نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 5-11- 2015
السنة التاسعة
العدد: 2988
ص 209 من الكراسة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
قل هو الله أحد
الله الصمد
لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد
قل أعوذ برب الناس
ملك الناس
آله الناس
من شر الوسواس الخناس
الذى يوسوس فى صدور الناس
من الجنة والناس
نجيب محفوظ
6/9/1995
القراءة:
شكرا يا شيخنا فقد منحتنى اليوم فرصة لالتقاط الأنفاس، فكتبتَ المعوذتين لأ أكثر، وقد سبق أن سمحت لتداعياتى عليهما بتاريخ (نشرة 29-3-2012) وبتاريخ (نشرة 24-11-2011) بما لا أجد اليوم مزيدا عليه، ومع التقاط الأنفاس أفيدك أننى أعمل اليوم فى مقالى السنوى النقدى عن عملك العظيم “أحلام فترة النقاهة” باعتبارها “شعرا خالصا“، وأن نقدها بالتالى لا يكون إلا شعرا، وهذا ما تعلمته أولا من أستاذى محمود محمد شاكر وكم حكيت لك عنه وسمعت منك أيضا عنه، وأعنى بعمله قصيدته الرائعة، “القوس العذراء” على قصيدة الشماخ”.
سوف أحاول فى دراستى الجديدة هذه أن أكشف عن دور النقد من خلال تنشيط الوعى البينشخصى إبداعا مقارناً بالنقد التفسيرى والتقريظى والتقييمى، كما أستأذنك يا شيخى، قد أحاول فى هذه الدراسة أن أقارن إبداع الشخص العادى ببعض أحلامك (دون مقارنة) وأنا مطمئن إلى ثقتك فى من هو “الإنسان العادى جدا“، المبدع جدا، دون أن يدرى، كما سوف نرى إذا وافقتنى على ذلك.
أكتفى اليوم يا سيدى باقتطاف ما أريد التأكيد عليه من نشرة سابقة لأننى وأنا أقرأه اليوم بدا لى جديدا وكأنى لست أنا الذى كتبته
كان ذلك فى نشرة صفحة التدريب رقم (45) العدد رقم 1546 بتاريخ 24-11-2011، انطلاقا من سورة “الإخلاص” (وأنا لا أعرف لم سميت كذلك، ولن أبحث عن ذلك لأننى فرح بهذا الاسم).
المقتطف:
“….بمجرد أن أقرأ “ولم يكن له كفوا أحد” تحضرنى الآية “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ”، فيحضرنى رفض كل من يتعامل مع الوجود الإلهى بفكر مختزل، أو بلفظ لغوى مختنق فى معنى جاء فى معجم أو غيره. أشعر من هذه الآية، كما كان يصلنى من شيخى دائما بهذا الانفتاح الواعد بكل شىء، الرافض لكل قيد، الذى حل فى وعى مولاى النفرى، فسمح له بهذا التلقى، دون ادعاء هبوط الوحى.
“الله الصمد”، انتبهت إلى أننى جعلت سنين طويلة طويلة أردد “الله الصمد” دون أن أحاول أن أرجع إلى معنى كلمة الصمد لا فى أحد المعاجم، ولا فى أى تفسير، حتى ولا فى هامش مصحف به معانى الألفاظ ، يا ترى لماذا؟ لن أجيب لأنى لا أعرف الإجابة، وحين راجعت نفسى الآن جاءتنى بعض الإجابة وهى أن لفظ “الصمد” يفيدنى بما وصلنى منه دون حاجة إلى البحث عن معناه فى غيره، من حيث أنه يصلنى منه تضفر معانى الكمال والاستغناء والتكامل والتناغم فى ذاته بذاته، وكذا معنى الفيض علينا دون الحاجة إلينا، فتحضرنى مباشرة أنه “ليس كمثله شىء”، وأنه سبحانه “لا تأخذه سنة ولا نوم”، فأرجع إلى تعدد الذوات فى التركيب البشرى، وهو الأساس الذى أمارس به مهنتى معظم الوقت، فأعرف معنى الوحدة الغاية، فى مقابل السعى التعدد، فهو الغاية القائمة بذاتها التى تملأ الوعى إلى المطلق دون أن نتعرف إلا على الحركة إليها سعيا، عرفت أن الطريق إليه إنما يكشف عن بعض الطريق التالى إليه، وهكذا، وهكذا، فأتذكر شغل محفوظ الشاغل وبالذات من رواية “الطريق” حتى المعلم عبد الدايم فى أصداء السيرة (فقرة 27) مرورا بزعبلاوى، وأرجح أن هذه السورة (الصمد) حين حضرت هكذا بكلها هى هدية يمكن أن نتعلم منها فى هذا السياق بهذا الجمال من هو نجيب محفوظ الذى اتهم بما اتهم به، غفر الله لمن رحل، وأنار بصيرة من بقى، وجزى شيخنا عنا خيرا.
