نشرة “الإنسان والتطور”
نشرة السبت: 4-3-2017
السنة العاشرة
العدد: 3472
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (167)
ذِكْر، وتذكّر ما لم يُنْسَ!
مقدمة:
أثناء إعدادى لورقة علمية سوف ألقيها فى المؤتمر الدولى الذى سيعقد فى القاهرة أيام 13 -15 مارس 2017 ، والذى تعقده الجمعية المصرية للطب النفسى بالاشتراك (غالبا) مع الجمعية العالمية، وموضوعه كان بالصدفة عن “إشكالات التشخيص الأحدث فى الطب النفسى المعاصر”، رجعت إلى آخر نشرات من نشراتنا هذه المتواضعة، فوجدتها قد أوفت هذا الموضوع حقه ولم تنته منه بعد، حاولت أن أوجز ما جاء بها فيما لا يستغرق أكثر من ساعة (وهو وقت المحاضرة الافتتاحية التى تكرمت الجمعية بدعوتى لإلقائها) ففوجِئتُ بحجم المعلومات والشرح الذى صدر فى تلك النشرات، وفرحت بصراحة، لكننى لم استطع أن أختصره لأقدمه لهؤلاء الحضور وبينهم لفيف من الضيوف الأجانب، وأنا لا اقدم منذ سنوات أوراقى فى أى مؤتمر إلا باللغة العربية، وزملائى الأفاضل يسمحون لى بذلك، ويتصرفون هم مع الضيوف غالبا.
المهم أننى اضطررت للاختصار فالاختصار فالاختصار، لكننى لاحظت أن تقديم نفس المعلومات بوسائل تقنية أحدث مثل برنامج ( Power point) ، قد أتاح لى شرح فكرة حركية المايسترو (المعالج) وهو يثبط أحد الأمخاخ وينشط الآخر، ثم منظر المخ الذى استلم القيادة وهو يوجه الطاقة الحيوية إلى مساراتها فى الصحة والمرض، وغير ذلك كثير مما كنت أود أن أوصله لأصدقاء الموقع بنفس الوسائل لعل الأمر يسهّل عليهم ما يصعب استيعابه الفاظا مرصوصة.
أثناء كتابتى وتشكيلاتى المختصرة للمحاضرة، اكتشفت كما تبينت وتذكرت، بعض معالم لم أوضحها فى النشرات مع أنها شديدة الأهمية، ومنها مثلا أننى كنت أحمل نفس الأفكار تقريبا منذ عام 1981 حين كتبت كتابى الذى لم ينشر – كالعادة إلا فى موقعى – “محاضرات مختارة فى الطب النفسى Selected Lectures In Psychiatry ، وأن كل الفروض التى تلت ذلك وتفرعت من هذا الفرض الأساسى كانت ملامحها قابعة فى جدول متواضع ضمن جداول 24 مدرسة من مدارس علم النفس والطب النفسى المعاصر أوضحتها فى جداول لتسهل المقارنة، ثم إنى تذكرت اننى نشرت هذه المدارس فى إحدى النشرات اليومية هنا بعنوان: “مدارس ومدارس” نشرة 24/3/2008، ويبدو أنه لكثرة عدد المدارس لم يمكن المقارنة، ولم يأتنى إلا تعقيب واحد على هذه النشرة من إبنى د. محمد على ما أذكر.
فكرت أن أخصص أيام هذا الأسبوع لعرض خطوط النظرية بهذا الإيجاز الشديد، لعلها تغرى بعض المهتمين بإعادة النظر، مع إشارة واضحة لرابط يربط شرائح الباور بوينت التى سوف أقدمها فى المحاضرة لمن يشاء ان يتابع الحركة لمزيد من الاستيعاب.
الفكرة من عرض حداول المقارنة كانت فى غاية البساطة، وهى أنها محاولة يمكن أن تظهر أن كل ممارس للطب النفسى أو العلاج النفسى لا بد أن عنده مفهوم عن ماهية الإنسان وتركيبه، وأيضا عن ماهية المرض، ثم عن ماهية الصحة، وأن مهمته هىِّ أن يسخر كل معلوماته وخبرته وأدواته فى أن يقلب ما هو مرض إلى ما هو صحة (وهذا هو العلاج) إلا أنه غالبا لا يمنع نفسه من أنه يتمنى أن يتقدم خطوة أخرى إلى حفز التقدم إلى تحقيق ما خلقنا الله به، وما خلقنا له ، أعنى إلى ما هو “إنسان” من وجة نظره على الأقل (نظر المعالج) ، وكنت قد بينت فى محاضرة أخرى فى مؤتمر مماثل عقده قسم الطب النفسى فى الإسكندرية ورقة عن “الأيديولوجيا والصحة النفسية، والطب النفسى” شرحت فيها أن كل طبيب، أو معالج، بلا استثناء عنده أيديولوجيا تحدد نوع ممارسته مهما أنكرها (وهو غالبا ينكرها بحسن نية طبعا)
وسوف أبدأ أولا بعرض نموذجين لفكرة المقارنة، وسوف أختار أشهر مدرسة وهى مدرسة التحليل النفسى (الفرويدى)، ثم النظرية التطورية الإيقاعية، طبعا لم تكن مدرسة ومازالت تبحث عن مكان لها بين النظريات، ومع ذلك تحددت معالمها كما ترون، أنشرها دون تعليق احتراما للتاريخ وآملا فى التعقيب.
