نبذة: قراءة فى ظاهرة وزير اعلام صدام ومدى بلاهة حضوره الإعلامى أثناء الحرب،ودلالة فرح العالم العربى به، وسخرية العالم منه.
الأهرام: 5/5/2003
معنى ظاهرة الصحاف
أصبحت الكتابة( بل والقراءة) هذه الأيام عبئا ثقيلا متحديا حتى كادت تبدو لى بمثابة خيانة للحظة إن لم أجد لها أثرا فى فعلي- أنا أو من أخاطبهم- الآن وليس بعد. لا يكفى إن نتذاكر ونكرر، أو نكتب ونقرر، أو نحلل ونفسر، ونحصى ونجدول، دون إن يكون لدينا محكات عمليه موضوعيه نستطيع ان نقيس بها فعلنا اليومي، فإنجازنا الحقيقي، حتى نعرف ما إذا كنا نتعلم من الاخطاء والكوارث ام لا.
أتوقف طويلا إمام كتابات’ تحصيل الحاصل’، و’حل الإلغاز’. احترم حسن النية وأخاف من’ الإلهاء’ بديلا عن استيعاب الدرس، فالتغير. مثال ذلك: تكرار محاوله الاجابه عن سؤالين ملحين حول:’ مكان صدام واله،’ ثم’ شخصيه الصحاف وماله’.
صدام حسين ظاهرة قبيحة شائهة (مكرره للأسف)، دفعنا وندفع ثمنها غاليا اثناء وجوده، وبعد اختفائه. ليس المهم اين ذهب، ولكن المهم كيف لا يتكرر. الصحاف ايضا ليس شخصا يستاهل الوقوف عند ماهيته او هويته. ان خطوره ظاهره الصحاف لا تكمن فى دمويتها او قسوتها (مثل سيده)، ولكن فى تقبلنا لها بهذا الترحيب. لم ارفض الصحاف كفرد غائب عن حقيقه تفاصيل الواقع مما يجرى او سوف يجرى ان عاجلا أو آجلا، فى نفس الوقت لم اضحك معه، ولم أصدقه برغم بعض صدقه. لكنى عشت معنى وأثار خطورة تعاطف الكثيرين معه حتى اعتبروه جزءا من الاسابيع الثلاثه التى احيت فينا امل اننا ما زلنا احياء لنا كرامه نذود عنها. ووطن نحبه ونفتديه برغم حكامه. ليس للصحاف فضل فى تلك الاسابيع الثلاثه. لم يكن صوتا لها، ولا سندا لإبطالها.
لا أستطيع ان اضحك على النكات الصحافية لاننى اعجز من ان اشارك السيد دبليو فيما نشرته عنه الاهرام(26 / 4) وكيف كان يقطع اجتماعاته ليشاهد الصحاف ويضحك عليه او معه، فى الوقت الذى تحصد اسلحته وقواته المدنيين( بما فى ذلك الصحفيين). يضيف هذا الدبليو( ضاحكا)’.. ان هناك من اتهم الولايات المتحده بتوظيف الصحاف وتكليفه بالمهمه التى يقوم بها’. لم استبعد ان تكون هذه حقيقه اوضحها الكاتب النابه صلاح منتصر (الأهرام30 / 4) وهو يذكر كيف ان ظهور الصحاف استمر يوميا حتى يوم8 / 4 (اليوم التالى لدخول بغداد)، وانه عقد مؤتمره ذلك اليوم امام فندق فلسطين,’ ثم اختفي، ولم يعتقل، وهو تحت عيونهم، كما لم يدرج اسمه فى قائمه المطلوبين.
ليس المهم عندى أن يكون الصحاف خائنا او عميلا، المهم مغزى تصديقنا له كظاهرة يمكن ان تتكرر. بل هى قائمه بيننا فعلا طول الوقت. ان كثيرا من الكتب والكتابات، حتى من مسئولين كبار ونقاد ثقات، لا اشك فى حسن نواياهم، ليست إلا’ صحافيات’ بشكل او بأخر، بمعنى أننا نصدقها ونصفق لها لاننا نحتاج ان نصدقها ونصفق لها، وليس لأنها تشير الى الحقائق، او تغير المسار، أو تحدد المحكيات الواقعية التى نقيم بها خطواتنا.
سحقا لكل خائن، وشكرا لكل مجتهد، وتحذيرا من سهولة التصديق والتصفيق. علينا ان نتعلم كيف نواجه الحقائق العارية، نقيسها بالمقاييس الموضوعية. لنمارس النقد المسئول، فالفعل المثابر. كفانا صدامون وصحافون، وإلا فنحن لا نتعلم، وسوف يتكرر نفس النص (ال’سكريبت’) بلا توقف