الوفد : 16-02-2012
32 مليون دولاراً فى شهرين!! “والباقى كام يا خبيبى؟!”
أنا مواطن مصرى اسمه “يحيى الرخاوى”، يرجو من الله، ولا يكتر على الله، أن يعيش حرا مكرما كما خلقه ربه (“ربى كما خلقتنى”!!) لكن يبدو أن تحقيق هذا المطلب بالطرق الحديثة أصبح يحتاج لأدوات أغلبها مضروب! مثل الفيس بوك، والتويتير، بالاضافة إلى حركات تحتية وفوقية، وبالتالى لابد من تمويل وجمعيات وحاجات سرية وعلنية أغلبها ملوث، فما العمل؟
ولأتكلم عن نفسى كنموذج لمواطن مصرى، “صُعبتُ” على أمريكا كثيرا جدا فانتبهت سيادتها أننى لست حراً فعلاً مثل إخوانى فى البشرية فى الولايات المتحدة الأمريكية أو اسرائيل أو إيطاليا أو جنوب إفريقيا، ولذلك قررت بكرمها السابغ أن تساعدنى أن أكون حرا مثل أقرانى البشر، حتى أتمتع بحقوق الإنسان، وتوابعها، لأنها اكتشفت مؤخرا أننى من نفس النوع المسمى “هومو سابيانز”، (الإنسان ذى العقل)، لكن الظاهر أننى لتخلفى الشديد تنازلت عن استعمال “عقلى” لفترة طويلة، حتى ضَمُرَ وتليف، ورحت أستعمل لغة عاجزة عن مسايرة قفزات العلم عبر العالم، اسمها اللغة العربية، وتوقفت عن المشاركة فى المؤتمرات العلمية جدا فى شرم الشيخ وواشنطون وباريس وبالتالى أصبحت أمارس طبا قديما لا يتماشى مع المنجزات الأحدث فالأحدث لتخدير الناس، وتطمينهم على مستقبلهم الزاهر تحت مظلة النظام العالمى الجديد، لكل ذلك قررت المخابرات الأمريكية الاستعانة بالجمعيات الرشيقة المهتمة بتحسين البشرية، أن تجعل هذا المواطن المتخلف “يحيى الرخاوى”، أقدر على إدراة شؤون بيته وتربية أولاده وأحفاده بحرية أمريكية الصنع مطعمة بتوليفة حقوق الإنسان المخلوطة بقرارات فيتو جاهزة لحمايته من تهورات حكوماته، وتخلف ثقافات ناسه، ومضاعفات غضبهم البدائى، أو حتى حمايته من قرارات أية مؤسسة قانونية أو تربوية أو اقتصادية وطنية يمكن أن تزيده تخلفا فضلا عن القهر والظلم والغباء فقررتْ – أمريكا المعطاء- بكل عنترية أن تعطى منحا لخواجات أحرار وشباب مصريين وشابات من هواة الديمقراطية، وضيوفهم الشركاء الخوجات (آخرهم كان ثلاثى المحلة الكبرى أمس 11-2-2012 للتحفيز للعصيان المدنى) تعطيهم هذه المنح ليصرفوها على واحد متخلف مثلى، خاصة وقد ضبطتنى متلبسا منذ قديم بإعلان رأيى فيها صراحة، واستشهدت “أبلة الناظرة” فى ذلك بالمقتطف المنشور فى هذه الصحيفة منذ أكثر من عشر سنوات فى الوفد بتاريخ 14/5/2001 بعنوان “من يحكم العالم؟ ومن يحكم مصر؟” حيث كتب هذا المواطن المتدهور إنسانيا – الذى هو أنا- ما يلى:
“…. إن الخطورة أن الوعى هناك قد تشكل بشكل مشوه حتى طغى على المنطق البسيط، وشوّه قيمة العدل التى يعرفها طفل يلعب مع آخر أى لعبة لها قواعد متفق عليها. من هنا يمكن القول: إن تأثير القوى التى تحكم العالم وصل إلى درجة أن تغوص فى وجدان الناس حتى لا يعودون يميزون الأبيض من الأسود أصلا”.
