الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف‏ ‏التفكير‏ (11) أعراض الاضطراب الجوهرى للتفكير (3)

ملف‏ ‏التفكير‏ (11) أعراض الاضطراب الجوهرى للتفكير (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 9-3-2014

السنة السابعة

العدد: 2382

 

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية

الفصل الثالث: ملف‏ ‏التفكير‏ (11)

أعراض الاضطراب الجوهرى للتفكير (3)

استهلال:

كلما تقدمت إلى عرض تشكيلات الأعراض المختلفة لهذا الاضطراب الجوهرى، أجدها تتداخل فى بعضها البعض حتى وصلنى أنها تكاد تكون اضطرابا واحدا، وأن هذه التصنيفات أصبحت أشبه لما يقال عنه بالإنجليزية “شق الشعرة”Splitting Hairs ، لكننى أرى أن بها بعض الفوائد التى لا تقتصر على الوصول إلى تشخيص بذاته بقدر ما تساعد فى الإلمام بنوع الاضطراب الذى حدث وكيفية الخلل وراء العرض الظاهر بما يساعد على تنظيم برامج العلاج (وليس مجرد إعطاء العقار الفلانى، فلا يوجد عقار بذاته – فى أغلب الأحوال- لعرض بذاته).

هذه المقدمة ربما تفسر بعض ما يبدو مكررا، فقد بدأنا فى تعداد الأعراض الأسبوع الماضى بما يسمى “تراخى الترابط”  Looseness of association، وإذا بى أجد العرض الذى سوف نبدأ به هذا الأسبوع هو “اللاترابط”، Incoherenceوبرغم ما يوحى به اللفظ الأخير من انعدام الترابط تماما إلا أن هذا لا يشير تحديدا إلى واقع الحال، فقط، فهو يفيد فى أن الفرق بين عرض “تراخى الترابط” و”اللاترابط” هو فى مدى درجة التفكيك والتباعد، وهكذا.

كذلك أود الإشارة فى هذا الاستهلال إلى أن التركيز على أن الاضطراب الجوهرى هو خلل فى أساسيات عملية التفكير ذاتها، لا يعنى أن بقية آليات التفكير تعمل بكفاءة عادية، فالخلل قد لايقتصر على خطوات العملية بقدر ما يشمل أيضا سرعتها التى قد ينتج عنها خلل فى ناتجها وكأنه خلل فى أصل العملية (انظر بعد: طيران الأفكار).

9-3-2014_1

كذلك فإن إفتقار عملية التفكير إلى العدد الكافى من مقوماتها الأساسية أو الوحدات التى تنسج منها نسيجها (أبجديتها) بما لا يسمح بتكوين المفاهيم أو سلسلة وحدات التفكير إلى غايتها مثلما يحدث فى “فقر الأفكار” هو سبب آخر وراء الاضطراب الجوهرى .

تذكرة:

دعونا نبدأ بتعداد الأعراض التى ذكرناها تذكرة باحتمال التداخل وبعض التكرار، وهى:

 (1) تراخى الترابط. (2) التفكير العهنى. (3) فرط التضمين. (4) التفكير المماس. (5) تخطى الموضوع. (6) انحراف المسار. (7) اللاتلاؤم. (8) غياب أدوات الترابط. (9) عرقلة الفكر. (10) ضغط الأفكار.

ثم نكمل كما يلى:

11- ‏(‏اللاترابط‏) Incoherence : ‏هو ‏درجة‏ ‏شديدة‏ ‏من‏ ‏تراخى‏ ‏الترابط حتى قرب انعدامه‏، ‏وقد يكون العجز عن السلسلة والتربيط هو أساس هذا الخلل، أو قد يختفى الترابط من مستوى الظاهر من ناتج عملية التفكير نتيجة لسرعة فائقة لم تسمح إلا بخروج قمم الفكرة تلو الفكرة دون بقيتها مع أنها اكملت داخليا ف ذاتها، كما سيأتى ذكره  فى “طيران الأفكار”‏، ‏فحين‏ ‏تتسارع‏ ‏الأفكار‏ ‏بشكل‏ ‏عاجل‏ ‏تماما‏ ‏حتى يصعب‏ ‏الربط‏ ‏بينها‏ ‏فلا يظهر منها إلا سَنَمها (أعلاها) كما أشرنا ‏رغم‏ ‏التلامس‏ ‏وظهور‏ ‏علامات‏ ‏دالة‏ ‏على ‏التنقل‏ ‏من‏ ‏فكرة‏ ‏لفكرة‏، حين يحدث ذلك  ‏نتيجة‏ ‏لفرط‏ ‏التسارع‏ ‏كما يظهر‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏الهوس‏ ‏أو الفصام الهوسى، لا توجد فرصة تسمح بضبط ترابط تتابعى يؤدى وظيفة التوجه للهدف،