المجموعة الأولى: التحليل النفسى (وما يرتبط به)
(1) التحليل النفسى التقليدى (الفرويدى)
ماهية الإنسان | مفهوم الصحة | مفهوم المرض | العلاج |
الإنسان نتاج تاريخه محكوم بـ’لاشعوره’قد يعاق بتثبيتات طفولته مدفوع بغرائزه لا سيما الجنس (بالمعنى الأشمل) | أن يتجاوز (أى يفك وقفته) تثبيتاته, إذ يتمكن أن يضبط غرائزه ليحقق:“أن يعمل وأن يحب” (ويتكيف) | أن تحتد تثبيتاته, فتغلب عليه حتى ينكص أو يعاق بميكانزماته ويختل التوازن بين تركيباته، فتكبله أعراضه | أن يعيد معايشة تثبيتاته من خلال التداعى والطرح فيتمكن من إزالة الإعاقة فإطلاق الطاقة لإعادة التوازن ”فيعمل، ويحب” |
THE FIRST GROUP
1- Classical Psychoanalysis (Freud Sigmund)
Therapy | Disorder | Health | Man |
..is achieved via unblocking fixations, reliving experiences positively and resuscitation via interpretations and correction, thus liberating sufficient adaptive energy and constructive insight. | is disturbed balance between forces in the unconscious deranging the efficiency and adaptation of this functioning. | is to be to adapt socially,to express through positive mechanisms, to work and to love.(all via ego apparatus) | is mainly the outcome of his unconscious make up; determined by fixations and instincts (particularly sexual) |
المجموعة الثانية: المنظومات (التركيبية) المتعددة
(10) النظرية التطورية الإيقاعية (الرخاوى)
ماهية الإنسان | مفهوم الصحة | مفهوم المرض | العلاج |
الإنسان كيان بيولوجى دائم النبض الحيوى بتركيباته الهيراركية بما يسمح بفعلنة المعلومات الداخلية والمُدخلة باستمرار النبض, والاستعادة ، ومن ثم النمو بلا نهاية | كفاءة النبض الحيوي مع نجاح فعلنة المعلومات باضطراد لتحقيق التوازن المرحلي واستمرار النمو الولافي | هو مضاعفات النبض الحيوى إما بالنبض الجسيم أو بناتجه النشاز الذى إذا تمادى واستقر تليفت الشخصية بما يمنع كفاءة النبض واستمرار النمو | تصحيح مسار النبض الحيوى بإطلاق النبض المنتظم فى النمو والأحلام والإبداع مع تدريب المستويات التى ضعفت والتحكم فى المستوى البدائى الجامح لاستيعابه تدريحيا |
(10 Evolutionary Rhythmic Theory (YEHIA RAKHAWY)
Therapy | Disorder | Health | Man |
is regulating and re-channeling the evolutionary rhythms. This includes, facilitating proper unfolding and adequate information (meaning and objects) processing to achieve ultimate dialectic growth). | is the result of hindering such march or mal-directing , over-shooting or disrupting its unfolding. It is also related to mal-processing and deficient assimilation of information. | is the adequacy of both rhythmicity and processing to achieve an optimum degree of efficient ever growing recapitulating creative growth. | is a biologically rhythmic structure, processing information in phasic oscillations on the way to endless dialectic growth. Recapitulation is the rule all through. |