إذن: انتبهت “الأبلة” أمريكا إلى أن مثل هذا كلام لا يصدر إلا من متخلف حتى لو كان أستاذا بالجامعة، فما بالك بطلبة الثانوى وخاصة فى المدارس بلا مدارس! وبناء عليه لابد من إنقاذ مثل هؤلاء الناس المساكين حتى يصبحوا بشرا مثل سابقيهم، وهذا يحتاج إلى الإنفاق ببذخ شديد على الجمعيات التابعة لمؤسسات عالمية ممولة منها، ومن أهل الخير بأسماء دولية ومحلية، ولابد من تزويدها بالخرائط سعيا إلى تقسيم بلادهم تقسيما يساعد على تنظيم الأمور بين الثقافات المختلفة لتصبح أكثر ديمقراطية وإنسانية (برجاء الرجوع إلى نص قرار الاتهام الأهرام 10/2/2012)
لكن يبدو أن الأمر أوسع كثيرا من مشكلة العبد لله وأمثاله: المفاجأة التى كشفت عنها التحقيقات أن هذه المنظمات كانت تدرب الحزب الوطنى طوال السنوات الخمس الماضية، وتؤيده فى كل سياساته وتدعم برامجه وأنشطته، ثم تحولت بعد مشروع “الثورة” المصنوعة (التى نأمل أن نحولها ثورة بحق لصالحنا 100%) إلى تدريب وتأييد الأحزاب الجديدة، خاصة ذات المرجعيات الدينية، ومن بينها حزب النور والعدالة وغيرهما على كيفية إدارة الانتخابات لصالح كلٍّ.
(ملحوظة: تقرير المخابرات العامة، والذى يعد مستندا فى ملف القضية الحالية، أشار إلى أن الخرائط الخاصة بتقسيم مصر، سبق للسلطات السودانية، أن ضبطت خرائط لتقسيم السودان قبل أن يحدث بالفعل، فى مقر المعهد الجمهورى بالخرطوم والذى تم إغلاقه! -عقبالنا يا جيرانا).
وبرغم هذا الكرم والحنان فإن القضاء المصرى، “القاسى” جدا، تجرأ وأَعْمَلَ القانون المصرى الواضح العادى، وليس القوانين الاستثنائية ولا القوانين العسكرية ولا قانون الطوارئ المأسوف على إلغائه. فأقام الدعوى على عدد من هذه المنظمات ومنها ثلاثة مقار بمحافظات الإسكندرية والجيزة وأسيوط لمنظمة المعهد الديمقراطى الوطنى ذى الصفة الدولية، ومركزه الرئيسى بالولايات المتحدة الأمريكية، وأقيمت الدعوى لإدانة هذا المعهد لقيامه بتنفيذ العديد من برامج التدريب السياسى الغير مرخص به- بإجراء البحوث والدراسات وإعداد وتنفيذ استطلاعات الرأى وورش العمل والدورات التدريبية لبعض الأحزاب والقوى السياسية ودعمها إعلاميا لحشد الناخبين لصالحها…الخ.
وللأمانة فإن بعض الحكومات الغربية الطيبة، والمؤسسات الدولية حتى الإعلامية منها قد أقرت الإجراء القانونى الذى اتخذته مصر، كما أوضحت ذلك فى تقرير مطول لها، مثلا: أمس الأول الخميس 9/2/2012 وكالة رويترز قالت: إن هذه المنظمات ترتبط بأجهزة المخابرات وهى ذراع للحكومة الأمريكية وتكون دمى فى أيدى مخابراتها.
ودون التذرع بأىٍّ من ذلك رحت أتهم “أبلة الناظرة” بأنها تعمل كل ما تعمله لتخريب اقتصاد بلدى، مع أنه اقتصاد ناشىء غلبان ضائع بين رأسمالية وطنية شللية، ومنافع سلطوية محدودة، ومع ذلك حقق معدلات تنمية – ربما بالرغم منه – لم يستطع أن ينكرها أى من المراقبين المحايدين، فكان لزاما على القوى الأمريكية الراعية للبشرية عبر العالم أن تسارع بتخريب هذا الاقتصاد حتى تُلحقنا باقتصادها المضمون من جانبها فقط، لأنه اقتصاد عَوْلمى خفيف ظريف، وهكذا اضطرت أن ترسل المعونات بالملايين لعملائها ليوزعوها بما يرضى ضمائرهم على قوى الحرية والديمقراطية والأحزاب المسكينة الدينية وغير الدينية.
