اليوم السابع
الثلاثاء: 6-5-2014
الذين يعبدون الله على حرف، والإيمان المصرى
نحن أحوج ما نكون إلى تعميق علاقتنا بربنا مباشرة من خلال كدح السعى إليه، بكل العبادات والوسائل من التسبيح إلى الإبداع إلى العمل وبالعكس، حتى لا ننساق وراء قشور من لا يعرفون طريق الحق، فيستعملون شوقنا الفطرى إلى اللهسعيا إلى وجهه، لخدمة مطامعهم فى السلطة والمال والبنون. مصر فيها دين طبيعى بسيط، يعرفه كل مؤمن جميل بسيط، مما يأتى الله بقلب سليم.
الذين يعبدون الله على حرف يتمحكون فى معلومة من هنا، أو رأى عابر جاء فى حوار فى رواية أو مسرحية هناك، فيهتفون متشنجين أن الله موجود كما جاء فى قول فلان (يا حبذا لو كان خواجة، فى رواية كذا)، والذين يعبدون الله علىحرف أيضا، يلتقطون معلومة علمية جزئية محدودة، فيها شبهة تماس مع بعض ألفاظ نص مقدس، وهات يا تفسير الدين بالعلم، والعلم بالدين، بما يشوه كلا من الدين والعلم معا.
المعرفة الأصل، والفطرة السليمة تتجاوز هذا التلفيق والتشويه، لتظل حركية الإيمان/الإبداع/التعمير/نفع الناس: هى الوجود البشرى فى أنقى صوره.
الإيمان موقف وجودى حياتى حيوى، يمتد بالوعى البشرى إلى الوعى الكونى كدحا إلى ربنا لنلاقيه، هو عملية فردية/جماعية بقائية/تطورية/متجددة/ مستمرة، لا يمكن اختزالها إلى أى شعار، أو تهميشها بأى قرار أو تنظيم، كما لا يمكنحبسها بأية وصاية أو تقـزيم.
خذ مثلا ما شاع بفرحة ساذجة عن كيف أن ديستويفسكى فى “الإخوة كارامازوف” قد أنهى أو كاد ينهى الرواية بإعلان ما معناه “إذا لم يكن الله موجودا فكل شىء مباح”، أذكر أن الرواية حين تمصرت فيلما “الإخوة الأعداء” وقيلت هذهالجملة بلهجة خطابية فى الفيلم، صفق الناس فى الصالة، وهللوا، هؤلاء الناس الطيبون يصفقون لعبارة حوارية عابرة مستوردة، تؤكد لهم “نفع” وجود الله، فيعلنون بذلك هشاشة إيمانهم، وضعف يقيينهم، وكأن مثل هذه العبارة هى إثبات جديد أن “الدين كويس جدا”، أو”أن وجود الله مفيد أيضا”!! وبالتالى علينا أن نتمسك به، وننتخب بالمرّة كل من يلوّح لنا أنه قادر على نشره وصيانته!
هيا نقرأ – كمثال- ما أسعد الناس فصفقوا له، يقول: إيفان كارامازوف ما وصل إلى المشاهدين أنه: “…إذا لم يكن الله موجودا فكل شىء مباح”، أو بالنص: “…إذا فقدت الإنسانية هذا الاعتقاد بالخلود فسرعان ما ستغيض جميع ينابيع الحب، بل سرعان ما سيفقد البشر كل قدرة على مواصلة حياتهم فى هذا العالم، أكثر من ذلك أنه لن يبقى شىء يعد منافيا للأخلاق، وسيكون كل شىء مباحا حتى أكل لحوم البشر”، فيصفق الناس وينسون أن إيفان يقول فى نفس الرواية: “… لا يعلم أحد ماذا كان يمكن أن أصنع به ذلك الذى اخترع الله أول من اخترعه، إن الشنق قليل عليه..”.
علاقة الإنسان بربه أقوى وأقدم من هذا وذاك، هذا ما يعرفه الأطفال، والعجائز، وكل من أتى الله بقلب سليم.
كتبت – ناقدا – من وحى هذه الرواية “إنه لم يظهر فرد فى الرواية صغيرا أو كبيرا لم تمثل عنده قضية الإيمان ووجود الله (وليس فقط الدين) محورا خطيرا وأرضية متفجرة، لا إيليوشا ابن الكابتن سينجريف ولا أبوه ولا إخوته، ولا أمه”،أوصلنى نقدى للرواية إلى فرض يقول باستحالة الإلحاد بيولوجيا، بمعنى أنه وصلنى كيف أن تنظيم الخلية البشرية فى ذاته، يتوجه بطبيعة فطرته نحو استعادة هارمونيته مع تنظيم الكون على اتساعه، وأن الوعى بهذا النزوع يوجهنا بشرا لنبدع أنفسنا بتجدد متصل نحو استعادة التوازن مع الكون، فنؤمن بالله، وأن أية مخالفة لهذا القانون البيولوجى الحافز إلى التناسق الإيمانى، ليس إلا من ألعاب العقل المبرمج حديثا من خارجه، أما الخلية فتظل مبرمجة تطوريا بما يوجهها إلى إطلاق فطرتها، وإلا ضمرت وفنيت، الأمر الذى لا مجال لتفصيله هنا والآن. المهم أن قضايا الإيمان والتدين تتفجر بكل إشراقها من أصالة حركية الإبداع، إقرارا وإنكارا، وأن هذه الحركية هى الآلية الأساسية اللازمة لتحريك جدل الإيمان، وأنها ما زالت قائمة وفاعلة فى عمق وجود شعبنا الأصيل.
محفوظ قدّم لنا الطريق إلى الإيمان فى معظم أعماله، إن لم يكن كلها، وفى رأيى – وقد صارحته بذلك – أن “أولاد حارتنا” كانت من أقلها نجاحا فى القيام بهذه المهمة، مقارنة برحلة ابن فطومة، والأصداء، وملحمة الحرافيش وغيرها،وغيرها، ولنا فى ذلك عودة.
الإيمان المصرى العريق يتجلى فى كل لحظة فى كل بيت، وفى كل شارع، وفى كل وجه يعيشه أى مؤمن مصرى أشعث أغبر، خلط الإيمان بلحمه ودمه، ليس للنار فيه نصيب، وهو لا يحتاج أن يتكلم صاحبه بلغة خاصة، ولا أن يستشهد بنصوص بذاتها، فهو محورٌ وجودىٌّ فى حياة كل ناس هذا الشعب، ممن لم يتشوهوا بتسليم لسلفية تاريخية، أو سلفية حديثة. هذا الإيمان لا يكون كذلك، إلا إذا وقر فى القلب وصدّقه العمل
هيّا معا
والله المعين