اليوم السابع
الأحد: 29-12-2013
هل توقف العقل المصرى عن التفكير النقدى؟
هناك خلل – ليس جديدا تماما-، فى تفكير المصريين فى الوقت الحالى، وأنا لا أعزوه للفوضى غير الخلاقة التى نعيشها فى الثلاث سنوات الأخيرة والتى أدعو الله أن يعيننا فى سرعة إعادة تشكيلها إلى إبداع جماعى، الذى هو التعريف الحقيقى والموضوع لما هو “ثورة”. قبل أن يتحقق ذلك – بينى وبينكم – لا يجوز الحديث عن ثورة “1” ، وثورة “2”، فى انتظار ثورة “3” لا قدر الله مهما كان اتجاهها، علينا أن نتكلم عن تفكيك “1”، وإفاقة “2”، وعزم “3”، لتكتمل مراحل الثورة الحقيقية، قبل ذلك وحتى الآن أفتقد فينا بصفة عامة ما يسمى “المنطق البسيط”، و”التفكير الفرضى الاستنتاجى”، و”الحس العام”، لا يتصور القارىء أن هذه تعبيرات علمية خاصة بصفوة المفكرين والعلماء فأينشتاين نفسه يعلمنا أن العلم ليس إلا تنظيم وتطوير للمنطق السليم، إن التفكير النقدى لا يحتاج إلى أبجدية علمية أو فنية خاصة وإنما يحتاج إلى وعى يقظ، وحس يستشعر الخطر بقرون استشعار البقاء، وقدرة على طرح الأسئلة، واجتهاد فى وضع الفروض، والسماح بتأجيل الإجابة، أين هذا كله مما يجرى حولنا الآن من مناقشات وحوارات، ليس فقط فى الميادين والاجتماعات، وإنما فى فيضانات الكلام فى المكلمات الإعلامية.
فى العلاج الجمعى الذى أمارسه فى قصر العينى قلت من قبل أننى أمارسه مع الذين يحضرون للعلاج بالمجان، وهم بالتالى يمثلون الطبقة الوسطى الأفقر وما تحتها، فكثير منهم لا يفك الخط، ومع ذلك بمجرد أن نتجنب المناقشات بالكلام والعقلنة “واثبت لى”، واثبت لك”، و”بما إن”، و”لأن”، ويتم ذلك بأن نركز فيما نسميه “هنا والآن”، لنمارس التفاعل بالمواجهة والمسئولية والمواكبة، بمجرد أن يتم ذلك يتفجر الوعى الآنى المسئول فعلا حالا، ثم يتخلق الوعى الجمعى باضطراد يسمح بأن ينطلق الجميع على طريق النمو.
الحجة التى يرددها بعض المتعلمين أو بعض المثقفين أن الديمقراطية لا تصلح لمصر نظراً لارتفاع نسبة الأمية، هذه الحجة تحتاج إلى إعادة فحص، لأن الأمية الثقافية والأمية النقدية والأمية التاريخية ضاربة أطنابها فى كل من يتصورون أنهم يجيدون القراءة والكتابة حتى حصلوا على شهاداتهم العليا، المسألة ليست مسألة قراءة وكتابة، المسألة مسألة ماذا تقرأ وكيف تقرأ، ماذا تسمع، وكيف تفهم ثم كيف تفكر فيما تقرأه (وتسمعه) وكيف تستنتج من كل ذلك ما هو صالح لك ولناسِكْ.
بعد انتظامى فى الكتابة فى هذا الموقع الكريم لاحظت – كما ذكرت من قبل – أن كثيراً من التعليقات انتقائية جزئية بعيدة عن السياق فى كثير من الأحيان، خذ مثلا دعواتى أمس لفريق من الإخوان، أو لهم جميعا، وليس هذا على الله بكثير، دعواتى لهم بالهداية والرشاد، مع الاقرار بأنهم “زودوها حتى أصبحوا يستحقون حد الحرابة دينا، وربما الإعدام للخيانة العظمى قانونا ، وأن هذا وذاك لا يثبت على بعضهم إلا بحكم القانون، بعد كل ذلك سمح صديق طيب أن يعين نفسه وصيا حتى على استجابة رب العالمين للدعاء، هذا “الصديق” كتب يشكك فى علمى، ويسخر من دعائى، قائلاً: “ده كلام يارجل العلم والطب..ناقص تقول دعوة ولية ساعة مغربية ! وعموما إلهى يسمع منك ربنا ويجعل في وشك القبول..وهنيالك يافاعل الخير والثواب !!!!!!!”، ابتسمت، ودعون له دعوة أمى “أن يجعل الله عمره فى حجر صوّان لا ينكسر ولا يتهان”.
حين تنزع جملة من سياقها، وحين تصدر حكما قبل أن تكمل القراءة، وحين تعقب على أول الكلام دون آخره، تكون قد تنازلت عن مزية التفكير الفرضى الاستنتاجى الذى يكتسبه الطفل – خلقة ربنا– حول سن السابعة، وذلك قبل أن تنقض عليه مدارس التلقين ومشايخ الترهيب، والترغيب، فيشلون تفكيره إلا من الترديد التسليمى، أو الرفض الجاهز، أو العمى الانتقائى.