نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 4-1-2015
السنة الثامنة
العدد: 2683
الأساس فى الطب النفسى
ملف الوجدان واضطرابات العواطف (55)
ثانيا: الانفعالات العسرة: (18)
اضطرابات الوجدان (العواطف)
عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا (15)
الحق فى الخوف مقابل الخوف المجمِّدُ
مقدمة:
إذن، فالبداية لدراسات اضطرابات الوجدان هى أن نعرف طبيعة كل وجدان، ووظيفته فى السواء، قبل أن نفحص اضطرابه زيادة أو نقصا أو اختلالا فى المرض، هذا ما فعلناه في طيف الحزن، ويبدو أنه هو هو ما سوف نفعله في كل اضطرابات الوجدان.
أنهينا النشرة السابقة يوم الأحد الماضى بما يلى:
* طالما أن هناك “مجهول” فالخوف قائم ونحن نطرق باب هذا المجهول أو نخطو فيه أو إليه.
* طالما أن هناك “حركة” فالخوف وارد وعلينا أن نفرق بين الحركة فى المحل (بلا خوف، أو بخوف زائف) والحركة إلى ما لا نعرف (لنكتشف ما نضيف ونحن فى خوف بديع).
* طالما أن هناك “جديد” فالخوف طبيعى وعلينا أن نتعرف عليه بأكبر قدر من التحمل.
* طالما أن هناك “وعى” فالخوف يقظة تشحذ هذا الوعى حتى يتعمق ليستوعب أكثر، ويخاف أبدع.
* طالما أن هناك “آخر حقيقى مختلف”، فالخوف مواكب لمحاولة إنشاء علاقة حقيقية مبدعة معه.
* طالما أن لنا داخل لا نعرف أغلبه يهدد بالظهور أو التعرى، فالخوف ضرورة مصاحبة لأى كشف له، أو حتى تهديد بكشفه.
* طالما أن هناك “تهديد بالانقراض” فالخوف فريضة حياتية بقائية تطورية معا.
وبعد
إذا كان الأمر كذلك, فما هذا الذى يفعله الأطباء النفسيون والنفسيون والآباء والأمهات، ودعاة السلام وفى أيديهم القنبلة الذرية وتحت أصابعهم أزرار إطلاق الصواريخ العابرة للقارات والطائرات بلا طيار، ما الذى يعنيه كل ذلك وهم لا يرددون إلا النصائح الإنسانية أن: “لا تخف”، فى بلدنا رد طريف لمثل هذا الموقف يقول: بأمارة إيه؟ أو “طب إدينى أمارة”، وفى بلدنا أيضا يقولون “مين خاف سِلـِم” وأخيرا يعصرون الواقع بهذا القول الصعب”خافْ، وخوّف”، هنا يصبح الحس الشعبى أكثر علمية، وموضوعية من إشاعات “دع القلق”، و”لا تخف”.
حين رحت أقلب فى أوراقى لأقدم هذا الدفاع الذى أبدأ به الحديث عن كل وجدان قبل ان أعرض تشكيلات اضطرابه ، وجدت أننى نبّهت الأطفال فى الأراجيز التى كتبتها لهم إلى أن يقفوا مما نقوله – نحن الأطباء النفسيين والوالدين والمربين– موقف النقد والمراجعة، وتبينت أن الأطفال، مثل الحس الشعبى، يعرفون التركيب البشرى أكثر موضوعية من كثيرين من الكبار على المنابر، وأخيرا فإن الشعر هو الاقرب إلى الأطفال وإلى الحس الشعبى، وتعجبت كيف خرج منى كل هذا النقد هكذا وللأطفال في حين أنني لم أستطع أن أوصله بنفس الحجم للكبار، بل إننى ضبطت نفسى وأنا أجسد الخوف حتى التجمد، وهو خوف مرضى بدائى بالغ، جاءنى شعرا بالفصحى، ربما حين وصلنى من داخلى احتمال أني أبالغ فى الدفاع عن الحق فى الخوف، فقررت اليوم أن أعيد نشر أرجوزة الأطفال، ثم ألحقها بقصيدة الرعب المتجمِّد للمقارنة،
ربما وصلتكم محاولتى لعدم الانحياز لا للدفاع الزائد عن الحق فى الخوف، ولا فى إنكاره خطرا مرعبا مجمِّدا حتى الشلل.
أولا: أرجوزة الأطفال:
-1-
قالوا يعنى، بحسن نيهْ: “لا تـَخـَفْ”
دا مافيش خطرْ
طب لماذا؟
هوا يعنى انا مش بشرْ؟
إنّـما إحنَا نقولْ لـَك:
“خافْ وخوِّف” !
فيها إيه؟ !!!
