نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 28-4-2015
السنة الثامنة
العدد: 2797
الثلاثاء الحرّ:
نشر الحوار فى جريدة الوطن: بتاريخ: 27-4-2015
د. يحيى الرخاوى: دعوات “الهجرة للجنسية”
تعبر عن يأس الشباب، وقلق الأهل
أستاذ الطب النفسى لـ”الوطن”: على الدولة تجنب “المسكنات”.. والتخطيط لـ100 سنة قادمة
كتب : إمام أحمد تصوير : هشام محمد
د. يحيى الرخاوى
“السيسى” رجل طيب لا يقصد “ابتداع كاريزما”.. وعودة الإسلاميين إلى المشهد السياسى “احتمال وارد”
الرأى العام “السطحى” انتخب التيار الدينى.. والمصريون انتبهوا حتى لا تتوقف عجلة الحياة
7 من أحفادى يفكرون فى الهجرة.. وسألتهم: “هل نستورد جيلاً جديداً من الصين؟”
****
“إنك لن تعلم أبداً مدى تأثير ما قد تفعله أو تقوله أو تفكر فيه اليوم، على حياة الملايين غداً”،
عبارة يضعها فوق مكتبه ليراها الجالسون أمامه، وعلى لافتة كبيرة بالحائط المواجه له، كى لا تغيب عن عينيه. عن سر إعجابه بها، أجاب: “هذه حكمة عظيمة للحياة، قالها الشاعر الأمريكى بالمر، ولو التزم بها الناس لأصبحنا فى حالٍ أفضل”. الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى، أوضح فى حواره لـ”الوطن”، أن المصريين “دفعوا الحساب” فى ثورتهم الممتدة بكل كرم وألم لتحقيق ما يليق بهم، ولا يتطلعون حالياً إلا لـ”وطن اسمه مصر”، مؤكداً أن مصر قادرة أن تلعب دورها فى إيقاظ ضمير العالم، كما لعبت دورها كفجر للضمير.
الرئيس صادق وذكى ومؤمن.. ويحتاج إلى قدر هائل من الشجاعة والحذر فى معركة “تجديد الخطاب الدينى”
وأضاف “الرخاوى” أن الموجة الفردية للرئيس عبدالفتاح السيسى، التقت مع موجة الوعى المصرى المتطلع للإفاقة بعد سباتٍ طال، مشيراً إلى أن الصدق والذكاء والإيمان والمثابرة أبرز صفات “السيسى”، وأنه “رجل طيب” يتصرفبتلقائية ولا يقصد ابتداع كاريزما خاصة، فيما وصف الأزهر الشريف بأنه مؤسسة غير متجانسة، واعتبر أن القوى المدنية غير قادرة على ملء الفراغ السياسى، لكنه يثق فى أن مصر تستيقظ فعلاً.. وإلى نص الحوار:
■ ما تحليلك للحالة والمرحلة التى يعيشها المجتمع حالياً بعد ثورتين؟
– اسمح لى أولاً بأن أتحفظ على استسهال استعمال تعبير ثورتين، وكأن الحكاية فعلاً بهذه البساطة، ما نحن فيه هو مشروع ثورة واحدة ممتدة، نأمل أن نواصل تشكيلها حتى تستحق أن تكون ثورة مكمِّلة لتاريخ هذا الشعب الذى دفع ويدفع حسابه بكل كرم وألم حتى يحقق ما يليق به، مشروع الثورة هذا حين يكتمل بإرساء معالم الدولة، واستعادة ترسيخ البنية الأساسية فى التعليم والاستقلال الاقتصادى والتميّز القومى، يصبح ثورة رائعة، وحينذاك سوف نتكلم عن ثورة واحدة تعثرت، ثم استقامت، ثم نمت، ثم اكتملت.
