“نشرة” الإنسان والتطور
الأربعاء : 7-1-2015
السنة الثامنة
العدد: 2686
حوار عن العنوسة (هل هذا وقته) (1)
(1) متى أصبحت العنوسة ظاهرة فى مصر على وجهه التقريب وما تفسيرك لانتشارها سنويا؟
د. يحيى:
لا أعرف، هذا أمر يحتاج إحصاء من جهة مسئولة، وهو يحتاج إلى تعريف محدد للسن التى يصح أن نطلق فيه على الفتاة أنها عانس، وأيضا يختلف من منطقة إلى منطقة ومن طبقة اجتماعية إلى أخرى، وأخيرا يختلف حتى من دين إلى دين.
لو صح أنها انتشرت فأنا أرجح – من وجهة نظر شخصية وليست علمية – أنها ترجع إلى مبالغة فى صحوة نسائية جيدة، وصحوة اجتماعية مناسبة، لكن يبدو أن الصحوة انقلبت إلى فرط حسابات، وتمادى فى الخوف، وبعض الطمع، واهتزاز صورة الرجل المعاصر، وصحصحة البنات وهن يفرزن المتقدمين ثم هـُبْ يفوتهم القطار.
(2) أيهما الأكثر ألما للمجتمع العانس الفتاة أو العانس الشاب، ولماذا توصم الفتاة عندما تتأخر عن الزواج على عكس الشاب؟
د. يحيى:
المجتمع لا يتألم للعنوسة فى ذاتها، التى تتألم هى البنت ويأتى ألمها من ناحيتن الأولى أنها تأخرت فى الزواج عن قرنياتها وقريباتها، الثانية ما يحلق بها من وصم المجتمع بهذا الصفة القاسية السخيفة “عانس” ثم إنه لا يقال على الشاب الذى تأخر فى الزواج أنه عانس قد يقال أنه عزبنجى، أو أنه حر، لكننى لم أسمع شابا يوصف بأنه عانس.
(3) كيف ترى دور المؤسسات الدينية للترويج لتييسر الزواج ودور الأسرة أيضا فى التقليل من المغالاة فى طلبات الزيجات؟
د. يحيى:
هذه ليست مسئولية المؤسسة الدينية ولا حتى مسئولية الأسرة بشكل مباشر، أن قيمة الزواج يمكن أن تكون هدفا للفتاة منذ الطفولة، وهذا لا يعيبها، لكن أيضا لم يعد هذا هو الهدف الوحيد أو الهدف الأول، فهناك التعليم، أكمّل دارستى، وسلاح فى أيدى، واشمعنى بنت خالتى ..الخ، لا بد من العمل على تسهيل تكوين الأسر ، المفروض أن الدولة عليها أن توفر لهذه الأسرة الناشئة أبسط حاجتها من سكن وعمل وإلا تصبح المسألة عالة على الأسرة الأكبر بشكل أو بآخر، أما بالنسبة للمغالاة فى طلبات الزيجات فهذه مسألة اقتصادية، وقيمية أكثر منها مسألة دينية واجتماعية وما دامت القيم السائدة هى قيمة التفاخر والتباهى بالمظهر والمنظر فبديهى أن يتبع ذلك المغالاة المذكورة.
(4) من مشاهداتك للأعمال الدرامية والسينمائية هل عالجت الدراما الظاهرة بنجاح أو قصور؟
د. يحيى:
أنا لا أشاهد الأعمال الدرامية بشكل منتظم، ولا غير منتظم، ولا أعتقد أنها ساهمت فى مشكلة العنوسة اللهم إلا إذا كانت تقدم نماذجا لتفاهة الرجال والشباب وعدم مسئوليتهم، أو لصعوبة المؤسسة الزوجية وتنويعات فشلها، وإن كان هذا أكثر تواترا فى العالم الغربى من عندنا على حد علمى.
(5) هل تختلف نفسية العانس الأنثى عن نفسية العانس الذكر.. وهل تختلف سلوكياتهم؟
د. يحيى:
قلت قبل ذلك أننى لا أعرف مصطلحا اسمه العانس الذكر، وإن كنت أعتبر أن الرجل الذى تأخرا فى الزواج حتى منتصف الأربعينات أو الخمسينات، لابد أن عنده صعوبة ما فى عمل علاقة مع الآخر، أما آخر سواء كان زوجة أو غير زوجة، أو أقل تواترا فى مجتمعنا يكون منتميا إلى منظومة قيم تزعم أن عدم زواجه هو نوع من الحرية التى تتيح له التنقل فى العلاقات بمسئولية أقل، وتنويع أكثر.
(6) الكبت الجسدى لهؤلاء الفئات كيف يتم تفريغه وردود فعل المجتمع إزاء هذا التفريغ؟
د. يحيى:
هذا لا يسمى كبتا بقدر ما يسمى حرمانا، لأن التى لم تتزوج هى لم تكبت نفسها جنسيا بقدر ما أنها لم تتح لها فرصة طبيعية لممارسة حقوقها كما خلقها الله، ويختلف موقف كل متأخرة حسب الطبقة ومساحة الحرية ومدى التحوصل على الذات لممارسات ذاتية شبقية، وأيضا على مدى التدين وطريقته.
