نشرت فى مجلة العربى الكويتى
عدد ديسمبر 2006
نجيب محفوظ: حكاية بلا بداية ولا نهاية
لعل نجيب محفوظ كان يصف نفسه حين أعلنها على لسان أب يخاطب ابنه فى مستهل روايته “العائش فى الحقيقة” وهو يقول”… كن كالتاريخ، يفتح أذنيه لكل قائـل، ولا ينحاز لأحد ثم يسلم الحقيقة ناصعة هبة للمتأملين”. التاريخ الذى يعـنيه محفوظ هنا ليس هو التاريخ المكتوب فى كتب التاريخ أو وثائقه، وإنما هو التاريخ الحى الماثل فى وعى الإنسان،. إن تعبير محفوظ “كن كالتاريخ..” لا يفيد التشبيه، بقدر ما وصلنى وهو يحدد ما هو التاريخ، وكأنه يقول “..أنت (أنا) التاريخ”، ذلك أنه أردف بعد هذه النصيحة من الأب استجابة الإبن وهو يقول: “..وسعدت جدا بالتوجه إلى تيار التاريخ الذى لا أعرف له بداية، ولن يتوقف عند نهاية، ويضيف كل ذى شأن إلى مجراه موجة مستمـدة من حب الحقيقـة الأبدية”.نجيب محفوظ هو هذه “الحكاية بلا بداية ولا نهاية”. هو حكايتنا. محفوظ ملبوس أبدا بالفحر حول الجذور، امتدادا إلى آفاق “المابعد” .
التاريخ الحى الباقى، والتاريخ الوثائقى:
التاريخ الحقيقى للبشرية يسجـل على لوحين لا يندرجان فى علم التاريخ الوثائقي: اللوح الأول هو الكيان البيولوجى للكائن الحى، ذلك “اللوح المحفوظ” المبرمج القادر المسمى ”الدنا”DNA، والذى يتجلى فى الذاكرة والوراثة والمناعة والطفرات التطورية. إن التاريخ الذى يسجل فى نوايا خلايا الأحياء نوعا بعد نوع، حتى الإنسان جيلا بعد جيل، هو التاريخ الذى لا يخضع للأهواء أو يقبل التزوير. المصدر الآخر للتاريخ الحى (اللوح المرصود) هو الناتج الإبداعى، الذى هو أكثر مصداقية فى حكى ووصف تشكيل “ما هو الإنسان” فى فترة تاريخية بذاتها، وهو أصدق من التسجيل الوثائقى، ومن الرص المكتوب فى مراجع ملتبسة. الإبداع الحقيقى هو الذى يحتوى الواقع ثم يعيد إفرازه، وهو يسجله بموضوعية فائقة لأنه يتجاوز الحكى المعلوماتى، والتصوير الساكن، والوثائق المهزوزة والشهادات المشبوهة.
الفرض الحالى يقول: إن محفوظ: إبداعاً وشخصاَ هو من أهم المصادر التى يمكن أن تساعدنا للتعرف على أنفسنا تاريخا ، وربما حاضرا، ثم أملا فى مستقبل واعد .
نبدأ القراءة فى اللوح الثانى (الواقع الإبداعى)، أعنى كيف تجلى تاريخنا فى إبداعات محفوظ:
إعادة صياغة الماضى (قراءة فى تاريخ مصر القديمة)
بدأ نجيب محفوظ الكتابة المنشورة سنة 1932 بترجمة “مصر القديمة”، ثم تلاها مباشرة تقريبا (بعد مجموعة قصص قصيرة: همس الجنون 1938) بثلاثية عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة (1939. 1943، 1944 على التوالى). وهو لم يعد إلى مثل هذا التناول، بعد نضج فائق، إلا وهو يكتب “العائش فى الحقيقة (1985) بمستوى آخر لعمق آخر. هذه المرحلة الباكرة من إبداع محفوظ ، على الرغم من أنها سميت المرحلة التاريخية (محمود العالم)، إلا أنى أرى أنها ليست إلا إعادة صياغة (حكائية) لتاريخ قديم. إنها لا تعدو أن تكون تحديثا خياليا للتاريخ، فهى قراءة بتشكيل جديد لا أكثر، أين نحن منها الأن؟ لسنا هى.
