جريدة الوطن
24-12-2012
د. يحيي الرخاوي فى حوار خاص لـ جريدة الوطن
أستاذ الطب النفسى «يحيى الرخاوى»: «الشاطر» عدوانى ونسخة إخوانية من «عز».. والبرادعى ومرسى «مالهمش فى السياسة».. وأبوإسماعيل «فرحان بنفسه».. وصباحى “صادق”
إنسان الميادين والمظاهرات والاعتصامات لا يمثل كل المصريين.. والانفجار نتيجة طبيعية لسنوات القهر والتهميش
أجرى الحوار : محمد عبد الجليل
يرى الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى، أن الشخصية المصرية لم تتغير خلال الفترة الماضية، وأن ملامح العنف التى ظهرت عليها ليست إلا مجرد أبعاد جديدة تسببت فى ظهورها الأحداث الجارية. ويؤكد الرخاوى -فى حواره مع «الوطن»- أن نبرة التخوين التى تتردد حالياً ظاهرة طبيعية مصاحبة لأى ممارسة سياسية، لكنها فى مصر تصل لمرحلة التكفير؛ لأننا فى أول طريق الديمقراطية.
وفى الحوار يقدم أستاذ الطب النفسى قراءة لبعض الشخصيات التى تحتل المشهد السياسى فى مصر، ويحذر من التلاعب بالدين فى صالح السياسة، الأمر الذى سيؤدى بنا -من وجهة نظره- إلى أسفل سافلين.
* المشهد السياسى يفرض تساؤلات عديدة.. ولكن دعنا نبدأ بسؤال حول تغير الشخصية المصرية نحو العنف اللفظى والجسدى والحدة تجاه ما لا يعجبها..
– كررت كثيرا، ولا مانع عندى أن أكرر من جديد، التحذير من الانسياق وراء فكرة احتمال التغير السريع فى الشخصية الإنسانية عموما، هذا غير وارد لا فى شخصية الأفراد ولا فى شخصية الشعوب، نحن عادة نعنى بكلمة تغير «نقلة نوعية» وليس مجرد إضافة «كمية» النقلة النوعية، عبر تاريخ الحياة (التطور) أو تاريخ نمو الفرد (رحلة النمو)، أو تاريخ حضارة الشعوب التى لا تحدث فى أيام أو شهور أو حتى سنين، إنها تُعلن فقط فى الوقت الذى يسمح لها بالظهور، أى أنها تحتاج إلى تراكم خبرات، وتكثيف تجارب لمدة عشرات السنين حتى يصل هذا وذاك إلى حد معين (يسمى «عتبة» التغير Threshold)، عملية التغير هذه لا تحدث بشكل داخلى تلقائى بعيدا عن الأحداث، خاصة الأحداث الجسيمة، التى تهدد الفرد أو الجماعة بتحديات البقاء، مثل الحروب أو الكوارث أو الثورات، وينبغى أن نسمى هذه الأحداث «العوامل الكاشفة» وليست المسبّبة، أى التى تكشف أو تحدد توقيت كشف ما كان يجرى من تراكم وتفاعل وتكثيف، آسف لطول المقدمة، لكنى أردت أن أنتهزها فرصة لنخفف من إلحاح طرح نفس السؤال طوال العامين الماضيين.
* الشخصية المصرية لم تتغير وإنما ظهرت منها أبعاد أخرى ومستويات أخرى كانت كامنة فى عملية تكوين طوال الوقت، ومثل أى جوانب متعددة تنكشف فى ظروف مختلفة، جاءت الأحداث الأخيرة لتكشف عن السلبى منها والإيجابى، هذا علما بأن العنف اللفظى والجسدى ليس سلبيا على طول الخط، كما أن المواقف الأكثر راديكالية لا تعنى بالضرورة موقفا سلبيا، بقدر ما تشير إلى فرط الحماس والمبالغة فى التمسك بالموقف المبدئى.
