نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 27-5-2014
السنة السابعة
العدد: 2461
الثلاثاء الحرّ:
أما وقد بقيت ساعات أو أيام لنعرف من سيحمل أمانة هذا البلد الطيب، فإليكم ما خطر لى من أسابيع.
الاقتصاد وتحديد العدو: مقاييس لأداء الرئيس (1)
ينبغى أن تتغير المقاييس، وعلى الإعلام الوطنى الخاص والعام، أن يركز على توعية الناس بمقاييس يقيسون بها أداء من يتولى أمرهم، وكفى تركيزا على المطالب الخاصة، والمآزق العاجلة، أنا لا أدعو إلى أن نؤجل الاستجابة الممكنة لكل مظلوم أو فئة مظلومة، ولا أن نهمل المآزق العاجلة (الطاقة، الكهرباء، الخبز، المواصلات) لكن هناك خطوطا عريضة، وسياسات أساسية ينبغى أن نلتفت إليها جميعنا، وليس فقط المسئولون الرسميون منا، وأن يكون تقييمنا لمسيرتنا ولأداء رؤسائنا وكفاءتهم من خلالها.
كتبت مرارا عن أهمية أن نقيس خطانا، وأن نركز إبداعنا على تصحيح مسار الاقتصاد، وتحريك عملية الانتاج، وبغير ذلك فإن أية حلول عاجلة سيكون عمرها قصيرا، كما أن أية حلول اقتصادية تسكينية بالقروض أو التبعية أو حتى المنح الهدية فسوف تكون آثارها وخيمة.
نحن الآن فى مواجهة أزمة بقاء وتثوير ووجود بالغة الحساسية، الثورة لا تكون ثورة إلا إذا واجهت مسئوليتها الممتدة خلال عقود أو قرون، كل ما جرى حتى الآن هو ترتيب أوراق لبناء دولة، تتيح للناس المصريين (فكل الناس) بناء أمة حضارية، تسهم بما عندها – وهو كثير- فى بناء الإنسان الحديث المهدد بالفناء عبر العالم، نتيجة تصرفات قوى عالمية ومحلية لا تنظر إلا لموقع أقدامها، وما يملأ خزائنها. آن الأوان أن نتوقف عن ترديد شعارات تحقيق أهداف الثورة بالألفاظ دون إمعان النظر فى الوسائل والمناهج وترتيب الأولويات التى يمكن أن تحققها، وكل ذلك يبدأ بالاقتصاد الاقتصاد الاقتصاد، لا يصح لواحد مثلى أن يتكلم فى الاقتصاد، إلا كمواطن يفخر بأنه يقدس المنطق البسيط، ويتابع ما حوله إلى المدى المتاح، ويعايش شرائح مختلفة من مواطنيه من حقهم أن يعيشوا مستقلين عاملين كادحين مكرمين شرفاء.
نعود إلى السؤال الذى بدأنا به: كيف نقيس أداء وتوجه الرئيس الجديد؟ لا يحضرنى الآن أولى من القياس بحركية الاقتصاد وقدرته على تنميته مستقلا، ثم ترتيب الأعداء للحذر منهم.
بالنسبة للاقتصاد أشعر أنه قد أن الأوان أن نقيسه بمدى استيعابنا، وعلى رأسنا حكامنا، لغة العصر الاقتصادية الجديدة من حيث أن المسألة الآن لم تعد “اشتراكية” مقابل “رأسمالية” ولا “إقطاع” مقابل “الطبقة العاملة”، لا “يسار” مقابل “يمين”، وإنما أصبحت مواطنوان مستقلون قادرون على الانتاج لبلدهم بأموالهم وأفكارهم ومشاريعهم مقابل مواطنون منكفئون على ذواتهم حسب تعليمات أسيادهم وشركائهم خارج هذا الوطن.
عن الاقتصادى المبدع أ.د. جلال أمين، عن المفكر الشجاع نعوم تشومسكى أنه قال: “لم تكن واشنطن تحارب الشيوعيين فى العالم الثالث، بل تحارب الوطنيين”. وقد قدم تشومسكى أدلة عديدة على ذلك من أمريكا اللاتينية وآسيا”، ثم يضيف أ.د. جلال: ولكن الأمر كان كذلك فى مصر أيضا. فالمستبعدون من تولى أمور الاقتصاد فى مصر، منذ منتصف السبعينيات لم يكونوا فقط اليساريين الوطنيين بل أيضا اليمينيين الوطنيين. ويذكرّنا أ.د. جلال أمين ببعض رجالنا الاقتصاديين الذين استوعبوا النقلة الجديدة، وراحوا ينمون الاقتصاد الوطنى المستقل بغض النظر عن يساريته أو يمينيته فى مواجهة الإغارة المالية العولمية، ويكرر أ.د. جلال فى مقاله الرائع (الشروق فى 17/6/2011) أنه “لا يهم كثيراً فى الوطنية ما إذا كانوان من اليمين أو من اليسار فالنهضة ممكنة على يد أى منهما ما دامت توفرت النزاهة والوطنية”
دعونا نبلغ الرئيس الجديد – أيا كان – أنه ليس مطلوبا منه أن يناصب هؤلاء الوطنيين الأثرياء العداء حتى لو صنفوا من العهد البائد لمجرد أنهم أثرياء، لأن مصر ما لم تستوعب كل أموال المصرييين أولا، ثم ما تيسر من أموال العرب الشرفاء ثانيا، شركاء أكثر منهم دائنون أو متبرعون، لا يمكن أن تتقدم فى الطريق الصحيح.
طبعا على الرئيس ان يتجنب ويجنبهم خطأ الوقوع فى سيرة سابقيهم الذين بدأوا طريق الاستقلال الاقتصادى الوطنى فعلا، لكنهم اساؤءا تقدير حق عموم الناس – أصل الخير لهم – فيما أفاضت عليهم نجاحاتهم بفضل إدارتهم وتدبيرهم: لصالح أنفسهم فوطنهم فعلا، لكنهم نسوا فى النهاية – وفى البداية – حق هؤلاء الذين يمثلون البنية الأساسية لاى وطن حر يحق لكل مواطنيه أن يتقاسموا خيره.
للرئيس الجديد إذا لاح له أن يواصل خط عبد الناصر أن يتذكر أن الأمور والموازين والتقسيمات فى العالم كله قد اختلفت وأنه لن ينجح فى اللحاق بركب الاقتصاد إلا باستثمار كل ثروة مواطنيه لوطنه، ويمكنه فى بضع دقائق أن يطلع على جوجل قبل وبعد فوزه ليعرف معنى وجود هذا العدد من الملياديرات الوطنيين فى روسيا، وأيضا فى الصين والهند، وأن هؤلاء ليسوا أعداء الشعب بل هم ثروة اقتصاد واستقلال هذه الأمم، إن لم يفعل ذلك، فإنه لن يجد تحت يده ما يسمح له بأن يوفى بوعوده للمظلومين والمحرومين.
وعلى الجانب الآخر بالنسبة للسياسة الخارجية فأكتفى فى هذه العجالة بالتذكرة بأننا سوف نعرف من هو أيضا من خلال تحديده لنفسه ولناسه، أعداءنا الأوْلى بالعداوة، العدو الأول، فالثانى فالثالث وهكذا، العدو الأول مثلا هل هى اسرائيل أم إيران، هل هم الصهاينة أم الشيعة، هل هم المتهمون بالهرطقة لخروجهم عن دين الديمقراطية المضروبة، أم هم الذين يحاولون الانفصال عن التبعية لنماذج ثقافية لم تنبع منا، وهى ليست بالضرورة الأنسب لنا؟
وفقك الله يا سيدى الرئيس القادم وأنار بصيرتك وسدد خطاك.
[1] – تم نشر هذا المقال فى موقع اليوم السابع بتاريخ: 4-4-2014