نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء : 15-11-2016
السنة العاشرة
العدد: 3364
حوار مع مولانا النفّرى (210)
من موقف “وراء المواقف”
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
الشهادة أن تعرف وقد ترى ولا تعرف
فقلت لمولانا:
تعود بنا يا مولانا إلى “الشهادة” وما لحق بها من غموض، وما تغطت به من غلالات، وما اختـُـزِلـَت إليه فى المعاجم والتأويل!، سبق أن طرقت باب النظر فى ماهية “الشهادة” منذ أكثر من عامين، العدد: 2549 السنة السابعة السبت: 23-8-2014 فى حوارى معك فى “موقف التذكرة” (2) حين قلت:
إن “ما يراد بالشهادة “أشهد ألا إله إلا الله”، هو عمق آخر يتجاوز: “أعتقد أنه لا إله إلا الله” وأيضا “أعلم أنه لا إلا الله” ، كذلك “أقرّ أنه لا إله الله” وهو أكثر جدا مِن: “اقتنعت أنه لا إله إلا الله”، فما بالك بمدى بعده عن “أوافق على أنه لا إله إلا الله”!!. ثم أشرتُ إلى سوء تأويل الآية “لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ”، منتهيا إلى أن الشهادة هى “عملية معرفية إدراكية متميزة عن التفكير والتبرير والاقتناع والحجج والإثبات.”
تأتى هنا يامولانا لتخبرنا بما يكمل ذلك أو يحركه أو يواجهه، فتبلغنا أنه نبهك للتفرقة بين الرؤية والشهادة ، ألم يقل لك:
” الشهادة أن تعرف وقد ترى ولا تعرف”
ثم يضيف لك أنه
” وما كل من رأنى شهد ما رأى”
فأطمئن إلى هذه العين الأخرى، ولا أقول العين الداخلية (1)، وأفرح بهذه التفرقة الحاسمة بين الرؤية والشهادة، نعم قد نرى ولا نعرف، والأهم أننا عادة لا نعرف أننا لا نعرف، ليس فقط لعمى القلوب التى فى الصدور، ولكن أيضا: حين يغلبنا الغرور الذى فى الرؤوس.
الرؤية رصدٌ للمرئيات، أما المعرفة فهى إدراك الماهية، وحين تدرك الماهية دون تسمية، وكثيرا دون معالم: تتجلى الشهادة نورا هاديا ، وهى تلغى الرؤية لا بإنكارها، ولكن بالاستغناء عنها، وعن تحجيمها فى حدود التسمية والسببية ، فقبل هذه الجملة تبلغنا انه قال لك:
من لم يرنى رأى الشىء لى، ولم يشهده لى، وما كل من رأنى شهد ما رأى
فيحضرنى أيضا احتمال أن عدم الرؤية هى أفضل من الرؤية،
وأن هذا هو العمى المضىء المخترِق بلا وسيلة بينه وبين ضوئه، وما يستنير به
[1] – العين الداخلية داخلية ، وهى مكملة للعيون التى نعرفها، لكنها خاصة بالاطلاع على الداخل أكثر، وإعلانه خارجا فى المرض، واحتوائه مساهما فى الإبداع (أنظر نشرات العين الداخلية: 4-12-2007 ، 5-12-2007 ، 27-7-2008، 6-5-2009 وعين الشهادة أوسع وأشمل وأعمق ، وهى تحتويها لكنها ليست مرادفة لها