نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 21-3-2015
السنة الثامنة
العدد: 2759
حوار مع مولانا النفّرى (124)
من موقف “المراتب”
يقول مولانا النفرى فى “موقف المراتب”:
وقال لى:
العلم يدعو إلى العمل والعمل يذكر برب العلم وبالعلم
فمن علم ولم يعمل فارقه العلم
ومن علم وعمل لزمه العلم.
فقلت لمولانا:
كنتُ يا مولانا كلما حذرتَنَا، (أقصد حذَّرَكَ فأبلغتنا)، من الاستسلام للعلم على حساب المعرفة وعلى حساب الوقفة، وعلى حساب الغيب، وعلى حساب الجهل الذى ليس ضده العلم، كنت أخاف أن يصل مثل ذلك إلى من لا يعرف قدر العلم بأبعاده الأخرى وأعماقه الأَثْرَى التى تحتوى جهلا ليس ضده، فيستهين بالعلم كله، لهذا فرحت حين وصلنى هذا القول ليصالحنا على علم آخر، هو هذا العلم الذى يدعو إلى العمل، بل لقد خطوتَ بنا خطوة أبعد من ذلك، فاعتبرتُ أن الدعوة إلى العمل لا تكفى لتبرئه ساحة العلم المنفصل، ولا ساحة العلم الفوقى أو علم أصحاب القبعات العالية، أو العلم باهظ التكلفة، فوصلتنى الدعوة إلى العمل أنها إلزام به، حتى يكون العلم علما حافزا للعمل ومشاركا فيه، وأكاد أقول ومساهما فى إنجازه.
ثم تنير لنا الطريق أكثر يا مولانا أن ذلك يحتاج إلى عون معرفى وحفز شمولى وهذا وذاك لا يأتى إلا من التذكرة بأن العمل لا يكون كذلك إلا إذا كان لوجهه لا شريك له، فهذا العلم الذى يذكرنا برب العلم ثم بالعلم إذْ يَتَشَكَّل إنما يخّلق دائرة خّلاقة إيجابية، لأنه يذكر بالعلم الذى هو من هذه النوعية تحديدا فتتسع الدوائر تباعا بلا نهاية إلى ما بعد غاية المعرفة وفاعلية الفعل، يلحق بذلك كله بكل ما يحمل ذلك من مسئولية وإبداع وإعمار.
ثم يجئ التوضيح الذى يطمئننى إلى ما وصلنى حين يلحق بذلك كله أنه:
“من علم ولم يعمل فارقه العلم”
فى الفقرة الأولى العلم يدعو للعمل ويتوالد بذكر رب العلم والعمل، فتزداد المسئولية وتتواصل الحركة الخلاقة، لكن إذا ما انقطعت الدائرة من أولها فلم نلتزم أن يكون العلم طريقا وحافزا وملزما للعمل انفصل العلم عنا، وفارقنا حتى لو بقيت ألفاظه أو معادلاته أو أخباره أو زهوه، وحين يفارقنا هذا العلم لافتقاره لما يكمله وهو العمل: لا يبقى شىء يستأهل أن نسميه كذلك إلا لو عمينا اغترابا.
أما إذا انتبهنا ومنذ البداية أن نتحمل مسئولية ما نعلم، بأن نحقق الشروط التى جاءت فى الفقرة الأولى، فإن العلم يلازمنا بقدر ما ننجح فى تفعيله عملا، تظللنا وتدعمنا رحمة وعون رب العلم والعمل.
أما حين “يفارق” العلم العِالم، أو الذى فرح بصفة العالم، فإن هذا الأخير يصبح غير أهل لهذه الصفة أو تصبح هذه الصفة وصفا لأمر آخر هو أقرب إلى “السوى” لا إليه.