التجلى الرمزى:
يمكن أن نتبنه إلى أن محفوظ لم يفصل تحديدا بين تاريخنا ( تاريخه) وتاريخ البشرية (بل تاريخ الحياة أحيانا) إلا نادرا. لعله اعتبر – وهو على حق- أن كل فرد على هذه الأرض أو تلك فى زمن محدد، ليس إلا تجسيدا لمسيرة الحياة برمتها حيث يستحيل فصل الوجود الفردى عن ملحمة الوجود الحيوي (التطور). ثم تجسيداً لبعض ناسه بشكل أو بآخر. من هنا راح محفوظ يبحث بإلحاح لم يهمد عن “الطريق” إلى المطلق فالله، بقدر ما راح يحفر حول جذور الحياة.
فى هذه المحاولة الأعمق تداخل الموقف الفلسفى بالموقف الصوفى بالموقف التاريخى. ويبدو أن هذا هو ما اضطر محفوظ أن يبالغ فى اللجوء للرمز وهو يعيد كتابة التاريخ .
إن ما يميز هذا التحديث الرمزى لم يكن استيعاب الواقع إبداعا بقدر ما كان إظهار القدرة على إعادة تشكيل التاريخ حالا بلغة آنية . الأغلب فى تفسير هذا الإبداع هو أنه: لما تمكن محفوظ من صقل أدوات إبداعه، راح يخطط بها ليبلغ من خلال تشكيلاتها تلك الرسالة التى لا يملك إزاءها إلا إبلاغها، فاستغنى بمهارة التشكيل عن إضافة عمق الوعى الإبداعى الذى يضيء التاريخ ولا يكتفى بحكيه رمزا بأبجدية مستحدثة. ظهر هذا البعد فى أكثر من عمل كان أهمها، وأخطرها، “أولاد حارتنا” حيث بلغ الرمز من الفجاجة ما عرى المرموز له حتى رجحت كفة سلبيات المحاولة على إيجابياتها، وترتب على ذلك ما ترتب. لكن الرمز تخـفى أكثر فى أعمال أقل طموحا مثل حكاية بلا بداية ولا نهاية وهو يقدم الكتب الثلاثة التى هزت البيت الكبير والطريقة. لم يتردد فى تقديم كوبرنيكس فى ثوب الشيخ أبو كبير وهو يعلن “..أن بيتنا ما هو إلا فرع من فروع لا حصر لها من بيوت الطريقة”، كما تخفى سيجموند فرويد فى ثوب الشيخ أبو العلا “ذاك الوحش الذى يتلذذ بالأعراض..إلخ”.
التجلى الأعمق لدورات الحياة : مسارا ومصيرا
تتكرر المحاولة بلا انقطاع حتى تنضج نضجا إبداعيا طليقا بعد أن امتلك محفوظ ناصية الحكى أكثر فأكثر، فراح يدور راقصا سابحا طائرا مع دورات الحياة مباشرة دون حاجة إلى رمز يستعيد به أحداث التاريخ. انطلاقا من “زعبلاوى” راح يتناغم مع المطلق وهو يعرى “ضلال الخلود” فى هذه الدنيا ويساويه بالموت الآسن، وفى نفس الوقت هو يضع “الوعى بالموت” فى بؤرة الحفز إلى الحياة، وذلك حين نجح أن يرسم دوراتها وكأنه يدور معها فى دوار الإيقاع الحيوى الممتد، ظهر كل ذلك فى درة أعماله “ملحمة الحرافيش” (1977). ومع أنها بدت لى خاتمة المحاولات لفرط اتساق تناغمها، إلا أنه عاد من جديد إلى البحث بنفسٍ أهدأ فى رحلة ابن فطومة، وأيضا ظهرت مؤخرا ملامح كثيرة من نفس التجلى فى أصداء السيرة الذاتية، وحتى حين أعيق حسيا، ثم حركيا، لم يكف عن محاولة تبليغ محاولات بحثه فى نفس الاتجاه شديد العمق فى أحلام فترة النقاهة حتى أذن الله له أن يدور فى فلك آخر.
