نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 7-9-2014
السنة الثامنة
العدد: 2564
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الخامس:
ملف الوجدان واضطرابات العواطف (19)
مواصلة الأبحاث الكاشفة للجهل والاختزال
عن موضوع العواطف
قلت فى نشرة الإثنين الماضى أننى أعتقد أن البحث العلمى هو من حق كل من له منهج: وللمنهج نتائج نُرصد من واقع الممارسة الفعلية، بما ينفع الناس، مع ما يمكن من تنظيمات ليست كلها فوقية بشرية مكتوبة ومقننة، ثم أضفت أننى أعتقد أن الأقل تشويها، من البشر وسائر الأحياء، مثل الأطفال والحيوانات، والأميين الحقيقيين، هم الأقل اغترابا وتأثرا بالتنميط والبرمجة المصنوعة، وبالتالى لهم فرص أكبر للإدراك الطبيعى، ومن ثم التواصل الطبيعى”
من هذا المنطلق، ومع الاستهداء ببحث داروين المنزلى (نشرة 28-7-2014 “رؤية أخرى لحدس شارلز داروين” (من تجربة شخصية: بحث منزلى)، وأيضا بكتاب “سبع تجارب قد تحول وجه العالم”، لـ: روبرت شلدرايك (2001) (1)قررت – برغم قلة أو ندرة المشاركين- أن أواصل فى النشرات التالية بما قد يدعم هذه الفروض.
هذا، وقد أجلت تقديم حيوانات فان جوخ (وغيره) لضعف علاقتى بنقد الفن التشكيلى، ثم لعلى أقترب أكثر من زملائى، فنجن أطباء ومعالجون نفسيون أساسا (هل تذكر؟)
نحن حين نكشف على مريض، نحرص على معرفة ما حدث له، أو فيه، من اضطراب فى انفعالاته (2)، (عواطفه)، وعادة ما نعطيها اسما متفقا عليه مثل : اكتئاب، قلق، تبلد ..إلخ، وحين لا نستطيع، أو لا نتبين، أو لا نحدد نوع عاطفة مريض ونريد أن نصفة سواءها، نسميه “متفاعل” Reactive ونعنى بذلك أنه يتفاعل أثناء المقابلة، أو عموما بما نتوقعه مِـمّنْ هو فى مثل موقفه، وكل هذا طيب وضرورى، ولكن:
هل نحن نعرف عن هذا التفاعل الذى نسيميه عادى، أو متفاعل، ما فيه الكفاية؟
بفضل عمنا جوجل، وبطلب بسيط أن يمدّنى ببعض ذلك، لم أفاجأ (لأننى تعودت على مفاجآته الطيبة) بفيض من تعبيرات الوجوه لكل مجموعة مما ذكرت (وغيرها) ففضلتُ أن أؤجل عرض صور الحيوانات كما ذكرت حالا فى المقدمة، حتى أقرأ كتاب داروين عن عواطف الحيوانات والإنسان كاملا، وأن أدعوكم حاليا إلى وليمة من الأبحاث (بالتعريف السابق الذى يعطى للشخص العادى الحق فى البحث العلمى)
التجارب التى سوف أقدمها تحاول أن تكشف جهلنا، قبل أن تضيف إلى علمنا، بل إنها تحاول أن تكشف جهلنا دون شرط أن تضيف إلى علمنا، وبدلا من ذلك هى تزيد من تساؤلاتنا، وهذا هو أصل العلم قبل أن تستولى عليه السلطات المسئولة، والانتهازية.
دعونى ابتداءً أتقدم ببعض الفروض والقواعد الأساسية التى لا أطمع أن أحققها، ولكننى أتمنى أن أثير الرغبة فى النظر فيها
أولا : إن علينا – أطباء ومعالجين – أن نبدأ من ثقافتنا
ثانيا: إنه بالرغم من أن العواطف هى عمومية الأصل، إلى أنها حين تتشكل فى ثقافة بذاتها، ثم فى فرد بذاته تصبح شديدة الخصوصية
ثالثا: إن الوجه، والعينين بالذات، هم الأقدر على بعث رسائل العواطف، ولكنهم ليسوا كل وسائل التعبير والتوصيل
رابعا: إنه لا مانع من تسمية مجموعات من العواطف باسم معين، لكن لا بد من العودة إلى أصل حضور العواطف فى الوعى، وتبادلها عبر الوعى “البينـشخصى” (3)، والمشاركة فيها من خلال الوعى الجمعى (دون الحاجة إلى تسميتها باستمرار أو مسبقا)
وبعد
المجموعات حتى الآن، سوف تـُقـَدّم محملة بأكبر قدر من ملامح ثقافتنا الخاصة (حتى لو استعرنا صورا من ثقافات وإبداعات أخرى) ولكنها لا تستبعد وحدة المشاعر بين البشر، بل بين البشر وغير البشر، وخاصة من منطلق تطورى.
أبدأ اليوم بالعجائز، وأغلبهم عجائز بلدنا، ثم أثنِّى غدا أو بعد ذلك بالأطفال
لماذا الأطفال؟ (أنظر بعد)،
ثم نعود أو لا نعود إلى الحيوانات، لنخلص بما نفيده من كل ذلك فى تعاملنا مع المرضى (والأصحاء إن أمكن) فى مسألة العواطف والوجدان.
