه الإيمان (بالمعنى السالف الذكر)
و الوسيلة إلى ذلك – كما ذكرنا – هى كل ما تيسر من العلم، و الصحبة، و التعليم و التدريب.
5- أبعاد التصنيف:
فى المفهوم التقليدى للمرض النفسى وعلاجه يكون التركيز على إسم المرض كما ورد فى هذا الدليل التصنيفى أو ذلك المرجع المقرر، وقد لا يرتبط هذا التصنيف بموقف علاجى بذاته أو بهدف إنسانى محدد.
أما فى علاج الوسط ( المجتمع العلاجى) فإن التصنيف يهتم بأبعاد أخرى تتعلق كلها بغاية العلاج كما سبق ذكرها، وهكذا يكون التصنيف متعلقا بحدة المرض فى مقابل إزمانه، ليس بمعنى كم مضى عليه من الزمن، وإنما بمعنى كم هو مستقر مجمد هذا المرض، وكم هو متوهج متمادى وهكذا.
وتفصيل ما بعد ذلك لا يتسع له المجال هنا فى هذه المقدمة. ومن البديهى أن الموقف العلاجى يختلف عنه باختلاف التصنيف، ففى حين يكون التأهيل والتحريك واستعادة المرونة أهم الأهداف فى المرض المزمن، يكون الضبط والتهدئة ووقف النزيف النفسى أهم الأهداف فى حالة التصنيف الحاد وهكذا.
6- المعالج:
الطبيب هو المعالج الأول، وربما الأخير فى العلاج التقليدي، قد يستعين بخبرة هذا المختص فى القياس النفسي، أو ذاك المختص فى العلاج بالعمل، لكنه فى كل حال هو المعالج فى النهاية.
أما فى الوسط العلاجى فالوسط (الروح العامة والتوجه) هو المعالج، وكل فرد فى هذا الوسط هو مشارك فى العملية العلاجية، كما أن كل من له علاقة خاصة، أو وثيقة، أو دالة بالمريض لا بد وأن يشترك فى العملية العلاجية، بمعنى أن يبذل ما يمكن، وفى نفس الوقت يتعاون فى أن يتوقف عن بعض ما يمكن أن يتورط فيه من سلبيات، والوسط يقوم بهذه المهمة من خلال الفهم العام، أكثر من قيامه بها من خلال النصيحة المباشرة أو اللوم والتأنيب.
ثالثا: كيف يختلف نفس العلاج
سبق أن ذكرنا أنه لا خلاف فى العلاجات التى تعطى للمريض فى المجتمع العلاجى عنها فى غيره من حيث التسميات، وحتى من حيث تفاصيل كل أسلوب علاجى على حدة، ذلك أن كل العقاقير، والجلسات، والعلاج السلوكى والعلاج النفسى بأنواعه والعلاج بالعمل، كل ذلك يعطى للمرضى سواء كانو يعالجون فى مستشفى عادى يمارس العلاج التقليدى أم فى مستشفى يمارس فكرة المجتمع العلاجي، لكن كل إجراء علاجى من هذه الإجراءات يكتسب نوعية جديدة مختلفة إذا ما فهم فى السياق الأعم لما هومجتمع علاجى.
وسوف نعرض هنا بعض الأمثلة ، وكيف تتميز الأساليب المتنوعة بمجرد أن تجرى فى جو المجتمع العلاجى رغم احتفاظها بنفس الاسم:
1- العلاج الدوائى: يكاد يكون من البديهى – حديثا – أنه لايمكن أن يعالج المريض النفسى بغير تعاطى عقاقير، لكن فى المجتمع العلاجى يكون الهدف هو إعطاء العقاقير فى الحالات الحادة أساسا، وفى الحالات النشطة، ثم يوضع فى الاعتبار هدف تال هو التخلص منها بأسرع وأنجح ما يمكن.
وتتناسب عادة كمية العقاقير عكسيا مع كمية التنشيط و التأهيل على أرض الواقع.
2- العلاج الكهربائى: فى المجتمع العلاجى خاصة لا يعتبر العلاج الكهربائى عقابا أو تحجيما، ولا هو صدمة، كما أنه لا يعطى بناء على إسم تشخيص معين، لكنه يعتبر دفعة فيزيائية تنظيمية، يتدخل بها المعالج لينقل من خلالها المريض عبر مأزق بذاته.
