نشرت فى الدستور
26-10-2005
….. قصاقيص ورق !!!!
لكنها نشرت بعنوان
(الحزب الوطنى يستمد علاقاته بالناس من سطوة القبائل)
“كان آخر دواوينى التى يضمها هذا المجلد هو ديوان “قصاقيص ورق”، صدر فى نهاية ديسمبر 1965 وأعيد طبعه فى يناير 1966 .ولم يظهر لى ديوان واحد منذ ذلك الوقت. كانت هزيمة 67 قد ألقتنى فى هاوية من الحزن لا قرار لها”. هذا ما قاله صلاح جاهين سنة 1977 فى تقديم أعماله الكاملة.
قصيدته “دعاية انتخابية” فى هذا الديوان حضرتنى وأنا أتابع ما يجرى بمناسبة الانتخابات. أنا أعتز كثيرا بقدرتى على عدم الفهم، مع أن مهنتى تتطلب منى أن أفهم ما لا يـُفهم، هكذا علمنى مرضاى، ومع ذلك أقف مشدوها أمام تلك المعارك الضارية بين المتكالبين على كرسى مجلس الشعب، متكالبين ليس على أصوات الناس بعد، ولكن على نيل حظوة ترشيح تجمّع انتهازى، يسمى الحزب الوطنى، يستمد علاقته بالناس من سطوة بعض أفراده وعلاقاتهم القبَـلية والعشائرية والتسهيلاتية والخدماتية الخاصة. فهو تجمع ليس سياسيا بالضرورة، ومع ذلك، أو ولذلك، لا أفهم– بصحيح – تفاصيل الجارى!!
هذه الإعاقة الاختيارية (عدم الفهم) ليست قاصرة على أحوالنا المحلية، فأنا لا أفهم –مثلا- لماذا يطيح السيد بوش فى خلق الله قتلا وتعذيبا وهو يعلم يقينا – أنه بعد ثلاثة سنوات بالعدد (عقبالنا) سوف يتفرغ للجرى صباحا، ولرى حديقته بعد الظهر؟ سوف تقولون لى شركات السلاح والبترول والدواء وكلام من هذا، ليكن، لكن هو شخصيا أين سيكون من كل ذلك؟ هل سيقضى وقته يحضّر نفسه لدخول الجنة دون سائر البشر؟ أم سيرجع لأيام زمان ليعمل “دماغا” تنسيه ما اقترف أثناء رئاسته للعالم من جرائم؟ حين أتقمصه مكرها، أرعب، وقد أشفق عليه، وقد أدعو الله لمن أحب من الطامعين والغافلين أن يمتد بصرهم أو تنار بصائرهم ليروا ما ينتظرهم لعلهم يهدِّئوا اللعب قليلا.
حين أعجزنى المنطق البسيط السليم، حاولت –مثلما أفعل مع مرضاى- أن أتقمص بعض هؤلاء المترشحين، فزاد غبائى حيث لم أفهم الدافع الحقيقى وراء كل هذا الحرص، خصوصا وأن كثيرين منهم لا يتناسب حرصهم هذا مع حضوره جلسات المجلس لاحقا، حتى لو لم يفتح فمه بكلمة، مكتفيا برفع ذراعه كلما لزم الأمر، أو بالهمس إلى جاره لكسر الملل .
سمعت عشرات التفسيرات لهذا الحرص، لم يقنعنى أى منها. قلت لنفسى يستحيل أن التى تسمى الحصانة تساوى الملايين التى تدفع من أجلها، ذك أن غاية علمى تقول: إن الحصانة تؤجل القبض على متهم أواستجوابه، لكنها لا تمنحه البراءة تلقائيا مهما ارتكب مدى الحياة، وأغلب المرشحين – والحمد لله – ليسوا من المسجلين خطرا، فلماذا يدفعون فيها كل هذا الثمن؟
قالوا إن عضوية المجلس تزيد ثروة رجل الأعمال، قلت فى نفسى: هل هو ناقص؟ وقد عرف طريق الثروة، وطريق الأعمال، بدونها؟
قالوا إن العضوية تضع صاحبها فوق كرسى مرموق لم يحلم به، تأملت الوضع فوجدت أن الكثيرين من الحريصين عليها، والباكين على ضياعها، يشغلون مكانة اجتماعية وعلمية وطبقية متميزة: من استاذ جامعة، إلى وزير، إلى مستشار رئاسة، إلى آخره.
رجعت إلى قصيدة صلاح جاهين ، فوجدتها ترسم صورة رائعة للموقف، وإن كانت لا تفسره، فهى ترسم كيف يتلون الحريص على هذا الكرسى بأى لون ليحتله : حزب وطنى ماشى، إخوانى ربانى مستقل ماشى، عُمال ماشى، فلاحين ماشى، (للاستفادة من حكاية الـ 50% إياها، أضمن!). اكتشفت أن حدس جاهين قد سبق فكرة تخصيص نسبة معينة من المقاعد للمرأة ليضمنوا تمثيلا مشرفا لها، فالقصيدة ترسم كيف أن أى رجل من هؤلاء يمكن أن يقلب نوع جنسه ليضمن الكرسى من خلال النسبة إياها (دون إهانة للمرأة، مجرد تحايل للحصول على الكرسى، علما بأن كلمة “مَـرَة” فى الثقافة الخليجية تعنى : سيدة -لادى Lady – )
تقول القصيدة : الأعمال الكاملة، (ص 362) :
آلوه..آلوه..ياأممْ.
تعلالى لالِى.. يا مُحترمْ.
الحمد لله ، إنكمْ،
ما بتعرفوش كلكمْ.
لو كنتوا عايزين أسطواتْ،
أنا أسطى سواق الفياتْ،
وان كنتو عايزين فلاحين،
أنا عندى حبة فدادين.
والا انتو عايزين يا ترَى،
مرشـَّحايةْ مغندرةْ
متبدّرةْ متحمرةْ
إذا كان كده: فأنا “مَـرَةْ”.
هذا ما قاله صلاح جاهين سنة 1965، حتى قبل الهزيمة (أعنى النكسة، ولا مؤخذة) أيام عز السيد الرئيس جمال عبد الناصر، الله يرحمه، وكان صلاح يحبه جدا جدا. فهل تغير شىء منذ أربعين عاما؟