نشرت فى الدستور
10-8-2005
بل الطبيب النفسى على نفسه بصيرة !!!
هل يمكن أن يستمر أحدنا بعد الذى حدث ويحدث، وهو يفكر بنفس الطريقة فى أمور شخصه وأسرته ومهنته ووطنه؟ الطبيب النفسى بالذات لا يعالج مرضاه بما يعرف ويقرأ ويحفظ ويطبق فقط ، وإنما هو يعالج مرضاه “بما هو”. يتم هذا سواء كان يقصده أو لا يقصده، سواء كتب عقارا أم أعطى حقنة أم قال كلمة أم صمت. لا ينبغى أن يكتفى الطبيب النفسى فى مثل هذه الظروف بأن يفتى بجنون هذا المنتحر أو اغتراب ذلك المحرض، لا ينبغى أن يقتصر دور الطبيب النفسى على مواساة الجرحى ورعاية أهل المفجوعين من فقد ذويهم، وفى نفس الوقت لا ينبغى أن يتعدى الطبيب النفسى حدوده ليتدخل فى السياسة بشكل مباشر تحت عنوان الطب النفسى السياسى وما شابه . إذن ماذا ؟
أحسب أن مسئولية استمرار الحياة ، أيا كان موقعك الشخصى أو المهنى منها ، يحتاج وقفة مراجعة شخصية مع كل حدث جلل مثلما الحال الآن. علاقة الإرهاب بالمفاهيم المغتربة ، والجزئية، والتسكينية، والتخديرية، التى تروجها شركات الدواء للأطباء النفسيين ، ومن ثم يروجونها للناس، هى علاقة لا تخفى على أى ممارس أمين، خاصة فى بلد فقير مثلنا، فإذا أضفنا إلى ذلك ما ثبت من دور هذه الشركات (مع شركات السلاح وغيرها) فى تمويل الظالمين الذين يفرخون الإرهابين بظلمهم كل يوم أكثر فأكثر، اتضح ما أريد توصيله لنفسى وزملائى من خلال هذه التعتعة.
ليسأل كل منا نفسه وهو يحمل طبقه ليجمع فيه ما تيسر من الـبوفيه المفتوح فى مؤتمرما، فى منتجع ما : ما علاقة ذلك بالعلم الحقيقى، ثم بترويج مفهوم اختزالى للحياة، والرفاهية، والدعة ، والبلاهة؟ هؤلاء الشباب المفجر نفسه فى الأبرياء هو الناتج الطبيعى لانفصال الإنسان عن أصله، عن كونه، عن جمال وجوده، عن الحق سبحانه وتعالى. كل من يساهم فى هذا الفصل بتفسير اختزالى لنص إلهى جميل، أو بترويج علم زائف من أجل مكسب زائل، هو مساهم بشكل ما فى إفراز تلك النيازك المتفجرة تحصد الأبرياء كيفما اتفق. أنا لست ضد أى دواء يخفف الألم ويزيل الإعاقة، لكن أغلب شركات الدواء قد نسيت هذه المهمة المقدسة، لتشارك فى تزييف العلم، وتمويل الظلم، وتشويه الوعى، ومن ثم فصل البنى آدم عن الكون، ومن ثم هذه النيازك، فهذه الضحايا، فهذه الدماء.
أعرف كل الردود الجاهزة، وأعرف أنه لا جدوى من حل فردى، لكن الله سيحاسبنا واحدا واحدا برغم تلك الردود التبريرية، حتى لو نشرت فى أشهر المجلات العلمية.
“بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره”.