وقد يكون اللاترابط مصاحب بـ أو متناوب مع “ضغط التفكير” الذى أشرنا إليه سابقا

أو قد تكون التيمات اللازمة للتربيط غير كافية، حين يصاحب اللاترابط  فى ‏نفس‏ ‏الوقت ما سوف نذكره بعد تحت عرض “فقر‏ ‏الأفكار‏” ‏

9-3-2014_2

12- “سلـطـة‏” ‏الكلام‏: ًWord Salad‏: وهى ‏درجة‏ ‏قصوى ‏من‏ ‏اللاترابط‏، ‏والتعبير‏ ‏هو‏ ‏تشبيه‏ ‏بسلطة‏ ‏الطعام‏، ‏وثمة‏ ‏تعبير‏ ‏عربى ‏شائع‏ ‏أقرب‏ ‏يقول‏ “سمك‏، ‏لبن‏، ‏تمر‏ ‏هندي‏”

13-‏ الجدلغــة‏: Neologism‏: (1) قد‏ ‏يصل‏ ‏التفكيك‏ ‏إلى ‏تفكيك‏ ‏الكلمات‏ ‏نفسها‏ ‏إلى ‏مقاطع‏ ‏وأصوات‏، ‏ثم‏ ‏يتم‏ ‏الربط‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏الأشلاء‏ ‏كيفما‏ ‏اتفق‏، ‏فيتحدث‏ ‏المريض‏ ‏رطانا‏ ‏غير‏ ‏مفهوم‏، ‏ولكنه‏ ‏يبدو‏ ‏وكأنه‏ ‏يريد‏ ‏التواصل‏ ‏أو‏ ‏التوصيل‏. ‏على ‏أنه‏ ‏أحيانا‏ ‏يتكلم‏ ‏بعض‏ ‏المرضى‏ (‏والمجاذيب‏) ‏برطانة‏ ‏غير‏ ‏مفهومة‏ ‏وكأنها‏ ‏لغة‏ ‏خاصة‏، ‏ولكنها‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏حالة‏ ‏انشقاقية‏ Dissociative (‏هستيرية‏) ‏يقول‏ ‏عنها‏ ‏العامة‏ “بيضرب‏ ‏بالسورياني‏” ‏ويتصورون‏ ‏أن‏ ‏المس‏، ‏أوالجن‏ ‏الذى ‏لبس‏ ‏الشخص‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يتكلم‏ ‏بهذه‏ ‏اللغة‏ ‏الخاصة‏، ‏ولا‏ ‏يصح‏ ‏الخلط‏ ‏بين‏ ‏الظاهرتين‏، ‏فالأولى (‏الجدلغة‏) ‏تفيد‏ ‏اضطرابا‏ ‏جوهريا‏ ‏فى ‏التفكير‏ ‏يعلن‏ ‏خراب‏ ‏اللغة‏ ‏وعجزها‏، ‏والثانية‏ ‏آلية‏ ‏دفاعية‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏علاقة‏ ‏بخلل‏ ‏التفكير‏ ‏وإنما‏ ‏بانشقاق‏ ‏الوعى، ‏وللتفرقة‏ ‏بين‏ ‏هذين‏ ‏النقيضين‏ ‏نقترح‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏اللغة‏ ‏الناتجة‏ ‏عن‏ ‏الانشقاق‏ ‏وليس‏ ‏عن‏ ‏التدهور‏ ‏اللغوى ‏المباشر‏، ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏اسمها‏ “الجدلغة‏ ‏الزائفة‏” False Neologism.‏