■ فى تصورك، ماذا يريد المصريون ويتطلعون إليه بصورة ملحّة حالياً؟
– المصريون يتطلعون الآن، كما كانوا يتطلعون دائماً، إلى أن يكون لهم وطن اسمه مصر، ينتمون إليه بفخر بما ينجزونه الآن لبلدهم، ولكل الناس عبر العالم، وكما كانت مصر هى “فجر الضمير”، كما ذكر هنرى بريستد فى كتابهالمشهور، فإنها قادرة على أن تصبح “يقظة الضمير”، ليس ضمير المصريين فحسب، بل العالم كله. نحن – البشر- فى مرحلة تحدٍّ صريح يهدد كل إنجازات الإنسان وذلك نتيجة إغارة ما يسمى “العولمة” التى هى بمثابة دين عصرى مَيْكنىمشوِّه، ولمقاومة أنبياء هذا الدين، فإن العالم يحتاج إلى جهد كل محب لهذا النوع البشرى أن يسهم فيما أسميه “الوعى الجديد” فى مواجهة النظام العالمى الجديد، والمصرى الحقيقى يعرف كيف يشارك فى إبداع وتنمية هذا الوعى العالمى الجديد ليواجه به النظام العالمى المُغِير.
هذا الوعى العالمى الذى أقصده، وهو الدور الذى تستطيع مصر أن تلعبه، لا يلغى الأوطان بأممية مشبوهة، لكنه ينتقل بالبشر من الصراع بين بعضهم بعضاً، أفراداً وأوطاناً إلى التكافل فيما بينهم لينقذوا الكائن البشرى من خطر الانقراض الذى يهدده، ولن يتم هذا الإنقاذ إلا بأن يعمل كل إنسان فى موقعه، وفى وطنه طول الوقت وهو يعرف أين يصب عائد عمله انطلاقاً من وطنه المستقل، وليس انطلاقاً من بنك محتكر خاص، ولا بوصاية صفوة مزعومة متوحشة، وإنما سيراً فى اتجاه تكريم الإنسان ليرقى إلى ما خلقه الله به وله “ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً” بالعدل والإنتاج والرحمة والإبداع.
■ ربما شهدت مصر تجريفاً سياسياً وثقافياً على مدار عقود.. هل أثر ذلك بصورة كبيرة على الشخصية المصرية والدور الذى يمكن أن نؤديه؟
– حدث تجريف سياسى أساساً، أما فى الثقافة والفن فكان إلى درجة أقل، حدث تجريف سياسى وتهميش سياسى، وتزييف سياسى، ولكن لم يترتب على ذلك إجهاض مشوِّه لقلب الروح المصرى، ونبضه الحضارى الأصيل، فالأرجح عندى أن الشعب قاوم هذا التجريف بـ”كمون” يقابل البيات الشتوى عند بعض الأحياء، أو مغزى “كمون أهل الكهف”، وهذا الكمون بدا وكأنه استسلام واسترخاء وهو لم يكن كذلك تماماً نتيجة لأصالة هذا الشعب، لكنه كان استعداداً لإعادة ولادة،وبالتالى حين حان الحين سمعنا آلام وصيحات المخاض، وتمطى المارد وانطلق ليثبت أن التجريف لم ينل منه إلا نزع القشرة أو طمس المعالم دون توقف نبض القلب الحضارى لهذه الأمة.
أما أثر ذلك على الشخصية المصرية، فهو لم يتضح بعد بشكل كامل، حيث إنه كشف فى البداية عن تلك الطاقة الحضارية المحتجّة القادرة، ثم كشف بعد ذلك عن قصر النفس وتكرار النص بشكل كاد ينحرف بمسار هذه الطاقة إلى ما لمتنطلق من أجله، ثم كشف بعد ذلك أكثر عن إفاقة واعية ومراجعة متألمة، ثم كشف أخيراً عن المحاولات المثابرة الجارية فى العمل على الحفاظ على الإيجابيات من كل ذلك، وفى نفس الوقت العمل على نفى السلبيات وعلاج ما تبقى منها عصياً على النفى.