(7) وهل العنوسة يمكن أن تأثر نفسيا لدرجة أن تحول صاحبها إلى أعمال العنف أو الجريمة المنتشرة فى مجتمعنا الآن؟
د. يحيى:
كل شئ جائز، لكن لا يوجد ربط مباشر بين عدم الزواج أو التأخر وبين زيادة معدلات الجريمة، وعموما فإن صاحب الأسرة عادة يخاف على أفراد أسرته، أما الذى يعيش بدون أسرة خاصة يرعاها فقد يجد نفسه أكثر اندفاعاً وأقل ترددا فى كسر القانون أو تهور السلوك، من أثار أرتكاب أعمال العنف أو الجرائم، وأعتقد أن معدل الجرائم عند من يسمون العوانس ليس أكثر من معدل المتزوجين على حد علمى.
(8) كثر الحديث عن ترقيعات غشاء البكارة لدى الفتيات أو ترويج للغشاء الصينى لدرجدة أن دفع احدى فقهاء الدين وهى الأستاذة سعاد صالح بأخراج فتوى استخدامه للفتيات بدافع الستر، هل يمنح هذا مبرر نفسى للفتاة العانس للقيام بسلوك من شأنه إشباع رغباتها الجنسية؟
د. يحيى:
مسألة ترقيع الغشاء أو وضع بديل صينى له مسألة فيها نظر، فمن حيث المبدا إن أى كذب فى أى تعاقد قد يضر بشكل أو بآخر، وديننا علمنا أنه ليس منا من غشنا، ولا أعتقد أن هناك عدد كبير يلجأ لمثل هذا الإجراء إلا اضطرارا، والأمر لا يحتاج فتوى دينية وإنما يحتاج وعى بحدود مفهوم الغش، ويتوقف السماح بمثل ذلك على شخصية الشريك بقدر ما يتوقف على جدية ونية التوبة لمن أخطأت أو أوذيت حتى فقدت بكارتها، لذلك يصعب تعميم الحكم على مثل هذا الإجراء فينبغى أن ندرس كل حالة على حدة، ويكون السماح بالغش فى أضيق نطاق على أساس أن الضرورات تبيح المحظورات، فلتكن الفتوى ستر وغطاء، لكن لابد أن تصنف تحت بند الضرورة، وهذا يرجع فى كل حالى إلى ظروفها.
(9) هل يستحق موضوع العنوسة من وجهة نظرك اهتمام أكثر من الدولة وتغير ثقافة مجتمع وأن ترصد وسائل الاعلام مساحة أكبر لمناقشته أم ماذا؟ وتجربة عمل باب خاص فى مجلتنا عن العنوسة هل تراه جيدا وناجح؟
د. يحيى:
لا أظن أننا فى الوقت الراهن نحتاج لمثل ذلك، فمن ناحية الدولة عليها أعباء أهم وأخطر ألف مرة من هذه المشكلة وليس عليها إلا القيام بواجبها كما أسلفنا بتوفير الخبز والوقود والمواصلات وقرص العمل، أما فتح باب فى مجلتكم الغراء فهذا أمر متروك للقائمين على المجلة، وأعتقد أن هذا وراد وقديم فمنذ الأربعينات وأنا أذكر ربما فى مجلة روزاليوسف العريقة باب باسم “إعلانات زواج” وكم من النكت والكاريكاتير ظهرت وهى متصلة حول هذا الموضوع بشكل أو بآخر.
(10) هل تقترح حلول من شأنها تقليل من ظاهرة العنوسة تلك وتجعل المجتمع أصح نفسيا بخصوص هذا الشأن؟
د. يحيى:
أظن ما عندى من اقتراحات قد وردت فى ثنايا إجاباتى السابقة على الأسئلة الباكرة، فقط عندى رغبة أن أذكر موالا قبيحا أرجو أن نتنكر له لأن فيه إهانة شديدة للبنات وإنجاب البنات هذا الموال يقول:
ياللى معاك البنات بدّر وروح السوق
خلف البنات عار يجبلك عار مع سوء
قارنى هذا الموال بالحديث الشريف الذى معناه أن من أنجب البنات وأكرمهن دخل الجنة قيل واثنين قال واثنتين، قيل وواحدة قال وواحدة.
فى نفس الوقت هناك شعر عربى جميل يصور نفسيه الجميلة التى تأخرت فى الزواج، وهى واقفة أمام المرآة تتنهد وتتحسر على جمالها الذى لم يقدره أحد فيخرج من تنفسها بخار ماء يخبئ جزءاً من المرآه فترى وجهها الجميل وقد اختفى بعضه وراء بخار الماء هذا، فيشبه الشاعر العربى الحساس هذا المنظر بالقمر بدراً وقد غطى جزءاً منه سحابة بيضاء فانلة
والبدر ملتحف بغيم أبيض
كتنفس الحسناء فى المرآة إذ كملت محاسنها ولم تتزوج
[1] – نشر فى مجلة الأهرام العربى 26-12-2014