نشرت فى الدستور
28-3-2007
… الحب والتواطؤ والاستفتاء !!!
(1)
قال البنت لأمها: لا أحد يحبنى. فزعت الأم: ما هذا الذى تقولينه، أنت الجميلة الرقيقة الشاطرة المهذبة المتدينة، لا أحد يحبك؟ ماذ تريدين بالضبط؟ قالت: اقول ما وصلنى، وأنت أيضا يا أمى لا حد يحبك، فزعت الأم وعلا صوتها: لا ..لا .. لا ..دعينى فى حالى، ثم أنت مالك أنت؟ أنا راضية بكل شىء. قالت البنت: الرضا لا يعنى أن أحدا يحبك يا أمى، بل قد يعنى العكس. قالت الأم غاضبة يائسة: ماذا جرى لك يا حبيبتى؟ قالت: لا شىء، أنا لا أعرف كيف استطعتِ أنت وأبى أن تستمرا هكذا طول هذه المدة، قالت الأم: نستمر ماذا يا بنت أنت؟ قالت: تسمران هكذا دون أن يعرف أحدكما الآخر، قالت الأم: انت تخرفين والله العظيم ثلاثا، قالت البنت: نعم، أنا أخرف، أنا آسفة يا أمى، بجد أنا آسفة.
لم تلاحظ البنت الدموع التى لمعت فى عينىْ أمها
وحاولت الأم أن تلتفت للناحية الأخرى، حتى لا ترى هى نفسها عينيها.
(2)
قال الشاب لأبيه: ثم ماذا بعد؟ قال الأب: بعد ماذا؟ قال الشاب بعد هذا السلق الذى حدث، قال الرجل: وهل كنت تتوقع شيئا آخر؟ قال الشاب: وهذه هى المصيبة أننى لم أكن أتوقع شيئا آخر، قال الرجل: إذن ليس فى الأمر جديد، قال الشاب: لهذا أسألك يا أبى: ثم ماذا بعد؟ قال الرجل: تسألنى بصفة ماذا؟ الله يخيبك، ألا تعرف أين موقع أبيك من كل هذا؟ قال الشاب: أعرف أنه ليس لك موقع، أعنى ليس لك ذنب. قال الرجل: تصور يا إبنى أننى أشعر بالعكس، أشعر أننى مسئول عن كل ذلك، قال الشاب: طبعا لا، أعنى طبعا لم أكن أتصور، كنت أحسب أننى وحدى الذى أخرف حين أحمل نفسى مسئولية كل شىء، قال الرجل: تصور أننى قرأت بالصدفة أن الحب “رؤية ومسئولية” ، لم أفهم ذلك لأول وهلة، بل كرهت جفاف التعبير، لكن هذا الذى وصلنى بالصدفة، والذى لم أفهمه، هو الذى جعلنى أشعر بالمسئولية عن الذى جرى، قال الشاب: ماذا تقول يا أبى، كأنى أعرفك لأول مرة، قال الرجل: هذا هو الذى حصل، فهمت، أعنى لم أفهم، أعنى تصورت أننى فهمت: أنك لا تستطيع أن تحب، إلا إذا رأيت من تحب بجد، وحملت همه بجد. قال الشاب: رأيت من؟ قال الرجل: رأيت الناس، قال الشاب: ألهذا حدث ما حدث؟ قال الرجل: عن ماذا تتكلم، قال الشاب: عن الاستفتاء، قال الرجل: وهل جرى استفتاء؟ قال الشاب: إذن ماذا جرى أول أمس، قال الرجل: انكشف الغطاء عن الموجود، مع أنه لم يكن هناك غطاء أصلا، قال الشاب: أنا مذهول يا أبى: كأنى أكلم نفسى، أنا لم أرك هكذا أبدا، من أنت يا أبى؟ قال الرجل: من أنا ؟ إيش عرفنى!! ، دعنا من ذلك، وأبلغ أمك أننى سأتأخر الليلة، قال الشاب: أمى لا يهمها ؟ قال الرجل: ماذا تقول يا ولد؟ قال الشاب: قلت: حاضر سوف أبلغها
(3)
قال الشاب لأخته: أنا خائف على أبى؟ قالت البنت: وأنا خائفة على أمى، قال الشاب: أنا خائف من الحكومة بعد المادة اياها؟ قالت: وأنا خائفة على الناس بعد الذى حدث، قال الشاب: ماذا حدث؟ قالت البنت: الحكومة أثبتت بما جرى أنها لا تعرف الناس، لا تعمل حسابهم، لا تتحمل مسئوليتهم، قال الشاب: وهل كان ذلك فى حاجة لإثبات، الحكومة ليست ناسا أصلا حتى تعرف الناس، أنا لم أقابل واحدا من الناس وافق على ما جرى، ومع ذلك جرى ما جرى، قالت البنت: ماذا تعنى بأن الحكومة ليست ناسا؟ قال: الحكومة مؤسسات متواطئة مع بعضها البعض، مؤسسات معلنة وخفية، دينية ومدنية، متعالمة وأمية، والترابطات تزداد باستمرار بين كل المؤسسات على حساب الناس، كل المؤسسات متواطئة ضد الناس. نظرت البنت إلى الأرض وطال صمتها، ثم قالت: يخيل إلى أن الناس متواطئون أيضا مع الحكومة، قال الولد: يا خبر!! ربما، لم يخطر ببالى ذلك أبدا، ماذا تعنين، قالت: أعنى أنه لا أحد يحبنى، قال الشاب: إيش أدخل هذا فى ذاك، قالت: بل هما واحد.
سكت الشاب بدوره ثم رفع رأسه قائلا:
يبدو ذلك.