نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 19-1-2017
السنة العاشرة
العدد: 3429
فى رحاب نجيب محفوظ
“التناصّ النقدى“
قراءة أخرى للأحلام الأولى (2)
وهو النقد الذى لم ينشر قبلا
نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)
الحلم (2)
دخلنا الشقة .. الفتاة فى المقدمة وأنا فى أثرها والبواب يتبعنا حاملا الحقيبة، الفتاة على صلة بى مؤكدة ولكنها غير محددة. تركنا ترتيب الأشياء ودلفت الى الشرفة المطلة على البحر سابحا فى آفاقه غير المحدودة منتعشا بهوائه الرطيب منتشيا بهديره المتقطع، وإذا بصرخة تنطلق من الداخل فهرعت نحوها فرأيت الفتاة منكمشة مذعورة والنار تشتعل فى أعلى الباب وقبل أن أفيق من الصدمة دخل رجل صلب الملامح كأنما قدت من صخر وبإشارة من يده أنطفأت النار وتحول ذاهبا وهو يقول:
ربما انقطعت المياه بعض الوقت،
وغمرنى الارتياح فلم أبال بشئ.
غادرت الحجرة قاصدا السوبر ماركت لأبتاع بعض التموين المناسب.. ولما رجعت وجدت باب الشقة مفتوحا والبواب واقفا فدخلت إلى الحجرة قلقا فوجدتها عارية إلا من بقجة منتفخة بالملابس ملقاة على الارض وذراع بيجامتى يتدلى من فتحة فى رابطتها ولا أثر للفتاة فسألت:
ماذا جرى؟
فأجابنى البواب
– حضرتك أخطات الطريق وهذه ليست شقتك فأشرت إلى ذراع البيجاما وقلت:
– هذه بيجامتى
فقال الرجل بهدوء:
– يوجد من نوعها آلاف فى السوق
وملت إلى الاعتقاد بالخطأ متذكرا أنه توجد ثلاث عمارات متشابهة فى صف واحد وهبطت السلم بسرعة وفى الطريق رأيت الفتاة فى طرفه المفضى إلى ميدان مكتظ بالسيارات والبشر، فجريت نحوها حتى أدركها قبل أن تذوب فى الزحام.
التقاسيم:
…، وأدركتها فعلا، لكننى بمجرد أن حاذيتها والتفتت ناحيتى حتى شككت فى نفسى، ومع ذلك واصلت المحاولة ، دخلت الفتاة أول عمارة من العمارات الثلاث المتشابهة فاسرعت الخطى نحو نفس العمارة لكن البواب اعترضنى، ولم يكن هو البواب الذى حمل لنا الحقيبة، ولا البواب الذى نبهنى إلى أن الشقة التى كان فيها ذراع بيجامتى ليست شقتى، بل كان أشبه بذلك الرجل الصخرى صلب الملامح الذى أطفأ النار بإشارة من يده وهو يزعم أن المياه انقطعت، أنكر الرجل أنه رأى أى فتاة تدخل العمارة منذ الصباح ، لكنه تردد حين سمعنا صوتا نسائيا رقيقا يطلب منه أن “دعه يدخل”، فتأكدت من صلة الفتاة بى مهما كانت غير محددة، مع أننى لم أتأكد إن كانت الدعوة موجهة لى بالذات أم لأى طارق كان، وفى بهو مدخل العمارة وجدت عددا غير مألوف من أبواب الشقق المغلقة، واصلتُ المغامرة ودققت أول باب على اليسار، ففتح لى رجل يترنح وكأنه أفرط فى الشراب، فخفت أن أسأله عليها واعتذرت أننى دققت الجرس خطأ، وبمجرد أن اقتربت من الباب التالى وجدت الباب قد انفتح وحده دون أن أدق الجرس، وليس وراءه أحد، وإذا بى أمام الشرفة الأولى المطلة على البحر مباشرة، وسمعت صوت الأمواج بهديرها المتقطع، لكن لم يكن حول الشرفة حجرات أصلا، شقة كلها شرفة، تعجبت وتراجعت بسرعة، فانغلق الباب وحده كما انفتح وحده،
لم أحاول مرة أخرى مع الأبواب الأخرى وفضلت أن أدع الأمر معلقا بين الخيال والحقيقة، وانصرفت وأنا أدعو الله ألا أقابل الرجل الصخرى الذى حل محل البواب، واستجاب الله لدعائى فلم يكن جالسا على دكة البواب، أسرعت الخطى ناحية محطة الأتوبيس القادم بسرعة، ولمحت فى إحدى نوافذه وجه فتاتى بوضوح شديد، أسرعت الخطى لكن الأتوبيس كان يغادرها مسرعا، فرحت أعدو لألحقه لكنه ضاعف من سرعته، فصممتُ حتى انقطعت أنفاسى وكدت أقع، وإذا بالأتوبيس يتوقف، ويخيل إلىّ أنه يسير للخلف نحو موقعى، ورجَّحت أن السائق رآنى أعدو فى المرآة فاشفق علىّ، الدنيا ما زالت بخير !، لكنه حين وصل بالقرب منى عاود السير للامام بسرعة أكثر من الأول، لكن الوقت كان كافيا لأبحث عن فتاتى، فإذا بوجه رجل ملتح يحتل نفس النافذة وعلى جبهته زبيبة أسود من لحيته المرسلة،
وفجأة انهمر المطر وأنا غير مستعد، فقلت وانا أتجه نحو الاحتماء بمظلة المحطة : أحسن، ربما أسهم فى إطفاء الحريق الذى اشتعل من جديد.