14- ‏التكرار‏

هنا‏ ‏يميل‏ ‏المريض‏ ‏إلى ‏تكرار‏ ‏كلمات أو مقاطع ‏بذاتها‏ ‏بأقل‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏الدراية‏ ‏الواعية‏ (‏وأحيانا يبدو أنه مقتنع أنه‏ ‏يقول‏ ‏جديدا‏ ‏حسب‏ ‏تصوره‏)، ‏وقد‏ ‏يشير‏ ‏هذا‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏يتخطى ‏صعوبة‏ ‏ضعف‏ ‏التربيط‏ ‏أو‏ ‏العرقلة‏، ‏بأن‏ ‏يعيد‏ ‏التيمة‏ ‏الأولى ‏حتى ‏ينجح‏ ‏فى ‏أن‏ ‏يجد‏ ‏التيمة‏ ‏التالية‏، ‏وكأن‏ ‏التيمة‏ ‏الأولى ‏لم‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏وعيه‏ ‏أنها‏ ‏تمت‏ ‏وقيلت‏ ‏فعلا‏ ‏بما‏ ‏يسمح‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏ينتقل‏ ‏إلى ‏التيمة‏ ‏التالية‏،. ‏وهناك‏ ‏تفسير آخر للتكرار إذ ربما يكون بذلك إنما ‏يمحو‏ ‏ما‏ ‏قاله‏، ‏أو‏ ‏فعله‏ ‏سالفا‏، ‏يمحوه‏ ‏أولا‏ ‏بأول‏ ‏وفورا‏ ‏وتماما‏، ‏فالتكرار‏ ‏هنا‏ ‏يعلن‏ ‏له‏ ‏أنه‏ “لم‏ ‏يفعل‏”. ‏لم‏”يحدث‏”. “لم‏ “يتحدث‏”.‏لم‏ “يقـل‏” لم يفكر ، وهذا قد يتفق مع فرض أن الاضطراب الجوهرى هذا، برغم كل سلبيته وما يعلنه من عدمية، قد يحمل قصدا مرضيا خفيا، احتجاجيا، أو إبداعيا مجهضا فاشلا، ويراعى هنا ضرورة التفرقة بين هذا التكرار كما سيرد تفصيله حالا، وبين صعوبات النطق ‏ ‏مثل‏ ‏التهتهة أو‏ ‏اللجلجلة حيث تكون الصعوبة فى النطق والتعبير، وليس فى تكوين الفكرة ذاتها وتسلسلها مع غيرها.

هذا‏ ‏وقد‏ ‏يحدث‏ ‏التكرار‏ ‏تلقائيا‏ ‏أو يكون استجابة مكررة لحوار مجهض بهذا التكرار، وفى هذه الحالة يمكن أيضا أن يؤدى وظيفة “رفض العلاقة بالموضوع”

ويمكن أن يظهر التكرار فى أحد الصور التالية:

14/أ‏- ‏الوظوب (2) Perseveration‏: ‏ويعنى ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏تغيير‏ ‏نفس‏ ‏الاستجابة‏ ‏الأولى ‏لمؤثر‏ ‏ما‏، ‏فبالرغم‏ ‏من‏ ‏تغيير‏ ‏المثير‏ ‏تظل‏ ‏الاستجابة‏ ‏الأولى ‏تتكرر‏ ‏للمثيرات‏ ‏الجدد‏، ‏ويحدث‏ ‏هذا‏ ‏أكثر ‏ ‏فى ‏الاضطرابات‏ ‏العضوية التشريحية

14/ب‏- ‏الـلـزمان(3): ‏وهو‏ ‏يعنى ‏التكرار‏ ‏التلقائى Verbigeration  ‏لكلمات‏ ‏أو‏ ‏مقاطع‏ ‏بشكل‏ ‏معاد‏ ‏ورتيب‏ ‏فى ‏العادة‏، ‏وذلك‏ عادة ‏دون‏ ‏مثير‏ ‏أصلا‏‏.

14/جـ‏ – ‏مصاداة‏ ‏الكلام ُ Echolalia : ‏وهى ‏محاكاة‏ ‏وترديد‏ ‏حرفى ‏لنفس‏ ‏الكلمات‏ ‏التى ‏ نـُطقت‏ ‏أمام‏ ‏المريض‏، ‏وهذا‏ ‏يحدث‏ ‏تلـقائيا‏ ‏أو‏ ‏أثناء‏ ‏الحوار‏ ‏مع‏ ‏المريض‏ (‏تسأله مثلا‏: ‏ما‏ ‏اسمك‏، ‏يرد‏: ‏ما‏ ‏اسمك‏، تسأله عامل إيه: يقول: عامل إيه، وهكذا …)‏

