نشرت فى الاهرام
15-11-2004
كل عام ونحن مسئولون!
(هل هو تفويض بالقتل؟)
اليوم ثانى أيام عيد الفطر المبارك، “كل عام ونحن طيبون” ما أمكن ذلك. وكيف يمكن ذلك وهذا الذى يجري: يجرى هكذا؟ ينهى باتريك سوزكند قصته القصيرة “وصية السيد موسار”، وهو يحاول تفسير ما اكتشفه من تحجر المشاعر والناس والحياة بأن ذلك إنما يرجع إلى تلك “… القوة التى تمسك بالعالم كله فى قبضتها وتدفع بكل شئ إلى حتفه، …، وتحكم عليه بالتحجر كبرهان على كلية قدرتها وكلية وجودها …” تصورت أن نتائج الانتخابات الأمريكية تعلن صدق نبوءة هذا الحدس الإبداعى بشكل ما.
لا أحد يستطيع أن يزعم أن أغلبية الشعب الأمريكى لا تعرف تفاصيل ما فعلت، وحقيقة من انتخبت. الشفافية، ذراع الديمقراطية اليمنى، تقول: إن سيادة الرئيس المنتخب هو هذا الذى أزهق مائة ألف روح فى العراق أغلبهم من المدنيين، مع وبعد ما تيسر فى أفغانستان، وغيرهما…، هو الذى أعطى شارون الضوء الأخضر ليقتل بلا محاكمة، ويزهق أرواح الأطفال، ويهدم منازل الآمنين، ويبنى جدار الكراهية والنهب والتمييز العنصرى ..إلخ. سوف يتأكد هذا الرئيس، بنجاحه المتميز هذا، أنه فعلا مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ أهل الخير من أهل الشر، ثم إنه – شعوريا أو لا شعوريا – لابد أن يتمادى فى زيادة مقومات نجاحه تلك، قتلا وتجاوزا، وغطرسة، وغرورا، وامتهانا، واستهانة، .. وذلك حرصا على نجاح مماثل مستقبلا لمثله ولذويه. هل وصل الأمر بالديمقراطية أن تصبح تفويضا بالقتل؟
لكن هل كان أمام الناخب الأمريكى بديل حقيقى؟ لم يتخذ المنافس أى موقف حاسم يعد بغير الجارى، كانت صورته – خاصة فيما يتعلق بنا- فاترة مهزوزة مترددة، (أقرب إلى قول الشاعر العربى: مسيخ مليخ كطعم الحوار فلا أنت حلو ولا أنت مر) فقرر الناخب أنه: “يستمر الحال كما هو عليه، والمتظلم ينتظر الجولة القادمة”.
علينا أن نعترف أن هذا الرئيس المنتخب، المتوسط الذكاء، السطحى الفكر، هو خير من يمثل اليد العملاقة الخفية التى تسير العالم إلى حتفه، تسيره ضد رأى وموقف أغلبية البشر، وكذلك ضد وعى ومقاومة صفوة المفكرين والمبدعين والفنانين والمثقفين: أمريكيين وغير أمريكيين. لم تستطع هذه الصفوة بما اجتهدت وأثارت من حركية رائعة حقيقية بين الناس عبر العالم، بما فى ذلك أمريكا، أن تقف فى وجه استثارة الغريزة الدينية الأسطورية المتعصبة، وهى فى الأغلب المسئولة عن هذا الإقبال على الصناديق ثم النجاح. الخطير فيما جرى هو نجاح استغلال الاتجاه الأصولى الدينى الأعمى فى السياسة، لم يعد ذلك قاصرا على العالم المتخلف. إن إيهام الناخب – شعوريا أو لا شعوريا – أنه إنما ينتخب الله سبحانه إذ ينتخب مبعوث عنايته المزعوم، قد جرى فى هذه الانتخابات، وكأنها انتخابات فى نقابة مهنية فى مصر المحروسة.
وبعد، فإن كل هذا الذى حدث إنما يلقى الكرة فى ملعبنا لعلنا نفيق. نحن، وليس الناخب الأمريكى ولا الرئيس الأمريكى – مسئولون عما نحن فيه، وعما سوف نصير إليه، وعلينا أن نكف عن انتظار “الرئيس المنتظر” الذى سوف يصلح أحوالنا من خارجنا بلمسة سحرية بارعة. الذى انقبض مثلى لنجاح بوش عليه أن يتساءل ماذا كان يمكن أن يفعله كيرى لنا ونحن كما نحن. التحدى الحقيقى ينبه أننا إما أن نفعلها ونعيش بكرامة واستقلال وحركية وإبداع، أو نظل نترجح طول الوقت بين الانتظار، واللوم، والتفكير التآمرى، والأمل، وقرض الشعر، وكتابة المقالات، والكذب، والاستجداء.
الذى فاز فى هذه الانتخابات هو نحن إذا ما تحملنا مسئولية ما نفعل ومالا نفعل وما يفعل بنا جميعا، وهكذا فقط نكون طيبين .