نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 5-6-2016
السنة التاسعة
العدد: 3201
الطبنفسى الإيقاعحيوى (54)
Biorhythmic Psychiatry
النظرية التطورية الإيقاعحيوية
الجذور (1)
الخطوط العامة لتناول أطوار دورات المخ
مقدمة:
لم يعد صالحا أن أستمر انطلاقا من التاريخ العائلى إلى هذه الجرعة المفرطة من النفسِامْرَاضِيَّة، وأنا اعتبر نفسى أقدم المقابلة الإكلينيكية، لذلك قررت أن أغير العنوان مرحليا إلى “الجذور” ، وأعنى بها جذور النظرية التطورية الإيقاعية. وسوف أمهد اليوم لطرح أهم أطوار نبض المخ المستمرة، بعد أن بينت الأسبوع الماضى أنها دورات تشكيلية مفتوحة النهاية (بعكس دورات نبضات القلب)، وأنها مستمرة وغير قاصرة على مرحلة معينة فى مراحل الطفولة (كما تزعم مدرسة الموضوع)، وأنها بعيدة عن تناول “كيف تتم”، وإن كان فى الإمكان وضع الفروض المناسبة، والفاعلة، من خلال رصد نتائجهأ فى الصحة والمرض، فى الليل والنهار، طول العمر.
وكما أشرت سابقا فسوف أتجنب حاليا ناتج هذه الأطوار وهو “التخليق المستمر الذى يتم بعد كل دورة بشكل متناهى الصغر عادة”، لأعود إليه لاحقا بعد الانتهاء من عرض الأطوار الثلاثة الأهم من وجهة نظرى التطورية.
قبل أن أبدأ فى تقديم الأطوار تباعا سوف أخصص نشرة اليوم لتقدِم أساسيات التناول.
إنه برغم ما سبق تقديمه من التأكيد على انطلاقى من مدرسة العلاقة بالموضوع، وبرغم اعترافى بالجميل طول الوقت، أجد أنه ما زال عندى المزيد الذى يبين اختلافاتى الجذرية معها ، مع احتمال بعض التكرار، وخاصة حين يجرى التعامل مع الأطوار طورا طورا، ومن ذلك:
(1) إن هذه الأطوار هى متضمنة فى نبض الإيقاعحيوى للمخ، التى هى دورات طبيعية لها أطوار متتابعة هى من طبيعة الحياة (والأحياء) مهما أعطتها مدرسة الموضوع أسماء مرضية (أو شبه مرضية شيزيدى – بارنوى ….الخ).
(2) إن حركية المخ فى هذه الاطوار هى حركية “نمائية” “تشكيلية” “إبداعية”، حتى لو اشتملت حركة تراجعية مؤقتة، لأن ذلك هو جزء لا يتجزأ من البرامج النمائية عموما، وبرامج المخ خاصة (حركية برنامج الدخول والخروج الإيجابية)
(3) إن هذه الأطوار لها زمن نسبى يتغير مع تقدم مراحل التطور، بمعنى أن الأطوار الأولية تأخذ فى الطفولة زمنا أطول مما تستغرقه فى مراحل العمر اللاحقة، وهى تَقْصُرُ تدريجيا لحساب الأطوار الأكثر تناسبا مع مراحل النضج المتتالية المضطردة.
(4) إنه مهما طال العمر، ومهما بلغ النضج ، يظل التتابع هو هو مع تغير المدى والمدة (كما جاء فى البند السابق (3).
(5) إنه يعاد شحن كل طور باستمرار بما يدعم استمرار مراحل وإيقاعية نضجه، أو بما يحول دون ذلك قليلا أو كثيرا ، حسب ما تصله من رسائل من البيئة المحيطة ، وخاصة البيئة الإنسانية الأقرب فالأقرب.
(6) إن التوقف عند أحد هذه الأطوار أكثر من المفروض، أو الرجوع إلى أىٍّ منها فى الوقت الذى كان مفروضا أن يتم الانتقال فيه إلى الطور التالى، هو أمر وارد، وقد تصل آثار هذا التوقف أو التراجع إلى مرحلة ظهور أعراض، ومن ثم تكوين زملة مرضية بذاتها.
(7) قدمت مدرسة العلاقة بالموضوع هذه العلاقات المركبة وأكدت عليها، لكن باعتبارها نتيجة مباشرة لتعامل الأم بالذات مع طفلها أثناء تنشئته منذ ولادته، وقد أكدت هذه المدرسة على عدد من الانشقاقات فى الذات إلى ذوات متباينة ومتصارعة أحيانا، حيث قامت بتصنيف كل ذات انشقت بما يبين ويبرر دورها فى الصراع، أو فى القيادة، كل ذلك دون ربط أى منها بالأصل التطورى المقابل.
(8) هذه المدرسة لم تشر أصلا إلى جذور هذه الانشقاقات البيولوجية ولا إلى أصلها التطورى.