لو ماخفتش مش حاتعمل أىّ حاجهَ،
فيها تجديد أو مغامرهْ
لو ما خفتش مش حاتاخد يعنى بالكْ،
حتى لوْ عاملين مؤامرهْ
لو ما خفتش مش حاتعرف تتنقل للبر دُكْهَهْ
خايف انْ تْبِلّ شعركْ
لو ما خفتش يبقى بتزيـِّـفْ مشاعرك
-2-
بس برضه خللى بالك
إوعى خوفكْ
يلغى شوفكْ
إوعى خوفك يسحبك عنا بعيدْ، جوّا نفسكْ
إوعى خوفك يلغى رِقّةْ نبض حسَّكْ
إوعى خوفك ان بكره شر حاملْ
يمنعك إنك تحاولْ
-3-
بس فيه خوفْ شكل تانِى
قصدى يعنى الجبن إللى يهزّ لك كل المعانى
هوا دا الخوف اللى يمنعنا نعيش
تلقى نفسك كتلة جامدة دايرهْ حوالين المَافيشْ
– يعنى اخاف ولاّ ما اخافشى؟
= إنت حر
– يبقى اخاف بس ما اخافشى!!!!.
= هوا دا قصدى، وما تقولِّيش يا سيدى: “يعنى إيه”.
– يعنى إيه ؟!!!
-4-
إحنا بنخاف ان بكره يبقى أخطر،
فيها إيه ؟
ما احنا برضه حانبقى أقدر
طب ما نتصرف كِويسْ إلنهارده
ييجى بكره، يلاقى نفسه: إلنهارده بتاع “غداً”
يا حلاوة، تبقى مليان باللـى جَـىّ مقدماً
يعنى بكره عمره ما يكون ملكنا
إلا باللَى بيجْرَى حالا، أى “هنا”.
يبقى خوفنا يتقلب كدا رُعْب ليه؟!!!
إحنا خلقة ربنا،
يالله نتوكل عليه..!
يعنى يالله نخاف وهوّا معانا يهْـدِى خطوِنا
مش نخاف منّه وننسى إنه غاية قصدنا
ربنا بحق وحقيق،
إللى بيورّى “الطريق”
ملحوظة
حين كنت أجدني أخاطب الأطفال فى معظم هذه الأراجيز هكذا وأذكر ربنا بهذه الطريقة، كنت أفعل ذلك لأننى تعلمت منهم أن اراه أقرب من خلال رؤيتهم لهم، وهو رب غير مخيف بالمرة، ربنا بحق وحقيق، اللى بيورى الطريق.
……
ثم ننتقل الآن إلى القصيدة المتجمِّدة المُجمِّدة:
القصيدة:
-1-
أخافُُ همسَ الطيرِ
أخاف من تموّج الأحشاءِ،
من نثـْرة الأجنّةْ،
من دوْرةِ الدماءِ،
ومن حَـفِـيفِ ثْـوبىَ الخَـشِـنْ
-2-
أخافُ من نساِئمِِ الصباحْ
من خَـيْـطِ فجرٍ كاذبٍ،
أو صَـاِدقٍ
من زَحْـفِ ليلٍ صامتٍ
أو صاخبِ
أخافُ من تَـنَـاثُـرِ الذَّرَّاتِِ فى مَـدَارِهَا
أخافُ مِـنْ سَـكوِنَها
-3-
أخافُُ لاََ حراكْ.
…
موتٌٌٌ تمطّى فى تجلّط الدماءْ
فى مأتَـم الإباءْ
الخوفُ أَنْ أموتَ إن حييتْ.
الخوفُ أن أعيشَ لا أموتْ.
-4-
يا وحدتى الشقيّةْ،
يا وحدتى الأبيَّة،
صَـفَـقْتِ بابَـهمْ خوفاً من المَـودَّة اللعوبْ،
من كـذبة طليهْ،
من مِلحة ذكيهْ،
من كُـلَّ شئ همَّ أن يكونْ،
من كُـلَّ شئ لم يكنْ،
من كل شئٍ كَـانََ.. ما اْنقضَـى،
من كـلَّ شَـئْْ.
-5-
تفجّرَ السكونُ فى قوالبِ الجليدْ،
ولمْ تـُـدوِّ الفرقعـهْ.
تحرّكتْ أشلائِـىَ المجمَّدهْ،
تفتـَّت الجبلْ،
فطارتْْ العَـرَائسْ،
تكسّرتْْ حواجزُ الأصواتْ،
تخلّقتْ… تطاولتْ،
فأُجهِضتْ،
وضجّت السكينةْ.
ومادتِ الرواسِى
فى هـُوَّةِ الضّـياع والضَّعة.