أى أنه بعد الإعداد المناسب، والضغط الواعى المحسوب، وبعد أن يبدأ المريض فى محاولة العودة إلى تحمل تبعاته، واقتحام صعوباته، تظهر عليه أعراض تدل على قوة قراره، وفى نفس الوقت تدل على صعوبة الإعاقة المتزايدة من داخله، بما يرصد أحيانا على هيئة أعراض مسحة من الاكتئاب، فتأتى هذه الدفعة الفيزيائية لتقوي، وتدعم المستوى الناضج العائد إلى أرض الواقع ومسئولياته، لينتصر المريض على سلبيات المرض من خلال هذه الدفعة المختارة.
لذلك فإن هذه الجلسات تسمى فى هذا المجتمع جلسات علاج تنظيم الإيقاع Rhythm Restoring Therapy بدلا من الاسم الخاطئ القديم: الصدمات الكهربائية.
3- العلاج السلوكى: فى هذا النوع من المجتمع العلاجى يطبق مبدأ الثواب والعقاب، أو التدعيم والتنفير بشكل منتظم وتلقائى.
إلا أن تطبيق هذا المبدأ السلوكى إنما يفترق عن المفهوم التقليدى لعلاج تحوير السلوك فى أنه يتخاطب مع الكيان البشرى ككل، وليس مع سلوك بذاته، كما أنه يدعم مستوى بأكمله من مستويات الوجود (المقابلة لمستويات تنظيم المخ)، بدلا من أن يركز على جزئية ظاهرة من مجمل الفعل الواعي، وأخيرا فهو يعتمد على حوار متعدد المستويات، من أول الحوار اللفظى حتى الوعى الأعمق.إذن ففى علاج الوسط (المجتمع العلاجى): نحن ندعم مستوى إيجابى من مستويات الوجود البشرى (مثل مستوى العلاقة بالواقع والالتزام بالفعل اليومى) بالقبول والسماح، والصحبة والتدريب، ولاشك أن ذلك يحدث من مدخل ملاحظة سلوك بذاته، إلا أن مجرد تغير السلوك دون تغير نوعى فى الوجود لا يكفي، بل أحيانا قد نرفض تغير السلوك حتى إذا بدا أن هذا التغير إلى أحسن ظاهريا، لأن بعض التحسن الظاهرى قد يتم على حساب تغير نوع الوجود إلى أدنى.
4- العمل العلاجى: ونحن نفضل استعمال هذا التعبير، ليتميز به العمل فى الوسط العلاجى عن الشائع تحت مسمى “العلاج بالعمل” وفى المجتمع العلاجى يقع العمل فى مركز أساسى بالنسبة للبرنامج اليومي، وبالنسبة لمقياس التقدم نحو الصحة، وبالنسبة للغاية الإنتاجية من أى فعل علاجى هادف.
إلا أن مفهوم العلاج بالعمل لا يقتصر على شغل وقت الفراغ، ولا على تكرار أعمال راتبة تساعد على الانغلاق والعزلة (مثل شغل الكنافاة، أو عمل السجاد أو السلال أو ما شابه)، إنما يمتد مفهوم العمل إلى الفعل المشارك المتغير، الذى يصالح المريض على جسده من ناحية، ويقربه من الآخرين من جهة أخرى ثم إن ذلك كله يتضمن تنمية مفهوم أن العمل فى حد ذاته قيمة.
وفى المجتمع العلاجى لا يأمر المعالج المريض بعمل دون أن يشاركه فيه، فعلا، وبألفاظ أخرى فإن المعالج يقوم بنفس العمل الذى يقوم به المريض بعض الوقت إن لم يكن كل الوقت.
5- العلاج النفسى الجماعى خاصة: لا يوجد تعريف جامع للعلاج النفسى اللهم إلا اشتراطه أن تكون العلاقة البشرية بين الطبيب المعالج والمريض المعانى هى أساس جوهرى فيما يحدث من تغير نحو الشفاء.
وعلى هذا الأساس فإن معظم ما ذكر من علاجات سابقة هى بالضرورة مشتملة بشكل أو بآخر على العلاج النفسى.
وأهم ما يميز العلاج النفسى هو طول النفس، وتعدد مستويات العلاقة واستمرارها، وعدم الاكتفاء بالتحسن الظاهرى واختفاء الأعراض.
