الدستور
14-10-2009
تعتعة الدستور
متى نتعلم كيف نكسب لنثابر، وكيف نخسر لنبدا؟
الحياة الحقيقية هى مكسب وخسارة، خدعة النظام العالمى الجديد أنه يتصور أن أمريكا (أمريكا الحقيقة والمجاز)، لابد أن تكسب على طول الخط، خيبة فوكوياما الباكرة، أنه تصور أن التاريخ انتهى بجولة أخيرة نهائية لصالح الرأسمالية ليس بعدها خسارة حتى أتت الأزمة الاقتصادية الأخيرة تفيق العالم، المكسب المضمون لأحد الطرفين بشكل دائم وهم مستحيل، وبالتالى فالخسارة الدائمة لكائن لم ينقرض غير مطروحة.
فلماذا – إذن- نجزع كل هذا الجزع لأى خسارة أو هزيمة، ولماذا نتجمد عند موقف المكسب وكأنه لا خسارة بعد اليوم أبدا وتحت أى ظرف؟
ناسنا، عامة الناس، وليس فقط الإعلام أو السلطة، يشاركون فى هذا التوجه غير الناضج.
كان والدى ينبهنى ألا أقيـّم أدائى بالنتيجة فقط، وهو يؤكد على أولوية إتقان العمل، وبذل الجهد، وألا أهتز كثيرا لرأى الناس فى نتائجى، سواء بفرحة منافقة لا تخلو من حسد، أو تأنيب مذل لا يخلو من معايرة ، ثم يستشهد ببيت الشعر القائل:
والناس من يلقَ خيرا قائلون له ما يشتهى، ولأم المخطئ الهبلُ،
ثم يضيف والدى: أن “الهبل” هو “الثـَّكل” (وزنا ومعنى)، كما كان يدندن بيتا آخر يقول:
تحالف الناسُ والزمانُ فحيث كان الزمان كانوا
تذكرت ذلك وغيره وأنا أتابع موقفنا (الإعلام، والناس، والسلطات) من أداء فريق شبابنا لكرة القدم مؤخرا، لا يمكن لفاحص أمين أن يصدق أن نفس الفريق الذى مدحوه كل هذا المديح بعد المباراة الأولى، (مثل: انتصار مستحق لأبناء الفراعنة لسحقهم منتخب ترينداد وتاباجو 4-1، لعنة الفراعنة تصيب ايطاليا مع منتخب الشباب الذى هزمه 4-2!!) هو هو الذى لعنوه كل هذا اللعن بعد المبارة التى هزم فيها،(مثل: “شوية عيال” والخيبة القوية!!!، إنهاء عقد المدرب وحل الجهاز الإدارى) كيف أنه فى خلال أيام ينقلب الفراعنة الصغار إلى شوية عيال هكذا خبط لصق، أليس هو هو نفس الفريق؟؟ أليسوا هم هم نفس الشباب؟ أليس هو هو نفس طاقم التدريب والإدارة؟ لماذ يكون المكسب كشف عورة الخصم (إيطاليا) وإسقاطه من على عرشه، وتكون الخسارة “مذلة” و”مهانة” لنا هكذا.
ليس بعيدا عن ذلك ما كان من الإعلام أيضا (وأغلب الناس تتابعه انفعالا ورأيا) بالنسبة لأداء منتخب مصر الأول فى كرة القدم فى كأس القارات يونيو 2009، (مصر تبهر العالم وتخسر بشرف أمام البرازيل، الفراعنة كشفوا عورة إيطاليا، مصر تتغلب على إيطاليا وتسقطها من على عرش العالم بكأس القارات) ثم فجأة، وبعد يوم أو أيام: يتكلم الإعلام عن العار والمهانة (مصر تودع كأس القارات بهزيمة مذلة من أمريكا بثلاثة أهداف نظيفة، خروج مهينلمنتخب مصر بعد هزيمته أمام أمريكا) وقد وصل الامر لتفسير الخسارة من أمريكا، إلى اتهام أعضاء الفريق بالسكر والعربدة ليلة المباراة ..إلخ
بدلا من أن نتعلم من هزيمة مرشحنا فى اليونسكو مزيدا من قواعد لعبة الديمقراطية، قلبناها إلى التبرير بصراع حضارات، ومؤامرات المخابرات.
تنازلاتنا سنة 56 تجعل الحصيلة النهائية للحملة هى هزيمة لنا إذ إسرائيل ثمن النصر (كاش: المرور من تيران= الولادة الثانية لإسرائيل) وهكذا تنخفى تفاصيل الهزيمة تحت أغانى النصر والاحتفالات حتى نفاجأ بالحقيقة سنة 1967، فتلحقنا الهزيمة التى لا نستطيع أن نخفيها، فنسميها بالاسم المستعار: “النكسة”، بدلا من أن نعلنها هزيمة صريحة، إلا فى معاهدة السلام، التى كان ينبغى أن نفهم أنها إعلان الهزيمة بشجاعة جاءت متأخرة، لضرورة بدء جولة جديدة، وليس لإعلان آخر الحروب.
النصر أيضا نلعب فيه بانفعالاتنا وعدم نضجنا فيبهت منا أو يتشوه أو ينتفخ حتى ينفجر فينا، ثم نحن إما نعزوه إلى رئيس أو فرد، وننسى صانعيه وشهداءه من جموع الناس الأبطال المجهولين، نصر أكتوبر هو تتويج حرب الاستنزاف، ومع ذلك لا أحد يذكر انتصارات حرب الاستنزاف بحقها، حتى نصر أكتوبر ننتقص من قيمته حين نعلن – ضمنا – أنه آخر نصر، ما دامت حربه هى آخر الحروب!!!، وكأنه حدث بالصدفة التى لا تتكرر، بأمارة أننا لن نحارب بعده،
فى نفس وقت هزيمة منتخب شباب كرة القدم، يوم ذكرى يوم نصر أكتوبر العظيم بيوم واحد (5 أكتوبر 2009) عاد المنتخب الوطنى الأول للإسكواش متوجا ببطولة كأس العالم للكبار، لم ينتبه عامة الناس لهذا النصر، ولم يقم الإعلام بدوره فى الاحتفاء بهذا الحدث، لماذا؟ مع أن لنا فى مجال الاسكواش على المستوى العالمى تاريخ ملىء بما يستأهل الفخر ليس فقط للنصر، وإنما لروعة المثابرة، واستعادة النصر بعد أية هزيمة أو تراجع!!!!