الاهرام: 9/2/2004
الثورة الأخلاقية هى الحل !!! كيف
بطيبة مسئولة وأمل عريض, صرح شيخنا نجيب محفوظ فى وجهة نظر الخميس 29/1/4 أن التاريخ لم يعرف ثورة سياسية أو اقتصادية أو تحريرية إلا كان وراءها منظومة متكاملة للأخلاق، ومن ثم راح يدعو إلى ثورة أخلاقية حازمة وحاسمة فى حدود خبرته وأمله وقراءته للتاريخ مستشهدا بمقاومة الفساد الذى استشرى فى فترة ما بعد حكم أخناتون حتى جعل حور محب ينفذ العقوبة مثل قطع اليد أو الأنف على المدانين دون أن يتركوا أعمالهم خوفا من أن تتوقف الأعمال إذا أودع الفاسد السجن، لأن الكل كان فاسدا ومدانا. هذاعن الحل العاجل, أما الحل الآجل أو طويل المدى فقد أوصى شيخنا أن يكون عن طريق التعليم والإعلام!!! قبل ذلك كنت قد تعجبت من فرح بعض مريديه بهذه الفكرة التى يبدو أنها كانت موضع نقاش بينهم قبل النشر. بدا لى فرحهم كأنهم وجدوا الحل!
لم أدهش من أمل شيخنا ولا من تفاؤله, فهذا حقه وحقيقة موقفه, لكننى دهشت من الأصغر فالأصغر الذين يتابعون أكثر فأكثر ماذا جرى ويجرى فى كل من المنظومة الأخلاقية والدينية المعاصرة عبر العالم.
لا أحد يطالب شيخنا أن يتابع ما يحدث من تشويه وتسطيح وسوء استعمال هاتين المنظومتين لتحقيق أكبر قدر من اللاأخلاق تحت اسم الأخلاق والدين, بل لعل بعضنا يشفق عليه أن يعرفه.
ألم يستعمل غزاة العراق وأفعانستان لغة الأخلاق (محور الشر) ليبرروا احتلال الأرض وقتل الأشرار (بل والتخلص من مشروع الأشرار: الأطفال فى مهودهم)
ألا يستعمل قتلة الأبرياء فى فلسطين قيمة أخلاقية (الدفاع عن النفس) لتبرير قتل من يقرر القاتل (الخير) أنه ضبطه متلبسا بنية الأعمال الشريرة, حدسا أو حلما أو تخيلا، وبالتالى يسمح لنفسه بقتله دون محاكمة (هو وأهله احتياطا)؟
ألا تستعمل شركات الدواء قيمة الرحمة بالمرضى بزعم تجنيبهم الأعراض الجانبية (التافهة عادة) لتبرير سحب الدواء الرخيص وتسويق الأدوية الأقل فاعلية والأبهظ ثمنا مئات الأضعاف، فيموت الفقراء بالسلامة!!! دون أعراض جانبية؟
وعلى المستوى المحلى وبالذات فى مجال التعليم الذى أشار إليه شيخنا كحل آجل: ألم تترجم معانى المجاملة, والشهامة, والتكافل التعاونى وكرم الصداقة إلى تسهيل الغش للأولاد حتى إبدال أوراق الامتحان بأوراق سابقة التجهيز بالإجابة الصحيحة, فتكون النتيجة هى جريمة أخلاقية ترسخ فى وعى الصغار لتصبح أكثر تدميرا لهم من عجزهم عن فك الخط حتى المرحلة الإعدادية (فضيحة كفر الدوار: كمثال)، ثم تمتد آثار ذلك حين يكبرون إلى البحث العلمى والسياسة بأشكال أخبث وأخفي؟
ألم يستعمل الدين لتبرير قتل الكفار والأشرار لمجرد اختلاف سلوكهم أو معتقدهم عن فئة الأخيار القتلة؟ ألا يستعمل الدين أيضا لوأد الإبداع: أرقى أشكال تكامل الأخلاق والإيمان؟
أما عن الإعلام الرسمى وغير الرسمى فإسهامه فى هذا التشويه وقلب القيم إلى عكسها هو أكبر من الحصر
هل معنى ذلك أننا لسنا فى حاجة إلى ثورة أخلاقية كنقطة انطلاق؟ بالعكس نحن فى أشد الحاجة إليها شريطة أن يصبح الدين دينا، والأخلاق أخلاقا. حين نتعرف على الدين الصحيح من مصادره الإلهية وليس من سلطة وصية، وحين نحدد علاقة الأخلاق بالجوع بالعدل تطبيقا على الكبير والصغير علانية كما قال شيخنا، يمكننا أن نتفهم كلماته بشكل موضوعى قابل للتطبيق، كما أراد لنا وأمل فينا.