والعلاج النفسى الجمعى هو من أهم ما يميز العمل العلاجى فى المجتمع العلاجى. ذلك أن معظم الممارسات اليومية تشترط فى هذا المجتمع أن تتم فى جماعة، والعلاج الجمعى هو بالتعريف ما يتم من تواصل وتعاون وبصيرة وحفز، فى جماعة مسئولة لها قائد وهدف مشترك.
بل إن هذا العلاج الجماعى هو الذى يسمح بامتداد مفهوم المجتمع العلاجى إلى ما بعد الخروج من المستشفى.
بل إن بعض المجموعات القديمة الممتدة تمثل مجتمعا على مستوى العيادة الخارجية، يكفيه الانتظام فى اللقاء الأسبوعى والمشاركة المستمرة حتى تصبح بمثابة مجتمع علاجي، وإن اقتصر على أنواع محددة من آليات العلاج.
المستقبل: من واقع هذه التجربة يمكن القول أن النجاح الذى يعنيه أن يكون المجتمع العلاجى هو العامل الحاسم فى التغير، يغرينا أن نأمل أن المجتمع الأوسع خليق بأن يسهم فى الوقاية والعلاج معا، وما دمنا نتكلم عن المستقبل فمن حقنا أن نحلم، ومن أحلامنا أن يقوم المجتمع بدوره الإيجابى ليس فقط فى الوقاية والحيلولة دون المرض، وإنما أيضا فى إتاحة الفرص للنمو الحقيقى للإنسان من خلال الإبداع والنمو مواكبا إيقاع الكون ومكملا مسيرة التطور.
الخلاصة: مستقبليات
تمهيد:
يستحيل الفصل بين التفكير الآمل ورؤية المستقبل، وبما أننا نصنع المستقبل، ولانتلقاه مع مخصوص، فمن حقنا أن نعلن أملنا، ولكن قبل ذلك، ومع ذلك: من واجبنا أن نسعى إلى تحقيقه: الآن وليس غدا.
1- لن يوجد مستقبل للطب النفسى منفصلا عن مستقبل يلزم بإعادة النظر فى كل من:
مفهوم الإنسان كحركة فى زمن ممتد.
مفهوم العلم عامة مفهوم الصحة
مفهوم المرض حركة المجتمع
حركيّة الكون (واقعية الإيمان). تكامل المعارف
2- لن يوجد ما يسمى علاج نفسى – مستقلا- فى الطب النفسى الحديث.
3- سوف يعاد النظر فى مفهوم النموذج الطبى:
وأتوقع أن يموت كل مما يسمى:
أ- النموذج الطبى بالمعنى الكيميائى الكمي
ب – النموذج الطبى بالمعنى التعليلى الخطى الحتمى
جـ – النموذج الطبى المقابل لتحديد الموقع localization (نموذج الأمراض العصبية)
كما أتوقع أن يحل يحل محله
أ – النموذج الطبى بمعنى فن التطبيب، فن اللأم.
ب- النموذج الطبى بمعنى التكامل البيولوجي
ج- النموذج الطبى المقابل للجهاز الهضمى والتمثيل الغذائي، وكذا المقابل لحركية الإيقاع الحيوى المتمثلة فى لالجهاز الدورى بإيقاعه المنتظم بين الملء والبسط)
4- لن يوجد طب نفسى بغير طبيب نفسى.
5- لن يوجد طبيب نفسى بغير تدريب على علاج نفسي، يكون البيولوجى هو جوهره ومنبعه ومصبه، وتكون الحركة الإيقاعية فى الزمن غير التتبعى هى قانونه
6- لن يوجد تدريب على علاج نفسى بغير كدح النمو الحقيقى (رحلة الداخل والخارج)
7- لن يوجد علاج نفسى بغير غوص فى البعد البيولوجى لنبض الحياة بحيث تتآلف المعا رف الجزئية فى كل نام.
8- سوف يصبح العلاج النفسى – أكثر فأكثر – الوسيلة المعرفية المناسبة لربط المعارف بعضها ببعض (المعارف الطبية والفلسفية والاجتماعية فى آن)
9- سوف يكون هناك موقع لمصر فى الإضافة بما لها من مقومات خاصة:
ا- اللغة العربية
ب- الحضارة المصرية
ج- فطرية العالم الثالث (لا بدائيته).
(بما يشمل ذلك عمق الوعى وتعدد أبعاده، تفجير الفطرة، وتعميق الشخصية الوطنية واللغوية، مع الالتزام بالحوار العالمى الحضارى).
