اليوم السابع
الأحد: 19-1-2014
الوصايا العشر للإعلام ودوره الجديد (1 من 2)
ذكرت أمس أن “نعم” الثلاثاء والأربعاء الماضيين لم تكن للدستور ولم تكن تفويضا لشخص بذاته ولم تكن تسليما للعهدة أو انتظاراً لتعليمات قيادةٍ جديدة، بقدر ما كانت “نعم للحياة” ويبدو أن الرسالة لم تصل إلى “من يهمه الأمر” بالقدر الكافى، فقُلت أصيغها اليوم بالدخول من المعكوس، فهى بمثابة “لا للانتحار”.
لقد كنا قد وصلنا إلى درجة خصام مع الحياة، وكان الجميع مشتركون فى إنهاء الحياة للجميع، بشكل أو بآخر برغم سلامة البداية، وحسن النوايا، وصرخات الاستغاثة وأبواق الإنقاذ وإجراءات العناية المركزة، كل ذلك لم يكن يبشر بخير يطمئن أن المنتحر قد عدل عن قراره، حتى لاحت فرصة للحياة، تبدو جديدة، ومع أن الله وحده سبحانه هو الذى يخرج الحى من الميت، إلا أنه تعالى قد نبه هذا الكائن الرائع المسمى “الإنسان” أنه يمكنه أن “يحيى الناس جميعا” إذا ما أحيا نفسا واحدة، “…. وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”، التقطها الطيبون المؤمنون وعادوا لحمل الأمانة، وقالوا “نعم للحياة” وليس فقط لما لاح على سطحها، وهو ما ذكرته فى أول المقال: ليست للدستور وليست لترشيح شخص معين، وليست لتسليم “النِّمَرْ” وإلقاء المسئولية على صانعٍ المعجزات المنتظر، ليست كذلك، أو هذا ما ينبغى أن نعمل ألا يكون الأمر كذلك.
إذا كانت المسألة ما زالت ملتبسة عليك عزيزى القارئ فلتقرأ هذه الــ “نعم” من مدخل العكس، وأعنى أنه يمكنك أن تحدد كيف أنها “نعم للحياة” حين تتبين معالم “لا” للانتحار، فالأسهل أن تقرأها: “لا” للفوضى و”لا” للتخريب و”لا” للاعتمادية و”لا” للتسليم تروسا فى آلة غيرنا، و”لا” لوقف عجلة الانتاج، و”لا” لإسرائيل ما دامت تملك قنبله ذرية ونحن لا نملكها بعد، وما دامت تطرد ناسنا من أرضهم وتبنى فيها ولا تتوقف عن بناء مدن الشر فى ما لا تملك، جهارا نهارا، و”لا” لكل ما هو ترويج لثقافة السلام مع حملة السهام المسمومة والاستعلاء العرقى، والاستغلال الفوقى، ولا لدفع المزيد من ثمن التسليم، إذ تكفى المعاهدة ثمنا لهزيمتنا، لتكون إعلانا لبداية “نعم” الناحية الأخرى بتدعيم ثقافة الحرب والقوة والاستقلال طول الوقت.
من أين نبدأ الآن؟
إذا تعاملنا مع “نعم” الثلاثاء والأربعاء باعتبارها فعلا “نعم للحياة”، فالأمر يحتاج إلى “خطة طريق” أطول وأعمق وآلم وأشرف، خطة تليق بهذه الـ “نعم”، خطة لا تقتصر على مواعيد الانتخابات واستشارة الصناديق وتكوين المؤسسات، خطة تلزم كل فرد بواجبه “فرض عين”، وفيما يلى بعض ذلك، بدءًا بالإعلام: أخطر وسائل تشكيل الوعى:
الوصية الأولى: على الإعلام أن يكف عن الحديث فى الماضى تماما إلا بعد أحكام القضاء النهائية سواء بالنسبة للثلاث سنوات الماضية أم بالنسبة للثلاثين سنة التى سبقتها. (وحتى بعد أحكام القضاء إلا بما ينفع دروسا للمستقبل).
الوصية الثانية: على الإعلام أن يكف عن رشوة المُشاهد أو المُستمع أو القارئ بتقديم المادة التى يشتهيها بالطريقة التى تدغدغه وتثيره وتبرر له اعتماديته، بأقل قدر من الدفع إلى الفعل المنتج.
الوصية الثالثة: على الإعلام أن يضبط جرعة الإثارة للإثارة، وألا يربط جرعة الإثارة بوفرة الإعلانات أو عدد المشاهدين، وإنما بمقاييس الإسهام فى تكوين معالم الدولة الناشئة، ابتداء من دفع عجلة الانتاج فى أصغر الوحدات امتدادا إلى كرامة الاستقلال (لا الانفصال) الإقتصادى والثقافى، سعيا إلى الإسهام الحضارى من موقع القدرة الذاتية.
وبعد
أكتفى اليوم لأواصل الوصايا السبع المتبقية غدا.