بصراحة،علىّ أن أعترف أن أكثر ما شجعنى للبدء بكبار السن هو ما أمارسه فى العلاج الجمعى، ليس لأن أغلب المجموعة من المسنين، ولكن من يرجع إلى آخر ندوة قدمتها فى ندوات جمعية الطب النفسى التطورى، عن أن غريزة “أن نـُحبّ”، هى طبيعة بشرية بقائية، تنطلق منا حتى رغما عنا (4)، يمكن أن يدرك لماذا أبدأ بالعجائز.
وأيضا لن أعرج إلى “إيمان العجائز” التى كنت أحسب أنه من حديث شريف، فاكتفيت بإشارة أن هذا القول محكى عن الإمام الرازى، وأيضا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وليس عن النبى صلى الله عليه وسلم، فقط سوف أكتفى بإعلان رفضى وصف الناقدين المعترضين باعتبار أن إيمان العجائز هو إيمان الجهلاء والعاجزين عن التفكير المنطقى الأعلى والأرقى، فما وصلنى من هذا القول الهام هو أن إيمان العجائز هو إيمان مباشر ينطلق من الإدراك المعرفى (5) والوعى الجمعى (6) الممتد طولا وعرضا، وهذا أقرب إلى العقل البيولوجى (7)، والعقل الاعتمالى العاطفى (8)، وهما موضوعنا حالا،
وأكتفى بذلك الآن لأنتقل فورا إلى مادة البحث والدعوة للمشاركة فيه:
تعليمات مبدئية:
- الصور (برغم أن أغلبها من ثقافتنا) إلى أن جوجل هو الذى جمعها لأغراض أخرى
- توجد صور لم اضع مقابلها أسماء عواطف ولا صفات ولا ترجمة للتعبير
- قد تتكرر نفس الصورة لاحقا، بدون أى كلمات مقابلها ومطلوب أن تعلق عليها تلقائيا.
- تعمدنا استعمال بعض التعبيرات من العامية المصرية، وهى الأقرب إلى عواطف كل ثقافة فرعية عندنا، ويمكن لمن لم يعتد عليها أن يتجاهلها وأن يضع تعبيرات من عنده بالفصحى، أو بلهجته المحلية
تنبيه: أكرر أننى لن أجمع الاستجابات، ولن أقوم بأية إحصاءات، لأن التجريب فى هذه المرحلة هو الهدف، علما بأن التجريب لا يمكن أن يكون هدفا فى ذاته، وإنما هى محاولة لمعرفة مدى جهلنا بنا، وتبين الحواجز التى تحول بيننا وبيننا
هذا وقد تعمدت أن آتى بصور للنساء دون الرجال، كما يجمعها ريح طيف الأسى بشكل أو بآخر، وهذا قد لا يتفق مع ما جاء فى المتن حالا عن إيمان العجائز، لكننى قصدت ذلك حتى لا نتمادى فى تصور إيمان العجائز بأنه تسليم لطمأنينة عمياء، أو عجزٌ أساسى فى المعاناة والكدح، وقد نورد فيما بعد مجموعة من العجائز المطمئنات إلى ما وصلوا إليه “إيمان العجائز”، الذى أعتبره نوع من وجدان راقٍ.
وبعد
v لماذا نوجز هذه المشاعر الواحدة تلو الأخرى تحت لفظ واحد ؟
v لماذا لا نصدق أن عواطفنا تختلف (ليست أحسن أو أسوأ) عن عواطف ثقافات أخرى؟
v لماذا نجمع كل هؤلاء ، وغيرهم، مع أنهم جميعا فى طيف الأسى، تحت اسم عاطفة واحدة
v لماذ لا نسمح للوعى أن يتواصل ثم نعيش نتائجه ونستثمره ونحن نمضى معا؟
وللحديث بقية
وللتساؤلات بقايا.
[1] – سبع تجارب قد تحول وجه العالم”،لـ : روبرت شلدرايك: الناشر: مؤسسة الانتشار العربى ، بيروت (2001)، وقد قدم فيه تجارب يقوم بها الشخص العادى مع رصد نتائجها بعد وضع فروضها، ومن بينها كيف يعرف الكلب المنزلى موعد حضور صاحبه للمنزل قبل أن يحضر، بل وقد يرصد لحظة انصرافه من العمل متجها للبيت …إلخ.
[2] – مما كان سيأتى ذكره ضمن اضطرابات الانفعال فهذا هو أساس كتاب “الأساس فى الطب النفسى”، ونحن ما زلنا فى محاولة عرض الأعراض، أم نسينا، (أحسن !!)
[3] – Inter-personal
[4] – يمكن مشاهدة ذلك فى ندوة جمعية الطب النفسى التطورى يوليو 2014 فى الموقع.
[5] – (نشرة 3-8-2014 “تشارلز داروين “جاب الديب: من بؤرة وعى إيمانه المعرفى”(وليس من “ديله”)
[6] – (نشرة 24-8-2014 ” التطور والعواطف والعقل البيولوجى (1 من ؟؟)
[7] – (نشرة 25-8-2014 ” التطور والعواطف والعقل البيولوجى (2 من ؟؟)
[8] – (نشرة 25-8-2014 ” التطور والعواطف والعقل البيولوجى (2 من ؟؟)