نشرت فى الاهرام
20-3-2006
إهانات وإهانات
… أحيانا، بل كثيرا، أكاد لا أصدق أن ما أراه هو حقيقة ما أراه. كنت أحسب أننى بخصامى للفضائيات والمحليات على حد سواء قد نجحت أن أقى مشاعرى من التبلد من فرط تكرار عرض ما لا أطيق تحمله. أعرف وأعترف أنه هروب لا أفخر به، ليكن، لكن أين أهرب حين تطالعنى بعد صلاة الفجر صورة فى الصفحة الأولى للأهرام لا أستطيع منها فكاكا؟ الصورة تجلت لى فى أهرام الأربعاء الماضى تخترق وعيى وليس فقط عيونى، الصورة أعلى يسار الصفحة الأولى، وتحتها بيان أنها “مجموعة من قوات الأمن الفلسطينية تخرج من السجن (أريحا) بعد حصار القوات الاسرائيلية …إلخ”. الصورة لشباب يلبسون ملابس الأمن الرسمية، ….. وهم يرفعون أيديهم إلى أعلى باستسلام مخـز. توقعت – ثم تأكدت من أصدقائى ومما نشر بعد- كيف كان المنظر أكثر إيلاما وإذلالا فى الفضائيات، فما بالك بالواقع. الخبر كما ذاع فى العالم هوأقبح من أن يُـقرأ.، لا أن يُـشاهد، فما بالك بمن صنعوه، وأجازوه، وتواطأوا لتنفيذه؟ فى أى عصر نعيش؟ وإلى أى دول ينتمى هؤلاء المراقبون الذين انسحبوا رسميا قبل هذا العار؟ ما هى مهمتهم بالضبط؟ إسمهم “مراقبون” !! يراقبون ماذا؟ لماذا؟ هل هذا الذى يحدث هو فعلا يحدث سنة 2006 بعد الميلاد وليس قبله !!!!؟؟؟؟ لماذا يساند العالم الذى يقول أنه متحضر كل هذه البربرية؟ كيف يريدون منا أن نصدق أنهم أصحاب القيم التى يحاولون تسويقها لنا؟ العدل؟ الحرية؟ ضرورة المحاكمة قبل الإدانة؟ ناهيك عن تنفيذ العقوبة بلا حكم أصلا؟. ثم القيم الجديدة: الإبداع المتواكب؟ الحوار مع الآخر؟ الفوضى الخلاقة؟ لا يا شيخ ؟!! ماذا ينتظرون منا؟ لنا؟ منا بعد كل هذا التواطؤ والفُجر والبلطجة؟ ماذا ينتظرون من شبابنا بالله عليهم؟ . حين تصل قيمة الإنسان “الآخر” (نحن) إلى ما هو أدنى من قيمة صرصار يتسلق بلاط “بانيو” حمام دون جدوى (توفيق الحكيم ، مصير صرصار)، فكل شىء جائز!! إذا كانوا – بكل هذا الإذلال- يريدوننا أن نتخلى عن بشريتنا، فعليهم أن يتحملوا هجمات الوحوش فينا، اللهم إلا إذا ارتقينا عنهم باعتبارهم الوحوش الأوْلى بالترويض، لعلهم يصبحون حيوانات أليفة، ثم بشرا كما خلقنا الله، من يدرى؟
شعرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف حجم تلك الإهانة التى وصلتنى من الصورة المنشورة فى الأهرام أكثر من الإهانة التى لحقتنى من هذا العبث بما تصوروه صورته عليه السلام، شعرتُ أنه عليه الصلاة والسلام يطالبنى أن أنتصر لى، لا أن أنتصر له. عبث فنان خائب على الورق لم ولن ولا يضير رسولنا الكريم، لكن إهانة إنسان هكذا هو الذى ينبهنا نبينا وديننا أنه يستحيل أن يصدر عن بشر له كرامة إنسان. ديننا ينهانا عن إهانة الإنسان (لا المسلم فقط)، لأن ربنا كرم “بنى آدم”، ولم يكرم المسلم دون غيره. شعرت، ولو من باب التصبير والتعويض، أن من فعل ذلك قد أهان نفسه أكثر مما أهان ضحاياه، تماما مثلما كان الحال فى سجن أبو غريب، وأكثر، وأعم !.
ماذا كان إحساس العزيز دبليو بوش حين رأى هذا المنظر؟ وماذا كان حال الوجيه الرشيق تونى بلير؟ وكل أعزاء العالم المتمدينين المتحضرين السابقين الأولين؟ لماذا كل هذا التواطؤ؟ لماذا كل هذا الكيل بمائة مكيال.؟ لماذا كل هذا العبث بكل القيم ؟
” يا سادتى، يا حفاظ السفر الأعظم، يا حملة سر المنجم، يا كهنة محراب الفرعون، يا أخبث من لاك الألفاظ تموء كقطط جوعى فى كهف مظلم…”
يا سادتى عيب كذا !!! أنتم هكذا تلغون من قاموس الإنسانية كل القيم العادلة الطيبة الكريمة!!
لكن ما ذنبكم وأنتم تروننا هكذا؟
معكم حق.
آآآآآآآآآآآآ ه ه .