وهكذا اختلطت أحلام الشباب وانتفاضته بتلوث مثل هذه النشاطات حتى عاد من الصعب تمييز الثورة من الفوضى، والخيانة من الأمانة، والرأسمالية الوطنية من الرأسمالية الكانيبالية (آكلة لحوم البشر) العالمية.
وياليت الأمر اقتصر على الإعداد والإثارة، إلا أن المعونات والتعليمات امتدت وتأكدت بعد 25 يناير 2011، لأن الإدارة الأمريكية الكريمة لم تطمئن إلى مسار الشباب والشعب نحو الحرية الحقيقية بالمواصفات التى رسمتها لها، وخوفا من “كهن” (لؤم) المصريين، وأن يحولوها لصالحهم بدون ديمقراطية ولا يحزنون حين يكتشفون أنها ديمقراطية مضروبة، راحت تواصل المعونات المعلنة المسجلة (فما بالك بالسرية) حتى بعد 25 يناير، ومثل ذلك ما أعلن فى قرار الاتهام حيث تسلم المركز الرئيسى لمنظمة المركز الدولى للصحفيين بالولايات المتحدة الأمريكية مبلغ اثنين مليون وثمانمائة وثلاثة وأربعين ألفا وأربعمائة وأحد عشر دولارا أمريكيا فى شهرى أبريل ومايو 2011 أى بعد 25 يناير بأربعة شهور…الخ
وبعد
هذا بعض ما تم رصده من معونات علنية
فماذا عن ما لم يعلن أو يسجّل؟
ماذا عن المصاريف السرية؟
ولماذا لا تسمح لنا أمريكا – من فائض بند الزكاة حتى – أن نعطى لمواطنيها المستضعفين فى أرضها معونات توعيهم من ينتخبون، أو نعطى المسلمين الأمريكيين والسود دروساً مصرية فى التحايل للتصويت فى نفس صندوق الانتخاب أكثر من مرة، وألعاب أخرى لن أذكرها حتى لا أفشى السر مجانا !!
فى قريتنا، كان إذا رأى “عم السعداوى” كرما زائدا من ثرى بخيل على فقير ليس “له عنده مصلحه ظاهرة”، قال: إهِّييييهْ!! هَلْبتّ فيه إنـّـهْ! (هَلْبتّ = لابد، وإنـّـهْ = سببا خفيا، وذلك بلغة فلاحينا).
كما حكى لى والدى أن الحاج أحمد تاجر القطن فقد حقيبته وبها ما بها: فراح “عم أبو العلا” المنادى ينادى فى البلد (وسيلة الإعلان المحلية): “يا أهالى يا فلاحين يا أهالى هورين، الحاج أحمد أبو سويلم ضاعت “حقيبته وهى مغلقة” وأن من يجدها له حلاوة مائتا جنيه مصرى (كان ذلك فى أوائل الأربعينيات) فقال سمسار قطن “خواجة” كان يجلس على مصطبة أمام دكان “العراقى”، البقال جارنا، قال: “ميتين جنيه “خلاوة” والباقى كام “يا خبيبى””؟ فصارت مثلا (يعنى إذا كانت حلاوة العثور على الحقيبة مئتا جنيه، فكم يا ترى قيمة ما بداخلها).
وقياسا أختم مقالى بقولى:
32 مليون دولار فى أبريل ومايو 2011 والباقى (السرى وغير المضبوط) كام يا خبيبى!؟؟
كل هذا الكرم يا أبلة الناظرة فى سبيل تنوير أمثالى من المتخلفين حضاريا وديمقراطيا وإنسانيا؟؟
أكثر الله خيرك!! ربنا يخليك!
…..
تفكير تآمرى هذا؟؟؟
حاضر! حرّمت، ولكن:
هل مؤسساتنا القضائية العظيمة ومجلسنا العسكرى الصابر يفكرون أيضا تآمريا؟؟.
يجوز!!