* كيف ترصد وتفسر التحولات النفسية والذهنية التى يمر بها الشباب بعد انضمامهم للتيار الإسلامى، وصولا إلى التكفير والتفجير؟
– يتوقف ذلك على سن الشاب وقت تعرضه لهذه الخبرة، وأيضا على الظروف التى دفعت به لذلك، وكلما كانت سنه أصغر كان عرضة للتشكيل من خارجه أسهل، كذلك فإن العلاقة بين مجتمعه الأصغر (الأسرة مثلا) وهذا المجتمع الإسلامى المبرمِج قد تمثل عاملا مهما، فهناك الشاب الذى يرتمى فى أحضان هذا المجتمع الدينى احتجاجا على أسرة تبدو له متحررة أكثر من ميوله المحافظة التى لاحت له من مصدر آخر، وعلى العكس هناك من يكون انتماؤه لهذا المجتمع الإسلامى مجرد امتداد للقيم الثابتة الملتزمة (ولو ظاهرا) التى تتصف بها أسرته فأرضعته إياها منذ نشأته، فى الحالة الأولى يكون مثل هذا الانتماء تحولا أشبه بثورة احتجاجية، وفى الحالة الثانية لا يكون تحولا بقدر ما تكون زيادة الجرعة بمثابة تفعيل لما نشأ عليه، قد يضاف إليه المبالغة والعنف والراديكالية، ثم يأتى التمادى فى الشجب والتكفير بالاستغراق فى الإفتاء وقهر التفكير النقدى وإذكاء الغرور، وكل ذلك يعطى لمثل هذا الشاب معنى وهدفا لا يجدهما فى أسرته أو مجتمعه عامة.
* كيف يكذِّب إنسان عاقل صورا وفيديوهات ترصد الكذب وتبدل المواقف ويظل مدافعا عن موقف أو زعيم سياسى؟
– وصف إنسان ما، مهما كان عمره أو ثقافته أو شهادته، بأنه عاقل هو وصف يحتاج إلى وقفة؛ فكلمة إنسان عاقل قد تشير إلى من هو «إنسان ذكى»، أو إلى من هو «إنسان واقعى» ذو خبرة، أو إلى من هو «إنسان منطقى موضوعى»، وعموما فإن التشكيك فى الفيديوهات والصور وارد، بعد شيوع ألعاب الفبركة والتزييف، وحسب متانة أيديولوجية هذا الإنسان الذى نسميه عاقلا، وبقدر تعصبه للفكرة، تكون قدرته على رفض وتكذيب ما لا يتفق مع عقيدته الخاصة أو الفئوية، ولن يعدم وسيلة تقنية حديثة تبرر له ذلك.
* هل فقد المصرى «بوصلته» الثقافية وتخلى عن تراثه لصالح رؤية أخرى مختلفة ولم يعد للمثل الشعبى والعرف دورهما فى عملية تقييمه للحالة العامة؟
– لا يجوز الحديث عن الإنسان المصرى هكذا، لنشمل به مختلف فئات وطبقات المجتمع بشكل عام، دون الإشارة إلى اختلاف الثقافة الفرعية والجغرافيا؛ فنحن نتكلم فى مثل هذه الأسئلة والإجابات عن إنسان «الميادين» و«المظاهرات» و«الاعتصامات» و«الشوارع»، وهؤلاء لا يمثلون كل المصريين، حتى لو ضممنا إليهم تجمعات أصحاب المطالب الفئوية؛ فالمصرى ما زال يمسك بفأسه فى الحقل، ويكسر «فحل» بصل هو كل «غموس» لرغيفه الجاف على رأس الحقل، وابنه يبحث عن وظيفة غسيل الأطباق فى مطعم صغير فى شرم الشيخ، وكل هؤلاء لهم أعرافهم ومنظوماتهم القيمية التى لا ينطبق عليها هذا التعميم، الإنسان المصرى ما زال هو الإنسان المصرى حتى لو أخطأ أحيانا أو نسى بعض إيجابياته فانفجر سلبيا من فرط الغضب أو اندفاع الفرح بعد طول احتقار وتهميش وإلغاء.