14/د‏- ‏إعادة‏ ‏كلمة‏ (‏كلمات‏) ‏بذاتها‏ (‏جلوسولاليا Glossololia) ‏وهنا‏ ‏لا تبدو المسألة مجرد تكرار‏ لكلمة ‏ ‏واحدة‏ ‏أو‏ يضع  ‏كلمات‏ ‏بشكل‏ ‏معاد‏ ‏قد‏ ‏يظل هكذا مستمرا لساعات، ‏‏ ‏لساعات‏ ‏وأحيانا‏ ‏طوال‏ ‏النهار‏، ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏الكلمات‏ ‏ ‏ بلا معنى معين، أ‏وذات‏ ‏معنى ‏رمزى ‏خاص‏ ‏أو‏ ‏عام‏ (‏مثل‏: ‏خلِّ‏ ‏الجدعان‏ – ‏ خلِّ ‏ ‏الجدعان‏ – ‏ خلِّ ‏ ‏الجدعان‏- ‏ خلِّ ‏ ‏الجدعان‏، ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏كلمات‏ ‏بلا‏ ‏معنى ‏ظاهر‏ لنا (‏مثل‏:‏كله‏ -‏كله‏- ‏كله‏-‏ كله‏) ‏و‏ ‏قد‏ ‏تحمل‏ ‏معنى ‏خاصا‏ ‏للمريض‏ (مثل‏: “الإشارة‏ ‏إما‏ ‏حمرا‏ ‏أو‏ ‏خضرا‏،‏إما‏ ‏حمرا‏ ‏أو‏ ‏خضرة‏، ‏إما‏ ‏حمرا‏ ‏أوخضرة) (4) ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏مجرد أصوات هى هى لكنها أقرب إلى الجدلغة  (‏مثل‏: ‏هولاله‏. . ‏هولاله‏. ..‏هولاله‏. ..‏هولاله‏)، ‏

وفى ‏مجتمعنا‏ ‏هناك‏ ‏من‏ ‏عنده‏ ‏وِرْد‏ (‏هـ‏) ‏خاص‏ ‏يكرر‏ ‏فيه‏ ‏كلمة‏ ‏واحدة‏ ‏أو‏ ‏دعاء‏ ‏واحدا‏ ‏مئآت‏ ‏أو‏ ‏آلاف‏ ‏المرآت‏ ‏فى ‏اليوم‏ ‏الواحد‏، ‏وينبغى ‏اعتبارذلك‏ ‏سليما‏ ‏تماما

15- ‏التفكير‏ ‏العيانى: ‏ويشير‏ ‏إلى ‏‏أخذ‏ ‏الكلمات‏ ‏والجمل‏ ‏بمعناها‏ ‏الحرفى، ‏فالمريض‏ ‏ذو‏ ‏التفكير‏ ‏العيانى ‏لا‏ ‏تشيرعبارة‏ “الدنيا‏ ‏نار‏” ‏إلى ‏الحر‏ ‏وإنما‏ ‏إلى ‏حريق‏ ‏فعلى، ‏وعبارة‏ “قلبه‏ ‏أبيض‏”: ‏لا‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏الطيبة‏ ‏وإنما‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏قلبه‏ ‏لونه‏ ‏أبيض‏ ‏وهكذا‏ ويصاحبالتفكير العيانى عادة.

16 – ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏التجريد‏: ‏هذه الظاهرة تشير إلى العجز عن الامساك بالعلاقات الأساسية اللازمة لتكوين المفهوم، ثم منظومة المفاهيم، وليست مترادفة تماما مع ‏التفكير‏ ‏العيانى ‏مع أنهما متلازمان عادة، ‏وهذا‏ ‏العجز‏ عن التجريد ‏يمكن‏ ‏رصده‏ ‏أثناء‏ ‏المقابلة‏ ‏بصفة‏ ‏عامة‏، ‏كذلك‏ ‏يمكن‏ ‏تقييمه‏ ‏بطريقة‏ ‏أكثر‏ ‏مباشرة‏ ‏وتحديدا‏ ‏بتقييم‏ ‏قدرة‏ ‏المريض‏ ‏على ‏فهم‏ ‏أمثلة‏ ‏عامية‏، ‏أو‏ ‏حكم‏ ‏وتعبيرات‏ ‏شائعة‏ ‏فيها‏ ‏قدر‏ ‏مناسب‏ ‏من‏ ‏التجريد ‏(‏مما‏ ‏سيرد‏ ‏ذكره‏ ‏فى ‏الجزء‏ ‏الثالث‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الكتاب‏ ‏الأول‏:”الفحص‏ ‏والمقابلة‏”).‏