خاتمة وملاحق
1- رأيت من المناسب أن أعرض تحفظاتى تجاه سوء فهم ما هو علاج نفسى كما بلغتنى من واقع الممارسة من قديم، وقد هزنى هذا الأمرحتى أشرق فى وعيى شعرا عاميا ، انتهى إلى أن يكون ديوانا بأكمله، ظهر سنة 1978 باسم ” أغوار النفس”، فاقتطفت منه – بهذه المناسبة هنا- ما يعلن أن المسألة ليست كما يتصور البعض، وأن العلاج النفسى ليس هو التحليل النفسي، وليس هوالكلام، وليس هو الحب العشوائي، والعواطف المفجة، وليس هو التبرير والاعتمادية. وإنما هو الإسهام فى دفع الحياة.
لكل هذا فقد رأيت أن ألحق بهذه الدراسات مقتطفات متفرقة من كل هذا حتى أبين أننى من قديم أعتبر العلاج النفسيليس إلا ممارسة الطب النفسى ، الذى هو دفع منظم لمسيرة الحياة كما خلقها الله نابضة مبدعة ( وهذا هو الملحق الأول).
2- كما نظرت فى عمل أسبق، فوجدتنى قد رسمت صورة تجمع بين نقد العلاج النفسى 0 بالمعنى السلبى ، ونقد العلاج الكيميائى التخديرى بالمعنى المختزل، وكانت القصيدة (حب للبيع) هى آخر ما ختمت به ديوانى الأول بالعربية (سر اللعبة) (وهذا هو الملحق اليانى).
3- أما عن الملحق الثالث، فقد هدانى أحد طلبتى إلى قصيدة لأحد أجدادنا من قدماء المصريين ، هى بردية برلين 3024، وهى إن كانت لا تتصل بالعلاج النفسى مباشرة بما جعل الدراسات التى أجريت عليها تهتم بالتشخيص أكثر، إلا أننى وجدت بها ما يتصل بخبرة العلاج النفسى الحقيقية والعميقة، وقد تعمدت ألا أسهب فى التعليق عليها فى هذه المرحلة فاكتفيت بأن أقدم لها بما يشير إلى الخطوط العامة التى سأرجع إليها تفصيلا فى عمل مستقل.
(الملحق:1) من ديوان
أغوار النفس
(1978)
نقد (ذاتى) العلاج النفسى
يحيى الرخاوى
1- من المقدمة:
…………….
الطبيب أصبح مهندس للعقول البايظه (يعنى!!)، واللى برضه اتصلحت ، (الطبيب دا هو انا، مش حد غيرى)،
وساعات بيعمل شيخ طريقة”مقننه”!،
وساعات بيفتى فى المشاكل والعقد،، وساعات يطبطب عاللى رايح واللى جاى، وساعات أشوفه مشخصاتى: مضحك، الملكة الأغا،
الكلام أصبح صناعه، والعواطف تتشحن جوا العيون زى البضاعة.
…………….
2- من مقدمة نقد العلاج الفردى (الكلامى المغترب!!)
نقد للاغتراب فى التحليل النفسى التقليدى
على الحشية مع التداعى الحر .. إلخ.
مر الهوا صفر، سمعنا الصوت كإن النعش بيطلع كلام:
(لأ …، لسه …، إسكت، … لم حصل،
سيما …، ياتاكسى، … لسه كام ؟)، أى كلام
ألفاظ زينه، مسكينه،، بتزقزق، وتصوصو.. وخلاص !!
…………..
3- من المقدمة أيضا:
واحد نايم متصلطح، وعنيه تتفرج:
على رسم السقف وعلى أفكارو اللى بتلف، تلف، . تلف،
وكلام فى كلام .. هاتك يا كلام، يا حرام !!
والتانى قاعدلى وراه .. على كرسى مدهب.
طيب ؟ .. طبعا طيب ..!
بس خدوده نحاس، وعيونه إزاز
وشفايفه قفل رصاص، وودانه شريط حساس
يسمع حكايات .. حكايات، وتمر ساعات وساعات،
(ما أظنش أيوب مات) ….
”إشى عدى البحر ولا اتبلش” ؟؟
”قالك: إلعجل ف بطن امه” !!
أرزاق .. !
وخلايق لابسه الوش زواق.
…………..
3- من قصيدة: سارى الخوف.