(9) إن هذه المدرسة أيضا أغفلت بل ربما أنكرت التاريخ العائلى.
(10) إن العلاج يحتاج إلى رصد ما آل إليه حال تنشيط وتحديث الأطوار المختلفة، وكذا سرعة النقلات، وطبيعة الإعاقة، وفشل الاستمرار السليم، ورصد نتيجة كل ذلك ليس فقط فى تشكيل مرضى بعينه، وإنما فى رسم النفسمراضية التركيبية للمريض هنا والآن، ومن ثَمَّ الانطلاق منها بما يعيد التناسب بين شحن كل الأطوار وبعضها البعض، فى وقت بذاته، لمسار بذاته، إلى هدف بذاته(= العلاج: نقد النص البشرى).
(11) إن أغلب العقاقير لها فاعلية “انتقائية” على هذه الأطوار، ذلك إنه بعد التأكد من طبيعة خلل التناسب وخطأ المستوى القائد ، أو اختفائه مع تعدد القيادات، يمكن من خلال الخبرة والعلم العملى (لا المعملى) الوصول إلى تصنيفات انتقائية أكثر فأكثر تعين فى تحديد العقار المناسب ودوره الانتقائى لتثبيط الطور الذى تجاوز حقه وطغى.
(12) إنه فى حالات مظاهر توقف النمو يتواصل النبض داخلنا دون فاعلية، لأنه يتواصل فى دوائر مغلقة برغم تتابع الأطوار دون نقلات تشكيلية خلاقة (حالات اضطرابات الشخصية النمطية، والاغتراب فى فرط العادية)
(13) إن هذه الأطوار وهى أطور نبض الإيقاعحيوى الإنسانى البيولوجى، تتناغم تلقائيا مع الإيقاعحيوى المحيط من الطبيعة إلى المجرات، إلى الأكوان، إلى ما نعرف، وما لا نعرف (الغيب).
(14) إن أطوار النبض ليست محدودة بتوقيت ثابت – مثل القلب – ولا بزمن ثابت، بل الأرجح أنه يوجد تركيب هيراركى لنبضات أكبر وأكثر اتساعا، تحتوى نبضات أصغر فى ترتيب تصاعدى يتمادى طولا وعرضا انطلاقا من مستوى تنظيمات الوعى الشخصى، إلى الوعى البينشخصى إلى الوعى الجمعى، إلى الوعى الجماعى، إلى وعى الطبيعة وما تحوى، إلى الوعى المَجَرَّاتى، إلى الوعى الكونى، إلى الغيب ، إلى وجه الحق، وكل مستوى له دوراته وتوقيته وبرامجه المنتظمة فى الأحوال السليمة التى لم تتشوه بإعاقة أو انحراف، وبالتالى تتكامل وتتناغم مع بعضها البعض
(15) إن بعض العلاجات الطبيعية المناسبة، فى الوقت المناسب، التى تعمل من خلال “إعادة تشغيل إيقاع المخ” ((1)، فى الوقت المناسب، تعطى فرصة للتعامل مع إيقاع المخ ليستعيد مسارات تنظيماته الإيقاعية الطبيعية.
(16) إن التمهيد النقدى المهنى بالاستعانة بالعقاقير انتقائيا يسمح لهذا العلاج (إعادة التشغيل) أن يتولى القيادة المستوى الأكثر تناسبا مع المرحلة (المايسترو)، لاستعادة التناغم الطبيعى.
(17) إن أى من هذه الأطوار، أو ما يعادلها، موجود من قبل الإنسان فى كل الأحياء التى استطاعت أن تبقى عبر تاريخ التطور، وإلا كانت انقرضت مع ما انقرض من أحياء، بمعنى أن كل طور له ما يقابله فى الأحياء السابقة، سواء كانت موجودة حاليا أو غير موجودة.
(18) إنه برغم أننى فى مرحلة سابقة تصورت أن الطور الثالث لدورات المخ، وهو الطور “الطور العلاقاتى الجدلى الإبداعى” (ما يقابل الموقع الاكتئابى عند مدرسة الموضوع) هو خاص بالإنسان، إلا أننى بعد أن عدت إلى حدس تشارلز داروين الذى جعله يكتب كتابا فى الانفعال عند الحيوان، وأيضا بعد أن عثرت على هذه الثروة الزاخرة التى أتاحتها لى مواقع المعلومات والأشكال من أعمال المصورين والتشكيليين، أصبحت أكثر ميلا إلى ترجيح أنه حتى هذا الطور الإبداعى الجدلى، له جذوره وأصوله عند الحيوانات خاصة الحيوانات المتعايشة مع الإنسان فى الحياة اليومية.
وبعد
دعونا نبدأ غدًا فى عرض الأطوار الواحد تلو الآخر
شكل (4) شجرة التطور الأساسىالذى تنطلق نبضات وأطوار دورات المخ فى موازاتها.
[1] – Rhythm Restoring Therapy (RRT) الذى كان يسمى بالصدمات الكهربائية