التجلى فى سَلْسَلة الواقع الظاهر:
لا يكاد يخلو عمل من أعمال محفوظ، حتى ما غاص منه وبه فى خيال شاطح (مثل رأيت فيما يرى النائم وليالى ألف ليلة، حتى أحلام فترة النقاهة) من حضور الواقع الظاهر كما يعيشه أى منا بلغته الآنية وحضوره البسيط العميق الرائع. يتجلى ذلك بوجه خاص فى روايات”الأجيال” ، بدءا من الثلاثية، وليس انتهاء بحديث الصباح والمساء ( 1798 -1981)، ثم “يوم قتل الزعيم” و”باقى من الزمن ساعة”.
التجلى السياسى:
السياسة واقع ماثل، لا يملك مبدع إلا أن يتناولها، والملاحِظ الأمين لابد أن يرصد المسافة بين موقف نجيب محفوظ المتحفظ (لا المحافظ) وهو يدلى بآرائه السياسية فى الحياة اليومية، وبين نجيب محفوظ السياسى الثائر المغامر حتى القتل فى إبداعه الروائى. ربما نفهم موقفه الشخصى أكثر إذا أحسنا قراءة التنبيه على ضرورة التحفظ وهو يصدر من الوالد للإبن فى مقدمة “العائش فى الحقيقة” وهو يقول “..ولكن إحذر أن تستفز السلطان، أو تشمت بساقط فى النسيان”. ثم يلحق ذلك بقوله مباشرة “كن كالتاريخ..إلخ . وبرغم هذا الحذر الهادئ، فلا يكاد يخلو عمل واحد من التأكيد على الموقف السياسى الناقد الثائر المقتحم ، إلا أن بعض رواياته حظيت بقدر أكبر من غيرها فى الاهتمام بهذا البعد مثل الكرنك، وثرثرة فوق النيل، ويوم قتل الزعيم، وميرامار واللص والكلاب والشحاذ.
إيحاءات السيرة الذاتية:
صرح محفوظ أكثر من مرة أنه لن يكتب سيرته الذاتية، بل إنه ذهب أبعد من ذلك حين برر تحفظه هذا بأنه لا يرى فى سيرته الذاتية ما يستأهل الإشارة بوجه خاص، فهى -حسب قوله- لا تختلف عن سيرة أى مواطن مصرى وجد فى ظروفه، ثم إنه فى نفس الوقت لم يتردد أن يجيب كل سائل عن حياته وتاريخها بما تيسر من صدق متاح. على الرغم من هذا العزوف المبدئى، فإن سيرة نجيب محفوظ تجلت فى كل أعماله ليست ببعدها الظاهـر، وإنما بمستوياتها الكيانية المتعددة. إن نجيب محفوظ، هو من المبدعين القلائل الذين لم يعيشوا هذا التناقض الصعب بين ما هم، وما يكتبونه. وفى نفس الوقت إنه لا يوجد تماثل بين شخصه وبين ما يكتب ومن يكتب عنهم. إنه يحضر -شخصيا – فى كل ما يكتب ومن يكتب، لكنه ليس أبدا أيا ممن يكتب، وبهذا تتكامل سيرته نسيجا متداخلا بحسب قدرة المتلقى على الغْزل من خيوطها.
برغم كل هذا التحفظ، فإن محفوظ قد سمح فى بعض أعماله بجرعة أكبر من سيرته الذاتية بدءا “بالثلاثية”، ثم “المرايا”، و”حكايات حارتنا” ثم أخيرا سمح لبعض أصدائها أن تصلنا: كل على قدر همته.
وهكذا نجد أنفسنا جاهزين لننتقل إلى نجيب محفوظ الشخص التاريخ، وليس المبدع تاريخا.
محفوظ المواطن المصرى يمشى فى الأسواق:
لم يكن وجود محفوظ بيننا شخصا عاديا رائحا غاديا يمشى فى الأسواق أقل ثراء، أتيحت لى الفرصة لأعايشه الإثنى عشر سنة الأخيرة، فأسمع منه وأرى فيه ذلك المصرى الطيب الموظف الراتب: الذى كان يأتمر، ويأمر، ويقبض مرتبه، ويحال إلى المعاش، ويرعى أسرته، ويعيش بين الناس، وهو يطرح نفسه حيثما كانوا، ليجعلها فى متناولهم حالة كونهم يغمرون وعيه طول الوقت دون تردد، فبدا لى مبدعا سهلا ، بمعنى آخر.
