نشرت فى الدستور
2-11-2005
كل سنة ونحن نهتف هتافا غير:
“اسم الله عليه” “اسم الله عليه” !!!
بافتراض قدر كبير من حسن النية، فهمت أخيرا معنى لما هو “لجنة السياسات”.
منذ نشأتها غلب على ظن معظم الناس، وأنا منهم، أنها لجنة مفتعلة، بديلة عن إنشاء حزب جديد، تهيئة لتولى شاب ماهر جاهز طموح، أمر هذه الأمة، بالانتخاب المباشر جدا (أين التوريث؟ بالله عليكم!؟) لكن ما حدث مؤخرا فى مسألة انتخابات مجلس الشعب طرح فرضا أعرضه كحكاية رمضانية كالتالى :
كان يا ما كان فى سالف العصر والأوان بلد اسمها مصر لها شعب وبرلمان، ثم روح يا زمان تعالى يا زمان، صارت السلطة فى أيدى أصحاب السلطة، ومشى الحال ليس على ما يرام، حتى انزعج الناس وخافوا على أرزاقهم ومأواهم وصحتهم وتعليمهم وإبداعهم وأخلاقهم، فقال أغلبهم “كفاية”، قالها كلٌّ بطريقته، ثم إن بعض الشباب المصرى المتميز، مع بعض من هم حول منتصف العمر (ممن قد يستحقون اسم :الصفوة الجديدة) اكتشفوا أنه لا يوجد فى مصر سياسة، لا من باب “ساس يسوس” بالمعنى الذى تعلمته من الصديق سعد هجرس: ” علم وفن إدارة الصراع والمتناقضات بين الأطراف المختلفة فى المجتمع بصورة سلمية ..إلخ”، ولا بمعنى “شارَكَ، يُساس”، (أى حمل همَّ ناسه، فاشترك فى اتخاذ القرار ناخبا، وتحمل مسؤوليته، فهو مواطن سياسى)، تلفت أفراد هؤلاء الصفوة حولهم فلم يجدوا إلا تجمعا ضخم الجثة مفتول العضلات كثير المصالح، لكن ليس له علاقة بالسياسة. وبما أنهم يعرفون الجارى فى بلاد بره، بأمارة الجامعة الأمريكية، ولندن، وبديهيات الديمقراطية، قالوا مثلنا: “كفاية”، هذا ليس حزبا، هيا نعمل حزبا بحق، فقال حكيمهم : ولم التعب؟ وأمامنا مؤسسة جاهزة لها مبان وفيها عضلات ومصالح لا ينقصها إلا “شوية سياسة” ، فكانت “لجنة السياسات” وتحددت مهمتها باسمها، وهى أن تضخ ما تيسر من سياسة من أعلى لإحياء هذا الهيكل الضخم الزائف، وكأنها ترش بعض الكريم شانتيه السياسى، وعروق من الشكولاتة الوطنية، وبعض المكسرات الإعلامية، فوق سطح تورتة لا تعلم مدى ما وصلت إليه من حال لا تصلح معه للاستعمال الآدمى.
روح يا زمان، تعالى يا زمان، بدأنا نسمع عن الدم الجديد، والإصلاح، والحرس القديم، وكان من السهل تعيين بعض أو أغلب الوزراء ورجال الإعلام من بين هذه الصفوة الماهرة الحاذقة، كلٌّ فى مجاله،. لكن أين السياسة ؟ أين الناس؟ ومع ذلك: بدا أن المسألة تسير فى اتجاه التغيير والإصلاح، فماذا يريد الناس غير رقىّ فى الأداء، وعود سمهرى (يعنى رشيق ممشوق)، وكرش صغير ، ولغد متوسط، ولغة معلوماتية عصرية؟ وإخلاص مثالى؟ وحسن نية ؟ وعلى البركة لاح التغيير….، حتى فوجئت اللجنة، حين نزلت للناس لتختار الأكثر شعبية، فوجئت بأن الصراع يجرى بين الفتوات ووبعضهم دون الحرافيش الذين لا يفعلون شيئا إلا الالتفاف حول الأقوى طمعا ورهبة، ثم الهتاف للفائز، أيا كان “إسم الله عليه،اسم الله عليه” .
لم يفاجأ الحرس القديم بما حدث، فهم يعرفون “سيم” مثل هذه الانتخابات. الذين فوجئوا هم هؤلاء الذوات (الصفوة الجديدة). تبينوا أن الأمر برمته ليس له أى دخل بالسياسة، وأن البقاء- فى ظل الجارى – ليس للأصلح، ولا للأكثر قدرة على التجديد، وإنما للأكثر فتونة، ومالا، وسطوة.. خسر الذوات الجولة أمام الفتوات بنوعيهم : الفتوات الرسميين (الذين رشحهم الحزب)، والفتوات المنشقين (الذين سينجحون غصبا عنه).
انتهت الحكاية التفسيرية، وهى تطرح أسئلة بلا حصر، منها : ما هى الخطوات التالية لهؤلاء الذوات “الصفوة”؟ هل سيعقلون ويفضّونها سيرة ويتصالحون مع الفتوات ولو تكتيكيا،، قال ماذا؟ ليتخلصوا منهم حين يلى أمينهم السلطة مثلما فعل عبد الناصر بالإخوان، وفعل السادات برجالات عبد الناصر؟ هل سينزلون إلى الشارع يخاطبون الحرافيش فعلا ليساهموا معا فى التغيير؟ فلماذا لم يترشح أمين اللجنة فى هذه الانتخابات ليحضر بين الناس يختبرهم ويختبرونه، كما تساءل مجدى مهنا؟ هل سوف ينسحب أغلبهم إلى قصره السياحى، أو برجه العاجى، أو جامعته، أو يعود إلى بلاد برة؟
نرجع مرجوعنا إلى الناس، أين الناس ؟ أين الحرافيش أصحاب المصلحة؟ أليسوا مسؤولين لأنهم هم الذين يلتفون حول الفتوة ورجاله، رهبة أو طمعا؟ وهم الذين يهتفون للفائز أيا كان؟ هل سينتبهون أخيرا ليفعلوها “بالنبوت” حتى يحصلوا على حقهم فى “التوت”؟ متجاوزين الفتوات والذوات جميعا؟
كل الاحتمالات مطروحة، وإذا شاء المولى، نتناولناها فى تعتعات قادمة.
وكل سنة ونحن نهتف هتافا آخر غير “اسم الله عليه، اسم الله عليه”.