نقد للاغتراب فى ترديد وإعادة
البحث عن الأسباب دون حركة نمو حقيقية
…………………..
ولحد ما يهدا الموج
واشترى عوامه واربطها على سارى الخوف
ياللا نقول: “ليه ؟”
”وازاى ؟”
”كان إمتى ؟”
”ياسلام !!!”
”يبقى أنا مظلوم !!”
”شكر الله سعيك”
4- من قصيدة: ريحة بنى آدم
نقد للاغتراب العلاجى الذى ينصح المريض بتعميق
إحساسه وفى نفس الوقت يفتقر إلى المشاركة الحقيقة
طيب ..، طيب ..، واحده .. واحده
أنا حاقلع اهه:
آدى صورتى يا سيدى .. شرمطها،
وادى قصه حب
وادى عقدة نقص وكسرة قلب
…. أهو كله كلام !!
أنا قالع ملط ..
لكنى مش عريان.
هوا انا مهبول ؟
أديك نفسى لحمه طرية ؟
على إيه؟
الناس الشرفا فى الغابة أحسن منكم
ياكلوها علنا بشجاعة من غير تبرير
ولا ييجى واحد منهم بيه
يسأل بالعلم المتمكن: بتحس بإيه ؟
ويقلب سيخي، ويقوللى حس:
بالنار من تحتك،
كما إنى باحس
بحلاوة ريحتك
الحالة دى صعبه ومهمه،
”تنفع للدرس”
6- من قصيدة: الموت السرى المتدحلب
نقد للبصيرة المعقلنة دون حفز للنمو الحقيقى
……………..
يا أخينا:
لما انت عرفت انى ميت
بتقرب ليه؟
ما تكونشى عايز تتفرج؟
على إيه ؟
عايز تعرف: إزاى الميت بيحس؟
إزاى بيطلع حس
ولا حتاخد تفاصيل النعى:
تكتب إعلان وبخط اسود وبنط عريض:
”إن المرحوم كان واحد بيه،
ولا خدش نصيبه فى الدنيا ..
ويا عينى عليه،
والمعزى من سته لتسعه
بميعاد سابق”
7- لعبة السكات: العلاج الجمعى (نقد ذاتى)
إيضاح كسف أنه فى العلاج النفسى – الجمعى خاصة – يكون
التواصل يالتعبير اللفظى وغير اللفظى.
من المقدمة
ياللابنا نلعب يا جماعة: لعبة “هس”،
فتح عينك بص
إن كنت شاطر حس، أنا مين؟ ماتقولش.
مجنون ؟ ما تخافش،
جرب تاني، ما الأول
.. راح تتعلم تقرا وتكتب من غير ألفاظ:
مش بس عنيك: تدويرة وشك، وسلام بقك على خدك
والهزه ف دقنك، وكلام اللون:
اللون الباهت الميت، واللون الأرضى الكلحان، واللون اللى يطق شرار،، واللون اللى مالوش لون،،
وعروق الوش،، والرقبه،، وخطوط القورة، وطريقة بلعك ريقك
تشويحة إيدك …، إلى آخره .
8- من قصيدة: زنقة الستات.
حالة انتقلت من العلاج الفردى إلى الجمعى فلم تفهم شيئا واكتشفت من خلالها الفرق بين المستويين، وخدعة الكلام فى العلاج الفردى، وكيف أن الكلام عن الإحساس قد يكون بديلا عن الإحساس وليس تأكيدا له أو تعبيرا عنه.
…….
نفسى حبة حب .. أو حتة حقيقه
نفسى أفهم فى اللى جارى ولو دقيقه
نفسى أعرف فى اللى بتقولوا عليه
نفسى اشوف دا إسمه إيه
مش تشوفنا يا معلم … !”
…..
يا معلم يا ناسينا، اتوصى بينا
زى أيام الكلام والطبطبه
إوعى تزعل منى: دنا عيل باريل
لسه عندى كلام كتير أنا نفسى اقوله،
إنما اللعبه دى صعب.
بس قوللى ازاى “أقول” من “غير كلام”
عايز اوصف فى مشاعرى وإحساساتي
واقعد اوصفها سنين
مش حا بطل
خايف ابطل
لو أبطل وصف فى الاحساس حاحس
وانا مش قد الكلام ده
2- من قصيدة: الترعة سابت فى الغيطان
إشارة إلى أن المسألة ليست مسألة عواطف غامرة، وحنان فياض:
حالة كانت تمارس فيضا من العواطف دون حساب، وكان هذا هو العلاج، قلت فيها.
