نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 19 – 2 – 2015
السنة الثامنة
العدد: 2729
ص 190 من الكراسة الأولى
استثناءً: أسوة بما كان فى النشرة السابقة سوف أنشر صفحة كتابته مكبرة مستقلة دون ترجمة إلى حروف المطبعة لنفس الأسباب.
مقدمة:
بقى على الصفحة رقم 200 (مئتين) عشر صفحات، أى عشرة أسابيع، أى شهران وأسبوع، هل آن الأوان أن أتوقف؟ من ذا الذى يستطيع أن يتابع وقد وصل عدد صفحات تداعياتى على التداعيات إلى ( 1035) صفحة من الحجم الكبير A4 أى حوالى (1300) صفحة كتاب من الحجم الكبير (70 × 100)، وكيف أضمن عدم الملل؟
الذى أثار كل هذه الأسئلة هو مدى ما توصلت إليه “نكشات” قلم شيخنا من تشتت، وخوفى من أتعسف القراءة فأقوّله ما لم يقل حين أقرأ ما لـَمْ يكتب.
بصراحة فزعت حين تصورت أننى سوف أتوقف لأننى فعلا ألقاه كل خميس بلا انقطاع حتى الآن، كما كان الحال قبل رحيله ولمدة تناهز العشر سنوات، هل أستبدلُ بذلك بعودتى إلى نقد ما لم أنقد من أعماله كما وعدت مرارا؟ (وعدت نفسى أساسا)؟
ليس عندى أجوبة وألتمس منكم العون والمشورة فى هذه الصفحة ومثلها.
بدأت هذه الصفحة البداية المعتادة باسمه واسم كريمتيه بعد البسملة ثم راح يذكر كل الأصدقاء (أو بتعبير أدق كل جلساء اللقاءات الخارجية) دون تحديد يوم اللقاء كما حدث سابقا (صفحة 188 نشرة 5-2-2015) وصلنى ذلك بشكل طيب باعتبار أنهم حضروا فى هذه الصفحة مجتمعين فى وعيه معا، يكمل بعضهم بعضا، وكأنه قرر أن يجمعنا حوله فى وعى جماعى (وهو ما يشغلنى حاليا فى مجال اجتهاداتى العلمية الأحدث) وهكذا كتب:
يحيى الرخاوى، محمد الرخاوى، حافظ عزيز، حسين حمودة، عادل عزت، نعيم صبرى، سعاد، عزيزة، أدهم رجب، زكى سالم، مصطفى أبو النصر، فتحى هاشم، رامى (أو الهامى) جمال، يوسف، توفيق.
…….
وفيما عدا رامى (أو الهامى) فكل من ذكر أعرفهم وأتابع حضورهم وعطاءهم ومشاركتهم، لكننى لا أذكر رامى، هذا وقد سبق أن ذكر معظم هؤلاء (ربما كلهم) فى أيام لقائه معهم، يوما بيوم، نشرة: 29-1-2015 ، ونشرة:5-2-2015 وقد تصورت – وأنا أشتغل هذه الأيام فى منطقة الوعى الجمعى، ومثوله فى الوعى الشخصى كما ذكرت وامتداده إلى الوعى المطلق، تصورت أنهم – أننا حاضرون فى وعيه هكذا – وطبعا هناك أصدقاء أخرين وأسماء أخرى، كما أننى لم أحاول أن أتصور أن تقديم اسم على آخر له دلالة خاصة، فعدله فى عواطفه لا يقل عدلا عن عدله فى تصرفاته وحياته وأخلاقه.
فوجئت بدءًا من السطر السادس بكلام مهم يمسك بعضه بعضا، لكن للأسف لم أستطع أن أكمل إلا سطرين، كتب ما يلى فى هذين السطرين:
“لو سألوك كيف تقاوم الحزن فأجبت بأن أحزن، ولعلها مقولة غير جديدة..”
ثم فى آخر السطر السابع ثم السطر الثامن بأكمله قرأت بعد ذلك بالتقريب:
“مسألة نسِـيـَتْ وطُوِيَـتْ ولكن من الجائز أن ينخر سوس من من جديد
والله أعلم”.
