اليوم السابع
الأربعاء: 11-12-2013
…..وهل الحضارة إلا ما كرمنا الله به؟
قال لى واحد ممن وصله بعض ما أردت أول أمس عن أملى فى تلقائية الشعب والتزامه
قال: ألا ترى أنك وثقت بالناس لبناء الحضارة أكثر من اللازم؟ فأنت تكاد تعجزنا بهذا إذا استغنيت عن القوانين المحكمة هكذا.
قلت له: عندك حق والله العظيم، أنا أحتاج لمن يحد من شطحاتى، تصور أنه خطر لى أن ربنا سوف يحاسبنا على الماء الذى ينزل على أثيوبيا، وكيف أسهمنا فى حسن التصرف فيه، سواء وصل إلى مصر أو لم يصل؟
قال: هأنتذا تتمادى فى الشطح، إعمل معروفا خلّنا فى مصر، ولا تجعلنى أظن بك الظنون أكثر.
قلت له: اليس الماء الذى ينزل هو من رحمة ربنا فى أى مكان فى العالم، وهو من ضمن الأمانة التى يحملها المؤمن ليعمر بها الأرض؟ فهل تظن أننا يوم الحساب سوف نحاسَب وطنا وطنا؟ أم فردا فردا؟
قال: يا سيدى!!، يا سيدى!، أنا أتكلم جدا، إن الله ينزل الماء، لكن العدل يوزعه
قلت له: طبعا، والله سبحانه هو العدل الحق العليم
قال: خلّنا فى مصر، وخيبتنا البليغة
قلت له: ما هو جزء من خيبتنا البليغة أننا نرقص على السلم، فلا حصّلنا بلدا متحضرا تحكمه قوانين مُحكمة، ولا حصلنا بلدا مؤمنا يتقى أهلها الله حيثما كانوا فى السر والعلن، آناء الليل وأطراف النهار.
قال: أنت تهرب من أسئلتى، إذا كنت تدعو الشعب أن ينفذ قانونك بلا قانون، فما هى وظيفة الدولة؟
قلت له: الدولة هى وسيلة من وسائل الله على الأرض، وظيفتها أن تـُعـِد الناس لينفذوا إرادته تلقائيا، فيحافظون على ما أكرمهم الله به، فهى الحضارة
قال: وهل تدرك كم نحتاج لنعلم الناس، معنى الإيمان، ومعنى الحضارة هكذا؟
قلت: يحتاج كما يحتاج، ثم إننى أعتبر أن الأديان فى أصولها قد ساهمت فى كل ما ارتقى بالبشر ليكونوا بشرا، وأن هذه هى الحضارة، وأى دين ينسلخ عن واجبه هذا يكون قد ابتعد عن أصوله، وعن مهمة حمل الأمانة.
قال: الذين يزعمون أنهم أدرى بديننا يكادون يعملون عكس ذلك
قلت له: مالى بهم، حسابهم على الله، وسوف يكون عسيرا،
قال: إن قانونك لا يمكن إلا أن تقوم بتطبيقه دولة مؤمنة قادرة
قلت: وهل أنا أنكرت دور الدولة؟ على الدولة أن تربى الناس لكى ينفذوه تلقائيا
قال: حـِلّنى!!
قلت: إن لم يكن هذا هو همّ الدولة الأول، فسوف تظل علاقتها بالناس هى الترهيب دون الترغيب، وعلاقتها بربنا هى الكذب دون العبادة، وعلاقتها بالحضارة هى النقل وليس الإبداع
قال: أنت تتكلم عن الدين والإيمان بطريقة غريبة يا أخى، الله!!! ما هذا؟
قلت: ما الدين إلا صانع الحضارة، إذا عرفنا الله، إذا عرفنا ديننا الصحيح الذى يهدينا إلى الطريق إليه، سوف تظهر حضارة جديدة، جديرة بتاريخ الإنسان الإيجابى، وربما نستطيع تصديرها
قال: نستطيع ماذا؟!!!
قلت: تصديرها، إنهم هناك أحوج ما يكونون إليها، صدقنى، ولن يقبلوها منا إلا إذا نجحنا بمقاييس “الإبداع” و”الإنتاج” و”العدل”، لا بمقاييس البنك الدولى والعولمة وترديد قصائد الفخر وقتل بعضنا البعض، أم تريد أن نظل نستورد منهم الحرية الملوثة، والديمقراطية الملتبسة، وحقوق الإنسان المكتوبة، والشرعية الصناديقية، ونحن لا نعرف ألف باء الحضارة ولا طريقنا إلى ربنا الذى سوف يحاسبنا على الحفاظ على ما كرّمنا به
قال: وما علاقة ما كرمنا الله به بالحضارة؟
قلت: وهل الحضارة إلا هذا؟
قال: لا …لا … لو سمحت
قلت: أنا آسف
قال: أنا الذى ينبغى أن اقول لك أنا آسف
قلت: على ماذا؟
قال: لست أدرى