ثم إنى بعد ذلك أثناء استمرار محاولة تحضير ورقتى ومحاولة عرض الاستفادة العملية لكتابة صياغة الحالة من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى، تنبهت إلى أن هناك أربع اساسات ترتكز عليها هذه المدرسة فى تنظيرها وتطبيقها، وهى أساسات شديدة الارتباط بثقافتنا الخاصة، وبالذات بما يتعلق بمسألة علاقة مستويات الوعى الممتدة من الوعى الشخصى إلى الوعى البينشخصى إلى الوعى الجمعى إلى الوعى الجماعى إلى الوعى المجرّى إلى الغيب “إليه”، وقد سبق أن ذكرت ذلك فى أكثر من موضع وخاصة فيما يتعلق ببعض نشرات العلاج الجمعى، وكذلك بشكل غير مباشر فى قراءتى لبعض مواقف مولانا النفرى، الأمر الذى لم أتطرق إليه مباشرة فى ورقة المؤتمر (حتى الآن، فأنا ما زلت أعد الورقة) خشية أن يبتعد المتلقى عن ما أريد توصيله ، ويستقبل الأمر من منظوره الذى اعتاد أن يتعرف على هذه المنطقة بطريقته، المهم إليكم الركائز الأربعة التى انتبهت أن هذه النظرية، أو هذا الطب يرتكز عليها، ويعتنى بها، وبتقييمها زادا فى العلاج، ووسيلة لقراء النص البشرى، ومن ثم إمكانية نقده معا (أعنى مع نصنا البشرى) هذه الركائز الأربعة هى
(1) الطاقة (الحيوية): وكيف نرصدها ، ونقيّمها، وندرس توجهاتها، وطرق توجيهها (لا تفريغها بالتنفيث أو الفضفضة كما شاع عنها) وفاعليتها فى كل من العمل الجسدى، والعمل العقلى، والعلاقات البشرية، والإبداع، فإذا حيل بينها وبين ذلك كتُمت وتراكمت، وإذا دوّرها صاحبها فى موقعها بداخله، تجمد وتوقف…إلخ، فشملت هذه الركيزة قيمة العمل أيضا، وتساءلتُ (وإن كنت لم أكتب ذلك بعد فى الورقة): كيف يمكن أن نعالج مريضا لا نعرف مسار هذه النعمة العظيمة التى بها يكون “حيا” أو غير ذلك …إلخ
(2) الزمن (الوقت): لا توجد حياة خارج الزمن (الذى نعرفه على الأقل) وقد شبعتُ صراخا عن قيمة أجزاء الثوانى، ودعوات لنملأ الوقت بما هو أحق بالوقت، وتوجعت ألمَاً لضياع مرضانا (وأصحاءنا) وهم غائبون عن لحظاتهم، وساعاتهم، وأيامهم، وسنينهم، وعمرهم، وعمر النوع، ولا مؤاخذة) …إليخ
(3) الإيقاعحيوى: وأظن أنه خلال العشر سنوات التى ظهرت فيها نشرة الإنسان والتطور، وقبل ذلك خلال العشرين عاما التى ظهرت فيها المجلة الفصلية الأم: مجلة الإنسان والتطور لم أكف عن ترديد موقفى من هذا البعد الأساسى الجوهر: ليس فقط للحفاظ على الحياة، وإنما لاضطراد التطور والإبداع وتنامى الإبداع، وقد ظللت أؤكد، ولا أزال ، على أن حرصنا على أن ينام المريض نوما كافيا، ويا حبذ سليما، هو من أهم عوامل شفائه، إذا ما هيأنا له فرصة أن يكون النوم إعادة بناء كما علمنى إيمانى ودينى، وأن النوم لو صحّ، فإننا نولد من جديد، فنحمد الله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.
(4) الوعى بكل مستوياته وامتداده: مرة أخرى، وعلى كثرة محاولاتى للكتابة والتنظير عن الوعى ، فضلا عن قراءتى واجتهادى فى كل المصادر المتاحة لى، لم أستطع أن أحدد ماهية الوعى إلا من خلال فاعليته، وحركيته، وتعدده، وترادفه أحيانا مع المخ ، وأحيانا مع العقل، وغير ذلك، فى مئات الصفحات التى مرت تحت ناظريكم لمن تابعنا (أو سمع عنا)، وقد ترددت وأنا أوجه كلمتى إلى هؤلاء الضيوف، ناهيك عن الزملاء الأفاضل الذين رضوا بما رضو ا عنه، أن أدخل إلى هذه المنطقة ، وربما لا أستطيع فى هذا المقام، أن أوصل فكرتى عن محاولتى أن أربط هذا المفهوم الغامض الممتد مرة أخرى من الوعى الشخصى، إلى الوعى البينشخصى، إلى الوعى الجمعى،إلى الوعى الجماعى، إلى الوعى الكونى (أو المجرّآ: من مجرة) ، إلى الغيب “إليه”، أقول لم أتشجع بعدُ أن أذكر هذه الحقيقة فى الورقة حيث قدرت أنه لا يمكن أن يستوعبها إلا من سمح لنفسه أن يستوعبها ، سواء فى فرصة علاج، أو إبداع ، أو كدح ..أو مثل ذلك، نعم: مازلت مترددا، وأدعوا الله أن تصلهم دون أن أحرجهم، أو أحرج نفسى.
والله المستعان على ما يصلهم أو لا يصلهم، وفى كلٍّ خير.