……..
يا ست ياصاحبة بحور الحب والخير والحنان
إوعى يكون حبك دا خوف
إوعى يكون حبك دهه “قلة مافيش”
إوعى يكون حبك طريقه للهرب من ماسكة المحرات
وصحيانك بطول الليل ليغرق زرعنا
…….
من كتر ما انا عطشان با خاف أشرب كده من غير حساب !
لكن كمان:
مش قادر أقول لأه وانا نفسى فى ندعة ميه من بحر الحنان !
يا هلترى:
أحسن أموت من العطش ؟
ولا أموت من الغرق ؟ !
(ملحق: 2)
قصيدة ” حب للبيع”
من المعروف عن العلاج النفسى اسم ” صداقة للبيع” وقد استعرت هذا الاسم بعد التحوير لأرسم صورة فى قصيدة حوارية تحت اسم حب للبيع تعرى بعض أنواع الممارسات الشائعة عن العلاج عامة (بالعقاقير وخلافه) والعلاج النفسى خاصة.
- بضعة قطرات من فضلك
= لم يبق إلا المتبقي،
- جوعان..، محروم من نبض الكلمة
= ما بقى لدى بلا معنى.. مخزون من أمس الأول
- آخذه أتدبر حالي، قد يعنى شيئا بخيالى
= الحجز مقدم،
- لكنى جائع
= تجد قلوبا طازجة توزن بالجملة فى “درب سعادة”.
- قلبى لا ينبض
= عندى أحدث بدعة: تأخذها قبل الفجر وبعد أذان العصر وتنام..، ولا تصحو أبدا
- كم سعر الحب اليوم؟
= حسب التسعيره، الطلبات كثيره، وأنا مرهق
- لكنى أدفع أكثر= نتدبر.
(1)
= من أنت؟
- أنا رقم ما،
= طلباتك؟
- قفص من ذهب .. ذو قفل محكم، من صلب تراب السلف الأكرم..
= فلتحكم إغلاق نوافذ عقلك، وليصمت قلبك أو يخفت..، تمضى تتسحب لا تندم
- يا ليت، لكن أمضى أتلفت،
= إياك، قد تنظر فجأة فى نفسك، قد تعرف أكثر عن كونك..،
تتحطم
– ساعدنى باللهو الأخفي
= أغلق عينيك ولا تفهم.
(2)
= وجنابك؟
– لا أعلم،،
= طباتك
– “أتناول” .. أستسلم، أتعبد فى ما هو كائن، وأبرر واقع أري،
أتكلم .. أتكلم .. أتكلم ،،
= تذكرتك؟
– فى أعلى المسرح،
= قاعتنا ملأى بالأنعام
– أجلسنى فى أى مكان، فى الكرسى الزائد خلف الناس، بجوار التيس الأبكم،،
= البطل تغيب
- لا تحزن، ألعب دوره، وأكرر ما أسمع من خلف الكوة، لا تخشى شيئا .. لا أحد سيفهم،
= لا ترفع صوتك وتكتم
– سمعا طبعا !!!
= سلم تغنم
- اخترت الأسلم،
= الصف تنظم،
- ما أحلى السير وقوفا .. تررم ..تررم رم .. رم.. رم رم.
(3)
= الثالث يتقدم
- .. سمعا يا أفندم
= طلباتك أنت الآخر؟
- أبحث ، أتألم
= مجنون أنت؟
- أتعلـــم
= قد جئت أخيرا يا فارس لم يتمنطق سيفا أعمى
- .. أنا؟
= هو أنت.. طال غياك
- .. لكنى جئت،
= كم ضاع الزمن بلا معنى
- غلبنى اليأس دهورا،
= لكنك جئت
- ضاعت منى الألفاظ
= نجمع أحرفها تتكلم
– فاح العفن من لرمز الميت
= بالحب يعود النبض إليه
- الحب يهدد أمن الناس
= الناس الأجبن،
- البسمة شبح فى جمجمة جوفاء،
= بل روح تحيى الموتي،
- من لى باليأس الخدر الأعظم،
= قد جئت لنبدأ بعد الطوفان
- يا ويحى من حبى للناس
= يا سعدك
- بم؟،
= بالناس
.- الناس؟؟
= لا مهرب بعد الآن
العود على بدء أكرم
(ملحق: 3)
بردية برلين: 3024
رغم أن الترجيح الأغلب أن ما يعانيه هذا الشعر المصرى القديم هو مما يسمى اكتئابا ما ، إلا أن هذه القضية ليست هى المقصودة بالتناول هنا ، ففضلا عن أننا نــنـفيها ابتداء، فحزن الشاعر خلق، وعمق وعي، ومسئولية بصيرة، لكننا أوردناها لنعرض من خلالها فى هذا المحق ما يلى:
أولا: المفهوم التركيبى للنفس الإنسانية،وكيف أن هذا هوالمدخل الأحدث للعلاج النفسى الهادف إلى تحريك النمو نحو الولاف التكاملى.
