نشرت فى الدستور
15-11-2006
صراع البقاء بين نوعىْ البشر
يبدو أننا – أفراد الجنس البشرى الشهير بالإنسان- أصبحنا نوعين مختلفين من الأحياء، لم تعد المسألة كما صورها الأغبياء الأغنياء: محورا للشر يضعون فيه من يخالفهم، وآخر للخير يختصون به أنفسهم، بل إنها لم تعد حتى قسمة إلى سادة وعبيد. يبدو أن المسألة تحتاج إلى لغة التطور أساسا.
ثلاثة أخبار قرأتها معا، برغم ظاهر تباعدها، هى التى ذكرتنى بانتمائى المحورى إلى “الإنسان والتطور”: إعدام صدام، والمجزرة الأخيرة فى فلسطين ( 8 نوفمبر الجارى: 21 فلسطينياً بريئاً بين طفل وفتاه وشاب وشيخ) ثم فوز الديمقراطيين فى مجلسى الكونجرس وإزاحة رامسفيلد. ما هو الرابط بين تلك الأخبار، وما علاقتها بالإنسان والتطور؟
قرأتها معا هكذا: القتلة المسوخ يقتلون بعضهم البعض، والناس الحقيقيون ينتصرون ولا يهمهم الثمن!
كنت أتمنى أن تكون نهاية صدام بقرارنا نحن، وبنفس الآلية التى ازيح بها رامسفيلد، والتى سوف ينتهى بها بوش وكوندى وتشينى وبلير..وأمثالهم، هذا لا يعنى أننى صالحت هذه الديمقراطية أو وثقت بها على طول الخط، كل ما فى الأمر أننى أحسست بيد شيخى (محفوظ) وهو يقرص أذنى ويعلّـمنى أن “أحسن الأسوأ هو الأحسن”، فلا أتعلم. هأنذا يا شيخى أراجع نفسى، ولا أريد أن أكذب عليك وأدعى أننى صالحتها تماما، فما زلت واقفا منتظرا مفاجآت الديمقراطيين الافاضل، وعلاقتهم اللاحقة بأصحاب القوى الحقيقية.
برغم كل شىء، فالشكر واجب للناخب الأمريكى مرحليا، لكن الشكر الأهم هو للناس المبدعين والنقاد فى أمريكا وغير أمريكا الذين لم يكفوا عن تعرية أمريكا وكل أمريكا، يعنى اسرائيل وكل إسرائيل، يعنى كل مسخ غبى ثرى جبان، فوق الأرض (الشركات العملاقة)، وتحتها (المافيا..إلخ).
هذه المفاجأة – بلا مفاجأة – لا تعنى أن القتلة قد انتبهوا أو أنهم سوف ينتبهون إلى درجة إجرامهم، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل قراءتها باعتبارها علامة دالة تعلن أن النصر فى صراع البقاء الجارى هو للناس دون المسوخ مهما بلغت قوتهم. تعرت لغة القتل الغاشمة العمياء بأسرع مما حسبنا، حاول المجرمون القتلة أن يزينوها، أن يخفوا معالمها، أن يغطوها بالقنابل الذكية والإبادة الجماعية، لكن أبدا: لم يتمكنوا حتى أن يؤجلوا إعلان علامات النهاية، حاولوا أن يخفوا معالم جرائمهم بإرجاع منابع أنهار الدماء إلى التقاتل بين جماعات ضحاياهم فيما بينهم، لكنهم تعروا بأسرع مما حسبوا وحسبنا.
دماء هؤلاء الأبرياء فى فلسطين وغير فلسطين وهى تسيل كل يوم وليلة، كل ليلة ويوم، بلا انقطاع، هى التى عجَّلت وستعجل بنهاية هذه المسوخ المنقرضة، حتى لو كانت حسابات الناخب الأمريكى قد تركزت على إنقاذ مئات ضحاياهم هم الذين لم يختاروا الموت هناك، أو على تصحيح اقتصادهم.
الناس الحقيقيون –على الجانبين- يقاومون طول الوقت، كلٌّ بطريقته فى كل مكان، وهم يضحون بكل شئ من أجل أن تستمر الحياة بجمالها النابض ليعيشها البشر بشراً مع البشر كما خلقهم الله، هذا هو النوع الآخر من جنس الإنسان القادر على الاستمرار على حساب النوع المسخ الذى لا يحافظ على بقائه الشكلى إلا بالشرب من دماء الأبرياء، فلا يرتوى أبدا.
الناس الحقيقيون يدركون أن النوع البشرى أصبح يحكم تطوره قانون أرقى يقول: إن البقاء للأجمل، للأكثر تصالحا مع فطرته، للذى يجعل من الموت حياة، ومن الحياة عطاء لمن حوله ولمن يستمر بعده، هذه الشعوب التى تتحمل فقد نصفها طواعية من أجل الحياة، هى التى أزاحت رامسفيلد، وهى التى أصدرت الحكم على صدام، ولو على أيدى أمثاله، وهى التى سوف تزيح كل الأبشاش (جمع بوش) بأسرع مما نحسب، ليصدر الحكم النهائى لسائر البشر الذى يقول: إن من ينفع الناس، بما ينفع الناس، هو الذى يمكث فى الأرض، كما وعدنا ربنا.
طالما ظل الناس يعرفون كيف يموتون ليحيوا، فسيظل البقاء لمن يحب الحياة حتى الموت الذى هو الحياة القادرة على إعدام ولفظ من يحترف القتل حتى الانقراض.
فهل من مدّكر؟
هل آن الأوان ليعيد كل واحد منا، حاكما ومحكوما، حساباته، وهو يجيب على السؤال البسيط الذى تـُذَكرنا به هذه الأحداث معا، والذى يطرحه التطور على سائر الأحياء عبر كل الأزمان، السؤال الذى يقول: إلى أى الفريقين تنتمى سيادتكم؟ إلى المسوخ أمثال رامسفيلد وصدام وبلير، ورايس؟ وبوش؟ أم إلى الناس؟
الحمد لله،
والبقاء له،
فينا وفيمن بعدنا دون المسوخ المنقرضة.