■ الرئيس قال فى المؤتمر الاقتصادى “مصر تستيقظ الآن”.. ما رأيك؟
– النوم عموماً ليس طوراً سلبياً حتى فى فسيولوجيا الأفراد، وهو كذلك فى تطور الشعوب، النوم وعىٌ آخر، وفى داخل النوم يوجد ما يسمى “وعى الحلم”، بمعنى أن الحياة السليمة هى التى يتناوب فيها النبض الحيوى بين “وعى النوم”، مع “وعى الحلم”، مع “وعى اليقظة”، والإبداع يتم الإعداد له فى وعى الحلم والنوم، مع أن آثاره المعلنة لا تظهر إلا فى وعى اليقظة، ويبدو أن الشعوب تعيش نفس الدورات، وبالتالى فإن “مصر حين تستيقظ”، فإن يقظتها لا تعنى أنها تبدأ من الصفر، وإنما تعنى أنه آن الأوان أن تستوعب ما جرى فى نومها، وأيضاً أثناء أحلامها لتستيقظ، وهى تكمل الدورة بإعادة تشكيل قدرتها على الإبداع.
■ ماذا تحتاج مصر لتلك اليقظة؟
– ما تحتاجه مصر هو كيان دولة متماسك، وإبداع متواصل لشعب يملك مقومات الإبداع بشهادة التاريخ وحفز الآلام.
■ لماذا التف أغلبية المصريين حول شخص الرئيس السيسى.. وكيف استطاع الاحتفاظ بشعبيته على مدار الفترة الماضية رغم التحديات الكبيرة؟
– ما وصلنى من هذا الرجل وعنه هو أنه يمثل ما هو “مصر” التى ذكرتها حالاً، دون قصد أو افتعال، فهو رجل عادى مثابر مؤمن طيب قادر فى نفس الوقت، ولم، وأعتقد أنه لن، يعمل قاصداً أن يبتدع كاريزما خاصة به أو أن يحرصبافتعال على أن يحافظ على شعبيته، أتصور دائماً أنه مصرى طيب قوى صادق ذكى يخطئ ويصيب، يستطيع المبادرة، كما يتقن التأجيل، يحترم الشخص العادى بقدر ما يشعر بما بداخله، فهو ليس مغرماً بسياسة الصدمات الكهربائية، ولابفرقعات القرارات النارية، ولأن هذا يوازى النَّفَسَ الحضارى المثابر للشعب المصرى، فقد التقت موجته الفردية مع موجة الوعى المصرى المتطلع للإفاقة بعد سباتٍ طال.
■ ما رأيك فى دعوة “السيسى” للثورة الدينية وتجديد الخطاب الدينى؟.. وكيف يحدث ذلك؟
– ما وصلنى منه هو أنه ينتمى إلى الإيمان المصرى الممتد عبر التاريخ، والذى لم يبدأ فقط بالأديان السماوية، وإنى أصدق أنه التقط عظمة أديان هذا الشعب، وفى نفس الوقت استشعر بداخله أن هذه الديانات لا بد أنها شديدة الاتصال بإيمان طبيعى ممتد طولاً وعرضاً، طولاً فى التاريخ منذ إعلان التوحيد والانتماء إليه، وعرضاً مع احتواء المرحلة الهامة والدالة التى تمثلها الأديان السماوية، وخاصة ما لم يتشوه منها، أو يُقَزَّم أو يُمْسَخ، ولست متأكداً إذا كان قد شعر ولو من بعيد بخطورة ما يدعو إليه، وبمدى المقاومة التى سيلقاها، مع أن ما يدعو إليه يتفق مع أحدث معطيات معرفية رائعة وثورية وخاصة ما يخص دراسات الذاكرة، والتى انتقدت به معلومات علوم التاريخ عامة، وأيضاً ما أضيف إلى الكشف عن طبيعة الوعى البشرى وفهمه الأحدث من منطلقات العلوم الكمية Quantum Sciences التى استطاع العلم المعرفى العصبى أن يستعير منها بعض أدواتها للإحاطة بماهية الوعى الكونى، فالوعى المطلق سعياً إلى وجه الله، كل هذا -وهو تماماً غير ما يسمى التفسير العلمى للنص الإلهى- كل ذلك كاد يصلنى باعتباره ماثلاً فى عمق طبيعة دعوة الرئيس هذه، ليس بأبجديته العلمية، وإنما نتيجة لتصالح الرئيس مع طبيعته البشرية وحدسه القيادى.