ثانيا: كيف أن المريض يصبح أقرب إلى التواصل من الشخص العادى فى عمق أزمة الحزن.
ثالثا: كيف أن الموت يصبح حياة نابضة ساطعة
رابعا: كيف أن النقلة إلى حياة أخرى ، يمكن أن تشير إلى إعادة الولادة فى ما بعد أزمة النمو فى عمق خبرة الحزن
( وهذا بعض ما أثبته العلاج الجمعى خاصة من إيجابيات الألم النفسى فى مسيرة العلاج ، فالنمو، ولنا عودة لهذه القصيدة بإفاضة مناسبة)
شجار بين إنسان سئم الحياة وبين روحه
مقت اسمه ظلما
”أنظر. أن اسمى ممقوت أكثر من رائحة اللحم النتن فى أيام الصيف عندما تكون السماء حارة.
أنظر. أن اسمى ممقوت أكثر من مقت صيد السمك فى يوم صيد تكون السماء فيه حارة.
أنظر أن أسمى ممقوت أكثر من رائحة السمك وأكثر من شواطيء المستنقعات عندما يصاد عليها.
أنظر أن اسمى ممقوت أكثر من رائحة التماسيح
وأكثر من الجلوس ……… حيث التماسيح
أنظر. أن اسمى ممقوت
أكثر من زوجة عندما يقال عنها الأكاذيب لزوجها
أنظر. أن اسمى ممقوت
أكثر من صبى شديد قد قيل عنه إنه ……. لمن يكرهه
أنظر أن اسمى ممقوت
أكثر من …. مدينة
وأكثر من ثائر ولى الادبار
لمن أتكلم اليوم
لمن أتكلم اليوم؟ الأخوة شر وأصدقاء اليوم ليسوا جديرين بالحب
لمن أتكلم اليوم؟ الناس شرهون. وكل إنسان يغتال متاع جاره
لمن أتكلم اليوم؟ فالرجل المهذب مات والصفيق الوجه يذهب فى كل مكان
لمن أتكلم اليوم؟ فإن من كان ذو وجه طلق أصبح خبيثا وأصبح الخير ممقوت فى كل مكان
لمن أتكلم اليوم؟ فإن الذى يستفز غضب الرجل الطيب بأعماله الشريره يجعل كل الناس يضحكون حينما تكون خطيئته شنيعه
لمن أتكلم اليوم؟ الناس يتكلمون وكل إنسان يغتصب متاع جاره
لمن أتكلم اليوم؟
فقد أصبح الرجل المريض هو الصاحب الذى يوثق به. ، أما الأخ الذى يعيش معه قد صار العدو
0لن أتكلم اليوم؟ لا يذكر أحد الماضى ولن يفعل أحد الخير لمن يسديه إليه
لمن أتكلم اليوم؟ الأخوة شر، والإنسان صار يعامل كالعدو رغم صدق ميوله
لمن أتكلم اليوم؟ إذ لا ترى الوجوه، وأصبح كل إنسان يلقى بوجهه فى الأرض إعراضا عن أخوانه
لمن أتكلم اليوم؟ والقلوب شرهة والرجل الذى يعتمد عليه القوم لا قلب له
لمن أتكلم اليوم؟ فالصديق الذى يعتمد عليه أمسى معدوما وأصبح الإنسان كأنه راجل مجهول رغم أنه قد جعل نفسه معروفا
لمن أتكلم اليوم؟ إذ لا يوجد إنسان فى سلام والذى ذهب معه لا وجود له (؟)
لمن أتكلم اليوم؟ فإنى مثقل بالشقاء وينقصنى خل وفي
لمن أتكلم اليوم؟ فالخطيئة التى تصيب الأرض لا حد لها”
الموت خلاص سار
”إن الموت أمامى اليوم كالمريض الذى يقدم على الشفاء وكالذهاب إلى حديقة بعد المرض
إن الموت أمامى اليوم كرائجة زهرة السوسن وكما يقعد الإنسان على شاطيء السكر
إن الموت أمامى اليوم مثل مجرى النهر الصغير ومثل عودة الرجل من سفينة حربية إلى داره
إن الموت أمامى اليوم كسماء صافية ومثل رجل يصطاد طيورا لا يعرفها
إن الموت أمامى اليوم كمثل رجل يتوق لرؤية منزله بعد أن مضى سنين عدة فى الأسر”
الميزات السامية للقاطنين هنالك
إن الذى هنالك سيقبض على المجرم كأنه إله ويوقع عقاب الإجرام على من إقترفه
إن الذى هنالك سيقف فى سفينة الشمس ويجعل أحسن القرابين هنالك تقدم للمعابد
إن الذى هنالك سيكون رجلا عاقلا غير منبوذ مصليا (لرع) حينما يتكلم.