هذا البعد يشمل رب الأسرة، وشيخ ثلة الحرافيش الخصوصيين، والموظف الملتزم المثابر المطيع:
أما عنه كرب أسرة كريمة، وصديق ثلة حميمة، فهذا بعد لا يحق لى – ولا لأحد- أن يقترب منه بغير حذر، وقد أتاح محفزظ – ثم الظروف- لبعض المقربين من حوارية أن يقتربوا منه أكثر، وما سمح لهم بذلك إلا ثقة بهم، ويقينا من أمانتهم، ومن عجب أن يكون مثل هذا البعد هو الأهم عند كثير من النقاد والمؤرخين، ليس بالنسبة لمحفوظ فحسب، وإنما بالنسبة لأى قائد أو رائد أو مبدع، مع أنه – فى نهاية النهاية – بعد ليس متاحا لأحد – وربما حتى لصاحبه – بحجمه أو أغواره الحقيقية . إن ما يمكن أن أشهد به فى هذه المنطقة، على قدر ما أتيح لى، هو أنه بـعد يكمل ما هو نجيب محفوظ المبدع، ولا يتناقض معه جوهريا حتى لو كان الثمن غاليا أحيانا عليه أو على المقربين منه . إنه بعد طيب رائع، له أبعاده التى جعلت من محفوظ هذا الإنسان الجميل الذى نعرفه، فحافظت على امتداده، وعطائه.
أما محفوظ الموظف المجتهد الملتزم فقد سمعت عنه منه أكثر مما عاينته، حيث بدأت علاقتى به بعد المعاش بأكثر من عشرين عاما، لكن يبدو أنه بعد شديد الأهمية من حيث أنه سمح له أن يخالط الواقع حتى يعجن بمائه يوما بيوم، فتعمقت علاقته بالالتزام الراتب (الروتين) الرائع، وتأكدت صلاته بالناس الحقيقيين لحما ودما. ثم يبدو أن محفوظ من كثرة ما أحب هذه الفرصة وأدرك مدى ضرورتها وروعة عطائها غاص فى أعماقها وهو يكتب “حضرة المحترم” حتى ألّهها، وكأننا ننظر إلى أبعادها من خلال مجهر يضاعفها مائة مرة.
وأخيرا فإن ما وصلنى من، وعن، محفوظ مواطنا مشاركا – بغض النظر عن حجم شهرته وتفرد إبداعه – من خلال أكثر من مصدر، هو إضافة لازمة لتبين بعض ملامحنا فيه، محفوظ العادى ليس فقط كاتب “وجهة نظر فى الأهرام”، وإنما هو المواطن الذى لم يتردد فى إعلان موقفه السياسى، برغم حرصه ألا “يستفز السلطان” . إننى أشهد أننى لم أعرف عنه نفاقا فى ذلك، وإنما هو يختار أى لمحة إيجابية لأى حاكم، فيأمل فيها أكثر مما تعـد، وكأنه بذلك يغرى الحاكم بالعمل على الاستزادة فى هذا الاتجاه. وهو على الرغم من تصنيفه باعتباره من المحافظين فإننى لا أشك أنه من أول من يتقدم المعارك متى فـرضت عليه (علينا).
يكمل هذا البعد أيضا تلك المشاركة السياسية العادية الملتزمة الدؤوب، مهما بدت تحصيل حاصل، ومهما تأكد من لاجدواها، فهو يذهب إلى صناديق الانتخاب، ولا يتعالى عن الإجابة عن أى سؤال مهما كان السائل، حتى لو رجح أن هذا السائل سوف يلوى إجابته.
