نبذة: زعم جديد لفكرة أن الجمال هو التناسب الخلاق، أكثر منه الترابط الكمى للتفوق، رد على مقولة الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى واصفا الإسرائليين بأنه … من المؤكد أنهم أذكياء جداً – الفتح وإذكاء القبح هو قمة الغباء.
5 /4/ 2004
العقل الجميل والذكاء الغبي
تعجبت من بعض مقال الشاعر المفكر أحمد عبد المعطى حجازى (الأهرام 31/3/4) وهو يصف الصهاينة قائلا “… من المؤكد أنهم أذكياء جدا”. ولم يشفع له عندى أنه أردف” ..غير أنه من المؤكد أيضا أنهم بلغوا الحد الأقصى فى النذالة”. أى ذكاء هذا الذى يفقدهم قدرتهم على أن يقرؤوا التاريخ فيما بعد أثار أقدامهم الملوثة بدماء الأبرياء ما فعله شارون هو أغبى ما يمكن أن يفعله إنسان إذ يتنازل عن كل ما هو إنسانى فيه وفى تاريخنا البشرى الرائع.
… المنظر شديد الإيلام بالغ الفجع مثير للغثيان !! منظرهم وهم يفخرون بالقتل وهم يهنئون بعضهم بعضا بالنجاح (الحاذق) فى تفجير جسد شيخ عاجز إلا عن عبادة ربه وحفز أهله أن يعيشوا أحرارا على أرضهم مهما كان الثمن. المنطق شديد البلاهة حين يصرح أحدهم أن هذه المعمعة لن تنتهى إلا إذا نجح هؤلاء القتلة الأذكياء أن يعلموا الفلسطينيين كيف يحبون أولادهم. لم يبق إلا أن تدرج هذه التهمة (العجز عن حب الأولاد) ضمن مبررات الإبادة تبريرا لأن يقوموا مشكورين بتخليصنا من أولادنا بمعرفتهم ما دمنا قد عجزنا عن حبهم مثلما خلصونا من فائض أعدادنا المزدحمة وهم يزيلون أسلحة الدمار الشامل من أوراقهم المزورة لا من مخازن أوهامنا.
أتردد كثيرا حين أشير إلى سابق ما نشر لى حتى لو كان الأمر متعلقا بحاضر ما أكتب لما فى ذلك من شبهة التباهى بالحدس أو بالسبق ومع هذا فحين تهتز مشاعرى أمام حدث جلل فتتجلى فى وعيى صورة سبق لى أن عايشتها حتى سجلتها فنشرت لا أملك إلا أن أستسلم للإشارة إليها: عاودتنى رقصة أشلاء وفاء إدريس متناغمة مع أشلاء هذا الشيخ الجليل العائد من صلاة ركعتى الفجر (خير من الدنيا وما فيها) وهو يسبح ربه ويسأله الحرية والخلاص كان وعيى الذى نشط ألما أمام تناثر وفاء الممزق قد تجرأ فجمع أشلاءها فى جدل جديد علمنى ساعتها “معنى آخر للجمال” ( الأهرام 8/4/2002). بعد الفزع الجديد والفجيعة المؤلمة راحت اشلاء الشيخ العائد على كرسيه من الصلاة تتجمع لتشكل أمامى صورة هى أجمل ما يحفز المحبين للحياة على قبول التحدي. فى ذلك المقال القديم من سنتين ربطت بين ما وصلنى هكذا وبين مغزى الفيلم الذى كان يعرض آنذاك باسم”عقل جميل”ليقول: كيف يكون العقل رائعا حين يقدر على جمع التناثر المرحلى الأقرب للجنون فى إبداع متناغم يدفع الحياة إلى الأرقى والأجمل إبداعا.
يا شاعرنا العزيز:هذا هو العقل البشرى الذى يمكن أن يوصف بالذكاء الجميل. هو يكون جميلا بقدرة الوعى على تجاوز التناثر والتفجير والقتل والظلم بالاستمرار فى الإبداع والكدح إلى الحرية هو يكون جميلا ما اقترب من الحس النقى والمنطق البسيط القادر على تعرف الإنسان على أعظم ما حقق عبر تاريخه هو يكون جميلا بقدر ما يرفض الفخر بالقتل وبقدر ما يرفض حق النقض (“فيتو”) الذى يستعمله المطففون الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون, وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون, ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم وأيضا: سوف يبعثهم التاريخ من قبورهم مهما طال الزمن. وسوف تحاسبهم شعوبهم الحقيقية وشعوب العالم على هذا الغباء بقدر ما سوف تحاسبنا على غبائنا حين نساهم فى تمادى كل هذا الظلم والقتل والقبح يلحقنا وكأننا ضحايا لا شركاء. نحن نساهم فيما يجرى بتقاعسنا عن التكامل الاقتصادى والمعرفى وبمواصلتنا إجهاض إبداعنا, وبتفككنا ودوراننا حول أطماعنا, وبالكسل ولوم الآخرين دون أنفسنا.
غباء قمة تونس المجهضة ليس أقل كثيرا من غباء ذكاء آلة شارون العمياء.
وأنا أختم المقال هكذا تجلى لى الشيخ وهو يقفز عاليا فرحا يرفس الكرسى الذى ما عاد يحتاج إليه ثم يقرصنى فى أذنى بحنو بالغ وحزم صارم معا وهو يدعو لنا بالحرية والكفاية والإبداع مهما حدث.