* كيف ترى الاتهامات الموجهة للنخبة بأنها وراء الخراب وضد الرغبة والمزاج الشعبى؟
– أظن أن الاتهامات الموجهة إليهم، وبعضها صحيح، هى اتهامات بالسلبية، أو بالاكتفاء بالكلام الساخط سواء فى مجالسهم الخاصة، أو عبر الإعلام، أو بالفرجة، أو بالترويج لليأس واللاجدوى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وكل هذه مواقف سلبية تؤخذ عليهم، لكن عذرهم أن الممارسة السياسية الحالية ما زالت غامضة وهشة، فلعلهم ينتظرون مواقف أكثر تحديدا حتى يشاركوا بجدية، مع أن المفروض أن يسهموا بدور إيجابى فى مرحلة التكوين الحالية.
* المصرى متدين بطبعه.. هل هذه الجملة صحيحة؟
– “جملة صحيحة ونص»، ليس فقط من واقع التزامات كثير من الناس الظاهرة حاليا، وليس حتى بقياسها بالميول والعادات السلوكية فى إطار ما يسمى التدين الشعبى، ولكن من واقع التاريخ والجغرافيا، لكن للأسف فإن هذا يستغله أصحاب الغرض لتحقيق أهداف أبعد ما تكون عن الدين والإيمان، الإنسان المصرى متدين حتى من قبل اعتناقه للأديان السماوية، متدين بمعنى علاقته الوثيقة والدائمة بخالقه من خلال عباداته، وربما ساعدته فى ذلك الطبيعة المنبسطة للأرض المصرية، ودورات الرزق والعمل عبر الفيضان، أما إلى أين يمكن أن تأخذنا هذه النزعة.. فهذا يتوقف على من يأخذنا، فالمفروض أنها كان من الممكن أن تقودنا إلى تعمير الأرض، والتحيز لما هو حياة، وحمل مسئولية كل الناس الذين يشاركوننا دفع ثمن ظلم القوة المفترسة المتغطرسة عبر العالم، أما من حيث الواقع السياسى واستعمال الدين، وبالذات الدين الإسلامى، لغير غرضه الأصلى، فيمكن أن يأخذانا إلى أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر والعمل والإبداع.
* لماذا يبدو الحوار بين فئات المجتمع «حوار طرشان» لا يصل لنتيجة؟ ولماذا ارتفعت نبرة التخوين والاتهامات بالعمالة؟
– نبرة التخوين والاتهام بالعمالة موجودة دائما بدرجات مختلفة فى أى عمل سياسى نشط عبر العالم، لكنها تتوقف عند مرحلة سوء التأويل وإطلاق الشائعات، أما فى عالمنا العربى متواضع النمو (مؤجلا صفة التخلف مرحليا) فهى تصل إلى درجة إطلاق الأحكام الدامغة دون دليل، وأحيانا تصل إلى درجة التكفير إذا دخلت أبجدية الدين فى قاموس السياسة، وأعتقد أن ذلك يرجع أساسا إلى أننا فى أول طريق ممارسة ما يسمى الديمقراطية التى تتيح درجة أكبر من حرية التعبير، وهى فى أصولها الإيجابية لا تسمح بهذه الدرجة من التخوين والاتهام بالعمالة «عمال على بطال»، ثم أرجو ألا تنسى احتمال أن القوى الخارجية التى تلعب من وراء ستار يمكن أن تكون فى خطتها -من ضمن خطوات التآمر المنظم- أن تصنع العميل الخائن صناعة، سواء بوعى هذا المواطن/ الأداة أو من خلال غفلته، وليس كل تخوين نابعا من فراغ على أى حال.
* نريد منك تحليلا نفسيا واجتماعيا للشخصيات التى احتلت صدارة المشهد مؤخرا.. وهم مرسى والبرادعى وحمدين صباحى وخيرت الشاطر وحازم أبوإسماعيل.