حضور ربنا فى وعينا بهذه التلقائية كما وصلتنى من هذه الصفحة هو حضور لا يعرفنا بربنا بما نعرفه عن خبره أو عن ما يحكون عنه، حتى أسمائه الحسنى هى أسماء وليست هو. أحضر محفوظ هذه السورة فتجلت لى صورة الكمال فى أقدر وأجمل تجلياته، الآن يحق لى أن استعين بالمصادر: الصمد هو الكامل في علمه، الكامل في حلمه، الكامل في عزته، الكامل في قدرته، إلى آخر ما ذكر في الأثر. وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات لأنه كامل وعلى هذا فيكون المعنى الجامع للصمد هو: الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه – وتفتقر أبداً – جميع مخلوقاته.
أما سورة الناس فقد وردت فى نشرة صفحة التدريب رقم (69) العدد: 1672 بتاريخ29-3-2012
ولم أجد فى نفسى اليوم ما أحتاج إلى تكراره إلا تذكرة بما اقتطفته من كتابى: “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” كالتالى:
المقتطف:
روشتة “الناس”
…………….
…………….
فى أول زيارة له وهو ما زال بالمستشفى سألنى العميد د. الحسيني، ألا تنصح بعقار معين أو إجراء معين؟، فأخبرته بعد تردد: إن أستاذنا عاش طول عمره، يتزود بجرعة محسوبة من “الناس”الأوفياء، ومن عامة الناس، وأن ما يعانى منه الآن هو “فقر ناس“ علينا أن نحترمه كما نتكلم عن فقر الغذاء، وفقر الفيتامينات … الخ،
ضحك د. الحسينى وقال: هل نضيف له على التذكرة جرعة معينة من الناس؟ عدد كذا من الناس ثلاث مرات يوميا مثلا؟ وضحك.
أخذت ضحكته مأخذ الجد، وقلت له: هذا بالضبط ما يحتاجه أستاذنا.
ذلك أن إدارة المستشفى كانت قد منعت الزيارة بعد أن توافد الناس عليه بكل الحب يطمئنون ويتبركون ويدعون بما تيسر، وهو – بتواضع سمعه وبصره معا-، لا يستطيع أن يلاحق كل هذه الإحاطة العاطفية، ناهيك عن الرد على الأسئلة، أو الدخول فى أى حوار مهما قصُـر، وفى نفس الوقت هو بما يتمتع به من أدب ورقة ومجاملة لا يستطيع إلا أن يحاول طول الوقت أن يتابع ويستجيب فأنهك حتى الِعىّ، ربما هذا هو ما دعى المستشفى إلى اتخاذ القرار المعتاد فى مثل هذه الظروف بمنع الزيارة إلا على الأهل وبعض الأصدقاء الذين بالغوا هم بدورهم فى عدم الزيارة حرصا على راحته، ولكنى أدركت، ثم تاكدت، مدى افتقاره للناس، وأنه لا شفاء ولا تقدم إلا بالناس، مع الناس: فكيف السبيل؟
قلت للدكتور الحسينى، نضبط جرعة تعاطى الناس الطيبين، الذين يدركون من هو، وكيف، ونبدأ بالأحوج إليهم فالأحوج، نضبط ذلك بجدول: بالاسم والساعة يوميا،
وقد كان،
…………..
…………..
اتصلت بجمال الغيطانى وأخبرته بالوصفة التى وصفتها للاستاذ، وهى “جرعة كافيه من البشر” الطيبين الملتزمين، واتفقنا على جدول بسيط محكم،….
“…اتصلوا بى من المستشفى، وأبلغونى أنه قد تم تنفيذ تعاطى جرعة الناس كما أشرت (تقريبا). ذهبت واطمأننت من حيث المبدأ”.
وبعد
علاقة محفوظ بالناس تبدأ من رب الناس إله الناس إلى عامة الناس كل الناس.
شكراً يا شيخنا.