أتصور أن الرئيس يحتاج إلى قدر هائل من الشجاعة، وفى نفس الوقت أن يتحلى ببالغ الحذر، فهو يخوض معركة ليست سهلة بالمرة، يخوضها لوجه الله ولوجه الحق ولوجه الإيمان النقى بدءاً باحترام الدين الشعبى، ثم الدين الفطرى، ثم الدين الإيمانى، ثم الدين المعرفى كدحاً إلى ربنا لنلاقيه.
■ هل يستطيع الأزهر أن يحقق تلك الدعوة؟
– الأرجح عندى أن الأزهر ليس مؤسسة متجانسة تماماً، وهذا لا يعيبه بل ربما يعطيه حيوية وفرصاً للاختلاف الخلاق، فأنا أعتقد أن فيه من يمثل الإسلام طريقاً إلى الإيمان، وفيه من يرى فى المعرفة الشاملة طريقاً إلى الله، وفيه من يضع فى الاعتبار الدين الشعبى، وفيه من ابتعد تماماً عن العلم المعرفى الحديث الذى يلزم العارفين والمجتهدين بالتعرف على مناهج جديدة لتقييم موضوعية معلومات علم التاريخ وطبيعة الذاكرة، وعلوم الوعى، كل هذا يمنعنى أن أصدر حكماً على قدرة الأزهر على تحقيق هذه الدعوة، وعموماً فإن نجاحه يتوقف على احتمال ترجيح كفة العارفين المؤمنين على كفة الخائفين المتجمدين فيه، كما قد يتوقف على مدى التوفيق بين هذه الفرق، سعياً إلى وجه الله ونشر نوره سبحانه على خلق الله هنا، والآن إلى الغيب الممتد.
■ كيف انتخب المصريون التيار الدينى، ثم ثاروا عليه؟
– كررت مراراً أن ثمة فروقاً جسيمة بين “الرأى العام”، و”الوعى العام”، و”الانتخاب الصناديقى” مثلاً يمثل الرأى العام الذى يمكن التأثير عليه من خلال عواطف بدائية، أو احتياجات وقتية، أو تديّن سطحى، أو رشاوى فئوية، أما الوعى العام فهو يتعلق بقوانين البقاء، ومصداقية إدراك الناس لمسئوليتهم عن استمرار الحياة وتعمير الأرض والإسهام فى صنع الحضارة، وهذه لها مقاييس تاريخية وإيمانية غير الصناديق وقياس استجابات الشارع والتوك شو، لهذا أنبه أن الرأى السطحى العام هو الذى انتخب ما يسمى التيار الدينى، أما الوعى العام فهو الذى انتبه إلى أنه اختار ما يمكن أن يوقف عجلة الحياة وأن يحول دون الكدح إلى وجه الله كدحاً لنلاقيه، فأفاق وقَرّرَ ورفض وعَبّرْ، وما زال يواصل.
■ هل ترى احتمال عودة التيار الدينى، سواء “الإخوان” أو غيرهم، إلى الحكم مجدداً؟
– هذا محتمل دائماً، ويتوقف ليس فقط على عودة دغدغة المشاعر التدينية “لا الدينية” البدائية، وإنما على مدى نجاح أو فشل البديل القائم فى مخاطبة كل أو أغلب مستويات وعى الناس، وليس فقط تقديم الرشاوى الفئوية المسكّنة، أو إعلان الوعود الحالمة المؤجل عائدها أطول من صبر الناس، لكن المحتمل أكثر أنه إذا عاد التيار الدينى المسطح -لا قدر الله- فإنه سوف يكون عمره أقصر، وإن كان قهره وفساده أعظم.