وعلى ‏أية ‏حال‏ ‏فإن‏ ‏المبالغة‏ ‏فى ‏تفضيل‏ ‏التفكيرالتجريدى ‏على ‏طول‏ ‏الخط‏ ‏باعتباره‏ ‏الأرقى ‏والأكثر‏ ‏نضجا‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏يحتاج‏ ‏وقفة‏ ‏لأنه‏ ‏قد‏ ‏يصل‏ ‏فرط‏ ‏التجريد‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏الاغتراب‏ ‏عن‏ ‏الحضور‏ ‏الحى ‏النابض‏ ‏للجسد‏ ‏والواقع‏، ‏لتحل‏ ‏محل‏ ‏هذا‏ ‏الواقع‏ ‏مجرد‏ ‏ألفاظ‏ ‏ومفاهيم‏ (‏تجريدية‏) ‏تفصله‏ ‏عنا‏ ‏لا‏ ‏تقربه‏ ‏منا‏، ‏وقد‏ ‏تتمادى ‏العملية‏ ‏التجريدية‏ ‏من‏ ‏العقـلنة‏ ‏ Intellectualization حتى ‏اللــفظنة Verbalism

17- التعيين النشط:

وثمة‏ ‏ظاهرة‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تختلط‏ ‏بالتفكير‏ ‏العيانى ‏وهى ‏تسمى ‏التعيين‏ ‏النشط‏، Active  concretization ‏ وهى ‏تعنى ‏قلب‏ ‏المجرد‏ ‏عيانيا‏، وقد وصفها سيلفانو أريتى فى كتابه عن الفصام، ‏فحين‏ ‏يقول‏ ‏مريض‏ -‏ مهلوسا‏- ‏أنه‏ ‏رأى ‏حريقا‏ ‏فى ‏سوق‏ ‏أعظم‏ (‏سوبرماركت‏) ‏فقد‏ ‏يكون‏ ‏قد‏ ‏مر‏ ‏برأسه‏ ‏التعبير‏ ‏التجريدى ‏القائل‏: ‏إن‏ ‏الأسعار‏ ‏مولعة‏ ‏نار‏. “‏هذا‏ ‏مع العلم‏ ‏بأن‏ ‏الصورة‏ ‏الإيجابية‏ ‏للتعيين‏ ‏النشط‏ ‏نجدها‏ ‏فى ‏السلامة‏ ‏فى ‏‏فن‏ ‏النحت‏، ‏فـ‏”الحرية‏” ‏و‏”نهضة‏ ‏مصر‏”، ‏معان‏ ‏مجردة‏، ‏قلبت‏ ‏إلى ‏تمثال‏ ‏الحرية‏ ‏فى ‏أمريكا‏، ‏وفى ‏فن‏ “مختار‏” ‏فى ‏القاهرة‏ ‏على ‏التوالي‏.

[1] – نحتُّ هذه الكلمة الجديدة حتى تفيد فى مبناها وأصلها إلى هذا النوع من الرطان، فقد كنت فى كتبى مع المرحوم الدكتور عمر شاهين نترجم Neologism إلى “لغة جديدة”، وإذا بها تعنى معنى إيجابيا (يكاد يكون شاعريا) فى حين أننا نعنى أسواء أنواع اغتراب اللغة ومرضها.

[2] – وظَب فلانٌ الأمرَ / وظَب فلانٌ على الأمر : داوَمه

[3] – لاَزِمَةُ نَشِيدٍ : كَلِمَةٌ أَوْ مَقْطَعٌ يُعَادُ تَرْدِيدُهُ وَتَكْرَارُهُ مِرَار

[4] – هذه العبارة  ظل يكررها مريض طالب فى الجامعة أصيب بذهان حاد غير متميز، وحين تعافى تذكرها وقال إنه كان فى مأزق بين الصواب المطلق والخطأ المطلق وأنه كان بذلك يرفض الإشارة الصفراء، فكان يعلن رفضه للميوعة والحل الوسط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *