نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين : 12-12-2016
السنة العاشرة
العدد: 3391
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (133)
قراءة المخ (الأمخاخ) لتشكيل
النفسمراضية التركيبية
مقدمة:
انتهت نشرة أمس بترتيب غير مألوف لأهمية تجميع معلومات وملاحظات ما جاء فى المقابلة الإكلينيكية، ولأنه ترتيب غير مألوف رأيت أن أبدا اليوم بجدول مقارنة بين الترتيب التقليدى (المألوف!) الذى تبرمج عليه معظمنا: مقارنة بالترتيب الذى يقترحه الطبنفسى الإيقاعحيوى. وذلك على الوجه التالى:
جدول ييبن الترتيب التنازلى للأهمية: للمقارنة
الطبنفسى التقليدى | الطبنفسى التطورى الإيقاعحيوى(1) |
الهدف فى المقام الأول: التشخيص. | الهدف فى المقام الأول: قراءة المريض ومعنى حضوره (وليس فقط معنى مرضه). |
تحديد السبب الكيميائى (ما أمكن). | قراءة لغة الأعراض والهدف من ظهورها. |
اختيار المضادات (الكيميائية للسبب الكيميائى). | قراءة المخ (الأمخاخ) وما آل إليه ترتيبها الآن |
رصد الأعراض. | التركيز على “الصياغة بكل مستوياتها الآن” |
الإسراع بالتخلص من الأعراض. | “تجنيب الأعراض” ومواصلة تنمية الإيجابيات، وكذا مواصلة الطريق برغم وجودها (وسوف تضمر الأعراض لاحقا). |
إعطاء العقار المضاد للخلل الكيميائى المفترض. | اعطاء العقاقير انتقائيا لتثبيط نشاط المخ الناشز البدائى حسب ما يشير به التشكيل. |
الالتزام بثبات العقاقير لأطول مدة (بما فى ذلك مستواها فى الدم). | ذبذبة أسلوب تعاطى العقاقير لأىِّ من الأمخاخ انتقائيا، تواكبا مع تنوع دعم نشاطات الامخاخ الأخرى. |
التجنب الأعمى – ما أمكن ذلك- لما يسمى جلسات علاج الصدمات الكهربائية. | إعادة تشغيل المخ Restart بعد التمهيد لغلبة المخ المحورى الاجتماعى العلاقاتى لتولى القيادة (انظر بعد) وكذلك: أنظر مقالة “صدمة بالكهرباء…. أم ضبط للإيقاع؟” . |
ترييح المريض، وإرضاء الأهل. | دفع المريض لتحمل آلام ومخاطر النمو بما يشمل: العمل /العلاقات/ الإبداع العادى/ الإبداع الفائق/ الإيمان، مع تحفيز تنشيط الوعى الجمعى بدءً بالأهل. |
هذه القراءة تهدف أساسا إلى رسم صورة العلاقات التركيبية بين مختلف منظومات المخ (= حالات العقل = مستويات والوعى = مختلف الأمخاخ) وما وصلت إليه علاقاتها ببعضها البعض “الآن”.
ويفيد هذا التوصيف التركيبى(2)فى تحديد مناطق الضعف، وطبيعة العلاقات بين التنظيمات المختلفة، وبالتالى كيفية إعادة توازنها ودعم المناسب منها أثناء العلاج – وهذا متعلق بطريق مباشر وغير مباشر بقراءة المخ (الأمخاخ) أكثر من قراءة الشخصية أو السلوك الظاهر، بل انطلاقا منهما.
قراءة تشكيلات المخ (الأمخاخ) إكلينيكيا:
الهدف هو تشكيل “بورتريه متكامل حى” للحالة الراهنة، لإمكان البدء فى العلاج، لإعادة مسيرته لبناء نفسه باستمرار مدعوما بالنقد العلاجى الذى يشارك فيه المعالج بكل معلوماته فضلا عن جدل حركية الوعى البينذاتى (فالجمعى …الخ.
أبجدية التشكيل لنقد النص البشرى:
حتى يمكن متابعة هذه العملية الأقرب إلى التشكيل الفنى (والنقد الإبداعى) منها إلى التنظير والتسميع، لا مفر من إعادة التذكرة بالفروض والأفكار الأساسية المبنى عليها هذا التنظير وذاك التشكيل، علما بأن أساسيات هذا المنطلق تجرى فى الطبيعة، وفى الأحياء الأدنى، وربما فى غير ذلك كما ألمحنا مرارا، بدون أبجدية وبدون فروض، وبدون هذه النشرة !! ومثلها !!
أولاً: منظور التعدد فى التركيب المخّى (والبشرى):
لابد من البدء بإقرار حقيقة التعدد فى التركيب البشرى، فهو ليس أجزاء متراصة، ولا أعضاء مجتمعة فى هيكل ضام، وإنما هو كيانات، أو مستويات وعى، أو عقول، أو حالات عقل، أو حالات ذات (حسب اختلاف المدارس فى التسمية)، متكاملة متداخلة متفاعلة منظمة هيراركيا فى حركية تبادلية وتجادلية طول الوقت.
وقد توسع مفهوم التعدد حتى شمل مدارس كثيرة منها مدارس نيوروبيولوجية وأصبح مرتبطا بقراءة تركيب وحركية المخ (الأمخاخ) “هنا والآن” بما يسمح بالتدخل الانتقائى بكيمياء محسوبة، على مراحل مرصودة، فضلا عن التأهيل وسائر أنواع العلاج.
ونكتفى الآن بأن نذكِّر ببعض المدارس التى أقرت ذلك (وقد سبق أن أوردناها مع مدارس أخرى لا تنتمى إلى هذا التعدد (نشرة 24-3-2008 “مدارس ومدارس”) ، لكن لا مفر من الإعادة للتذكرة والتأكيد على سبيل المثال لا الحصر(3).
مدارس المنظومات (التركيبية) المتعددة
(1) إريك بيرن (التحليل التفاعلاتى Transactional Analysis)
ماهية الإنسان | مفهوم الصحة | مفهوم المرض | العلاج |
الإنسان هو مجموعة منظومات نفسية تسمى “حالات الذات” لها ما يقابلها بيولوجيا، وهى منظومات متعاونة، تحت قيادة واحدة فقط، فى لحظة بذاتها | هو تناسب “حالة الذات القائدة” مع الموقف الحالى، مع القدرة على التبادل مع الذوات الأخرى متى لزم الأمر | هو طغيان وجمود إحدى الذوات، والخلط بينها، واحتمالات التلوث، وفقد المرونة والعجز عن التبادل. | هو استرجاع مبادئ التناسب الموقفى والتبادل النشط بين الذوات حسب متطلبات التكيف والفاعلية |
(2) ساندور رادو (الدينامية النفسة التكيفية)
Sandor Rado (Adaptational Psychodynamics)
ماهية الإنسان | مفهوم الصحة | مفهوم المرض | العلاج |
الإنسان جهاز بيولوجى يعمل بتنظيم اتساقى (هيدوني) وتركيب هيراركى يعيد مسيرة تطور النوع. | أن يتقبل الإنسان نفسه كمصدر للتناسق الهيدونى القادر | هو استمرارية نمط الطفولة المعتمـِد العاجز وهو نقص (ربما وراثي) فى القدرة على تكامل القدرات التناسقية |
الإقلال من الانفعالية, وتدعيم الاعتمادية الذاتية من خلال إعادة تنظيم وتكامل التناسقية. من خلال التحليل التـَّدَخـُّلى بدلا من التداعى الحر. |
(3) هنرى إى (الدينامية العضوية)
Henry Ey (Organodynamism)
ماهية الإنسان | مفهوم الصحة | مفهوم المرض | العلاج |
الإنسان هو منظومة الوعي التى تتحكم فى المنظومات التحتية الأقدم (للشخصية والدماغ على حد سواء | نجاح هذه المنظومة فى الضبط الفوقى الذى يحقق الهارمونية والتكيف والأداء | فشل هذا التحكم بما ينتج عنه من تحلل الضبط الفوقى, ومن ثم إطلاق البنى التحتية بما يترتب عليه من اضطراب فى السلوك التكيفى |
محاولة استعادة التحكم الفوقى لضبط البـُـنَـى التحتية، ومنع نشاطها البدائى النكوصى. |
(4) سيلفانو أريتى (النظرية المعرفية الإرادية)
Silvano Ariety (Cognitive Volitional Theory)
ماهية الإنسان | مفهوم الصحة | مفهوم المرض | العلاج |
الإنسان كيان معرفى إرادى أساسا. | القدرة على تغليب العمليات الثانوية أساسا مع استمرار امتداد الذات إلى ما بعدها من خلال العمليات الثالثوية وهى توليف بين العمليات الأولية والثانوية. | العجز عن التحكم فى العمليات الأولية، والتوقف عن الامتداد إلى التوليف الأعلى | إعادة تنظيم العمليات الثلاثة وتنمية القدرات المعرفية الناضجةمن خلال الإصلاح المعرفى والتقبل وترجمة الأعراض والتنظيم |
(5) نظرية المنظومات العامة
(General System Theory)
ماهية الإنسان | مفهوم الصحة | مفهوم المرض | العلاج |
الإنسان مجموعة منظومات متعددة تحتية وفوقية مرتبة هيراركيا فى تراكم بين المادة و الطاقة والمعلومات | هى كفاءة الهارموني بين هذه المنظومات، وبينها وبين المنظومات المحيطة أيضا | نقص أو خطأ فى هارمونية التناسق بين هذه المنظومات أو أى منها (الطاقة-المادة- المعلومات) | استعادة هذه الهارمونية بكل ما ينظمها معا من إزالة أسباب النشاز والتأهيل والإطلاق |
(6) النظرية التطورية الإيقاعية (الرخاوى)
Evolutionary Rhythmic Theory (Y.T.Rakhawy)
ماهية الإنسان | مفهوم الصحة | مفهوم المرض | العلاج |
الإنسان كيان بيولوجى دائم النبض الحيوى بتركيباته الهيراركية بما يسمح بفعلنة المعلومات الداخلية والمُدخلة باستمرار النبض, ومن ثم النمو بلا نهاية | كفاءة النبض الحيوي مع نجاح فعلنة المعلومات باضطراد لتحقيق التوازن المرحلي واستمرار النمو الولافي | هو مضاعفات النبض الحيوى إما بالنبض الجسيم أو بناتجه النشاز الذى إذا تمادى واستقر تليفت الشخصية بما يمنع كفاءة النبض واستمرار النمو | تصحيح مسار النبض الحيوى بإطلاق النبض المنتظم الضرورى فى النمو والأحلام والإبداع مع تدريب المستويات التى ضعفت والتحكم فى المستوى البدائى الجامح لاستيعابه تدريحيا |
وبعد
كانت هذه هى البداية سنة 1980 وكان قد مضى على ممارستى الطب النفسى أكثر من عشرين عاما ، ثم جرى ما كان مما حاولت أن أسجل بعضه يوميا منذ عشر سنوات فى هذه النشرة، ثم أنه حدث مؤخرا نسبيا أن اطلعت على ما يمكن أن يدعم النظرية، وأيضا ما يتيح الفرصة لنقدها فتطويرها، بما انتهى إلى ما اصبح يسمى “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الذى نحن بصدد تقديمه حالا ودائما.
هذا علما بأن البداية لم تكن من أى من هذه النظريات التعددية التى أثبتها فى الجداول السابقة بالذات، ولكن كانت من نظرية تحليلية “ضد بيولوجية” حتى ضد بيولوجية فرويد، وهى النظرية التحليلية الإنجليزية (ميلانى كلاين- فيربيرن- جانترب) لكننى طوّرت ما وصلنى منها حتى تبنَّـيْـتُ هذه المفاهيم فى مسار التطور دون تعسف، ومن ثَمَّ تأكد ثقلها النيوروبيولوجى دون ارتباط مباشر بتفاصيل النظرية الأصل، وهذا هو ما تمت الإشارة إليه فى كثير مما سبق، وما سوف نزيده إيضاحا وتكاملا مع معظيات أخرى أحدث فأحدث، مدعما بالخبرات أولا بأول ما أمكن ذلك.
……
وإلى الأسبوع القادم.
[1] – بدًا من هذا سوف نكرر استعمال مصطلح الطب الإيقاعحيوى بديلا عن الطب التطورى الإيقاعحيوى للاختصار.
[2] – سبق أن عددنا هذه الخطوط العريضة فى نشرات كثيرة إلا أننى وجدت أنها تحتاج الإعادة مع مزيد من التوضيح.
[3] – علما بأن هذه الجداول هى ما قمت بجمعه فى كتابى الذى لم ينشر: محاضرات منتقاة فى الطب النفسى، وكان بالإنجليزية Selected Lectures in Psychiatry ، ولم أقم بتحديثها فى الجدول، وإن كان سيجرى تحديث ما يهمنا فى هذا الصدد، بما فى ذلك النظرية التطورية الإيقاعية (الخاصة بالكاتب)