Summary in English ([1]) (Slides presented)
Psychotherapy in Egypt
Glimpses of the present towards
Horizons in the future
Y.T. Rakhawy
I
The future never exists.
It is but the outcome of the present:
What is actually going on?
II
Our attitude (in Egypt and most Arab countries) towards the future is either:
1- Passive waiting to see the future coming (like the crescent of Ramdan)
Usually from the WEST!
(e.g. idealization of pseudoscientific methodology presenting truth in static quantities)
Or
2- Active fixation of a script
Usually from the PAST!!
(e.g. Islamic or communist traditional radicalists).
III
Future of psychotherapy is inseparable from the future of:
1- Psychological medicine at large.
2- The art of healing in medicine as a whole.
3- The social evolution.
4- The march of civilization (along with the changing concept of man).
IV
Glimpses of the present
1- Psychotherapy of the psychotics
Man and Evolution Journal, (1981) 5: 25 – 53.
2- Psychopharmacology and growth oriented group therapy.
Fourth International Egyptian Congress on Psychiatry, April 1990, Cairo, Egypt.
3- Psychotherapy movement in Kasr El- Eini School.
(Current status)
4- Emergence of milieu Therapy (Dar El- Mokattam Hosopital, Unpublished document)
V
Future Horizons
Prelude
It is rather impossible to differentiate between wishful thinking and future planning.
It is our right to declare our hopes or even dreams.
It is our duty to start constructing our dream, but now.
VI
Future of psychological medicine, as well as psychotherapy, would include definite revision of concepts of:
a- Science.
b- Health & Disease (at large and in psychiatry).
c- Integration of different cognitive information.
Psychotherapy will disappear within the whole therapeutic plan.
The basic issue will be:
Either therapy (Unblocking, unfolding & restoring rhythm = reviving)
Or
No therapy (consolidating, excluding = deadening)
Any such therapy need an expert to carry it out (= psychotherapy).
VIII
Revision of the concept of Medical Model will take place:
The concept of medical model loaded with:
a- the outcome of quantitative chemical changes.
b- Deterministic linear causality.
c- Behavioural manifestation of localized anatomical pathology.
Will die
While the concept of medical model as:
a- the art of healing
b- Integrative biology in action.
c- parallel to & analogous with assimilation and metabolism of information in biorhythmic activity.
Will flourish
a- Psychotherapy would be but WHO and HOW a psychiatrist (therapist) is.
b- A psychiatrist would not be a psychiatrist without being trained as psychotherapist (where the art of “going along” with, to restore natural biorhythm within the wholistic dialectic concept of time, is the core of his art.
X
There would not exist such psychotherapies as:
Psychotherapy by “talking” or “interpreting”. To talk would be only effective if it is ONE tool (among others) to facilitate associationism (going along with).
XI
There would be no therapy without considering the biological depth of the march of life to integrate parts into wholes.
XII
Psychotherapy will be so perfect and structured to become more and more acting as a valid tool of research which would be able to integrate various cognitive and scientific information in a genuine objective reality.
XIII
Egypt will have its role in reconstructing the present thus making the future (its own and at large) having its own particularities:
1- The Arabic language (mainly as a structure, not only a tool)
2- The history of civilization
3- The native (positive qualities of the third world)
(Without overlooking the inter-cultural dialogue of civilizations).