■ هل توجد فى مصر قوى سياسية مدنية قادرة على ملء الفراغ السياسى؟
– الإجابة للأسف بالنفى، وهذا ليس عيباً فى من تصدى لاستعادة حقه للمشاركة فى فعل السياسة، وإنما هو نتيجة طبيعية لما أسميه ضمور عدم الاستعمال، فأى عضو فى الجسد لم يُستعمل عبر تاريخ التطور ضَمُر، بل أى بطارية لعربة لا تدار يومياً “تملّح”، والذى جرى هو أننا لم نستعمل عضلات السياسة ولا وعى السياسة ولا حوار السياسة خلال ستين عاماً، وكأننا الآن ما زلنا فى “كى جى2” فى مدرسة السياسة، فكيف بالله عليك ننتظر أن يُملأ الفراغ بهذه السرعة؟
■ كيف تحتوى الدولة شباب التيار الإسلامى.. وهل يمكن إعادة دمجهم بعيداً عن عباءة التنظيم؟
– شبابنا عموماً للأسف لم يأخذوا فرصاً حقيقية لتنمية ما يسمى التفكير النقدى، الطفل كما خلقه الله، أى طفل، يبدأ فى اكتساب ما يسمى “التفكير الفرضى الاستنتاجى”، وهذا هو أساس البحث العلمى لاحقاً، بل وأساس النقد الأدبى، وأساس كثير من أشكال الإبداع، وللأسف فإن طريقة التربية، فى البيت، وفى المدارس (أيام أن كان عندنا مدارس)، أو المراكز أو الدروس لا تكتفى بتنمية التلقين والتسميع والتكرار، وإنما تقضى على هذه النعمة التى وهبها لنا الله منذ طفولتنا: نعمة التفكير النقدى لنكون بشراً نسير فى الأرض لتتخلق لنا قلوب نعقل بها “أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا”، والنتيجة أن الطفل حين يصير شاباً لا يجد أمامه إلا التقليد الأعمى لثقافة مستوردة على ناحية، أو السمع والطاعة على الناحية الأخرى، وبدلاً من أن يفكر وينقد ويبدع، يستلم من أولى الأمر قفلاً متيناً يحكم به إغلاق قلبه العقل الأعمق “أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”، أما أن هناك أملاً فى إعادة دمجهم بعيداً عن التنظيم، فطبعاً هناك هذا الأمل حين يستعيد أى منهم ومنا نفسه، كما خلقه الله، ذلك يلزمنا أن نقوم بواجبنا تجاهه بدءاً من الطفولة والمدرسة إلى أعلى مراتب النقد والإبداع والإيمان.
■ هل توجد ظاهرة إلحاد حقيقية فى مصر؟
– ليست عندى إحصاءات موضوعية أجيب من خلالها عن هذا السؤال، وحتى لو وجدت إحصاءات فإنى أشك أنها وضَعَتْ تعريفاً جامعاً مانعاً لما هو إلحاد، فيمكن أن مثل هذا الجمع للآراء عن الإلحاد يجمع بين الشك فى الله، وبين إنكار الله، وبين إنكار الوحى، وبين إنكار النبوة، ويضع كل ذلك تحت لافتة “الإلحاد”، وهذا خطأ علمى، وأيضاً خطأ دينى، وقد سبق لى أن وضعت فرضاً عاملاً يقول: “إن الإلحاد استحالة بيولوجية”، لأن الخلية الواحدة لا يمكن أن تحافظ على استمرارها حية إلا بفضل تآلف هارمونية ذراتها مع مطلق نظام الكون، فخالقها، وبالتالى فإن من يدعى الإلحاد إنما ينكر على خلاياه أنها مؤمنة، كإيمان الجبال والطير وما بين السماء والأرض وهى تسبح بحمده وتقدس له، الملحد يلحد بقشرة عقله الظاهر لا أكثر وهو ما يسمى أحياناً الوسواس، والذى مهما بلغ شره يمكن أن يكون طريقاً إلى الإيمان، وليس طريقاً إلى الإلحاد إلا لمن فسدت طبيعته وأنكر على خلاياه حقها.