وأخيرا فثم بعد آخر لحضور محفوظ المصرى البسيط فى الشارع والمقاهى ثم الفنادق بعد الحادث، وهو بعد له خصوصيته أيضا حيث لا يترادف مع الحضور السياسى المعلن للكافة، من ناحية، ولا مع الخصوصية المغلقة الحميمة (الحرافيش الأصليين) من ناحية أخرى، لكنه – ويا للعجب – ليس متناقضا مع أى بعد آخر (كيف فعلها هكذا ذلك الرجل ؟؟!!).
كان ومازال محفوظ مدرسة مفتوحة لكل من أراد دون أى استئذان، ودون أوراق اعتماد أو شروط، وهو بذلك يمثل مدرسة لا أعرف لها مثيلا، فقد كان يبدو فى كل لقاءاتنا به : أكثرنا حضورا، وديمقراطية، وانتباها، وتقبلا للاختلاف، وتسامحا، وتعلما(لا تعليما فقط)، كل ذلك برغم الإعاقات الحسية المتعددة.
محفوظ فى عيون الآخرين:
من منظور تلقى الآخرين لمن هو محفوظ، تناقضت الرؤى بما يؤكد ثراء هذه الشخصية حتى الإعجاز، فبقدر ما تقدسه بعض العيون والآمال والأحلام، تختزله بعض الرؤى والتحيزات والأحكام. لم يقتصر ذلك على تصنيفه من خلال إبداعه يساريا ملتزما (المنتمي/غالى شكرى) أو روحانيا مؤمنا (الإيمانية والروحانية/ محمد حسن عبدالله) ، يتمادى هذا الموقف حتى ترسم له صور متعددة متباينة من خلال انتقاءات حسنة النية ، أو عشوائية التخبط، مما قد يـظهره بغير حقيقته.
الغريب أن كل هذا كان يصله ولا يحرك فيه غضاضة أو رفضا، لا أعرف كيف .
وبعد
هل يمكن أن نتصور أن هذا المواطن المصرى، المؤمن، المبدع، البسيط، السهل، الممتنع، الرائع، الطيب، القوى، القادر، الواضح، الممتلئ، الغامض، أن نتصور أنه مازال يمثل “الآن” جزءاً من نسيج الوعى المصرى (ناهيك عن العربى والإنسانى عامة) “هنا والآن”؟ المبدع الراحل جسدا مثل محفوظ يظل فى وعى الناس حضورا حيّا وحركة نشطة، هذا قانون آخر نفهم به حضور المبدع لا خلوده، حضوره فى وعى الناس أمانة وإنارة وحفزاً، لا خلوده هرما وذكرى.
كنت حين تضيق بى السبل وأغوص فى رمال ضياعنا المتحركة، ثم أجالسه قليلا أو كثيرا أفيق على هاتف آمل، (ربما لا يعدو أن يكون شطحا حالما) يدمدم :
”…دعونا وسط كل هذا الركام من شظايانا الخامدة، وأمام كل هذه الأبواب التى تصفق فى وجه من يحاول منا، دعونا نفترض فرضا يقول : إن نجيب محفوظ ليس إبداعا مكتوبا، كما أنه ليس ماضيا يحكى، وهو ليس جائزة نتباهى بها، أو نتوقف عندها، وهو ليس صـدفة عابرة، وهو ليس لحنا منفردا. إنه تاريخ متجدد يقول: إننا قادرون على إفراز محافيظ كثيرة”،
يا ليت!!.
ثم هأنذا بعد غياب الجسد أفيق من شطحى، أو حلمى، لكننى لم أتنازل عن أملى فكان مما خاطبته به بعد رحيله قولى:
عَّلمتنا شيخى الجليل: أن الخلودَ بهذه الدنيا عدمْ، والموتُ لا يُنهى الحياةََ لكلِِّ من أعطاها مثلَك نفسَهُ، الموتُ ينقلها إلى صُـنّاعها من بعض فيضكْ، قد كنتَ رائدَ حملها، يا للأمانة !! يا ثقلها! هل جاء من أنباكَ أنّا أهلُها؟ حتى الجبال أبيْنَ أن يحِمْلنَها. كيف السبيل وكل هذا حولها ؟
لكنَّ ما قدّمتَ علَّمنا “الطريق” إليه عبر شعابها، لمّا عرفتَ سبيل دربك نحوه.
كدحاً إليه.