نجيب محفوظ
19 /8/1995
فجاءنى هذا التداعى على تلك الأسطر كالتالى:
فى المنهج العلاجى الذى أتبعه وفيه بعض ملامح العلاج المعرفى الأحدث، دون تقيد بخطوات مستوردة: خطوة اسمها “المواجهة” (ومدرستنا فى العلاج تسمى المواجهة المواكبة المسئولية) (1) وخطوة المواجهة هى ما أشار إليه حدس شيخنا هنا، ولا أذكر إن كنت قد حدثته عن هذا المنهج، ولا أدعى أنه التقط هذه الجملة من حديث لى عن الموقف العلاجى الذى أتبعه، والذى يبدأ بقبول الموجود من أعراض مهما كانت مؤلمة، حيث أدعو المريض إلى قبولها واحترامها حتى يجد السبيل الطبيعى لاحتوائها واستيعابها وبعد خطوة “المواجهة” هذه تأتى الخطوة التالية وهى “المسئولية” وهى أن يكون المريض مسئولا عن هذه المواجهة مع الطبيب من خلال ما تعرفت على اسمه مؤخرا وهو “الوعى البينشخصى”، وخطوة “المواكبة” وهذه لا تسبق بالضرورة خطوة “المسئولية” وإنما هى تبدأ من البداية (2)، وهذا العلاج يتداخل مع علاج معرفى حديث نسبيا يسمى علاج القبول والالتزام Acceptance Commitment Therapy، وهو ما أشرت إليه أيضا فى نشرات سابقة (نشرة 24-2-2008)، ما يهمنا من كل هذا هو أن ما جاء فى حدس شيخنا هكذا هو تماما ما يحدث فى خطوة المواجهة، وهو ما يحدث – تقريبا- فى خطوة “القبول” فى علاج القبول والالتزام الخوجاتى.
وتسمى هذه الخطوة أحيانا بـ “العلاج بالأعراض” Symptom Therapy وكان الطبيب يكتب على روشته للمريض الحزين (مثلا): جرعة من الحزن مناسبة، فيخف الحزن وكأنه هذه الجرعة هى الدواء.
وقد لاحظت أن هذا يصلح حتى فى الممارسة الراتبة مع بعض مرضاى حين اكتب لهم توصيات على الوجه التالى:
مسموح: “الحزن” والقلق والدوخة والتوتر….الخ، وأحيانا أضيف عبارة “على مسئولية الطبيب”، ويتعجب المريض من هذه التوصية ويقاوم وأواصل معه حتى يقتنع أن يجرب، فيفعل فتخف حدة ما يشكو منه بمجرد قبول المحاولة، وينطبق هذا فى بعض الأحيان على الوسواس أيضا (أنظر نشرة “ص69” نشرة 29-3-2012) .
وبعد
بالله عليكم من أين جاء لشيخنا كل هذا فكتبه لنفسه أثناء تدريبه فى سطرين هكذا؟
هل صدقتم أنه طبيب نفسى رائع ومبدع يستحق أن اعترف له بفضل علاجى كما كررت مرارا، أثبت فى قصيدة: “صالحتنى شيخى على نفسى” فى عيد ميلاده 92
ثم أقفز على السطر التالى لهذا الحدس الطبنفسى لأقرأ بالكاد ولو تعسفا بعض ما أنهى به هذه الصفحة:
“….مسألة نُـسيتْ وطويتْ ولكن من الجائز أن ينخر سوس من جديد
والله أعلم”.
هذا حدس آخر، حدس يثير قضية علمية أخرى تغرينى أن أتطرق إلى حقيقة طبيعة الذاكرة (والنسيان)، ودورها فى الصحة والمرض، لكن النشرة ستطول، ولست متأكدا من صحة قراءتى، وأكاد أكون متأكدا أنه سيرجع إلى ذلك لاحقا فيتيح لى فرصة أخرى فى موضوع يهمه أن يسمعه منى (ومن العلم الأحدث) وهو عن الاجتهادات، حول وظيفة الذاكرة، وطبيعتها.
والله أعلم (كما ختم به كلامه).
شكرا يا شيخنا
نوّرتنا….
رجاء
من استطاع أن يقرأ السطر الثامن الذى تجاوزته أو يصحح لى السطر الأخير (وقد كبرت الصفحة بدرجة كافيه)، فليفعل مشكوراً.
[1] – وسبق أن أشرت إلى بعض ملامح ذلك المنهج فى نشرات 24-2-2008، 26-2-2008 (علاج المواجهة – المواكبة – المسئولية) (وهو أسبق من العلاج الخوجاتى بعشرات السنين)
[2] – (وبلغة الحب: من أول نظرة)