– اعتدت أن أنفى ابتداء أنى أحلل أى شخصية سياسية نفسياً، ولا حتى لمرضاى فى العيادة، كل ما وصلت إليه هو أننى أحاول «نقد النص البشرى»، سواء كان سويا أو مريضا أو حتى شخصى أنا، فى حدود ما يصلنى عنه ومنه من معلومات، وهى دائما معلومات قليلة وغير كافية، وأنا مثلى مثل أى مواطن له حق الانتخاب، فالفرد لا ينتخب إلا بعد أن «يقرأ وينقد الشخص الذى يختاره»، وهذا ما أفعله مثل أى مواطن، دون وصاية نفسية، وفى هذه الحدود..
أقول:
– دكتور مرسى: فلاح مصرى شرقاوى، طيب، أكاديمى محدود، ليس له فى السياسة، مظلوم، قليل الخبرة، حسن النية، سهل الاستهواء، أدعو الله أن يكون من الذين «اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”
– البرادعى: مصرى، عالم، غربى الهوى، ورث العدل عن أبيه، ليس له فى السياسة أيضا، لكنه حسن النية ضعيف التعرف على الوعى الشعبى الحقيقى.
– حمدين صباحى: شاب، متحمس، ناصرى، صادق، ملتزم بالتدين الشعبى الواضح البسيط، ويبذل الوعود دون تخوف من صعوبة الحصول على موارد تضمن مصداقيته، ويستعمل ما يربط صورته بصورة عبدالناصر.
– خيرت الشاطر: تاجر سياسة، مهندس، رجل أعمال ناجح، عدوانى التوجه، ربما يثبت أنه النسخة الإخوانية لأحمد عز، وهو مندفع يحسب قدراته وقدرات جماعته بأكبر من حجمها، وهو لا يتعلم من أرقام السياسة كما يتعلم من أرقام البنوك لأعماله الخاصة غالبا.
– حازم أبوإسماعيل: شاب ذكى، فرح بنفسه وبأتباعه دون عمق سياسى، لا أظن أنه يضع اعتبارا لتخطيط طويل المدى، وربما هو لا يحاسب نفسه كما ينبغى أمام الله ليلة بليلة، وصلاة بصلاة، ولو ألقى معاذيره، وأنا أشفق عليه لو تبرأ من أتباعه يوم القيامة، وإذا بهم يطلبون من الله سبحانه وتعالى كرّة أن يتبرأوا منه كما تبرأ منهم، غفر الله لى وله وللجميع.
* كيف ترى نتيجة المرحلة الأولى من الاستفتاء؟ وهل من الممكن أن يتقبل الناس تمرير الدستور بالتزوير إذا ثبت؟
– أولا: التزوير لا يثبت إلا بحكم محكمة، ولا يصح أن نعزو أغلب النتائج إلى تزوير ذكى استطاع أن يفلت من جمع الأدلة لتقديمها للمحكمة، وقد قلت «لا» شخصيا للدستور، لكننى دعوت الله وأنا أضع الورقة فى الصندوق أن تتم الموافقة بـ«نعم» من أجل مصر، لا من أجل «الإخوان» ولا من أجل الرئيس؛ لأن رفض هذا الدستور سوف يجرنا إلى سنة أخرى من الكلام والمناقشات والتوفيق و«اللت والعجن» والمراسيم الجمهورية المؤقتة المرتعشة والظالمة والمليونيات الموضوعية، والمليونيات المضادة، وتضيع مصر، ولو كنت أعرف أن «لا» التى قلتها سوف ترجح الكفة نحو «لا» كاملة إذن لقلت «نعم»، أنا قلت «لا» حتى أسهم فى توازن الكفة واقتراب الأرقام فقط، والرأى عندى هو إما عودة إلى دستور 71 مع تعديل 5 أو 6 مواد، وإما عمل لجنة لا يزيد عددها على عشرين ولا يمثل فيها أى تيار سياسى بأكثر من شخص واحد ثم نرى.
* ما رأيك فى الدعوات المطالبة بحرمان «الأميين» من التصويت فى الانتخابات؟
– كلام فارغ، ليس ثقة فى الشعب المصرى، أو تصفيقا للديمقراطية، وإنما ثقة فى الأميين وإيمان العجائز والوعى الجمعى الأقوى عند عامة الناس، وكل ذلك أصدق من «فزلكة» المثقفين والأكاديميين.