■ كثيراً ما تتردد على مواقع التواصل الاجتماعى دعوات حول الهجرة للخارج، آخرها هاشتاج “يالا نهاجر”، ودعوات للتنازل عن الجنسية.. ما رأيك فيها، وهل تعكس حالة اغتراب حقيقية لدى البعض أم أنها صناعة إخوانية أوخارجية؟
– أنا لا أوافق على هذه الدعوة إطلاقاً، وهى ليست صناعة إخوانية أو خارجية، لكنه الضجر وضعف الولاء وغلبة اليأس، أقول هذا مع أن سبعة من أحفادى يدرسون حالياً فى كندا ربما يمهدون لذلك، وقد أعلنت اعتراضى على ذلك بكل لغة ومارسته بكل وسيلة، ورحت أقول لهم: إن كانت بلدكم سيئة ومتدهورة فابقوا فيها حتى تصلحوها، أو على الأقل نصلحها معاً، وإن كانت حسنة ومجتهدة فلمَ تتركونها؟ كذلك كنت أسألهم: هل تقترحون بعد هجرتكم أن نستورد شباباً أو جيلاً بأكمله فى مثل أعماركم من الصين حتى يصلحوا لنا ولكم بلدنا ويعمروها؟ حتى المصريين الذين يقومون بإنجازات أفضل حين يهاجرون، عليهم أن يسخروا إنجازاتهم لبلدهم “اللى يعوزه وطنك يحرم على الخواجة”.
نحن فى “كى جى 2” سياسة.. ومصر فى حاجة إلى “كيان دولة متماسك”
■ داعبنى أحد الأصدقاء بقوله: “الناس مش عايزة رئيس يحكمها، لكن محتاجين طبيب نفسى”.. فى رأيك، ما حقيقة تلك العبارة؟
– هذا قول فاسد تماماً، حتى لو كان دعابة، خاصة بعد أن تراجع أغلب الأطباء النفسيين عن دورهم العام، واكتفى كثير منهم بممارسة نموذج مهنى كيميائى مختزل، أو نموذج تبريرى تسكينى قصير العمر، فى رأيى أن أخطأ ما يمكن أن يجرح شعباً، وبالذات الشعب المصرى: هو أن يختزل كفاحه فى تفسيرات نفسية، وأنا ضد وصف أى شعب، وخاصة شعبنا، بأسماء أمراض نفسية مثل “الاكتئابالقومى” أو ما شابه، بل إنى ضد نعت المجرمين والخونة والسفاحين بنعت الجنون، لأنى أحترم مرضاى وجنونهم، ونسبة من يقدمون منهم على إيذاء غيرهم، وخاصة بهذا الشكل البشع الذى نراه ونسمع عنه، هى أقل بكثير جداً مما يقوم به الخونة وأعداء الحياة، ثم إنى أنبه دائماً أننا حين نقول مثلاً إن هذا السفاح “مجنون”، أو هذا القاتل فقد عقله، فنحن نعطيه بطريق غير مباشر فرصة أنه غير مسئول عن فعله، وهذا غير صحيح فهو مسئول ومجرم ولابد أن يدفع الثمن.
■ أخيراً.. ما نصيحتك للمواطن أولاً ثم الحكومة ؟
– للمواطن، أن يعبد الله ثانية بثانية بالجهاد والإنتاج والصبر كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وأن يملأ الوقت بما هو أحق بالوقت، يفعل ذلك على كل ملة ودين، وعلى كل مذهب وموقف، وأن يعرف أنه سوف يأتى ربه من الآن وحتى يوم القيامة فرداً بلا محامٍ، وسوف يتخلى عنه أمام الله من أفتى له بما هو ضد الفطرة وضد الحياة وضد العدل، ذلك أن من أفتى له سوف يتبرأ منه ولن تكون له فرصة ليرد له الصفعة ويتبرأ منه كما تبرأ منه. أما للحكومة، فأدعوها أن تتذكر أنها غير باقية أبداً، وأن تخطط لقرن مقبل أو أكثر، بقدر ما تخطط لباكر أو بعد باكر، وأن تتجنب المسكنات، ورشوة الأعلىصوتاً، وأن تضع بدلاً من ذلك القوانين العادلة بلا استثناء وتطبقها علانية طول الوقت.
نصيحة للرئيس
للرئيس السيسى، أقول إنك يا سيادة الرئيس عليك أن تتذكر دائماً أنك فى امتحان صعب، وأن تدعو الله كما يدعو لك الناس، وأن تقرأ ما كتبته من نصيحة للمواطن وللحكومة، لأنك فى النهاية لست إلا مواطناً، وفى نفس الوقت على رأس الحكومة.